GuidePedia

0

الفصل الثاني مراحل إجراء المحاكمة
المبحث الأول: نظام سير المحاكمة و القيام بالمرافعات
تعرف محكمة الجنايات عند رجال القانون بأنها محكمة إجراءات، ذلك لان هيئة المحكمة من قضاة و نيابة ملزمون بالإطلاع الواسع بوقائع القضية، و على معرفة تامة بالقواعد الإجرائية التي تفرض عليهم احترام حقوق هيئة الدفاع، كل هذا من أجل ضمان سلامة الأحكام الصادرة عن المحكمة و إنصافها.
و عليه سنتناول في هذا الفصل و بشكل بسيط أهم القواعد الإجرائية التي يجب مراعاتها خلال جلسة المحاكمة و المرافعات.
المطلب الأول: نظام سير المحاكمة.
تنعقد محكمة الجنايات في المكان و اليوم و الساعة المعينين لافتتاح الدورة و تفتح بدخول الرئيس و القاضيين المحترفين قاعة الجلسات و الجلوس في المكان المخصص لهما فيما يجلس ممثل النيابة العامة على يمين المحكمة و كاتب الضبط على يسارها ثم يعلن الرئيس افتتاح الجلسة و يساق المتهم طليقا من كل قيد إلى المكان المخصص لهذا الغرض بالقاعة و يكون حضور محامي المتهم وجوبيا المادة 292 من قانون الإجراءات الجزائية و إذا لم يحضر المتهم رغم إعلانه قانونيا و دون سبب مشروع وجه إليه الرئيس بواسطة القوة العمومية إنذارا بالحضور فإذا رفض، جاز للرئيس أن يأمر إما بإحضاره جبرا عنه... أو باتخاذ إجراءات المرافعات بصرف النظر عن تخلفه و في هذه الحالة الأخيرة تعتبر جميع الأحكام المنطوق بها في غيبته حضوريا و يبلغ بها مع الحكم الصادر في الموضوع (م 294 من قانون الإجراءات الجزائية) و بعد أخذ المتهم لمكانه في القاعة، يطلب الرئيس من كاتب الجلسة أن ينادي على المحلفين المستدعين المقيدين في القائمة المعدة لهذا الفرض وفقا للمادة 266 من قانون الإجراءات الجزائية و يفصل الرئيس و القضاة أعضاء المحكمة في أمر المحلفين المتخلفين عن الحضور وفقا للمادة 280 الفقرة 03 من قانون الإجراءات الجزائية و إذا تبين و جود من بين المحلفين الحاضرين من لم يستوف الشروط التي تتطلبها المادة 261 من قانون الإجراءات الجزائية أو من يكونوا في حالة عدم الأهلية أو التعارض...،

أمر الرئيس و القضاة أعضاء المحكمة بشطب أسمائهم من الكشف، المادة 281 من قانون الإجراءات الجزائية و يكون الفصل في تلك المسائل بحكم مسبب بعد سماع أقوال النيابة.
ثم يبلغ الرئيس المتهم بأنه ستجري القرعة لسحب أسماء المحلفين الذين سيشكلون المحكمة و يخطره أن له أو لمحاميه الحق في رد ثلاثة محلفين عند استخراج الأسماء من صندوق القرعة و للنيابة العامة الحق في رد المحلفين و في حالة تعدد المتهمين يتم الاتفاق بينهم أو بين محاميهم لمباشرة حقهم في الرد و في حالة اتفاقهم يباشرون منفردين حق الرد حسب الترتيب المعين في القرعة دون أن يمكنهم مباشرة أكثر من رد واحد دفعة واحدة، و دون أن يتعدى عدد المردودين ما هو مقرر لمتهم واحد و بعد ذلك يوجه للرئيس الدعوى للمحلفين المختارين من القرعة للجلوس في الأماكن المعدة لهم و يعلن عن اكتمال تشكيلة المحكمة (3قضاة و محلفين) بعد أن يدعوا المحلفين الاثنين للوقوف لحلف اليمين أمام المحكمة و بعد رفع اليد اليمنى و قراءة صيغة اليمين عليهم المنصوص عليها في المادة 284 من قانون الإجراءات الجزائية و بعد ذلك تقدر المحكمة متابعة إجراءات المحاكمة.
و يجوز لها أن تعقدها سرية إذا ما كان في علانيتها خطر على النظام العام و الآداب (المادة 285 من قانون الإجراءات الجزائية) كما تقرر ما إذا تتم متابعة إجراءات المحاكمة أو تأمر بتأجيلها إن تبين أنها غير مهيأة للفصل فيها. (المادة 303 من قانون الإجراءات الجزائية).
و بعد ذلك إن تقرر متابعة إجراءاتها فيجب مواصلتها إلى أن تنتهي القضية بحكم المادة 285 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية ثم يطلب رئيس المحكمة من كاتب الجلسة أن ينادي على المدعي المدني و الشهود و يخطرهم بالانسحاب إلى القاعة المخصصة لهم (المادة 298 من قانون الإجراءات الجزائية) ثم يطلب الرئيس من كاتب

