GuidePedia

0
عناصر البحث

مبحث تمهيدي: وظيفة القانون و ضرورته.

الفصل الأول: تعريف القانون

المبحث الأول: المفاهيم المختلفة للقانون و استعمالاته
المطلب الأول: المفاهيم المختلفة للقانون
المطلب الثاني: القانون بوجه عام و القانون الوضعي بوجه خاص

المبحث الثاني: خصائص القانون
المطلب الأول: القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي
المطلب الثاني: القاعدة القانونية قاعدة عامة و مجردة
المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة
المطلب الرابع: الجزاء ركن جوهري من أركان القاعدة القانونية
الفرع الأول: الجزاء قد يكون جنائيا أو مدنيا
الفرع الثاني: خصائص الجزاء


الفصل الثاني: تقسيمات القانون و أنواع القواعد القانونية

المبحث الأول: تقسيمات الفانون و فروعه
المطلب الأول: القانون العام و فروعه
الفرع الأول: قانون العام الخارجي
الفرع الثاني: قانون العام الداخلي
المطلب الثاني: القانون الخاص
المطلب الثالث: معيار التفرقة بين قانون العام و القانون الخاص و أهمية التفرقة
المطلب الرابع: القانون المختلط

المبحث الثاني: أنواع القواعد القانونية
المطلب الأول: تقسيم قواعد القانونية من حيث قوتها الملزمة
المطلب الثاني: القواعد الآمرة و القواعد المفسرة (المقررة)
المطلب الثالث: معيار التمييز بين القواعد الآمرة أو الناهية و بين القواعد المكملة



الفصل الثالث: نطاق تطبيق القانون

المبحث الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص، المكان و الزمان
المطلب الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص
الفرع الأول: أساس مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
الفرع الثاني: الغلط في القانون
الفرع الثالث: الجهل بقانون غير جنائي
المطلب الثاني: نطاق تطبيق القانون من حيث المكان
الفرع الأول: مبدأ إقليمية القانون
الفرع الثاني: مبدأ شخصية القوانين
المطلب الثالث: نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان
الفرع الأول : النظرية التقليدية
الفرع الثاني : النظرية الحديثة

المبحث الثاني: تطبيقات مبدأ عدم رجعية القوانين
المطلب الأول: في المجال المدني
المطلب الثاني: في المجال الجنائي
المبحث الثالث: مبدأ الأثر المباشر أو الفوري للقانون
المطلب الأول: مفهوم هذا المبدأ
المطلب الثاني: الأسس التي يستند إليها مبدأ الأثر المباشر
المطلب الثالث: بعض تطبيقات المبدأ
الفرع الأول: من حيث شروط التقادم
الفرع الثاني: من حيث تعديل مدة التقادم
مقدمة

1) لا يستطيع الفرد أن يعيش بمعزل عن غيره عن الناس في المجتمع، بحيث لا يستطيع أن ينفرد وحده و ينطوي على نفسه دون أن يختلط بالعالم الخارجي، و ما يدور حوله، بل أن الغريزة الإنسانية و حاجيات الحياة تضطره إلى العيش مع غيره و الدخول معه في علاقات متنوعة حتى يلبي رغباته، مما يترتب على الاختلاط مع غيره من الأفراد في المجتمع نشؤ علاقات متعددة و متنوعة ، و التي تتطلب تنظيمها بواسطة قواعد قانونية تبين للمرء حقوقه و واجباته اتجاه غيره.
2) يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بأنه اجتماعي بغريزته. فمنذ بداية التاريخ نشاهده يتقاسم الحياة مع غيره و يشاركهم إياها، و لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن أقرانه.
أما افتراض وجود الإنسان الفرد الذي يعيش بمعزل عن الآخرين فهو افتراض لا وجود له إلا في خيال كتاب القصص أو رواة الأساطير. ذلك لأن الإنسان وليد الحياة الاجتماعية فهو نفسه ظهر نتيجة معاشرة بين رجل و امرأة أي نتيجة مجتمع صغير و دخل بولادته عضوا جديدا في هذا المجتمع.
3) إذن فالقانون ضروري لتنظيم سلوك الأفراد، في المجتمع فهو يرمي إلى تحقيق النظام و المحافظة عليه، كما يرمي إلى كفالة المصالح العامة في المجتمع من أجل تفادي الفوضى و اضطراب العلاقات الذي يؤدي حتما إلى وجود قانون الغاب الذي تكون الغلبة، فيه دائما للأقوى ، فينعدم العدل و الاستقرار لذا يتدخل القانون بقواعده. الصارمة و الهادفة ليضع حدا لتجاوزات الأفراد، فيلزم الفرد بالامتثال للحدود التي رسمها له القانون لكي يستطيع أن يتمتع بحقوقه و تأدية واجباته في المجتمع الذي يعيش فيه الأشخاص.


الفصل الأول: تعريف القانون
يعني لفظ القانون بالنظام، ويقصد به تكرار أمر معين على وتيرة واحدة، فيعتبر هذا الأمر خاضعا لنظام ثابت معلوم، وقد أطلق لفظ قانون على النظم التي تحكم الظواهر الطبيعية والاقتصادية، فيقال قانون الأجسام الطافية في علم الطبيعة، أو قانون العرض والطلب في علم الاقتصاد، وهنا يقصد بالقانون النظام الذي يحكم المجتمع وينظمه فهو مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك وعلاقات الأفراد والتي تجعل هذه العلاقات تسير على وتيرة واحدة طبقا لنظام ثابت وذلك لالتزام الأفراد بإتباعها واحترامها.

المبحث الأول: المفاهيم المخلفة للقانون واستعمالاته.

المطلب1: المفاهيم المختلفة للقانون:
إن كلمة " قانون" اشتقت من اللغة اليونانية ومعناها KANUN أي العصا المستقيمة، للدلالة على الاستقامة في السلوك، وتستعمل في اللغة اليونانية مجازا للتعبير عن القدرة أو المبدأ أو القاعدة. وقد انتقلت هذه الكلمة اليونانية إلى اللغات الأخرى الحديثة للدلالة على الاستقامة وعدم الانحراف.
ففي اللغة الفرنسية، يعبر عنها بكلمة LA LOI وفي اللغة الإيطالية يعبر عنها بكلمة DIRICT وفي الألمانية يعبر عنها بكلمة RECHT وفي اللغة الاسبانية يعبر عنها بـ: DERECHRO الخ...
إذن تستعمل هذه الكلمة كمقياس يقاس به السلوك الانحرافي للأفراد في المجتمع أي السلوك الذي لا يستقيم باستقامة القانون ( 1)
وكلمة قانون لا تقتصر على المجال القانوني فحسب، بل نجدها في جميع العلوم الطبيعية والاجتماعية إذ تدل على قاعدة مضطردة ومستقرة تترتب عليها نتائج معينة، فيقال مثلا: قانون الجاذبية وقانون الغليان وقانون العرض والطلب الخ...
المطلب الثاني: القانون بوجه عام والقانون الوضعي بوضع خاص:
أما اصطلاح قانون في مجال العلوم القانونية، فيستعمل أحيانا في معنى عام وأحيانا أخرى في معنى خاص.
1- فالمعنى العام للفظ قانون DROIT هو المعنى الذي سبق ان أشرنا إليه فهو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع والتي يلتزم الأفراد بها ويكون فيها الجزاء الذي تفرضه الدولة على من يخالفها.
2- أما المعنى الخاص للفظ قانون LOI فيطلق على كل قاعدة أو مجموعة من القواعد تضعها السلطة التشريعية لتنظيم أمر معين، ويقصد به التشريع الصادر لتنظيم مسألة معينة كقانون الوظيف العمومي أو قانون تنظيم المحاكم أو قانون الضرائب أو قانون العمل أو قانون الخدمة الوطنية إلى غير ذلك من التشريعات الصادرة لتنظيم أمر معين أو مسألة محددة.
كما استعملت كلمة قانون للدلالة على معاني أخرى، فتستعمل إما منفردة أو مقترنة بوصف معين، وهي كما تلي:
أ-استعمال كلمة قانون للدلالة على التقنين:
تستعمل كلمة قانون لتدل على معنى التقنين أي CODE وهو مجموعة المواد والنصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون مثل التقنين المدني COD CIVIL أو التقنين التجاري CODE CIMMERCIALES الخ...
ب- استعمال كلمة قانون للدلالة على التشريع:
تستعمل كلمة قانون في اللغة العربية للدلالة على التشريع، وهو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة، فيقال مثلا قانون الجامعات، قانون الجمعيات، قانون العمل، قانون الوظيف العمومي، في حين اللغة الفرنسية تعبر عن هذا المعنى بكلمة

