GuidePedia

0

الباب الثالث
النظريات التقليدية و النظريات الحديثة

اكتشف الفقه الفرنسي بعد تجربة قرن من التطبيقات العملية القانونية أن مبدأ عدم رجعية القوانين وحده غير كاف لحل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان ¹
و ذلك بعد فشل المعايير التي أتت لتفرق بين ما إذا كان القانون رجعيا أو لا ².
و هذه المعايير نحصرها في النظريات التقليدية مع العلم، بأن أشهر هذه النظريات هي نظرية الحقوق المكتسبة التي وجه إليها الفقه الحديث انتقادات لاذعة، بعد اكتشافه أن هذه الأخيرة لا تقوم على أفكار واضحة، وأن غموضها أدى إلى نتائج غير مقبولة، و كونها ركزت كليا على مبدأ عدم الرجعية الذي اعتبره الفقه المناقض عيبا فادحا و مخلا لأساسها، لذا استعمل هذا العيب كأداة كافية لإبراز قصورها، و بالتالي إبعادها هن المجال القانوني، خاصة بعد استحواذ النظرية الحديثة على هذا الميدان، و ذلك لكونها تلافت عيوب النظرية التقليدية.
و صارت هذه النظرية توفق بين مبدأين عوض مبدأ واحد، ألا و هما الأثر الرجعي و مبدأ الأثر المباشر للقانون³.
كما أنها أعطت مفهوما جديدا للأثر الرجعي يختلف تماما عن المفهوم التقليدي الذي ظل موجود طوال وجود النظرية التقليدية.

¹ Level : Op.Cite. N° 83 P. 148 ² أنظر: حسن كيرة _ المدخل للقانون 1974 _ ص 342 ، و أنظر كذلك:
Bomecase: Op.Cite.T.2.PP.128-280.
³ عبد المنعم فرج الصده _ المرجع السابق _ ص 228.
الفصل الأول
نظريات الحقوق المكتسبة

ظهرت نظرية الحقوق المكتسبة على يد الفقيه " Tronchet "¹ " ترونشت " الذي اشترك في وضع تقنين نابليون ².
هذه النظرية التي ظلت سائدة طوال القرن التاسع عشر سيادة مطلقة لدى الفقه و القضاء، و ذلك لاعتبارها نظرية جامعة و شاملة لموضوع تنازل القوانين من حيث الزمان. و التي استندت عند وضع قواعدها الأولى على تجربة تشريع المرحلة الوسطى، و القانون الثوري في سنته الخامسة. و لذلك ظلت منشغلة لأمد طويل في عملية التمييز بين الحقوق المكتسبة و غير المكتسبة أي " مجرد آمال "
لقد اتجهت جميع مجهودات مفسري القانون المدني الفرنسي مباشرة بعد صدوره إلى تعريف الحق المكتسب الذي ظل لمدة طويلة يعوق تطبيق القانون الجديد نظرا لتعارضه مع الحق الذي لم يكتسب بعد.
و كان مارلين دي دوي ³ سباقا إلى تأييد هذه النظرية بدون أي تردد فيتضح من تعريفه لهذه النظرية، أن الحق المكتسب هو الحق الذي يدخل في ملكنا الخاص و يصير جزءا منا، لا يستطيع أحد نزعه منا. كالحق الذي يكتسب من العقد مثلا، أو الذي ينشأ عن وصية بعد وفاة الموصي، فعنصر