الجلسة تلاوة قرار الإحالة و بعد تلاوة قرار الإحالة يبدأ في استجواب المتهم و إذا أراد المتهم أو الدفاع عنه إبداء أوجه المنازعة في صحة الإجراءات التحضيرية فعليه أن يودع مذكرة وحيدة قبل المرافعة في الموضوع و إلا قضى بعدم قبولها.
وتفصل فيها المحكمة بدون مشاركة المحلفين بعد سماع ممثل النيابة العامة ( المادة 298 من قانون الإجراءات الجزائية) و بعد استجواب المتهم يقدم أدلة الإثبات إن وجدت فيما توجه أسئلة المساعدين من القضاة و المحلفين عن طريق الرئيس ثم يفتح المجال للنيابة العامة بتوجيه الأسئلة مباشرة على المتهم كما يجوز لمحامي المتهم توجيه الأسئلة إليه أو إلى باقي المتهمين عن طريق الرئيس (المادة 287 من قانون الإجراءات الجزائية).
و بعد انتهاء مرحلة استجواب المتهم، يأمر الرئيس بإحضار الشهود واحدا بعد الآخر لسماع أقوالهم بعد أدائهم اليمين القانونية و بينما يجوز لممثل النيابة العامة توجيه الأسئلة مباشرة للشهود، يجوز للمتهم و المدعي المدني أو محاميهم توجيه الأسئلة لهم بواسطة الرئيس (المادة 288/ف1 من قانون الإجراءات الجزائية) و بعد ذلك يتم عرض تقارير الخبراء فإن كان الخبير حاضرا كلفه الرئيس بعرض نتائج أبحاثه و فتح المجال بعد ذلك للأطراف و محاميهم لتوجيه الأسئلة للخبير ثم يتلو الرئيس نتائج الخبرة العقلية و البحث الاجتماعي للمتهم و يتم سماع المدعي المدني و محاميه (م.304/ف1 من قانون الإجراءات الجزائية). و بعد إتمام الإجراءات تفتح المرافعات.
المطلب الثاني: مرحلة القيام بالمرافعات.
وفقا لأحكام المادة 304 قانون الإجراءات الجزائية فإنه متى انتهى التحقيق بالجلسة سمعت أقوال الطرف أو محاميه. و تبدي النيابة طلباتها و يعرض المحامي و المتهم أوجه الدفاع، و يسمح للمدعى المدني و النيابة العامة بالرد، و لكن الكلمة الأخيرة للمتهم و محاميه دائما.
- واضح من هذه المادة أنها رتبت المرافعات ترتيبا حصريا يجب إتباعه، و هذا الترتيب جاء وفق ما يلي:
- استجواب المتهم:
يعرض رئيس الجلسة ملخصا عن وقائع التهمة على المتهم بعد التحقيق من هويته ثم يستمع إلى تصريحاته عن الأوضاع و الظروف التي وقعت فيها الجريمة و الوسائل المستعملة في ارتكابها يتخلل هذا التصريح استجواب لرئيس المحكمة من حين لآخر كما يتبين من الدوافع و الأسباب التي أدت به إلى ارتكابها مستشهدا بأدلة الإثبات المقدمة ضده و الحجج التي تثبت إسنادها إليه.
حيث ليس بإمكان أي أحد سواء من هيئة المحكمة أو هيئة الدفاع أن يقاطع رئيس المحكمة عن الاستجواب و التحقيق مع المتهم، و على عكس ذلك فإنه عند انتهاء الرئيس من إجراء تحقيقه و استجوابه للمتهم، يجوز لهيئة الدفاع أو ممثل النيابة العامة طرح ما يشاءون من الأسئلة الجدية و المفيدة قصد إخبار الحقيقة أو لحماية مصالح أطراف الدعوى على أن تمر أسئلة هيئة الدفاع و المحلفون و قضاة المحكمة على رئيس الجلسة و التي يحيلها بدوره إلى المتهم، و يجب أن تتضمن إعادة الأسئلة التي سبق لرئيس المحكمة أن تطرق إليها عند استجواب المتهم. بينما بإمكان و كيل النيابة العامة فقد خوله القانون حرية توجيه السؤال مباشرة إلى المتهم.
- سماع شهادة الشهود و تصريح الخبراء:
بعد الانتهاء من سماع تصريحات المتهم و التحقيق معه فيما يخص الوقائع الجرمية في ظروف ارتكابها و ملابساتها، يأمر رئيس محكمة الجنايات كاتب الضبط بالمناداة على الشهود قصد إحضارهم إلى الجلسة واحدا واحدا و ذلك لسماع أقوالهم حول الوقائع المنسوبة للمتهم أو المتهمين و يتعين على الرئيس معرفة درجة القرابة أو علاقة التبعية بين الشاهد و المتهم، ثم يطلب منه أداء اليمين القانونية فيقسم بالله أن لا يقول إلا الحق دون خوف أو حقد.

و بعد ذلك يطلب منه رئيس المحكمة الإدلاء بشهادته أمام هيئة المحكمة حسب ما رأى أو سمع عن وقائع الجريمة و حسب علمه بعلاقة الجريمة و المتهم من حيث الإسناد، و عن كيفية وقوعها و ما استعمله المتهم من وسائل في تحقيق النتيجة، و يلتزم كل من النيابة العامة و القضاة و الدفاع بعدم مقاطعة الشاهد أثناء الإدلاء بشهادته كما لهم الحق في توجيه ما يرونه من الأسئلة التي من شأنها أن تزيد القضية وضوحا.
كما لهم أن يعقبوا على أقوال الشاهد إذا كان فيها ما يتناقض من أقوال، و يبقى الرئيس دائما هو الذي يستقبل الأسئلة ثم يحيلها إلى المتهم إلا الأسئلة التي تطرحها النيابة العامة على الشاهد فتكون مباشرة حيث استثناها القانون عن بقية الأطراف و مهما يكن فإن السلطة التقديرية للرئيس تمنحه تقييم الأسئلة من حيث اللزوم و الجدية فيحيل بعضها، كما له أن يلفت انتباه وكيل النيابة العامة إذا ما أراد هذا الأخير أن يمارس نوعا من الضغوط على الشاهد، أو يطرح أسئلة بعيدة عن الموضوع.
و تجدر الإشارة أن الشهود الذين لهم علاقة بالمتهم لا يوجه لهم اليمين بل تسمع أقوالهم على سبيل الاستدلال.
- سماع أقوال الضحية:
عادة ما يكون الاستماع إلى الضحية قبل السماع للشهود في محكمة الجنايات. حيث يدلي بتصريحاته المتعلقة بالوقائع، بالمكان و الزمان و الكيفية التي وقعت بها النيابة و يتم هذا بحضور المتهم و ممثل النيابة، اللذان يسمح لهما بطرح بعض الأسئلة المتعلقة بالقضية عن طريق رئيس المحكمة الذي تبقى له سلطة تقييم الأسئلة من حيث قبولها أو رفضها و تصريحات الضحية غالبا ما تكون مدعمة لادعاءات النيابة العامة من حيث توجيه الاتهام و إثبات الجريمة ضد المتهم.

- و نلاحظ أن الضحية عند سماع أقواله لم يفصل في صفته القانونية، هل هو شاهد أو بصفته مدعيا مدنيا. خاصة و أنه يصبح طرفا في الدعوى المدنية التي تخصص لها جلسة منفصلة عن جلسة الفصل في الدعوى الجزائية.
و جرت العادة على منح المحكمة للضحية فرصة التعرض إلى عناصر الدعوى العمومية قبل سماع الشهود، ثم تمنحه صفة الإدعاء مدنيا قبل مرافعة النيابة العامة، لذلك سيظل اللبس بشأن صفة الضحية قائما فيما إذا سوف يقبل ادعاؤه مدنيا رغم أنه سبق و أن قدم شهادته ضد المتهم، خاصة و أن سبق للضحية أن أعلن لقاضي التحقيق أنه يرغب في الإدعاء مدنيا في طلب التعويض الذي يزعم أنه لحقه جراء الضرر الناتج عن الجريمة فهل يجوز للمحكمة ساع شهادته خلال جلسة مناقشة الدعوى العمومية.
و هنا التعارض قائم مع نص المادة 243 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن الشخص الذي يدعي مدنيا لا يجوز سماعه كشاهد.
- سماع مرافعة النيابة العامة:
يختلف دور النيابة العامة في محكمة الجنايات عن دورها أمام محكمة الجنح و المخالفات اختلافا كبيرا. ذلك بسبب كثرة الإجراءات و تعددها في محكمة الجنايات، و أن حكم المحكمة فيها لا يسبب لأنه مبني على الاقتناع الذاتي للقضاة و المحلفين و يعتبر دور النيابة العامة مهم جدا، لأن القانون خول لها مسؤولية تحريك الدعوى العمومية، و كذا تمثيل المجتمع و الدفاع عن مصالحه و مكاسبه، أضف إلى ذلك أن القانون حمل ممثل النيابة تقديم أدلة الإثبات و أدلة نسب التهمة إلى المتهم، و يقابلها في ذلك القرينة الدستورية القائلة بأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لذلك و من أجل تجنب وضعه في موضع حرج و في موقف الخصم الضعيف الذي لا يستطيع إثبات وجوده وجب عليه الإطلاع الجيد على ملف القضية ومتابعة سير إجراءات الدعوى، و التأكيد من قوة وسائل الإثبات و صحتها.