ج- استعمال كلمة قانون للدلالة على نوع معين من فروع القانون، يقال القانون المدني أو القانون التجاري أو القانون الدولي، وهذا للدلالة على مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في مجال معين، كالمجال المدني أو التجاري أو الدولي (1)
د- استعمال كلمة قانون مقترنة بوصف، فيقال القانون الوصفي:
ويعود هذا المعنى إلى مجموعة القواعد القانونية السائدة والمطبقة فعلا في بلد معين، فلذا إذا قيل القانون الوصفي الجزائري فمعناه مجموعة القواعد القانونية المعمول بها حاليا أيا كان مصدرها، ولهذا فإن اصطلاح القانون الوصفي ينصرف إلى المعنى العام لاصطلاح قانون. أما في اللغة الفرنسية فيعبر عن هذا المعنى باصطلاح DROIT POCITIF.
المبحث الثاني: خصائص القانون:
يتبين من تعريف القانون الذي قدمناه بأنه مجموعة من القواعد القانونية: القاعدة القانونية هي إذن الوحدة التي يتكون منها القانون في مجموعة، وهذه القاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، فهي قاعدة سلوكية اجتماعية، عامة ومجردة، وتفرض هذه القاعدة من السلطة العامة، فهي إذن قاعدة إلزامية.
المطلب الأول: القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي:
فهي خطاب موجه إلى الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، فهي تفرض وجود عدة أفراد فتوجه إليهم خطابا يتضمن الأمر بعمل شيء أو الامر بالامتناع عن عمل شيء.
وفي الغالب فإن هذا الخطاب يصاغ على شكل أخطار للأفراد بترتيب آثار معينة على واقعة معينة، فالقاعدة التي تعاقب بالإعدام من يقتل إنسانا عمدا مع سبق الإصرار والترصد، والقاعدة التي تعاقب بالحبس من يسرق مال غيره قاعدتان من القانون الجنائي تنهيان الناس عن القتل وعن السرقة، والقاعدة المدنية التي تقضي بأن من التزم بأمر معين يجب عليه الوفاء بهذا الالتزام تتضمن أمرا للناس بالوفاء بما تعهدوا به.
وهذا الخطاب موجه إلى الأشخاص إنما يرمي إلى تنظيم شؤونهم داخل المجتمع لذلك امتازت القاعدة القانونية بكونها قاعدة اجتماعية، ولا يتصور وجودها إلا حيث يوجد مجتمع تقوم فيه علاقات مختلفة بين أفراده، وليس ثمة حاجة إلى ظهورها إذا عاش الإنسان بمعزل عن أقرانه، ذلك لأن حالة المجتمع هي التي ينشأ في ظلها التضارب بين المصالح للأفراد والتي تقتضي بالضرورة إنشاء قواعد لتنظيم هذه المصالح.
ويترتب على كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية نتائج هامة:
1- أن دراسة القانون تدخل في نطاق العلوم الاجتماعية وتتصل بها. فغن القانون يتناول نظام الحكم ويضع القواعد اللازمة لتنظيم شؤون الحكم فهو يتصل لإذن بعلم السياسة.
والقانون ينظم كسب الناس للثروات وإنتاج هذه الثروات ومبادلتها وتوزيعها فهو يتصل إذن بعلم الاقتصاد السياسي، وهو يتطرق في سبيل حماية المجتمع إلى طرق احترام الأفراد للأمر الذي تتضمنه القاعدة القانونية ويدرس أسباب خروج الأفراد أحيانا على هذا الأمر ويحاول تلافي أسباب هذا الخروج فهو يتصل بعلم النفس، وهو يتصل اتصالا وثيقا بعلم الاجتماع وعلم الأخلاق، إذ يعتمد في وضع قواعده على الحقائق الاجتماعية من جهة وعلى مبادئ علم الأخلاق من جهة أخرى.
ينبني كذلك على كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أن القانون لا يمكن أن يثبت على حالة واحدة، بل هو متطور في الزمان، ومتغير بحسب المكان، لأن العلاقات الاجتماعية التي يحكمها هي بطبيعتها متغيرة ومتطورة تختلف من عصر لآخر ومن مكان لآخر.
وإذا كانت القاعدة القانونية تهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية فإنها لا تحكم سوى السلوك الظاهر للأفراد، وهذه نتيجة ثالثة ترتبت على كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية.
والسلوك الظاهر للأفراد هو السلوك الاجتماعي، لأي السلوك الإيجابي الخارجي، والقاعدة القانونية تقف عند هذه الدائرة ولا تتعداها إلى مكنون النفس، ولا تتناول ما يدور في أعماق الأفراد ولا في أفكارهم، وهكذا تظل نوايا الأفراد المخفية وخبايا نفوسهم بعيدة عن نطاق القانون فهي ميدان محظور على القانون التدخل فيه، وهنا يكمن أهم وجه من أوجه الخلاف بين القانون والأخلاق على أن القانون يأخذ أحيانا بنية الفرد إذا بدت هذه النية في أعمال مادية أو إذا صحب هذه النية سلوك خارجي، لذلك تختلف عقوبة القتل العمد المصحوب بنية إعطائه عن عقوبة القتل الخطأ، كما أن المشرع يرتب على الحيازة في المنقول وفي العقار آثار هامة إذا صاحبها حسن النية.
فإذا كان القانون لا يعملون بالنية طالما ظلت خافية في نفس الفرد، فإنه على العكس كثيرا ما يترتب عليها آثار هامة إذا تجسمت في سلوكه الخارجي، أو ظهرت في نشاطه الاجتماعي.
إن تحديد نطاق القاعدة القانونية في دائرة السلوك الخارجي لا يعني نطاقها في هذه الدائرة تمتد إلى كافة أنواع العلاقات الاجتماعية، وتتناول بالتنظيم المصالح الإنسانية علاقات الأفراد ببعضهم، علاقات الأفراد بالدولة، علاقات مختلف السلطات فيما بينها داخل الدولة، علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر، وليس القانون كما يتخيله الناس أحيانا حبيس دائرة ضيقة من الأوضاع والإجراءات التي تقوم على تطبيقها السلطة القضائية في الدولة، بل أن القانون أوسع نطاقا، وأبعد أثرا في الحياة الخاصة لكل فرد، وفي الحياة الاجتماعية لكل الأفراد، فالفرد في عمله يدخل في علاقة مع صاحب العمل، وفي حياته الخاصة يدخل في علاقات مع مالك داره، مع صاحب الحانوت الذي يشتري منه حاجاته، مع هيئة النقل التي تنقله إلى مقر عمله يدخل في علاقات مع دائنه إذا استدان أو مع مدينه إذا اقترض، والدولة كذلك تدخل في علاقة مع موظفيها عند تعيينهم أو عزلهم، مع الشركات عند منحها امتيازا أو بمناسبة إلغاء الامتياز، ومع الهيئات والجماعات، ومع دول لأخرى بمناسبة إقامة العلاقات الدبلوماسية أو بمناسبة تبادل منتجاتها، وكل هذه العلاقات هي علاقات المصالح الإنسانية، علاقات الأفراد ببعضهم، علاقات الأفراد بالدولة، علاقات مختلف السلطات فيما بينها داخل الدولة، علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر.
على أن القانون لا يستأثر وحده بالتغلغل في صميم حياة الأفراد فإن هناك قواعد أخرى تشاركه في ذلك فتساهم في تنظيم سلوكهم الاجتماعي وهذه القواعد هي قواعد الدين والأخلاق وقواعد المجاملات، وسوف نفرد للتفرقة بين قواعد القانون وهذه القواعد مبحثا خاصا.
المطلب الثاني: القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة:
ليس كل خطاب يتضمن أمرا أو نهيا يعتبر قاعدة قانونية يشترط في ذلك أن يوجه الخطاب إلى الناس بصيغة التعميم والتجريد، والتعميم يعني أن القاعدة القانونية تنطبق على طائفة مفتوحة من الأشخاص وفي الوقائع والحالات، فهي قابلة للتطبيق على كل شخص تنطبق عليه الأوصاف التي تشير إليها القاعدة وعلى كل حالة أو واقعة توجد بالشروط التي تتضمنها، فكل شخص اجتمعت فيه هذه الأوصاف، وكل واقعة توافرت فيها تلك الشروط طبقت عليه القاعدة الموضوعة بصيغة التعميم.
أما إذا صدر الخطاب إلى شخص معين باسمه أو بشأن واقعة معينة بالذات فيكون أمرا – ORDRE- لا قاعدة – REGLE-.
ويختلف الأمر عن القاعدة في أن الأمر يقتصر تطبيقه على الشخص المعين أو على الواقعة التي صدر بشأنها، ويستنفذ قوته بهذا التطبيق كالأمر الصادر بتعيين موظف مثلا فإنه يستنفذ قوتها بتطبيقها مرة أخرى أو مرات عديدة، بل يتجدد العمل بها كلما توافرت شروط انطباقها.
على أن صفة العمومية التي تتصف بها القاعدة القانونية لا تعني بالضرورة وجوب انطباقها على كل الأشخاص، فهناك قواعد قانونية كثيرة لا يمكن بطبيعتها أن تطبق إلى على عدد محدد من الأشخاص وأحيانا على شخص واحد فقط ومثال ذلك القواعد التي تحدد سلطات الوزارة أو سلطات رئيس الدولة – ومثل هذه القواعد لها مع ذلك التعمير لأنها لا توجه إلى شخص معين بذاته بل تنطبق على كل شخص وجد في الظروف التي تشير إليها القاعدة، فالتعميم هذا يتوافر بمجرد انتفاء التخصيص، أما الأمر الصادر بتعيين وزير أو بالعفو عن سجين بذاته، أو بمنح الجنسية إلى شخص أو بعزل مدير أو موظف عام فكل هذه تعتبر أوامر لا قواعد.
ويلاحظ أن تعميم الخطاب يقتضي وضعه في صيغة مجردة وذلك لأن القاعدة يقصد بها أن تطبق على مجموعة من الوقائع متماثلة أو على جميع الأشخاص الذين يوجدون في ظروف واحدة، ولما كانت ظروف الأشخاص والوقائع تتغير فيما بينها وتتشكل بصور مختلفة لذلك كان لا بد في صياغة القاعدة من الارتفاع عن التفاصيل والتجاوز عن بعض الظروف الثانوية التي لا أثر لها فيما يراد ترتيبه على تلك الوقائع من نتائج قانونية والاكتفاء بالوقوف عند الظروف الجوهرية التي اقتضت ترتيب تلك النتيجة، وبذلك فإن القاعدة تستطيع أن تحكم فئة كبيرة من الوقائع المختلفة في التفاصيل، ويعتبر هذا الحكم الموحد قاعدة عامة لأنه لا يسري على واقعة معينة بالذات بل على مجموعة من الوقائع تشترك في اشتمالها على الظروف الجوهرية المشتركة ومثال ذلك وقائع القتل، فإنها تحدث وسائل متنوعة وفي صور متباينة وظروف مختلفة وتتوافر في كل واحدة من هذه الوقائع مجموعة من الظروف تميزها عن غيرها ومن هذه الظروف ما يجب أن يقال له وزن في تحديد الجزاء ومنها ما يمكن التجاوز عنه في تعيين الجزاء، فمن الظروف الأولى ظرف القتل العمد أو القتل الخطأ، فالعقوبة في القتل العمد تختلف اختلافا جذريا عن العقوبة في القتل الخطأ.