¹ سمير عبد السيد تناغو – المرجع السابق – ص 659 و إلى جانبه Dekewer المرجع السابق
² Roubier, droit transitoire. P 112 et S. المرجع السابق _ ص 293 و ما يليها: Roubier:
³ Merlin dedouai.Rep.de jurisp.effet rétroactif, III, § 1, n ° 3 Ghabot de l’Allier, question transitoire sur le code Napoléon 8° éd. Sijon 1929
الثبات بالنسبة لـ " Merlin Dedouai " هو الطابع المميز للحق المكتسب.
كما وصف الحق الشرطي بأن له نفس مميزات الحق المكتسب، أما الحق الذي يصدر عن مانحه، و يتراجع صاحبه هذا عن منحه فأنه لا يعتبر حقا مكتسبا بل مجرد أمل أو احتمالا، للقانون الجديد أن يخضعه لسلطانه مباشرة. و يستطيع بعد ذلك إبطاله أو تعديله طالما أن طبيعته تتطلب ذلك.
و تمتد سلطة القانون إلى كل ما هو قابل للإلغاء، أما عند دوي و غيره من فقهاء النظرية التقليدية، فلا يمكن للقانون الجديد مس حقوق مكتسبة نهائيا. كما وصل إلى نتيجة أخرى عند فصله بين الحقوق المكتسبة و الحقوق الشخصية اللصيقة بالشخص و يقصد بها الأهلية المدنية، فهذه الحقوق تخضع لأثر القانون المباشر بدون رجعية ¹ مثل ذلك أن للقانون أن يعدلها ابتداء من تاريخ نفاذه، دون أن يرجع على ما تم قبل نفاذه، بما في ذلك آثار التصرفات السابقة. أما الحقوق العينية المتمثلة في الأموال فيميزها تقسيم أساسي ألا و هو الحقوق التي ينشئها القانون، فبالنسبة للحقوق الناشئة عن الاتفاقات مهما كان نوعها، تعتبر حقوقا مكتسبة، و بالتالي لا يمكن للقانون الجديد أن يمسها.
كما لا يمكن الحكم فيها في جميع الأحوال و ذلك حتى بالنسبة للآثار التي تلحقها.
و في النهاية نخلص إلى أن " دوي " أخرج العقود التامة أو على الأقل العقود السارية من نطاق الأثر المباشر للقانون الجديد، و هذه النتيجة هي نفسها التي تبناها روبييه عند تطرقه للأثر المستمر للقانون القديم.
أما فيما يخص الحقوق التي ينشئها قانون معين، فأنها تملك القوة التي يملكها هذا الأخير، فإذا نفذ القانون الجديد نفذت و إذا أبطل بطلت. و هنا أيضا تقوم المشكلة و يخرج الأمر من نطاق دائرة الحقوق المكتسبة و مجرد الأمل.
لذا خلط هذا الفقيه بين مبادئ النظرية العامة لتنازع القوانين و المسائل الانتقالية المتعلقة بتطبيق


¹ Roubier : Op.Cit. PP. 278 et S
القانون المدني ² حيث ضمنها كلها في قالب مشترك دون منهج واضح و أراد أن يستخرج من عبارة الحق المكتسب الخطوط العريضة بغية تطبيقها على النظرية الحديثة لتنازع القوانين أما " Blondeau " ³ فقد اتخذ منهجا مخالفا عند محاولته المعروفة بالأثر الرجعي للقوانين.
هذا الفقيه يحبذ أن يكون القانون الجديد مطابقا للقانون القديم.
لأن الفائدة الكبرى من القوانين لديه هي الأمان الذي توفره و الثقة التي تمنحها للشخص في المستقبل، و هذا ما يراد من عملية سن القوانين.
فإذا كان القانون يوجب احترام العلاقات السابقة فليس للقانون الجديد أن يرفع هذا الاحترام في وقت لاحق، بل يبقي عليه كما كان في ظل القوانين القديمة.
إن النهاية التي يريد أن يصل إليها " Blondeau " من خلال نظريته للأثر الرجعي، هي فرز الحالات التي لا يمكن للقانون الجديد المساس بها من خلال أثره الفوري و ذلك نظرا للأهمية التي تكتسبها من جهة و تفاديا للعيوب التي قد تنجم نتيجة المساس بها من جهة أخرى.
المهم أن خلاصة النقد التي وجهها الفقه الحديث بوجه عام إلى نظرية " بلوندو " " Blondeau " أنها غير واضحة، و أن هذا الفقيه لم يتطرق إلى تعريف الأثر الرجعي للقانون تعريفا قانونيا، بل اكتفى بإعطاء تبرير فلسفي لمبدأ عدم الرجعية، تمثل في حاجة الفرد إلى الثقة و الأمان.
و بذلك نجد أن " Blondeau " قد أهمل البناء القانوني لهذه المادة، لأنه كان متأثرا بشدة بفقهاء العصور الوسطى.
إن التمييز بين الحجج القوية و الحجج الضعيفة لا يكفي لضبط حدود القانون من حيث الزمان،