و تعطى الكلمة لممثل النيابة العامة بعد استجواب المتهم و بعد سماع شهادة الشهود و تكون المرافعة بشأن الدعوى العامة من حيث توافر أركانها العامة المادية و المعنوية و القانونية، و تحاول دائما دعم الأدلة و استغلال كل ما يمكن أن يثقل كاهل المتهم سواء من شهادة الشهود أو أقوال المدعى المدني أو من أدلة الإثبات الموجودة بالملف و محاضر التحقيق و ينتهي تدخل النيابة العامة باقتراح العقوبة وفقا لمواد القانون و العقوبات المتابع بها المتهم، و في حالة تعدد المتهمين في قضية واحدة تطلب تطبيق العقوبة لكل واحد منهم حسب ما نسب إليه من أفعال.
- سماع دفاع المتهم:
المتهم أمام محكمة الجنايات هو أمر وجوبي و لا يجوز محاكمة الجاني دون محام يقف إلى جانبه يساعده و يتولى الدفاع عنه و لهذا فإن القانون قد كلف رئيس محكمة الجنايات بموجب المادة 271 من قانون الإجراءات الجزائية أن يقوم باستجواب المتهم قبل جلسة المرافعة بثمانية أيام على الأقل و أن يطلب منه اختيار محامي لمساعدته في الدفاع عن نفسه ضد التهمة الموجهة إليه، و إن لم يختر بسبب فقره أو عجزه فانه يجب على رئيس المحكمة أن يعين له محاميا من تلقاء نفسه ’ غالبا ما يتم اختيار المحامي من المحامين المقيمين بمقر محكمة الجنايات حتى يسهل عليه الاتصال بالمتهم في الوقت المناسب و يسهل عليه الإطلاع على الملف خلال الوقت المناسب و يسهل عليه الإطلاع على الملف خلال الوقت الكافي’ و ذلك أن إصدار حكم اثر إجراءات محاكمة لم يحضرها محامي تجعله حكما باطلا و يمكن نقضه و إلغاوْه.
-أما ما يبعث على الحسرة و الأسف فهو أنه و إن كان لا يجوز انكار ما يقدمه بعض المحامين من مجهودات للدفاع عن المتهم و لمساعدة المحكمة على إظهار الحقيقة تستحق الشكر فان هناك منهم من لا يكلف نفسه عناء الاتصال بالمتهم و لا الإطلاع على ملف الدعوى إلا قبل يوم واحد أو يومين أو قبل ساعات فقط من ساعة افتتاح الجلسة و هنا على ما نعتقد لا يحقق الهدف من ضمان ممارسة حق الدفاع بل و يتنافى مع الضمير المهني

للمحامي و لا يتناسب مع الثقة التي وضعها المشرع في المحامي حينما أوجب ألا يحاكم الجاني إلا بحضور المحامي المختار من قبل المحكمة أو المتطوع.
- سماع تعليقات النيابة و الدفاع:
لقد نصت المادة 304 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بالقانون رقم 82-03 على أنه متى انتهى التحقيق بالجلسة سمعت أقوال المدعى المدني أو محاميه و تقدم النيابة العامة طلباتها ثم يعرض المحامي و المتهم أوجه الدفاع ’ و يسمح للمدعى المدني و النيابة بالرد و لكن للمتهم و محاميه دائما الكلمة الأخيرة.
و من تحليل أحكام هذه المادة نستطيع أن نفهم أن نفهم أن القانون رتب إجراءات المرافعة بحيث قرار الشروع باستجواب المتهم و التحقيق معه و متى انتهى التحقيق يأتي دور المدعى المدني و محاميه إن وجد فيدلي بتصريحاته و طلباته ثم يأتي دور النيابة العامة فترافع في موضوع الدعوى الجزائية.
و أخيرا يأتي دور محامي المتهم فيقدم مرافعاته و دفوعه ’ و لكن و قبل إعطاء الكلمة للمتهم باعتبار أن الكلمة الأخيرة تكون دائما بحكم القانون فإنه يجوز لكل من المدعى المدني و ممثل النيابة العامة أن يعقب على كلام محامي المتهم و أن يرد أو يعلق على ما اثاره أثناء مرافعته كما يجوز للنيابة أن يعقب على كلام محامي المتهم و أن يرد أو يعلق على اثاره أثناء مرافعته كما يجوز للنيابة أن تتناول الكلمة للتعقيب على ما ورد في دفاع المحامي ’ مع الملاحظة أن كل ذلك يسمح تحت رقابة رئيس المحكمة الذي يتمتع بسلطة تسيير الجلسة و بصلاحية منع الرد و التعقيب على التعقيب كلما كان ذلك غير مجدي.
- سماع المتهم و محاميه في كلمة أخيرة:
لقد حددت المادة 304 السالف ذكرها بأن يكون المتهم هو آخر المتدخلين و هو صاحب الكلمة الأخيرة و الغرض المشرع من ذلك هو نيته في ضمان حق المتهم في ممارسة حق دفاعه و تأتي كلمة المتهم أو المتهمين واحدا تلو الآخر بطلب من الرئيس، هل لديك
ما تضيف لدفاعك؟ فيجيب كل واحد على هذا السؤال حسب معرفته و مدى التأثير الذي تركته المرافعة و إجراء المحاكمة في نفسه.
و نشير أن تجاهل المحكمة لحق المتهم في الكلمة الأخيرة لسبب أو لآخر كأن تكون مثلا ناتجة عن استفزازات الضحية، أو الدوافع الوحشية للمتهم التي جعلته يقوم بالجريمة من شأنها تعرض قرار المحكمة بصفة عامة للنقض و مثال على ذلك ما صدر عن المحكمة العليا في القضية رقم 63270 حيث نقض بموجبه حكما صادرا عن محكمة الجنايات بمجلس الشلف جاء فيه ــ حيث أن الحكم المطعون فيه لم يشر إلى أن الكلمة الأخيرة كانت للمتهم ــ. حيث أن هذا الإغفال يشكل خرقا لقاعدة جوهرية و مسا بحقوق الدفاع فإن ذلك ينجر عنه النقض.
المطلب الثالث: إجراءات ما بعد انتهاء المرافعات.
إن التحضير للفصل في الدعوى يتطلب إجراءات تقوم بها المحكمة قبل الانتقال إلى غرفة المداولة بالإضافة إلى الإجراءات التي تتم أثناء فترة المداولة و تتعلق بإعادة مناقشة الوقائع و مدى مطابقة النصوص المطبقة بشأنها تمهيدا للفصل فيها:
الفرع الأول : إقفال باب المرافعة.
يقرر الرئيس إقفال باب المرافعات , و يقوم هو شخصيا أو يكلف أحد من القضاة بقراءة الأسئلة التي ستطرح للمناقشة و التصويت في قاعة مداولة محكمة الجنايات و لا يطرح هنا في الجلسة السوْل المتعلق بالظروف المخففة و إلا كان قد أظهر اتجاه نيته بإدانة المتهم .
و تستخرج هذه الأسئلة من منطوق قرار الإحالة و يمكن أن يقدم الرئيس أسئلة احتياطية يطرحها هو تلقائيا أو بطلب من النيابة أو من الدفاع و ذلك بعد مناقشتها.
- و تتم صياغة الأسئلة حسب ما هو مبين من أحكام المادة 305 قانون الإجراءات الجزائية لكل واقعة سوْا ل و لكل ظرف مشدد سوْالا و لكل عذر قانوني وقع التمسك به سوْ الا مستقلا و متميزا .