وفي واقعة القتل العمد ظرف الترصد وسبق الإصرار، أو كون القتل غير مقترن بهذا الظرف، فالعقوبة تختلف باختلاف هذه الظروف فيشدد العقاب في حالة اقتران القتل العمد بالسبق الإسرار أو الترصد ويخفف في حالة القتل العمد غير المقترن بهذه الظروف. أما الظروف التي لا يقام لها وزن في تقدير الجزاء فهي كون القتل غير العمد قد وقع نتيجة إهمال أو نتيجة خطأ أو نتيجة رعونة أو طيش إلى غير ذلك من الظروف.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة OBLIGATOIRE
ويشترط أخيرا في القاعدة القانونية أن تكون ملزمة أي يكون لها جزاء ماديا
SANCTION MATERIELLE— يجعلها واجبة الإتباع ويحفز الناس على احترامها فيحقق بذلك فكرة النظام التي ينطوي عليها كل قانون.
والجزاء هو الأثر الذي يترتب بمقتضى القانون على مخالفة القاعدة القانونية ويختلف هذا الجزاء باختلاف الأزمنة والعصور، ففي القديم كان الأعداء أو القتل يخول المعتدي عليه أو أقارب القتيل حق الانتقام، فكان الانتقام الفردي أو الجماعي جزاءا قانونيا رادعا من شأنه أن يحل الناس على احترام القاعدة القانونية التي تنهي عن القتل أو الاعتداء.
ثم استبدال الانتقام فيما بعد بحق الدية والحق في التعويض، وفي المسائل المدنية كان القانون الروماني يخول للدائن حق الاستيلاء على شخص المدين الممتنع عن الوفاء وحبسه وبيعه.
ثم تطور هذا الجزاء أصبح الوفاء قاصرا على أموال المدين وقد ظل الجزاء البدني معمولا به في القانون الفرنسي حتى عام 1867 حيث ألغي الإكرام البدني في المعاملات المدنية والتجارية إلا في بعض الأحوال الاستثنائية.
والقوانين الحديثة ترتب على مخالفة القاعدة القانونية نشوء الحق في إزالة هذه المخالفة إذا كانت الإزالة ممكنة، أو الحق في المطالبة بالتعويض إذا كانت الإزالة غير ممكنة فإذا اعتدى شخص على ملك غيره أو بنى فيها بدون رضائه كان للمعتدي عليه الحق في إخراج المعتدي من ملكه واسترداد أرضه المغتصبة أو إزالة البناء الذي أقامه المعتدي، فضلا عن حق الدولة في توقيع العقوبة عليه، كذلك فغن القانون يلزم المدين الممتنع عن الوفاء بدينه بأدائه عن طريق التنفيذ الجبري على أمواله وإذا ارتكب شخص جريمة اعتداء عمد فإنه بالإضافة إلى العقوبة الجنائية التي توقع عليه تنشئ حقا للجني عليه أو لأسرته في طلب التعويض المدني من الجاني، وقد يقتصر الجزاء على إبطال العمل الذي يأتيه الشخص مخالفا للقانون، فمثلا يقع باطلا عقد بيع المواد المخدرة وكذلك بيع مالا يملكه البائع.
المطلب الرابع: الجزاء ركن جوهري من أركان القاعدة القانونية:
والجزاء بهذا المعنى ركن جوهري من أركان القاعدة القانونية، لأن القاعدة القانونية لا يمكن أن توجد بدون جزاء وإلا أصبحت مجرد قاعدة سلوك اجتماعية شأنها شأن قواعد الدين أو الأخلاق أو قواعد مجاملات، لا يوجد ما يجعل الناس يتبعونها في علاقتهم إتباعا من شأنه أو لإقامة النظام في المجتمع.
والجزاء هو المميز الأساسي الذي يميز قاعدة القانون عن غيرها من قواعد السلوك الأخرى.
وقد أجمع الفقهاء على أن الجزاء هو شرط لازم لقيام القاعدة القانونية، غير أن نفرا قليلا منهم قد تشكك في ضرورة الجزاء وقرر أنه يكفي في وجود القاعدة القانونية شعور الأغلبية الكبرى من الناس بأن ما توجه هذه القاعدة ضروري لنظام المجتمع، والملاحظ أن بعض القوانين تبدو خالية من عنصر الجزاء ونسوق بعض الأمثلة:
1- أن قواعد القانون الدولي العام ليس لها جزاء ماديا يلزم الدول باحترام هذه القواعد، وقد اضطر معظم الفقهاء إلى التسليم بأن القانون الدولي العام قانون ناقص لا يرتفع إلى مرتبة القانون بالمعنى الصحيح ولكن هذا القول مردود عليه بأن الجزاء قد مر منذ نشأة المجتمعات الإنسانية بتكور كبير، فكان الجزاء متروكا للأفراد كما سبق أن رأينا في مرحلة الانتقام الفردي، فكان الأفراد يوقعونه بأنفسهم دون أن يكون الجزاء منظما أو موكلا إلى سلطة عليا تقوم بتوقيعه وهذا لا يمنع من القول بأن قواعد القانون في هذه الفترة كانت قواعد صحيحة وتامة بالرغم من ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع الدولي فإن القواعد القانونية تنشأ فيه عن طريق العرف الدولي ويكون توقيع الجزاء على المعتدي متروكا للمعتدى عليه يوقعه بنفسه إذا استطاع لذلك سبيلا، فالقانون الدولي العام قانون بالمعنى الصحيح وإن كان لم يصل بعد إلى الدور الذي وصل إليه القانون الداخلي.
2- قد يتشكك البعض أيضا في ضرورة الجزاء وقد يسوقون لذلك نص المادة ( ) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على ما يلي: يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس، ضبط الفاعل اقتياده إلى أقرب مأمور للضبط القضائي.
فقد يقول البعض أن هذا النص لا شك أنه يتضمن قاعدة قانونية بدليل وجوده في صلب قانون الإجراءات الجنائية، ولكنه نص لا يفرض جزاء يوقع على من يخالفه.
والرأي الصحيح أن هذا النص في الواقع جزاء فقد اعتبر هذا النص حق من شاهد جريمة متلبسا بها في ضبط الفاعل والقبض عليه حقا قانونيا يقابله واجب قانوني على الجاني في الانصياع لمن يضبطه متلبس أو في حالة تلبس، فالمشرع يعطي بهذا النص حماية قانونية لمن يقوم بالواجب القانوني المفروض عليه وهو ضبط الجاني وتسليمه للجهات المختصة كما يفرض على الجاني احترام هذا الحق وعدم التعرض لمن يباشره فهو يجعل قيام مواطن عادي بالقبض على الجاني عملا مشروعا مع أن هذا العمل يعتبر غير مشروع في غير حالة التلبس فهو أمر متروك لرجال الضبط القضائي، يترتب على ذلك أن الجاني إذا قاوم القبض بالقوة كان هو المعتدي ولا يجوز له أن يحتج بقيام حالة الدفاع الشرعي عن نفسه، فجزاء هذه القاعدة ليس فقط في حماية القانون لمن يقوم بالضبط والقبض على الجاني في حالة التلبس بل أيضا في العقوبات التي توقع على الجاني إذا قاوم من يستعمل حق القبض عليه.
3- قد يتشكك البعض أيضا في ضرورة الجزاء كشرط لوجود القاعدة القانونية بالقول بأن الخوف من الجزاء المادي ليس هو وحده السبب في حمل الناس على إتباع القاعدة القانونية فمثلا من يفي بدين عليه لا يقوم بذلك في الغالب خوفا من القانون وما يفرضه من تنفيذ جبري بل محافظة على سمعته وعلى ثقة الناس به، وكذلك امتناع الناس عن ارتكاب جرائم ليس سببه عند أغلبهم الخوف من القانون، وإنما هو وازع من التربية والأخلاق.
والواقع أن هذا القول فيه إغفال عن أن قاعدة القانون هي في الوقت ذاته قاعدة خلقية ولما كان الجزاء الخلقي لا يكفي لحمل الناس على إتباع تلك القاعدة بشكل يتحقق معه النظام المنشود، فإن الحاجة قد اقتضت أن يقترن الجزاء الخلقي بجزاء قانوني وإن كان كثير من الناس يتبعون القاعدة القانونية متأثرين بالجزاء الخلقي الذي تفرضه دون النظر إلى الجزاء القانوني، فإن هذا يدل على أنهم أناس خيرون تؤثر فيهم القواعد الخلقية ولا يحتاجون في إتباعها إلى الجزاء القانوني.
على أن هذا لا يمكن أن يؤخذ دليلا على أن الجزاء القانوني ليس عنصرا ضروريا في وجود القاعدة القانونية، فلا بد من تقرير الجزاء، ولا مانع من أن يكون تطبيقه مرهونا بإخلال بالقاعدة القانونية.
الفرع الأول: الجزاء قد يكون جنائيا أو مدنيا:
والجزاء قد يكون جنائيا أو مدنيا:
والجزاء الجنائي هو العقوبة التي توقع على من يخالف القاعدة القانونية، وهو إما أن يكون بدنيا ( الحبس، السجن، الإعدام) أو ماليا (الغرامة)( المصادرة).
أما الجزاء المدني فهو كل جزاء آخر يرتبه القانون على مخالفة القاعدة، كالتنفيذ الجبري وفرض الالتزام بالتعويض على كل من يتسبب في إلحاق الضرر بالغير، وإبطال العقد الذي يتم مراعاة الشروط القانونية المطلوبة.
هذه هي الخصائص الأساسية التي تتميز بها قاعدة القانون.
الفرع الثاني: خصائص الجزاء
1- إن الجزاء المقترن بالقاعدة القانونية يتميز بخصائص معينة منها: أنه ذو طابع مادي ملموس (1) إذ يوقع على الشخص الذي خالف حكم القاعدة القانونية أو ماله.
2- انه جزاء يوقع حالا، أي بمجرد مخالفة القاعدة القانونية وهذا على عكس ما تتميز به القاعدة الدينية التي تتميز بجزاء قد يكون عاجلا في الدنيا ثم بجزاء أخروي.
3- أنه جزاء تلتزم بتوقيعه السلطة العامة لأنها تتمتع بسلطة تنفيذ، جبرا على كل مخالف لحكم القاعدة القانونية باسم المجتمع وللمحافظة على النظام القائم، ولهذا أطلق عليه اصطلاح الإجبار العام LA CONTRAITE PUBLQUE وبناءا عليه فلا يجوز للأفراد أن يوقعوا الجزاء بأنفسهم إلا في حالات استثنائية، يستحيل فيها أن تتدخل السلطة العامة لرد الاعتداء، وهي حالة ما إذا وقع الاعتداء على النفس أو المال وقام المعتدى عليه بالدفاع عن نفسه أو ماله، ويطلق على هذه بحالة الدفاع الشرعي LA LEGITINE DEFANSE التي تقرها القوانين الحديثة وتعفي صاحبها من المسؤولية المدنية والجنائية معا ( 2).