¹ سمير عبد السيد تناغو – النظرية العامة للقانون – بيروت 1972 - ص 119 و ما بعدها Dekewer defossze, les dispositions transitoire ²
³ Blondeau: Essai sur ce qu’on appelle l’effet rétroactif des lois seray 18 ° 9.P 277 Aubry et Rau.Op.Cit.T.1 §30.P.120 et S. Roubier, conflits de lois dans, e temps.2 vol.1929.P.224.
و بالتالي لا يقدم حلا لهذه المشكلة و لو بقدر معين.
لذلك دمت هذه النظرية لكونها لا تؤدي إلى نتيجة محددة، و بعد ذلك بقليل ظهرت مبادئ حول بعض المسائل الانتقالية على يد كل من Meyer ¹ و بنتو Pinto ².
فالمسالة التي اعتمدها ميير تتمثل في أن " من اكتسب حقا شرعيا، لا يمكن تجريده منه، و لا إلغاءه، و كل إجراء يخالف هذا المبدأ يعد إهدار للحقوق الثابتة للملكية، و خرقا صارخا للمبادئ الإنسانية.
و يضيف فيما بعد استثناء على ذلك يتمثل في الحقوق المكتسبة المخصصة للاستعمال العام.
بمعنى أن القانون لا يحرم الفرد من الحقوق التي اكتسبها بصفة شرعية، إلا إذا كانت هناك تعديلات قانونية، قد تؤدي إلى ضياع حق مكتسب، و في هذه الحالة يجب أن يعوض صاحب هذا الحق.
و هكذا لم يفلت ميير هو الآخر من الخلط بين احترام الحقوق و المكتسبة و معارضة رجعية القانون، فبالرغم من محاولته إعطاء نظرية متكاملة إلا أن محاولته هذه اعتمدت أساسا ضعيفا.
و يلتقي ميير مع " Blondeau " ³ في تناوله لموضوع العقود ضمن القانون الانتقالي، فكانت نظريته تلك ضيقة الأفق، حيث أراد من خلالها إحصاء أثار العقود الحقيقية، أي الحقوق و الالتزامات التي أنشأها الأفراد إيجابيا، و حصرها عن تلك التي ينشأها المشرع.
هذا ما قيل عن ميير أما عن مارلين " Merlin " و " Chabot " فذهب كل منهما إلى التأكيد

ملاحظة: ميير: قاضي بأمستردام.
بنتو: محامي لدى المحكمة العليا بفرنسا – أنظر روبييه في المرجع السالف الذكر.
¹،² المرجع السابق – ص 22 و ما يليها Roubier : Op.Cit .P.227 et S Roubier : droit transitoire .PP.20 et S ³ Merlin, Rep.de juris sprudence, l’effet rétroactif.3, 1.N° 31
⁵ Ghabot de l’Alier, questions transitoire sur le code Napoléon 1° ed. 1809
على أن الحقوق المكتسبة، فتعامل نفس المعاملة.
المطلب الأول: نظرية سافيني ¹.
من ملاحظات بعض الفقهاء أن الفقيه الألماني " Savigny " أتى بخطوة حميدة تساهم في تطوير علم تنازع القوانين من حيث الزمان حيث تصمن الجزء الثامن من كتابه " Traité de droit " " Romain Moderne……" كيفية تنظيم تنازع القوانين بشكل عام، ففي البداية تعرض لعرض تنازع القوانين من حيث المكان، ثم تعرض لعرض تنازع القوانين من حيث الزمان.
و وجدنا من خلال دراسته هذه، أنه لم يول أهمية بالغة لموضوع تنازع القوانين من حيث الزمان كما أولاها لموضوع تنازع القوانين من حيث المكان، ورغم ذلك فإنه قدم إلى كلا الموضوعين فائدة معتبرة.
إن من يريد أن يفهم اتجاه سافيني، عليه أن يرجع إلى النظرية الألمانية التي كانت سائدة أثنا" ورض سافيني لدراسة موضوع تنازع القوانين.
ففي بداية القرن التاسع عشر كانت أفكار النظرية الألمانية متشابهة مع أفكار كل من " Merlin " و " Chabot " ² فقامت بتعريف الحق المكتسب و قالت بأنه غير قابل للإلغاء و لا يمكن نزعه من أحد بدون رضاه.
لكن هذه الصورة من التفكير سرعان ما تغيرت و اتخذت شكلا آخر بالنسبة للنظرية الألمانية الحديثة، ذلك لأن الفقه الألماني كان متأثرا بالحركة التشريعية المناهضة للسيطرة النابليونية، فكان بذلك
معاديا لنظرية الحقوق المكتسبة. لذا اتجه إلى تحرير نظريته بشكل جديد و مختلف عن التشريع الأجنبي.