و إذا كان الظرف المشدد غير مأخوذا من قرار الإحالة و جب على المحكمة طرحه مسبقا للمناقشة و سماع الدفاع و طلبات النيابة حتى و لو انسحبت المحكمة للمداولة و مهما يكن من أمر فإنه لا ينبغي أن يتضمن السوْال الواحد واقعتين أو ظرفين متميزين و لا يمكن أن يتصف بالغموض إذ يتعذر على أعضاء المحكمة فهمه و الإجابة عليه بالنفي بالإيجاب.
و بعد قراءة الأسئلة يتلو الرئيس قبل مغادرة قاعة الجلسة التعليمة الموجهة لأعضاء المحكمة من المحلفين و القضاة المهنيين و المنصوص عليها في أحكام المادة 307 قانون الإجراءات الجزائية باعتبار أن أعضاء محكمة الجنايات يوْسسون حكمهم على اقتناعاتهم الشخصية.
و على اثر ذلك يأمر الرئيس العون المكلف بالمحافظة على النظام بإخراج المتهم من قاعة الجلسات و بحراسة المنافذ الموْدية إلى غرفة المداولات و منع كل واحد الدخول إلا بإذن من الرئيس و يعلن هذا الأخير عن رفع الجلسة و انسحاب المحكمة للمداولة.
الفرع الثاني : إجراءات المداولة بشأن الدعوى الجزائية
قبل انسحاب المحكمة إلى المداولة يأمر الرئيس ينقل الملف لوضعه تحت تصرف أعضائها حيث يخول لهم القانون الإطلاع على كل وثيقة أو أي دليل آخر بأوراق القضية و يتداول أعضاء المحكمة في كل واقعة و يصوتون بالاقتراع السري على كل سوْال بالنفي أو الإيجاب و بنفس الطريقة عن كل سوْال يتعلق بالظروف المشددة و تصدر جميع الأحكام بالأغلبية حسب أحكام المادة 309 ف2 قانون الإجراءات الجزائية فإذا قررت هذه الأغلبية بأن المتهم غير مدان لعدم ثبوت ركن من أركان الجريمة أو لانقضاء الدعوى العمومية لسبب من الأسباب فيكون الحكم بالبراءة أو بإعفاء المتهم من العقاب إذا كان هناك عذر قانوني.
و في حالة ثبوت الإدانة من خلال الإجابة على الأسئلة تتداول المحكمة من جديد و بنفس الطرقة في تحديد العقوبة و ذلك بعد طرح الرئيس السوْال حول الظروف المخففة و الإجابة عليه بالإيجاب يكون لها دور فعال ي تحديد العقوبة لصالح المتهم.
المبحث الثاني : كيفية النطق في الحكم في الدعوى الجزائية .
المطلب الأول : إحضار المتهم و تلاوة الأسئلة و الأجوبة.
بعد الانتهاء من إجراءات المداولات و الاتفاق على الحكم المناسب و تدوينه في ورقة الأسئلة تعود هيئة المحكمة إلى قاعة الجلسات, و بعد جلوسهم في المنصة الخاصة بهم يأمر رئيس المحكمة استمرار الجلسة كما يأمر المكلف بحفظ النظام و بإحضار المتهم إلى قاعة الجلسات , و عندما يعود يخبره بأنه سوف يبدأ بتلاوة الأجوبة عن الأسئلة التي توصلت إليها المحكمة بعد المداولات , ثم يبدأ في تلاوة الأسئلة و الأجوبة التي اقترحت لها.
المطلب الثاني : النطق بالحكم في الدعوى العمومية.
بعد المداولة في الجانب الجزائي تستأنف الجلسة و يتلوا الرئيس بصورة علانية الإجابات عن جميع الأسئلة التي طرحت على هيئة المحكمة التي تمت عليها الإجابة بالأغلبية بنعم أولا ثم يصرح بالعقوبة مع ذكر النصوص القانونية في حالة الإدانة أو بالبراءة , و في هذه الأخيرة يجب أن تكون الأسئلة المطروحة و الإجابة المعطاة عنها سائغة منطقيا و مقبولة قانونيا بحيث إذا أجاب أعضاء المحكمة بالنفي و بأغلبية الأصوات على الأسئلة التي طرحت عليهم و قضوا ببراءة المتهم فلا يصبح للنيابة العامة أن تطعن بالنقض في حكمهم على أساس أن الوقائع ثابتة لأن ذلك يعتبر مجادلة في الموضوع و في اقتناع المحكمة , و يفرج عن المتهم في الحين ما لم يكن محبوسا لسبب آخر , و ينبه المتهم المحكوم عليه أن له مدة ثمانية أيام للطعن في الحكم الصادر ضده و هذا ما نصت عليه المادة 313 قانون الإجراءات الجزائية .
و تنتهي بذلك الدعوى العمومية و ترفع الجلسة .
و بعد أن تفصل المحكمة في الدعوى العمومية بإدانة المتهم يطلب الرئيس من المحلفين الانسحاب من التشكيلة طبقا لما جاء في المادة 316 قانون الإجراءات الجزائية. فإذا ثبت