الفصل الثاني: تقسيمات القانون وأنواع القواعد القانونية
توجد في الفقه عدة تقسيمات للقانون، فمن حيث السلوك الذي ينظمه القانون يقسم إلى قانون عام وقانون خاص وقانون مختلط ولكل تقييم فروع خاصة بهم، كما يقسم القانون من حيث صلته بالنظام العام وبالتالي مدى جواز على ما يخالفه إلى قواعد باتة ( آمرة) وقواعد مكملة ( أو مقررة ومفسرة)، ويقسم القانون من حيث زمان تنفيذه إلى قواعد وقتية أي ( مؤقتة) كقوانين التسعيرة تلغى بمرور فترة زمنية معينة، وقواعد مستمرة (دائمة) أي لا تلغى إلا بصدور قانون جديد كما يقسم القانون من حيث مكان تطبيقه إلى قانون داخلي يطبق داخل الدولة كالقانون المدني والتجاري، وقانون خارجي كالقانون الدولي العام يسري خارج إقليم الدولة.
ويقسم القانون من حيث طبيعة قواعده إلى قانون موضوعي وهو الذي تتضمن قواعده أحكاما موضوعية فتبين وتنظم الحقوق والواجبات التي تنطوي عليها العلاقات (1) التي تقوم بتنظيمها مثل القانون المدني أو القانون التجاري هو قانون شكلي أو إجرائي وهو الذي يشتمل على قواعد إجرائية تبين سبل الواجب إتباعها لاستفاء الحقوق التي يقررها القانون الموضوعي وتندرج هذه القواعد في قانون الإجراءات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية(2).
ويقسم القانون من حيث قوة الجزاء إلى قواعد شديدة الجزاء وقواعد ضعيفة الجزاء، وهناك من يقسم القواعد شديدة الجزاء إلى قواعد بالغة الجزاء كالقواعد التي يتقرر لها جزاء جنائي ومدني وإداري أو جزائي جنائي ومدني، وقواعد ذات جزاء عادي كمعظم القواعد التي لها جزاء مدني كبطلان العقد مثلا إذا كان محله مخالف للنظام العام، كما تقسم القواعد ضعيفة الجزاء إلى قواعد بسيطة الجزاء كإلزام ناقص الأهلية برد ما عاد عليه من منفعة إذا جرى بلا سبب، وقواعد جزاؤها ناقص كقواعد القانون الدستوري(3) وهناك تقسيمات أخرى إلا أن أهم تقسيمين للقانون هما تقسيمه إلى قانون عام وقانون خاص وقانون مختلط وتقسيم قواعده إلى قواعد آمرة وقواعد مكملة.
المبحث 1: تقسيمات القانون وفروعه:
هناك تقسيم تقليدي للقانون يرجع إلى عهد القانون الروماني الذي كان يقسمه إلى قانون عام وقانون خاص وكان الفقيه أولبيين ULPIEN يرى أن القانون العام هو القانون الذي يسود فيه المصلحة العامة، أما القانون الخاص فهو الذي تسود فيه المصلحة الخاصة للأفراد، وقد انتقل هذا التقسيم من القانون الروماني إلى القوانين الحديثة ذات النزعة اللاتينية أما القانون الانجليزي وغيره من القوانين المنتمية إلى شريعة الـ LAW فلا تعرفه.(1) وبقي هذا التقسيم الثنائي للقانون يعمل به إلى أن أصبح الفقه الحديث يميل إلى تقسيم القانون تقسيما ثلاثيا أي تقسيمه إلى قانون خاص وقانون عام وقانون مختلط وهو مزيج بين الاثنين.
وسنعرض كل قانون من بين مختلف فروعه.
مطلب 1: القانون العام:
تعريفه: هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة بصفتها ذات سيادة وسلطان طرفا فيها، فالقانون العام ينظم كيان الدولة وأجهزة الحكم فيها وعلاقات هذه الدولة مع غيرها من الدول ومع الأفراد.
والملاحظ أن الدولة لا تقيم دائما علاقاتها مع الأفراد على أساس ما تتمتع به من سيادة وسلطان وامتيازات خاصة بل قد تتعامل مع الأفراد كأي فرد منهم وعندئذ تطبق على العلاقات التي تدخل الدولة فيها بهذه الصفة قواعد القانون الخاص بالرغم من أن الدولة طرف فيها كما تقوم الدولة بتأجير عقارات خاصة للناس أو تستأجر عقارا لتقيم فيه مدرسة أو مستشفى(2).
فروع القانون العام
ينقسم القانون العام بدوره إلى قانون عام خارجي وقانون عام داخلي:
القانون العام الخارجي: ويعرف أيضا بالقانون الدولي العام droit international public وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول أثناء السلم وأثناء الحرب فأثناء السلم يبين هذا القانون ما للدولة من حقوق وما عليها من واجبات بالنسبة لغيرها من الدول كما ينظم أحكام المعاهدات التي تبرمها الدولة، ويبين طرق تبادل التمثيل الدبلوماسي، وكيفية الفصل في المنازعات الدولية كالمفاوضات والتحكيم الخ...
أما أثناء الحرب فالقانون الدولي العام الخارجي يتولى بيان إجراءات إعلان الحرب ووسائلها المشروعة كما يبين كيفية إنهاء الحرب وطريقة معاملة الأسرى والجرحى، كما ينظم العلاقات التي تقوم بين الدول المتحاربة والدول المحايدة(1) وتعود مصادر القانون الدولي العام إلى العرف الدولي أو المعاهدات الدولية وجميع المبادئ العامة التي تقرها الأم المتدينة.(2) وقد تشكك بعض الفقهاء في اعتبار القانون الدولي العام قانونا بمعني الكلمة على أساس عدم وجود سلطة عليا تفرض أحكامه على الدول وترتب إجراءات توقع على الدول المخالفة له مثلما هو الشأن في القانون الداخلي (3).
إذا كان لهذا الرأي الفقهي نصيب من الصحة إذ يشهد الواقع الدولي عدم فاعلية قواعد القانون الدولي العام في حكم العلاقات الدولية.
غير أنه لا يمكن مقارنته بالقانون العام الداخلي(4) الذي قطع شوطا طويلا من التطور إلى أن أصبح ذا فاعلية ناجعة بحكم العلاقات داخل المجتمع الواحد.
ومع ذلك فإن القانون الدولي العام يخطو حاليا خطوات كبيرة محو التطور بدليل الجزاءات المختلفة التي أصبحت تتعرض لها الدول المخالفة لقواعده، كقطع العلاقات الدبلوماسية بينها أو فصل الدول المخالفة من عضوية المنظمة الدولية أو فرض الحصار عليها، وفي حالة اعتدائها على غيرها من الدول يرد هذا الاعتداء عن طريق استعمال القوى المسلحة(1) الخ...
الفرع الثاني: القانون الداخلي
وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تقوم بين الدولة أو احد فروعها باعتبارها ذات السيادة والسلطة أو بين الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية الخاصة.
ويشتمل القانون العام الداخلي على فروع مختلفة وهي:
1- القانون الدستوري: droit constitutionnel
وهو مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة بمهام الحكم فيها أي هل هي ملكية أو جمهورية أو ديمقراطية أو دكتاتورية، أو اتحادية الخ...
كما يحدد القانون الدستوري تنظيم السلطات العامة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وعلاقة هذه السلطات بعضها ببعض وعلاقاتها بالأفراد ويطلق على الدستور اسم القانون الأساسي لأنه يعتبر أعلى القوانين رتبة في الدولة، لذا فهو يحدد حقوق الأفراد في الدولة فيقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد استنادا إلى الحرية والمساواة، فيقرر حرية التملك وحرية الدين والعقيدة وحرية الرأي، كما يضمن المساواة في الحقوق والواجبات كتولي الوظائف العامة وحق الانتخاب، وأداء الخدمة العسكرية ودفع الضرائب(2) الخ...
2- القانون الإداري: droit administratif
ويشتمل على القواعد التي تنظم مشاط السلطة التنفيذية وأعمالها ومهامها وعلاقاتها بالأفراد والسلطة التنفيذية تمارس نشاطها في الدولة عن طريق الإدارات العامة التابعة لها.
فالقانون الإداري ينظم عمل هذه الإدارات ويحدد علاقاتها فيما بينها ومع الأفراد، وقواعد القانون الإداري لا يجمعها تشريع موحد كما هو الشأن بالنسبة لأغلب فروع القانون، بل توجد في تشريعات متفرقة كقانون الوظيف العمومي، وقانون العمال أو قانون البلديات أو قانون الدوائر الخ... ومهمة القانون الإداري هي تنظيمات إدارية وتقسيمات لها.
كتقسيم الدولة إلى ولايات، والولايات إلى دوائر والدوائر إلى بلديات، وتحديد المرافق العامة كمرافق الصحة والتعليم كما يبين العلاقات التي تربط الحكومة المركزية بجميع الإدارات والمؤسسات الخ...
1- القانون المالي:
ويسمى غالبا بالترشيح المالي وهو يتضمن القواعد التي تحدد كيفية تنظيم الميزانية العامة في الدولة والمواد التي تتألف منها هذه الميزانية ووجوه الصرف التي تنفق فيها.(1)