¹Savigny, traité de droit romain modernisé, T VIII, Tra, par Guenoux chap. 1° .P 12 à 362 «  conflits de lois dans l’espace, chap.2 P 363 à 528 ; conflits de lois dans, e temps. ² Merlin de Douai, rep de jueis. L’effet rétroactif. III, 1, n°3 et S.
Chabot de l’Allier. P. 92 et S
و لم تظهر تلك العداوة اتجاه التشريع الفرنسي بوضوح لدى " Savigny " كما ظهرت عند " Weber " و برقمان¹
المطلب الثاني: قاعدة نابليون.
تبين من خلال هذه القاعدة أنه تم التمييز بين ما إذا كان العقد تاما أو إذا كانت آثاره لم تكتمل بعد، فحسب هذه القاعدة تعد مشروعية العقد محكومة بقانون يوم انعقاده أما آثاره فتخضع لحكم القانون الذي تظهر في ظله.
أما العقد الذي تظل آثاره سارية إلى حين صدور القانون الجديد، فإنه يخضع لأثر القانون القديم، و هذه القاعدة وردت عليها عدة استثناءات من بينها المادة 2281 ² من قانون نابليون المنظمة لمسألة التقادم.
فهذه المادة تسلم بتطبيق القانون القديم على التقادم الساري.
و لذلك أظهر كل من ويبر و برقمان كما أشرنا سابقا عداءهما تجاه الاتجاه الفرنسي.
فويبر، صرح بعدم صلاحية نظرية الحقوق المكتسبة و ذكر بأنها تشكل خطرا كبيرا على علم القانون، و اتهم " قابو " بأنه قد تعامل بمفهوم يخالف الحقيقة العلمية، لذلك أدت اجتهاداته إلى صعوبة مادة تنازع القوانين من حيث الزمان.
و لا يتردد ويبر ³ في القول بأن تلك البديهية المزعومة التي ترمي إلى الاعتماد على القانون
القديم لا يمكن أن تكون إلا مع وجود قوة نافذة، لذا ما من أحد له الحق في الإلحاح بالتمسك بهذا القانون، لأن بذلك لا يمكن التوصل إلى إلغاء أي نص يخفي وراءه فكرة احترام الحقوق المكتسبة.
ففي هذه الحالة يمكن التمسك بأسس قانونية محدودة بعيدة عن المنطق و الصالح العام، و هذا لا