أن المحكمة فصلت في مسألة مدنية بحضور المساعدين المحلفين فإن حكم المحكمة باطلا. و تفتح الجلسة للنظر في الطلبات المدنية.
المطلب الثالث: إقامة الدعوى المدنية و الفصل فيها.
لقد جاء في المادة 316 قانون الإجراءات الجزائية أنه بعد أن تفضل المحكمة في الدعوى العمومية تفصل دون اشتراك المحلفين في طلبات التعويض المدني المقدمة سواء من المدعي المدني ضد المتهم أو من المتهم المحكوم ضد المدعي المدني، و تسمع أقوال النيابة العامة و أطراف الدعوى. و من تحليل هذا النص يتضح لنا أن محكمة الجنايات بعد أن تفرغ من إجراء الفصل في الدعوى الجزائية و النطق بالحكم تعلن انتهاء جلسة الدعوى العامة فتسرح المحلفين ثم تعلن عن افتتاح جلسة الدعوى المدنية و تحيل الكلمة مباشرة إلى الضحية المدعى مدنيا أو إلى ممثله أو محاميه بعد أن يكون قد سبق له و تأسس طرفا مدنيا أثناء نظر الدعوى العامة و قبل أن تشرع النيابة العمة في مرافعاتها بشأن الموضوع، و سينحصر دور المدعى المدني هنا في إثبات الضرر و قيمته.
و إثبات الوقائع الجرمية المنسوبة إلى المتهم ثم إثبات كون هذا الضرر ناتجا مباشرة على الأفعال الجرمية موضوع المتابعة . و من ثمة تحيل الكلمة إلى المدعى عليه مدنيا سواء كان هو المتهم نفسه باعتباره مسئولا عن فعله الشخصي الخاطئ الذي يلحق الضرر بالغير وفقا للمادة 124 من القانون المدني، أو كان غيره باعتباره مسئولا مدنيا عن أفعال الغير وفقا لأحكام المادة 136 من القانون المدني ، باستثناء التعويض عن الضرر الناتج عن حوادث السيارات فإنه تحكمه القواعد الخاصة المنصوص عليها في الأمر رقم 74-15 المتعلقة بإجبارية التأمين على المركبات و مكملاته و تعديلاته.
ثم بعد سماع كل من المدعي و المدعى عليه مدنيا أو محاميهما تعطى الكلمة إلى النيابة العامة لتقديم ملاحظاتها و طلباتها إن كانت لها طلبات. و إذا كانت النيابة قد أثارت أمورا
يمكن أن تضر بمصالح المدعي المدني فإنه يجوز للمحكمة أن تسمح للمدعي المدني أو محاميه بالتعقيب على أقوال النيابة و كذلك الحال بالنسبة للمسئول المدني المدعى عليه.
- كما نصت الفقرة الثانية من المادة 316 السالف ذكرها على أن يجوز للمدعي المدني في حالة البراءة كما في حالة الإعفاء من العقاب أن يطلب تعويض الضرر الناشئ عن خطأ المتهم الذي يخلص من الواقع موضوع الاتهام فإن الفقرة السابقة لها قد نصت على أنه بعد أن تفصل المحكمة في الدعوى العامة تفصل في طلبات التعويض المقدمة من المتهم المحكوم ببراءته ضد لمدعي المدني. و معنى ذلك أنه إذا كانت المحكمة قد قضت بإدانة المتهم و الحكم عليه فمن الطبيعي أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية و تجيب سلبا أو إيجابا عن طلبات المدعى المدني ولا تحكم بعدم الاختصاص سواء كان حكمها بالبراءة أو بالإدانة أو بالإعفاء من العقاب، و لكن إذا كانت محكمة الجنايات قد قضت ببراءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه و زعم هذا المتهم بأنه قد تضرر من الاتهام الذي مارسه المدعى المدني ضده فإن من حق المتهم أن يطلب تعويضا عن هذا الضرر، و من واجب المحكمة أن تفصل فيه سلبا أو إيجابا. و يكفيها فقط أن يثبت لديها توفر الضرر و توفر العلاقة السببية بينه و بين إجراءات الإدعاء المدني.
- و بعد النطق بالحكم في الدعوى المدنية تقوم المحكمة بتنبيه المتهم المدعى عليه مدنيا في حالة الحكم عليه بالتعويض بأن له الحق في الطعن بالنقص في هذا الحكم خلال أجل مدته ثمانية أيام كاملة من يوم النطق به. و في الختام يعلن الرئيس إنهاء الإجراءات و رفع الجلسة.

المبحث الثالث : طريقة الطعن في الحكم.
النقض طريق غير عادي, و هو لا يجوز في أي حكم بل في بعض الأحكام الصادرة نهائيا من المحاكم العادية, و لا يقصد منه تحديد نظر النزاع أمام محكمة النقض, بل إلغاء الحكم المطعون فيه بسبب مخالفته للقانون, تجيز الطعن , فقد جاءت حالات النقض على سبيل الحصر من 495 إلى 530 من قانون الإجراءات الجزائية. الجزائري و استنادا إلى نص المادة 495 2ف من قانون الإجراءات الجزائية نجد أن المحاكم و المجالس القضائية الصادرة في آخر درجة أو المحكوم فيها بقرار مستقل في الاختصاص يجوز الطعن فيها بالنقض, من هذا يتضح جليا أن طريقة الطعن في أحكام محكمة الجنايات هو النقض.
المطلب الأول : الأوجه التي يبنى عليها الطعن بالنقض.
هذه الأوجه حددتها المادة 500 من قانون الإجراءات الجزائية المتمثلة في عدم الاختصاص و تجاوز السلطة, و مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات, بالإضافة إلى انعدام الأساس القانوني للحكم, و إغفال الفصل في وجه طلب أو في أحد طلبات النيابة العامة, تناقض القرارات الصادرة من جهات قضائية مختلفة في آخر درجة أو التناقض فيما قضى به الحكم نفسه أو القرار, مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه, و انعدام الأساس القانوني.و سنتعرض لأوجه النقض بنوع من التفصيل.
عدم الاختصاص :
يدخل عدم الاختصاص ضمن أهم الأوجه التي يمكن أن يثار بشأنها الطعن بالنقض و ذلك لكونها تعتبر من النظام العام و من ثم يجوز التمسك به لأول مرة أمام المحكمة العليا.
و المقصود بعدم الاختصاص بمفهومه الواسع أن القرار المطعون فيه صادر من جهة قضائية ليست لها سلطة إصداره أو قضى بعدم الاختصاص في حين أن القانون خول له حق الفصل في الدعوى.