والموارد تتألف عادة من الضرائب التي تصيبها الدولة فيتولى القانون المالي تحديد أنواعها والأسس التي تبنى عليها وكيفية جبايتها، كما تتألف من المداخيل التي تجنيها الدولة من أملاكها ومن القروض التي تبرمها أحيانا، أما النفقات فهي متعددة وأهمها ما يصرف من رواتب الموظفين وأجور العمال، أو من أجل المشاريع التي تتطلبهم الأعمال الإنشائية والإنمائية كفتح الطرق ومد السكك الحديدية، وإقامة السدود وغير ذلك، وقد كان القانون المالي مندمجا في القانون الإداري إلى عهد قريب، ولكن سرعان ما انتقل عنه وأصبح ينفرد بقانون خاص، ويكون فرعا قائما بذاته من فروع القانون العام الداخلي.
مطلب 2: القانون الخاص
هو مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينها، كما ينظم علاقاتهم مع الدولة عندما تكون طرفا فيها باعتبارها شخصا طبيعيا عاديا، والقانون الخاص فروعه متعددة، ويحتل القانون المدني باعتباره الشريعة العامة المكانة الأولى فيه.
1- القانون المدني:
وهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الخاصة التي تقوم بين الأفراد في المجتمع وتعد قواعده المرجع الأساسي في كل مسألة لم يرد بشأنها حكم في فروع القانون الخاص، لذا يطلق عليه الشريعة العامة في تنظيم علاقات القانون الخاص كما أن تطبيقه لا يقتصر على أشخاص من مهنة أو أخرى بل يسري على جميع الأشخاص بكافة المهن(1) وينظم القانون المدني عادة المعاملات المالية التي تسمى الأحوال العينية وكذلك أحكام الأسرة وتسمى الأحوال الشخصية، غير أن القانون الجزائري حذا حذو التقنيات العربية، فاقتصر على الأحوال العينية في القانون المدني، أما الأحوال الشخصية فتسري عليها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة بشأنها وهي مدونة في مجموعة قانون الأسرة الصادرة برقم 84-11 مؤرخ في 9 رمضان عام 1404 الموافق 9 يونيو 1984.
2- القانون التجاري:
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الناشئة عن المعاملات التجارية، فهو يشمل القواعد الخاصة بتعريف التاجر وبتحديد الأعمال التجارية، ونلك الخاصة بالعقود التجارية أو الشركات و الأوراق التجارية الخ...
وقد كانت قواعد القانون التجاري مندمجة في القانون المدني إلى أن استقل القانون التجاري بقانون خاص ويرجع السبب في ذلك إلى عدم ملائمة قواعد القانون لمواجهة الحياة التجارية التي تقوم على دعامتي السرعة والائتمان ويقصد بالائتمان توافر الثقة في الشخص التاجر.
ومن قواعد القانون التجاري التي تتسم بالسرعة في مجال المعاملات التجارية القاعدة التي تجير إثبات التصرفات القانونية بغير الكتابة مهما كانت قيمتها على خلاف ما هو مقرر في القانون.(2)
هذا ورغم استقلالية القانون التجاري، فإن القانون المدني لا يزال بالنسبة إليه الشريعة العامة التي يرجع إليها عند عدن وجود نص في القانون التجاري.
3- القانون البحري:
وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التجارية الناشئة عن الملاحة البحرية ويطلق عليه اصطلاح قانون التجارة البحري، وتتركز قواعده حول السفينة فبين القواعد التي تتعلق ببيع السفينة وشرائها وقواعد التأمين على السفينة وما تحمله من بضائع، كما يبين قواعد عقد العمل البحري وصلة ربان السفينة وملاحيها بمالكها ومسؤولية صاحب السفينة الخ.
ولقد كان القانون البحري جزءا من القانون التجاري على أساس أن الأعمال التي تنظم أحكامه تعتبر أعمالا تجارية، إلا أن انفصال القانون البحري عن القانون التجاري واستقلاله بتعيين خاص دعت إليه عدة أسباب كتقنين السفينة الكبيرة والأخطار التي تتعرض لها بصفة خاصة(1).
4- القانون الجوي:
ويقصد به مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات المتعلقة بالملاحة الجوية، وتتركز قواعده حول الطائرة وما يتعلق بها من تنظيم وتحديد جنسيتها وكيفية تسجيلها وتنظيم عقد النقل الجوي والمسؤولية عن الأضرار التي تقع بسبب الملاحة الجوية لركاب الطائرة ويستمد القانون الجوي أغلبية قواعده من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.(2)
5- القانون الدولي الخاص:
يمارس الفرد في المجتمع نوعين من العلاقات: علاقات وطنية بحتة في جميع عناصرها وعلاقات دولية لأن أحد عناصرها أجنبي، وعناصر أي علاقة تتمثل في أطراف العلاقة، موضوعها والمكان الذي تمت فيه(3)، فإذا باع جزائري لآخر سيارة أو منزلا موجودا بإحدى ولايات الجزائر، فإن العلاقة وطنية بحتة يطبق عليها القانون الجزائري لأن أطرافها جزائريون، وموضوعها عقار مجود بالجزائر والمكان الذي تم البيع فيه هو الجزائر، إذا العلاقة وطنية بحتة، ولكن إذا كان أحد عناصر العلاقة القانونية أجنبيا كأن يكون أحد أطرافها أجنبيا أو أن يكون موضوع العلاقة موجودا في بلد أجنبي وبالتالي يثار السؤال حول القانون الذي يحكم هذه العلاقة هل القانون الجزائري أو القانون الأجنبي؟ فيطرح وفي حالة ما إذا أثير النزاع حول العلاقة التي تشتمل على عنصر أجنبي فيطرح السؤال حول المحكمة التي يكون لها الفصل فيه أي بعبارة أخرى ما هي المحكمة المختصة بالنظر في النزاع الذي يشتمل على عنصر أجنبي؟ إذن فمن بين المواضيع التي يعالجها القانون الدولي الخاص ببيان اختصاص المحاكم التي يكون لها أن تفصل في النزاعات التي ترفع بشأن العلاقات الدولية وبيان القانون الواجب التطبيق عليها وطيف بعض الفقه(1) إدخال بعض القواعد في نطاق القانون الدولي الخاص كقواعد تنظيم الجنسية والقواعد الخاصة بالمواطن وتلك التي تنظم مركز الأجانب في الدولة وتتكفل ببيان الحقوق التي يتمتع بها الأجانب والواجبات التي يلتزمون بها اتجاه الدولة التي يقيمون فيها ويرجع سبب تسميته بالقانون الدولي الخاص إلى الموضوعات التي يعالجها(2) فهو قانون دولي لأنه ينظم العلاقات ذات العنصر الأجنبي وهو قانون خاص لأن هذه العلاقات رغم أنها تحتوي على عنصر أجنبي فإنها تقوم بين أفراد عاديين أي أنها علاقات خاصة.
مطلب 3: معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص وأهمية هذه التفرقة
يرى الفقه التقليدي أن معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص يعود إلى نوع العلاقة القانونية فإذا كانت الدولة طرفا فيها خضعت العلاقة لأحكام القانون العام أما إذا كانت العلاقة القانونية قائمة بين الأفراد خضعت لأحكام القانون الخاص، وقد انتقد هذا الرأي على أساس أن الدولة قد تكون طرفا في العلاقة القانونية ليست باعتبارها ذات سيادة بل باعتبارها شخصا اعتباريا عاديا كما لو قامت الدولة ببيع بعض عقاراتها أو استأجرت عقارا للقيام بنشاط معين ففي هذه الحالة تخضع هذه العلاقة لأحكام البيع أو لأحكام الإيجار المدني وهو فرع من فروع القانون الخاص.
لذا نادت غالبية الفقه بأن معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص لا يرجع إلى نوع العلاقة وإنما إلى طبيعة العلاقة القانونية، وأن معيار التفرقة يعود إلى تعامل الدولة باعتبارها ذات السيادة، فإذا ظهرت هذه الصفة للدولة في العلاقة القانونية خضعت إلى قواعد القانون العام أما إذا انتفت هذه الصفة خضعت العلاقة لأحكام القانون الخاص(1) وبما أن الغرض من أحكام القانون العام تنظيم العلاقات القانونية التي تظهر فيها الدولة باعتبارها ذات سيادة فإنه يترتب على ذلك عدة فروق بينها وبين أحكام القانون الخاص:
1- تتميز قواعد القانون العام بأنها قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على خلاف حكمها لأن غرضها حماية الصالح العام في حين أن قواعد القانون الخاص تتضمن بجانب القواعد الآمرة قواعد مكملة ومفسرة وهي قواعد يجوز الاتفاق على خلاف حكمها.
2- يخول القانون العام للهيئات العامة سلطات لا يوفرها القانون الخاص كالتنفيذ الإداري دون اللجوء إلى القضاء ونزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل.