¹ المرجع السابق – ص 301 و ما بعدها Roubier
Code civil Français .P 34 ²
³ المرجع السابق – ص 364 و ما بعدها. Savigny
يقبله العقل بتاتا.
بهذا يمكن لنا حصر مقولة ويبر في مبدأ وحيد مقتضاه فشله ¹ في محاولة إيجاد قانون جديد على أساس استخلاصه من زمن قديم كإخضاعه لآثار قانونية ماضية تابعة لعقود قانونية سابقة لسلطان القانون الجديد بعد أن أصبحت هذه الأخيرة غير نافذة بفعل صدور القانون الجديد.
فويبر يرى أن هذه هي الرجعية غير المقبولة. أما برقمان ² فيرى أن القانون الجديد له أن ينظم وفقا لأحكامه آثار العقود القانونية السابقة. و بذلك يكون قد أعطى لهذه الجزئية عمقا بعيدا نظرا لمشروعية تطبيقها بالنسبة إليه، حيث ذكر بشأن ذلك ما يلي:
لا يمكننا في أي شكل من الأشكال أعطاء قاعدة ترمي إلى أن القوانين الجديد أحسن من القوانين القديمة لكن يجب على كل مواطن في الدولة أن يتبع القوانين النافذة في مرحلته و في بلده، فهذه حقيقة مفروغ منها، فالمبدأ السامي عنده هو أن كل ما يأتي اليوم، يجب النظر إليه في إطار قوانين اليوم.
إن اتجاه هذه الفترة كان يميل إلى إعطاء القوانين الأثر المباشر، أو بصورة أخرى إلى تغليب الأثر المباشر، هذا هو المحيط القانوني الذي تمت فيه نظرية " Savigny " و هو عند كتابته لها، أهمل بعض الأفكار الثانوية ³ كأفكار" Gorgi "التي تؤدي إلى التمييز بين الحقوق المتساوية و التي تمثل جزءا من التشريع العام ( كحقوق الأحداث و النساء ) و الحقوق المكتسبة عن طريق العقود
القانونية الخاصة، فالنتيجة التي وصل إليها " Savigny " في هذه المادة هي أن القوانين الجديدة ليست لها أثر رجعي، ولا يمكن لها المساس بالحقوق المكتسبة.
لذا علق الفقه على هذا المبدأ بأنه لا يصلح إلا لصنف معين من القواعد القانونية لأن هناك
¹ المرجع السابق – ص 302 و ما بعدها. Roubier :
² المرجع السابق – ص 367و ما بعدها: Savigny
³ المرجع السابق – ص 508 إلى 581. : Savigny
المرجع السابق – ص 308 و ما يليها. Roubier :
قواعد متعلقة باكتساب الحقوق و هناك قواعد أخرى خاصة بوجود هذه الحقوق كالحقوق غير المالية، فهذا المبدأ إذن صالح للتطبيق على القواعد المتعلقة بالحقوق المكتسبة فقط دون غيرها، أما الحقوق غير مكتسبة، فلا تخضع لهذا المبدأ بمعنى أن للقانون الجديد أن يتصرف فيها بأي شكل من الأشكال. و تتمة لما أتى به " Savigny " في نظريته، ذكر أن اكتساب الشخص لحق ما، غالبا ما يقابله سقوط نفس الحق من شخص آخر ¹، و عن ذلك أورد الفقه الحديث تعليقا، مقتضاه أن القوانين التي تجد في نطاقها حقوقا مكتسبة لا يجب أن تكون رجعية خوفا من التعارض مع قاعدة الرجعية التي تفرض نفسها، سواء ترتبت الآثار الناتجة عن الفعل المكتسب قبل القانون الجديد أو بعده ²، مثل ذلك: الفوائد المستحقة قبل هذا القانون، فالفوائد الاتفاقية سواء تمت قبل القانون الجديد أو بعده، تكون مكتسبة، و ختام التعليق عن " Savigny " أنه أكثر من غيره في توضيح مفهوم الحق المكتسب، حيث برزت معارضته للاحتمالات و للتكييف القانوني، كما بين متى يكون الفرد بصدد اكتساب حق كامل، و لو كان ذلك الحق يشكل عائقا كبيرا اتجاه تطبيق القانون الجديد.
إن تلك الانتقادات الكثيرة التي وجهها الفقه بشكل عام إلى نظرية سافيني، لم تكن هي الوحيدة في معارضته، بل نجد أن الفقه الألماني الحديث لم يتأخر في إحصاء عيوب نظرية عدم نظرية سافيني حيث عيب عليها أنها لم توفق في طرح نظرية عدم رجعية القانون، لأنها إلى جانب تمسكها بمبدأ عدم
الرجعية، فرضت وجوب احترام الحقوق المكتسبة، بل أكثر من ذلك أنها لم تدخل استثناءات على
المبادئ العامة التي أوردتها و ظلت محافظة على الطابع الروماني الكلاسيكي الذي يجمع بين تطبيق القوانين الجديدة و القديمة.
كما أعطى سافيني تفسيرا مخالفا لمفهوم الحقوق المكتسبة، بحيث اتجه إلى الأخذ بقاعدة " الأعمال