فالاختصاص معناه مباشرة سلطة القضاة لنظر دعوى معينة في الحدود التي يرسمها القانون لذلك يتعين على الجهة المعروضة عليها الدعوى أن تحترم قواعد الاختصاص التي وضعها المشرع لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة و بحسن سير العدالة.
تجاوز السلطة :
من القواعد العامة أن القرارات و الأحكام يجب أن تكون متصلة بالوقائع التي رفعت بها الدعوى و إلا تتعداها و يتحقق تجاوز السلطة عندما تباشر جهة الحكم إجراءات غير مخول لها مباشرتها كأن تصم نفسها للنيابة العامة في ملاحقة المتهم , لأن في تجاوز السلطة خرق للآثار القانونية المتعلقة بطرق الطعن كقرار غرفة الاتهام الذي يتصدى للموضوع مع أن المسألة المعروضة عليه تتعلق بالحبس الاحتياطي فقط.
مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات :
ترتبط القواعد الجوهرية بحسن سير الجهاز القضائي و هي مصلحة عامة للمجتمع و تحدث هذه المخالفة سواء أثناء مرحلة المحاكمة و نجد من ذلك قواعد تنظيم المحاكم و الاختصاص أو ما يتعلق بمصلحة الخصوم كالتكليف بالحضور أو إبلاغ الأوامر إذا كان مبدأ سلطان الإرادة هو الذي يحكم التصرفات القانونية و أن الشكل فيها هو الاستثناء فالأمر إذا كان مبدأ سلطان الإرادة هو الذي يحكم التصرفات القانونية و أن الشكل فيها هو الاستثناء فالأمر بخلاف ذلك بالنسبة للإجراءات الجنائية التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بتوقيع الجزاء على المجرم و تحقيق المصلحة للمتهم, و المجني عليه في ضمان حقوقهم و تأمين مقاضاة عادلة.
الانعدام أو القصور في التسبيب :
يعتبر التعليل أو تسبيب الأحكام من المسائل الجوهرية إذ ينبغي على القضاة تبيان الحجج التي يبنى عليها الحكم بعد التحليل على وجه الدقة الأدلة و الوقائع و الوصف القانوني لها و ينبغي على القاضي أن يبين الوسائل التي توصل بها إلى ثبوت أوعدم ثبوت الوقائع
التي من أجلها أصدر حكمه لفائدة أو ضد المحكوم عليه باعتبار أن تسبب الأحكام يعد من المكونات الأساسية للحكم أو القرار الصادر عن أي جهة قضائية.
الإغفال عن الفصل في طلبات الأطراف :
يلزم القانون القضاة على مختلف المستويات الرد عن دفوع و طلبات أطراف الخصومة سواء بحكم خاص أو بمناقشتها و الإجابة عليها مع الحكم النهائي و كل سهو أو إغفال أو امتناع يعرض الحكم للبطلان.
التناقض بين القرارات :
تنص المادة 500-6 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه تناقض القرارات الصادرة من جهات قضائية مختلفة في آخر درجة أو التناقض فيما قضى به الحكم نفسه أو القرار و من أمثلة ذلك إصدار قاضي التحقيق أمر نهائيا بانتقاء وجه الدعوى لفائدة شخص معين ثم بعد عرض الملف على غرفة الإتهام توجه من جديد اتهاما لنفس الشخص و على نفس الوقائع, و قد يستخلص التناقض في حكم واحد أو قرار واحد عندما تتعارض الحيثيات مع الأدلة الموجودة بملف الدعوى أو عندما تتناقض الأسباب التي تبنى عليها الحكم فيما بينها.
مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه :
و تتمثل حالة مخالفة القانون عندما يحكم القاضي بعقوبة غير قانونية أو عندما يطبق نصا على الوقائع تم إلغاوْه أو عندما يتصدى إلى حكم أصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به.
انعدام الأساس القانوني :
تكون حالة انعدام الأساس القانوني وجها من وجوه الطعن بالنقض و يتحقق ذلك عندما يحكم القاضي حكما مبنيا على أساس وقائع مخالفة لما هو ثابت من مستندات و أوراق القضية . أو على افتراضات مخالفة للقانون قرار صادر يوم 21 ديسمبر 1982 من الغرفة الجنائية الأول في الطعن رقم 30286 و من صوره كذلك ألا يتضمن قرار

الإحالة إلى محكمة الجنايات الاتهامات الموجهة إلى المتهمين و النصوص القانونية المطبقة عليها (قرار صادر يوم 7 مايو1985 من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 37941 المجلة القضائية العدد 1 سنة 1990 صفحة 238) و من صوره في الأخير أن يستند القاضي في حكمه على أدلة غير مشروعة لم يتم الحصول عليها وفق قواعد الأخلاق و في هذا المعنى قضي بأنه لا يجوز الاستناد إلى دليل استمد من إجراء باطل لأن ما بني على الباطل فهو باطل.
كما أنه حدد ميعاد الطعن بالنقض الذي هو عادة ثمانية (08) أيام بالنسبة للنيابة و أطراف الدعوى، وإذا كان اليوم الأخير عطلة امتد الميعاد إلى أول يوم من العمل، و يسري هذا الميعاد من يوم النطق بالحكم بالنسبة لمن حضر في هذا اليوم من أطراف الدعوى أو بالنسبة لمن حضر نائبا عنهم.
- و يسري الميعاد من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه في حالة الحضور الاعتباري طبقا للمادة 345-347-350 من قانون الإجراءات الجزائية.
- و في الحالات الأخرى و بالأخص بالنسبة للأحكام الغيابية فإن هذه المهلة لا تسري إلا من اليوم الذي تكون فيه المعرضة غير مقبولة (المادة 498/2 من قانون الإجراءات الجزائية).
- و طبيعي أن المقصود بالمادة 498/2 من قانون الإجراءات الجزائية الأحكام الغيابية الصادرة من المجلس القضائي فإذا فوت أصحاب الشأن ميعاد المعارضة فيها أو قضى معارضتهم باعتبارها كأن لم تكن أصبح الحكم الصادر من المجلس القضائي نهائيا، و يبدأ ميعاد الطعن فيه بالنقض من تاريخ انقضاء المعارضة أو من تاريخ الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن.
- أما الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى فالقاعدة العامة أنه لا يجوز الطعن بالنقض في حكم، إذا كان يجوز الطعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف و لا يمكن