3- إن العقود الإدارية المبرمة بين الإدارة وعمالها تسري في شأنها أحكام متميزة عن أحكام القانون الخاص فمثلا للإدارة حق تعديل شروط العقد أو إلغاؤه إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.(2)
4- أن النظام القانوني الذي تخضع له الملكية العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة يختلف عن النظام القانوني الذي تخضع له الملكية الخاصة للأفراد إذ يمنحها القانون حماية خاصة تتمثل في عدم جواز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم(1)
مطلب 4: القانون المختلط
هو مجموعة القواعد التي تحمل في طياتها مميزات القانون العام ومميزات القانون الخاص، بحيث لا يمكننا أن ندمجها ضمن أحد أقسام قانون دون القسم الآخر ومن فوعه:
1- قانون العقوبات:
هو مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها ويقسم إلى قسمين:
القسم الأول يتضمن الأحكام العامة التي تسري على الجريمة والعقوبة بوجه عام، فيبين أنواع الجرائم وأركانها كجريمة السرقة وأنواع العقوبات المقررة لها الخ...
أما القسم الثاني وهو قانون الإجراءات الجنائية وهو مجموعة من القواعد التي تبين الإجراءات الواجب إتباعها من وقت وقوع الجريمة إلى غاية توقيع العقوبة، فيبين كيفية ضبط المتهم والقبض عليه والتحقيق معه ومحاكمته، كما يبين كيفية تنفيذ العقوبة التي يحكم بها عليه، وهو قانون إجرائي شكلي(2)، ويرى جانب من الفقه أن قانون العقوبات يعد فرعا من فروع القانون العام، على أساس أن الجريمة التي تقع على الأفراد تعتبر في الحقيقة موجهة ضد المجتمع إذ تعد إخلالا بأمنه ونظامه، فتقوم السلطة العامة بتحريك الدعوى العمومية لردع الجاني بواسطة تطبيق الجزاء.
إذن فحق العقاب يعود إلى السلطة العامة وليس للمجني عليه(1).
لكن يرى جانب آخر من الفقه أن قانون العقوبات يعد قانونا مختلطا نظرا لاحتوائه على نصوص كثيرة(2) تمكن الأفراد من تحريك الدعوى العمومية باعتباره طرفا مدنيا في حالة ما إذا وقع الاعتداء على حقوقهم.
إذن فتحريك الدعوة العمومية غير قاصر على السلطة العمومية بل من حق الأفراد أيضا تحريكها، ومن ثم يكون قانون العقوبات أقرب إلى القانون الخاص، فمن هذه الناحية يتمتع بميزة القانون العام حين تظهر الدولة باعتبارها ذات سيادة وممثلة بالنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، ومن ناحية ثانية له ميزة القانون الخاص إذ تختفي الدولة ويظهر الفرد في تحريك الدعوى العمومية عندما يقع الاعتداء على حقوقه، وبهذا يعتبر قانون العقوبات قانونا مختلطا(3).
2- قانون العمل:
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات التي تقوم بين العمال وأصحاب الأعمال، وقد كانت هذه العلاقات تخضع إلى عهد قريب لأحكام القانون المدني، إذ كان أساسيا مبدأ سلطان الإرادة، فعقد العمل لا تتم شروطه إلا وفقا للاتفاق الذي يتم بين العامل وصاحب العمل الذي كان يصوغ غالبا شروطا جائرة واستغلالية ويهضم جميع حقوق العامل إلى أن جاءت الثورة الصناعية فزادت في قوة أصحاب الأعمال وسيطرتهم، وتوسعت طبقة العمال الكادحة مما أدى إلى رد فعل عنيف من جانب العمال الذين تكتلوا في نقابات تتولى الدفاع عن حقوقهم الأمر الذي جعل المشرع يضع لتنظيم هذه العلاقات قواعد آمرة تضمن حقوق العامل فظهر قانون العمل على أسس جديدة واستقل عن القانون المدني(4)
وقد اعتبر جانب من الفقه قانون العمل فرع من فروع القانون العام لأن معظم قواعده آمرة غير أن هذا القول انتقد على أساس أن القانون الخاص هو الآخر يحتوي على جزء كبير من القواعد الآمرة(1).
إن غالبية الفقه ترى أن قانون العمل يعد قانونا مختلطا(2) لأنه يجمع بين مميزات القانون الخاص والقانون العام وينتمي إلى القانون الخاص لأنه ينظم المسؤولية عند وقوع حوادث العمل، ويحمل ميزة القانون العام لأنه يشتمل على عدة أنظمة تنتمي إلى القانون العام، كنظام التحكم ونظام التفتيش وقواعد التجريم والعقوبات عند مخالفة أحكامه الخ...
3- قانون الإجراءات المدنية:
هو مجموعة القواعد التي تبين الإجراءات المتبعة أمام المحاكم بقصد حماية الحقوق عند قيام نزاع عليها من طرف الأفراد، فيبين كيفية رفع الدعوى والسير فيها، وإجراءات الإثبات من كتابة وبينة، والاستعانة بالخبراء وصدور الأحكام وكيفية الطعن فيها كما يبين كيفية تشكيل المحاكم واختصاصها(3) الخ...
وهذا القانون هو الآخر يحمل في طياته مميزات القانون الخاص والقانون العام لذا يعتبر قانونا مختلطا، فمن حيث تنظيم المحاكم واختصاصها يعد تنظيما لمرفق عام إذ ينظم علاقة المواطن بالدولة المكلفة بحماية الأمن وتحقيق العدل بين الناس ومن ثم فهو يتبع القانون العام أما من حيث إجراءات رفع الدعوى والسير فيها ومن حيث الإثبات والطعن في الأحكام فإنه يتبع القانون الخاص(4).
المبحث 2: أنواع القواعد القانونية
بما أن القانون هو مجموعة من القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع فإن قواعده ليست كلها من صنف واحد ولكنها تنقسم إلى تقسيمات متعددة منها:
1- من حيث شكل صدورها:
تنقسم القواعد من حيث شكل صدورها إلى قواعد مكتوبة وقواعد غير مكتوبة، فالقواعد المكتوبة هي القواعد التشريعية أي القواعد التي تضعها السلطة المختصة بسن التشريع أما القواعد غير المكتوبة هي التي يكون مصرها العرف.
وللتمييز بينهما يجب الرجوع إلى الشكل الذي تصدر منه فإذا صدرت في الشكل الكتابي كانت قواعد مكتوبة ( تشريعية) أما إذا لم تصد في الشكل الكتابي فإنها تكون قواعد غير مكتوبة ( عرفية)
كما تمتاز القواعد المكتوبة بالوضوح والتحديد، أما القواعد غير المكتوبة فهي عبارة عن معنى يستقر في الأذهان دون عبارات واضحة محدودة مما يؤدي إلى الاختلاف في الوقوف على حقيقتها ومضمونها(1).
2- من حيث الموضوع الذي تعالجه:
وتنقسم القواعد القانونية من حيث الموضوع الذي تعالجه إلى قواعد موضوعية وقواعد شكلية، والقواعد الموضوعية هي التي تحدد الحقوق والواجبات كالقواعد التي تبين مصادر الحقوق أو تلك التي تمنع من ارتكاب الجرائم الخ...
أما القواعد الشكلية فهي التي تبين الوسائل التي يمكن بها اقتضاء الحق، أي الإجراءات المتبعة للحصول على الحق عن طريق تنظيم كيفية مباشرة الدعوى سواء كانت مدنية أو جزائية كما تبين القواعد الشكلية اختصاصات الجهات القضائية، وإجراءات التحقيق وكيفية صدور الحكم الخ...
إذن تبين القواعد الشكلية الإجراءات والسبل التي تتخذ بقصد توقيع الجزاء على مخالفة القواعد الموضوعية.
3- من حيث القوة فيها:
تنقسم القواعد القانونية من حيث قوتها إلى آمرة أو ناهبة وقواعد مفسرة أو مكملة، فالقواعد الآمرة هي التي لا يجوز للأفراد مخالفتها بحيث تعتب بمثابة قيد على حرية الأفراد وعلى نشاطهم بقصد إقامة النظام في المجتمع، لكن هذا القيد لا يكون مطلقا إذ القانون يترك للأفراد في المجتمع قدرا من الحرية في تنظيم علاقاتهم وذلك عن طريق القواد المكملة التي يجوز فيها الاتفاق على مخالفة حكمها(1).
- تقسيم قواعد القانون من حيث قوتها الملزمة:
تحقق القاعدة القانونية سلوك الفرد على نحو يحقق مصلحة المجموع، ولا يتسنى تحقيق هذا الغرض إلا إذا كان الفرد ملزما بإتباعها، فتنفذ عليه قشرا عند الضرورة، فالقاعدة القانونية كما رأينا هي قاعدة ملزمة بمعنى أنه لا يجوز للأفراد مخالفتها أو إعفاء أنفسهم من الانصياع لحكمها ولو اتفق أصحاب الشأن على عكس مضمونها، وبهذا المعنى يمكن أن يقال أن القاعدة القانونية قاعدة آمرة لأنها ثمن مصالح الجماعة بأسرها ولا يستطيع الأفراد التهرب منها في تنظيمهم لعلاقاتهم.