¹ المرجع السابق – ص 373. : Savigny
² المرجع السابق – ص 305. : Roubier
التامة " ¹ و لكن بأسلوب يختلف عن أسلوب ويبر و برقمان. أي أسلوبه يتضمن قاعدة عدم الرجعية " المحافظة على الحقوق المكتسبة " إلى جانب سريان القانون القديم.
المطلب الثالث: نظرية لاسال.
انطلق لاسال ² في شرح نظريته للحقوق المكتسبة و تنازع القوانين من فكرة فلسفية مثالية، و المعنى الذي أولاه للرجعية، هو اختراق هذه الأخيرة لمبادئ حرية الإنسان، و إضعافها لمسؤولياته، و بناء على مخاطر الرجعية، ينتهي لاسال في تحليله إلى رفض الرجعية.
لقد وضع نفسه في مكان الفرد و قال بأنه: لو صدر منه تصرف معين خلال نفاذ قانون معين، وبعد ذلك صدر قانون جديد يقتضي بمنع ذلك التصرف كيف يبرز المشرع أو القاضي عدم احترام إرادة المتصرف في إيتاء ذلك التصرف ؟.
فالقانون الجديد إذا كان من شأنه مساس تصرف الفرد رجعيا فإن إرادة المتصرف تتحول إلى إرادة أخرى غير تلك التي ابتغاها المتصرف لنفسه.
لذا يرى " لاسال " أن هناك تضاربا بين القانون القديم و القانون الجديد، بحيث يمنح القانون القديم أثناء نفاذه حرية التصرف بإرادة مطلقة، ثم يأتي القانون الجديد ملغيا لتلك الإرادة و بسبب هذا التناقض يظل الفرد خائفا و مترددا عندما يقبل على إيتاء تصرف معين.
لذا يرى أن هذا الصنف من القوانين يجافي المنطق و يخالف فكرة القانون لأنه يهدم نشأة الحق بشكل عام
و لما كان احترام الحقوق المكتسبة لدى نظرية تنازع القوانين من حيث الزمان، يرمي إلى

¹ Infra, P. 358 et S.
² لاسال: نظرية منهجية الحقوق المكتسبة و تنازع القوانين.
عدم زعزعة الكائن الإنساني، و عدم خرق حريته، فإنه يستحيل عند " سال " أن تبتعد فكرة الحق عن فكرة الإنسان الذي يفكر و يقرر بحرية.
لذا اختصرت خلاصة " سال " في تمسكها بصورة مشددة، بعدم السماح للقانون برجعيته عن الأفعال الإرادية التي صدرت عن الفرد بحرية. و لذا لم تسلم نظرية " سال " عي الأخرى من العيوب، بل أنها اعتبرت أضعف من النظريات التقليدية الأخرى، لأن " سال " كان يعتمد على الأفعال المكتسبة للحقوق، إلا و هي تلك الأفعال الإرادية، لأن اكتساب الإرث مثلا، عملية ينظمها القانون لذا كان الأجدر " بلاسال " أن ينتبه إلى مثل هذه التنظيمات القانونية التي يستوجب البحث فيها بغية إثراء مادة القانون الانتقالي ¹.
إضافة إلى ذكر ما أورده " لاسال " بصدد نظريته، فإنه قد رفض الرأي القائل بخضوع الجنح المدنية لقانون يوم نشأتها أو يوم ارتكابها.
و تعرض فكرة التمييز بين الحقوق التعاقدية و الحقوق الأصلية، و مع ذلك فقد أشار بنفسه إلى أن نظريته ناقصة ² كباقي النظريات الأخرى، و لم يكن من أولئك الذين يلحون على توفير الضمان الكافي لآثار العقود السارية تجاه القوانين الجديدة ³
لقد أبدى في خلاصة نظريته، نظرة معاكسة لما ذكره بصدد احترام الحقوق الإرادية، فقد يذكر أن الفرد لا يمكنه أن يأمن على حقوقه الشخصية و حقوق الغير إلا إذا سمحت له القوانين الجديدة باكتسابها، وفقا للحدود التي تعيها هذه الأخيرة.
و هكذا يكون " لاسال " قد ركز على فلسفة القانون عوض القانون الوضعي، لذا لم يخف شعوره