الجمع بين الطعن بالنقض و بين الطعن بطريق عادي لأنه طريق غير عادي في الأحكام الجنائية.
- و يسري حكم المادة 498 من قانون الإجراءات الجزائية على طعن النيابة إذا ما حكم بالإدانة وإذا كان أحد أطراف الدعوى مقيما بالخارج فتزداد مهلة الثمانية أيام إلى شهر.
المطلب الثاني: شكل و إجراءات الطعن بالنقض.
حتى يكون الطعن المقدم من طرف الطاعن مقبولا من المحكمة العليا يجب على الطاعن إتباع خطوات معينة قبل نظر المحكمة العليا طعنه بداية بتقرير الطعن و إيداع هذا التقرير في المواعيد المحددة قانونا ثم دفع الرسم القضائي إلا إذا كان معفى منها وصولا إلى إيداع مذكرة الأسباب لتنظر بعد ذلك هيئة المحكمة العليا في الطعن في جلسة علنية و سنحاول تتبع الخطوات التالية:
التقرير بالطعن في النقض:
نظمه المشرع في المادة 504 قانون الإجراءات الجزائية بأن يتم الطعن بتقرير في قلم كتاب الجهة التي أصدرت القرار المطعون فيه من قبل صاحب الحق بنفسه أو بواسطة وكيل خاص مفوض عنه بالتوقيع شريطة أن يرفق التوكل الخاص بمحضر التقرير و عليه فإن التقرير بالطعن يمكن أن يتم شفهيا كما يمكن أن يتم كتابة و متى حصل ذلك حرر كاتب الضبط محضرا بذلك يشتمل على اسم الطرف الطاعن و اسم وصفة المصرح به و على بيان القرار المطعون فيه و الجهة التي أصدرته و تاريخ النطق به أو تبليغه، و توقيع المصرح بالطعن أو بالإشارة أنه لا يستطيع ذلك و توقيع الكاتب الذي تلقى التصريح.
* بالنسبة للنيابة العامة فيحصل طعنها من قبل النائب العام لدى المجلس القضائي شخصيا أو من أحد مساعديه عن طريق التصريح برغبته في رفع الطعن أما الكاتب المختص الذي يقوم في الحال بتدوين رغبته في محضر، أو إذا تم التصريح بالطعن من قبل محام أو الوكيل الخاص