وإذا انحصرت رسالة القاعدة القانونية في تحقيق مصالح الجماعة فإن المشرع في دائرة المعاملات الفردية، وضع مجموعة من القواعد القانونية لتنظيم العلاقات الاجتماعية التي لا يهم الجماعة أمر تنظيمها على نحو خاص، وبالتالي لا يمس مصالحها أن تنظم على نحو وقد وضع المشرع هذه القواعد أخذا بيد الأفراد في تنظيم علاقات قد لا يحسنون أو يستطيعون تنظيمها أما إذا قام الأفراد في نطاق هذه العلاقات التي لا تمس مصالح الجماعة بتنظيم تصرفاتهم على النحو الذي يرون صالحا لهم، فقدت هذه القواعد حكمة تطبيقها ويتعين الأخذ بما اتفقوا عليه خاصا بهم، فالغرض الذي استهدفه المشرع من وضع هذه المجموعة من القواعد هو تحقيق مصلحة الأفراد بتنظيم تفصيلات لعلاقاتهم الخاصة التي قلما يعنى الأفراد بتنظيمها فيقع على عاتق القضاء عبء تفسيرها وقد تختلف أحكام المحاكم بشأنها مما يؤدي إلى إلقاء الاضطراب في العلاقات القانونية وفقدان الثقة في المعاملات المالية لذلك كان طبيعيا أن يستطيع الأفراد الاستقلال بتنظيم هذه العلاقات على نحو يحقق مصالحهم، وبالتالي تطبيق القواعد القانونية التي لم يضعها المشرع إلا لتحقيق مصلحة الأفراد ولكفالة استقرار المعاملات، ويسمى هذا النوع من القواعد المقررة أو المفسرة أو المكملة لإرادة المتعاقدين.
القاعدة الآمرة أو الناهية:
هي القاعدة التي لا يجوز للأفراد أن يتفقا على مخالفتها لأنها تمثل مصلحة عامة للجماعة وتعتبر نابعة عن إرادة الجماعة لتنظيم علاقة قانونية على وجه معين يتفق مع مصلحتها، ويطلق عليها آمرة لأنها تتضمن أمرا كما يطلق عليها أيضا القاعدة الناهية لأنها قد تتضمن نهيا لا مناص للأفراد من طاعته، فالقاعدة التي تلزم رب العمل بالتعويض للعامل إذا أنهى العقد تعسفا منه قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق وقت إبرام العقد على الإعفاء من التعويض عن هذا الإنهاء التعسفي، كذلك نصوص قانون العمل والقانون الإداري والجنائي وقوانين المالية العامة والقانون الدستوري وفي القانون المدني أيضا نجده يشتمل على قواعد آمرة وناهية: مثل تحديد سعر الفائدة كذلك التقادم فلا يجوز النزول عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه أو الاتفاق على مدد أخرى تختلف عن المدد التي حددها القانون.
كذلك فإن القواعد الشكلية مثل قوانين تنظيم القضاء وقانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية هي قواعد آمرة.
مطلب 2:القواعد الآمرة والقواعد المفسرة
إذن من حيث القوة الملزمة هناك نوعان من القواعد:
1- القواعد الآمرة والناهية: ويمكن تعريفها بأنها هي التي تأمر بسلوك معين وتنهي عنه بحيث لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره ومثالها القواعد التي تنهى عن القتل والسرقة والتزوير أو القواعد التي تأمر بأداء الخدمة الوطنية أو بدفع الضرائب الخ...
2- أما القاعدة المكملة: هي تلك التي تنظم سلوك الأفراد على نحو معين ولكن يجوز للأفراد الخروج عن حكمها أي يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها وإذا ما اتفقا على حكمها كان اتفاقهم صحيحا، أما إذا سكتوا ولم يتفقا على ما يخالف حكمها كان الاتفاق يسري في حقهم(1) ومن أمثلة القواعد المكملة ما قضت به المادة 388 من القانون المدني الجزائي: يكون ثمن البيع مستحقا في الوقت الذي يقع فيه تسليم المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض بخلاف ذلك.
من خلال هذا النص يتضح أن المشرع قد ربط بين وقت الوفاء بالثمن ووقت تسليم البيع،فجعل الوفاء بالثمن مستحقا في الوقت الذي يسلم فيه البيع حتى تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد، غير أن هذا الحكم يكون ملزما للمتعاقدين ما لم يوجد اتفاق بينهما أو عرف يقضي بغير ذلك، فقد يتفق المتعاقدان على أن يدفع الثمن قبل أو بعد تسليم البيع وقد يقض العرف بأحكام أخرى يتعين إتباعها، أما إذا سكت المتعاقدان عن ذكر ما يخالف هذا الحكم ولم يكون هناك عرف يقضي بغيره أصبح هذا الحكم ملزما وواجب التطبيق لأنه يكمل ما نقص في اتفاقهما ومن هنا جاءت تسمية القاعدة المكملة أي أنها تكمل إرادة المتعاقدين، أما تسميتها بالقاعدة المفسرة فمعناه أنه إذا سكت الأفراد عن الاتفاق على حكم مخالف فإن هذا السكوت يفسر بمثابة انصراف نية المتعاقدين إلى تطبيق حكم القاعدة(2).
وقد يثار التساؤل حول عنصر الإلزام في القاعدة المكملة فهل منح الأفراد حق مخالفة حكمها يدل على أنها قاعدة لا تتمتع بخاصية الإلزام؟
سبق أن رأينا أنه من خصائص القاعدة القانونية أنها ملزمة سواء كانت آمرة أو مفسرة، ولكن كيف يمكن التوفيق بين القول بأنها قاعدة ملزمة في الوقت ذاته وبين استطاعة الأفراد مخالفة حكمها.
يرى جانب من الفقه أن القواعد المكملة تمر بمرحلتين(1):
المرحلة الأولى: هي المرحلة السابقة على الاتفاق بين الأفراد فتكون القواعد فيها اختيارية أي غير ملزمة للأفراد بحيث يجوز لهم أن يتبعوا حكمها أو يخالفوه حسبما تقضي به مصلحتهم.
المرحلة الثانية: فهي التي تبدأ من وقت اتفاق الأفراد دون أن يستعملوا حقهم في مخالفتهم فتصبح هذه القواعد ملزمة.
انتقد هذا الرأي بأن القاعدة القانونية لا تعتبر ملزمة إذا انتفت عنها خاصية " الإلزام"، فإذا قلنا أن القاعدة المكملة غير ملزمة قبل اتفاق الأفراد على خلافها فمعنى ننفي عنها الصفة القانونية في الفترة السابقة على الاتفاق، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن القاعدة تبقى كما هي لا تتغير.
إذن كيف يمكن القول بأنها تكون غير ملزمة ابتداء قبل الاتفاق ثم تصبح ملزمة انتهاء بعد الاتفاق بين الطرفين على العمل بها؟
الواقع أن القواعد المكملة قواعد ملزمة من وقت نشوئها مثلها مثل القواعد الآمرة، ولكن لا تطبق القاعدة القانونية سواء كانت آمرة أو مكملة إلا إذا توافرت الشروط اللازمة لتطبيقها ومن بين شروط تطبيق القاعدة المكملة عدم اتفاق الأفراد على مخالفتها امتنع تطبيقها لا لأنها قاعدة غير ملزمة ولكن لأن شرطا من شروط تطبيقها قد تخلف.
معيار التمييز بين القواعد الآمرة والناهية وبين القواعد المكملة:
هناك معياران للتمييز بين القواعد الأولى والقواعد المكملة:
المعيار الأول: يتمثل في صياغة القاعدة ذاتها أو كما يطلق عليه المعيار الشكلي أو الجامد، ومقتضاه أنه ينظر إلى صياغة القاعدة بحيث تفصح ألفاظ المص على نوع القاعدة وطبيعتها القانونية كأن يوجد في النص الألفاظ أو العبارات التالية: يجب لا يجوز أو يقع باطلا أو يمتنع أو يعاقب... فكل هذه الألفاظ تستعمل للدلالة على طبيعة القاعدة القانونية آمرة أو ناهية ومن ثم فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها(1) أما إذا كانت عبارة النص تكتسي الصيغة التالية: ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك أو ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك أو ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك الخ... فهذه العبارات تدل على أن طبيعة القاعدة القانونية مكملة أي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حكمها(2).
المعيار الثاني: وهو معيار النظام العام والآداب العامة أو ما يطلق عليه المعيار المرن أو المعنوي وهو يعتمد على معنى النص أو مضمونه فإذا اشتمل مضمون القاعدة المحافظة على النظام العام في المجتمع أو تحقيق مصلحة عامة كانت القاعدة آمرة، أما إذا تضمن مضمون القاعدة تنظيم مصلحة خاصة بين الأفراد فإن القاعدة تكون مكملة ويقصد بالعام مجموعة الأسس والمبادئ العامة التي يقوم عليها نظام المجتمع الأعلى على عدة جوانب سياسية أو اجتماعية أو خلقية واقتصادية الخ...
ومن المبادئ الجوهرية المحافظة على أرواح الأفراد وأموالهم ومحاربة السرقة والمخدرات.... وفكرة مرنة تختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر وغالبا ما تثار بعامل الدين والتقاليد السائدة في المجتمع، أما الآداب العامة فيقصد بها تلك الأسس الخلقية التي ترمي إلى صيانة كيان المجتمع، فهي جزء من النظام العام لأنها تمثل الجانب الخلقي(3) ومثالها القواعد التي تمنع من فتح بيوت القمار أو بيوت الدعارة.