المفوض بحق رفع الطعن، وقع المحضر من قبل المصرح به. وإذا كان المتهم يقيم خارج البلاد فإنه يجوز له أن يرفع الطعن بواسطة رسالة أو برقية يوجهها إلى كتابة الضبط التابعة للمجلس الصادر عنه القرار المطعون فيه.
غير أن طعنه هذا لا يكون له أثر إلا وقع التصديق عليه من قبل محام مقبول لدى المحكمة العليا في أجل الشهر المقرر بموجب المادة 498 قانون الإجراءات الجزائية.
و إذا كان المتهم محبوسا فإنه يجوز له رفع الطعن إما بواسطة محام أو وكيل خاص لرفع الطعن بدلا عنه، وإما بالتقدم إلى كاتب مختص يتلقى الطعون الموجودة بمؤسسة إعادة التربية المحبوس بها و يصرح أمامه برغبته في رفع الطعن فيقوم هذا الأخير بتسجيل تصريحه وإما بتوجيه رسالة إلى كتابة الضبط بالمحكمة العليا يعلن فيها عن رغبته في الطعن تحت إشراف رئيس السجن الذي يتعين عليه في هذه الحالة أن يصادق على تاريخ تسليم الرسالة إليه.
- دفع الرسم القضائي:
لقد أوجب المشرع على الطاعن أن يسدد وقت رفع الطعن رسما قضائيا، و بامتناع الطاعن عن دفعها فإن كان طعنه غير مقبول شكلا عند التقرير به ما لم ينص القانون صراحة على ذلك و قد اهتم المشرع من خلال الماد 506-507-508 قانون الإجراءات الجزائية بتحديد الأطراف الملزمين بتسديد الرسم القضائي، و الوقت الذي يجب أن يحصل فيه الدفع.
و منه فالأطراف الملزمة بتسديد الرسم القضائي هم المتهم و المدعى المدني ما لم يقع إعفاؤهما من الدفع من طرف مكتب المساعدة القضائية المشكل من النائب العام رئيسا و مستشارا و ممثل عن إدارة الضرائب المختلفة و محامي لدى المحكمة العليا.
- و يتم السداد إما برئاسة كاتب الضبط التابع للمحكمة العليا و إما بمكتب التسجيل الموجود لدى الجهة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.
- إيداع مذكرة الطعن:
أخضعت المادة 505 من قانون الإجراءات الجزائية الطعن بالنقض أيضا إلى إجراء شكلي آخر هو تقديم مذكر من طرف كل طاعن بالنقض أيضا إلى جراء شكلي آخر هو تقديم مذكرة من طرف كل طاعن بالنقض في ظرف شهر من تاريخ تبليغ الإنذار الموجه إليه من قبل المستشار المقرر و إلا كان طعنه غير مقبول شكلا.
- و يجوز للمقرر أن يمدد بأمر هذا الأجل لمدة شهر آخر على الأكثر ما لم يكن الطعن مرفوعا ضد قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام تفاديا لتعطيل الفصل في الدعوى أو ضد أحكام المحاكم و قرارات المجالس القضائية المقضي بها بقرار مستقل في الاختصاص هذا و أن النيابة العامة لدى المجالس القضائية غير ملزمة قانونا بتقديم مذكرة الطعن طالما أن الطلبات تغني عن تقديم هذه المذكرة (المادة 510 من قانون الإجراءات الجزائية).
- و قد حددت المواد 505 و 511 من قانون الإجراءات الجزائية البيانات الواجب توفرها في مذكرة الطعن بأن يجب أن تكون ممضاة من طرف محام معتمد لدى المحكمة العليا أولا و بأن تضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 511 قانون الإجراءات الجزائية ثانيا كاشتمالها على اسم و لقب وصفة الخصم الحاضر أو الممثل و موطنه الحقيقي و المختار إذ لزم الأمر و نفس البيانات بالنسبة للخصوم المطعون ضدهم و على عرض ملخص للوقائع و على أوجه الطعن المثارة و النصوص القانونية التي تعد سندا للطعن و من جهة ثالثة يجب أن تكون مصحوبة بعدد من النسخ بقدر ما يوجد في الدعوى من أطراف حتى يتمكن كاتب الضبط من تبليغها إلى المطعون ضدهم من جهة و يستطيع هوْلاء من الرد عليهم في مذكرات جواب من جهة أخرى.
المطلب الثالث : الفصل في الطعن.
إذ ما طعن الطاعن بالنقض فان مصير تظلمه لا يتعدى أحد الأمور التالية :
إما أن يكون طعنه غير جائز قانونا أولا يستوفي الشروط الشكلية المطلوبة فتقضي المحكمة العليا بعدم قبوله.
و إما أن يكون طعنه جائز قانونا مقبولا شكلا و موضوعا و في هذه الحالة يحكم المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه.
كما قد يتراجع الطاعن عن طعنه قبل أن يقع الفصل فيه من المحكمة العليا و عندئذ يتعين على محكمة النقض بدون موضوع قبل الفصل فيه لسبب يجعل حدا لسير الدعوى و عندئذ يقرر المجلس الأعلى بألا وجه للحكم في الطعن.
و على هذا يمكن تقسيم قرارات المحكمة العليا إلى نوعين رئيسيين و هما : قرارات غير فاصلة في موضوع الطعن بالنقض و قرارات فاصلة فيه.
الفرع الأول : القرارات غير الفاصلة في موضوع الطعن بالنقض
تنقسم هذه القرارات إلى قرارات عدم جواز الطعن و قرارات عدم قبوله شكلا و قرارات التنازل عن الطعن و أخيرا القرارات بأن لا وجه للفصل في الطعن.
- الحكم بعدم جواز الطعن :
قبل النظر في الطعن و قبوله شكلا و موضوعا يجب أن يكون الطعن جائزا قانونا و لكي يكون مقبولا يجب أن يتوفر على الحالات القانونية المحددة بنص القانون و التي تستوجب الطعن فيها بالنقض و دون هذه الحالات فالطعن يكون غير مقبول و يتجلى ذلك في ثلاث صور أولى ها ته الصور أن يكون الطاعن لا يحق له أن يطعن بالنقض لانعدام الصفة فيه كأن لا يكون طرفا في القرار المطعون فيه.
- أو عدم توفر أهلية التقاضي فيه كأن يكون قاصرا و الصورة الثانية إذا كان القرار المطعون فيه غير قابل للطعن فيه بالنقص كقرار قاضي بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات أو المخالفات ما لم يكن قد فصل في اختصاص أو تضمن مقتضيات في استطاعة القاضي أن يعدها. و الصورة الثالثة و الأخيرة إذا لم يكن للطاعن مصلحة في الطعن كالمتهم الذي يوْسس طعنه على أنه كان محالا على المحكمة من أجل ارتكابه ثلاث جرائم و أنه لم يدان إلا من أجل جريمتين فقط.
- الحكم بعدم قبول الطعن شكلا :
يظهر لنا هذا الحكم في حالة ما لم تستوفي الطعون المقدمة الشروط التي نص عليها المشرع لقبول الطعن بالنقض حيث تكو أحكام الرفض في عدة صور تتضمنها قرارات المحكمة العليا و أولى هذه الصور في حالة ما إذا رفع الطعن خارج الميعاد القانوني أي بعد مرور ثمانية أيام كاملة من تاريخ تبليغ بقرار غرفة الإ تهام المطعون فيه طبقا لأحكام المادتين 498 و 726 قانون الإجراءات الجزائية.
و الصورة الثانية إذا لم يتم رفعه لدى كتابة الضبط للجهة التي أصدرت الحكم المطعون فيه من طرف الطاعن شخصيا أو من محاميه ما لم يكن محبوسا أو مقيما خارج الوطن طبقا لنص المادة 504 قانون الإجراءات الجزائية.
الصورة الثالثة فهي إذ لم يسدد الطاعن الرسم القضائي وفقا لأحكام المادة 506 قانون الإجراءات الجزائية و في الوقت المحدد قانونا أي عند التصريح بالطعن ما لم يكن قد طلب المساعدة القضائية.
و أما الصورة الرابعة في حالة ما إذا لم يدع الطاعن غير النيابة العامة مذكرة للطعن بواسطة محامي مقبول لدى المحكمة العليا رغم إنذاره برسالة مضمونة و هذا طبقا لنص المادة 505 قانون الإجراءات الجزائية.
و الصورة الخامسة إذا لم يبلغ طعن المدعى المدني من كاتب الضبط إلى النيابة العامة و باقي الأطراف بطلب من المدعى المدني طبقا لنص المادة 507 قانون الإجراءات الجزائية
أو لم تبلع النيابة العامة طعنها للمتهم بموجب المادة 510/ف2 قانون الإجراءات الجزائية و إذا تعدد الطاعنون و تم إيداع المذكرة من بعضهم دون البعض الآخر قضت المحكمة العليا بقرار واحد بعدم قبول الطعن شكلا بالنسبة لمن أغفل عن وضع المذكرة و بالرفض أو بالنقض حسب الأحوال بالنسبة للآخرين.
وضع المذكرة و بالرفض أو النقض حسب الأحوال بالنسبة للآخرين.
2 – التنازل عن الطعن :
سبق و أن أسلفنا الذكر إلى أن حق الطعن بالنقض في الأحكام و القرارات الجزائية الجائز فيها الطعن بنص القانون يدخل ضمن الحقوق المتعلقة بالنظام العام لأنها كذلك و بناءا على هذه القاعدة فانه يمنع على أعضاء النيابة التنازل عن الطعن بالنقض بعد رفعه انطلاقا من فكرة أساسية و هي أن الدعوى العمومية ملك للمجتمع فهي تمارس هذا الحق و تباشر الدعوى باسمه فإذا رضيت بالحكم و القرار امتنعت عن الطعن فيه بالنقض و إذا رفعه فلا يجوز أن يتنازل عنه بعد ذلك.
- أما فيما يخص المدعى المدني و بالرجوع إلى نص المادة 2 قانون الإجراءات الجزائية فان دعوى التعويض للضرر ملكه وحده فله أن يرفعها أو يمتنع عن رفعها و في رفعها و في حال ما إذا باشر هذه الدعوى يمكن أن يتنازل عنها مادامت المحكمة العليا لم تفصل في الطعن و ذلك لعدم وجود علاقة بين دعواه الشخصية و النظام العام.
- كما للمتهم أن يحرر عريضة من أجل التنازل عن الطعن المرفوع من أجل وضع حد لسير قضيته و بالتالي إمكانية النظر في التخفيف من العقوبة المشمولة بقرار العفو الصادر من السيد رئيس الجمهورية.
3 – الحكم بألا وجه للفصل في الطعن :
هناك بعض الحالات التي تكون سببا لإنقضاء الدعوى العمومية قبل أن تنظر فيها المحكمة العليا مما يتعين على هذه الأخيرة أن تصدر قرار بألا وجه للفصل في الطعن بالنقض. و من صور الحكم بألا وجه للفصل في الطعن بالنقض.
و من صور الحكم بألا وجه للفصل في الطعن أن يقع أثناء التحقيق في الطعن إلغاء النص القانوني المنطق على الواقعة.
- أو صدور قانون يقضي بالعفو الشامل بالنسبة لبعض الجرائم و من صدوره أخيرا انقضاء الدعوى بسحب الشكوى في الجرائم التي يكون شرطا لازما للمتابعة ذلك طبقا للمادة 6 ف3 قانون الإجراءات الجزائية.
الفرع الثاني : القرارات الفاصلة في الموضوع
متى تثبت لهيئة المحكمة أن الطعن جائزا قانونا و مقبولا شكلا فإنها تنتقل للنظر في الموضوع و ذلك بمناقشة الأوجه المثارة فتقضي إما برفض أو بالنقض و هذا ما سنراه.

إرسال تعليق

 
Top