الفصل الثالث: نطاق تطبيق القانون
القاعدة القانونية مهما كان مصدرها يتعين تطبيقها متى توافرت شروطها، والشروط القضائية هي المكلفة بهذا التطبيق، لكن تحديد نطاق القاعدة القانونية يثير ثلاثة مسائل:
1- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية بالنسبة للأشخاص المخاطبين بأحكامها، ومن المقرر أن القاعدة القانونية تسري في حق الكافة ولو كانوا على جهل بها.
2- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث المكان، أي هل القاعدة القانونية تعد إقليمية من حيث التطبيق أو شخصية.
3- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان وهو ما يطلق عليه بتنازع القوانين من حيث الزمان فعندما يلغى القانون القديم ويحل محله قانون جديد (1)
المبحث الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث المكان والأشخاص والزمان
المطلب الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص
بمجرد استفاء القاعدة القانونية شروط تكوينها، ومهما كان مصدرها سواء كان التشريع أو غيره من المصادر، فإنها تسري في حق جميع الأشخاص المخاطبين بأحكامها بدون استثناء ودون الادعاء بعدم العلم بها، وهذا ما يطلق عليه في الاصطلاح القانوني مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون ويطرح السؤال حول الأشخاص المخاطبين بحكم القاعدة القانونية إذا اختلف الرأي حولهم.
فيرى جانب من الفقه الألماني أن القانون لا يخاطب المواطنين وإنما يخاطب الأشخاص الذين يمثلون أجه

إرسال تعليق

 
Top