¹ Op.Cit. P 99 et S.
² بوريس ستارك: المرجع السابق في المدخل للقانون.
³ دوجي: المرجع السابق الذكر.
بنقص نظريته، فقد ذكر بأنه يستحيل أن تحصر نظرية واحدة جميع الحلول العلمية لمشكل تنازع القوانين من حيث الزمان.
المبحث الأول: نتائج نظرية الحقوق المكتسبة.
هذه النظرية التي سادت طيلة القرن التاسع عشر و التي تبناها مفسرو القانون المدني الأوائل، أعطت لاصطلاح " الحقوق المكتسبة " المعنى الذي كونه كل من Marlin de douai و Chabot de lalier - Meyer، لقد توصلوا إلى تقديم أن ليس هناك تعارض بين الحقوق المكتسبة و الحقوق التي ليست بحاجة إلى اكتساب و هي الحقوق الشخصية اللصيقة بالإنسان منذ ولادته، كما كان سائدا خلال القرن الثامن عشر ¹.
و يقوم البحث عند هؤلاء الفقهاء على الحقوق المكتسبة و غير المكتسية، لذا ينصرف تطبيق القانون وفقا لهذه التفرقة.
و لقد وردت تعريفات كثيرة متداولة بخصوص تحديد هذا المفهوم، لكنها لم تكن بكاملها مجدية، طالما أن المبدأ الأساسي الذي قامت عليه لم يكن صحيحا، فما قيمة تحديد الحق المكتسب و مجرد الاحتمال إذا كان هذا التحديد أصلا لم يقدم الأسس الكفيلة لبناء نظرية متكاملة لموضوع تنازع القوانين من حيث الزمان.
فكثير من الفقهاء لم يولوا اهتماما خاصا للتمييز بين الحقوق المكتسبة و المؤهلات الشرعية، و لم يعينوا ما يخضع لفعالية القانون الجديد، بل كل ما كانوا يقولون به أن القانون لا يجب أن يمس الحقوق المكتسبة، أو أن يعلنوا تطبيق القانون الجديد و لكن مع احتفاظهم باحتياطات خاصة باحترام الحقوق
لذا كانت كل المحاولات النظرية و العلمية التي تفضلت بها النظريات التقليدية تؤدي إلى نتيجة واحدة هي عدم مساس القانون الجديد للحقوق المكتسبة.
¹ S H. Capitant. Introduction. Op.Cit. P. 95 et
و كان القاضي هو الأداة الرئيسية لتحقيق هذه النتيجة و ذلك بتوليه أبعاد تطبيق القانون الجديد إذا كان من شأنه المساس بالحقوق المكتسبة.
و من الحق المكتسب مرة أخرى، كتب زكاريا¹ موضحا انه غير قابل للإلغاء أما " Demelombe " ² فذكر أن الحق الذي يكتسبه الفرد لا يمكن نزعه منه و لو بمقدار الثلث، هذه الفكرة استقر عليها كل فقهاء القرن التاسع عشر. و قد تضمن كتاب " أمري و رو "³ أهم نتائج هذه النظرية التقليدية، حيث لخصت في مبدأ ازدواجي يقضي بأن كل قانون جديد يجب أن تسري أحكامه على الحالات القائمة أثناء نفاذه و على العلاقات التي تكونت قبل هذا النفاذ، و تمييز هذا المبدأ بازدواجية تطبيقه، نظرا لنشوئه في ظل تنظيم سلطان القانون و سيطرة النفع العام على النفع الخاص وضمن هذه الازدواجية استثنى من تطبيق القانون الجديد قاعدة خاصة في حالة ما إذا أدى هذا التطبيق إلى الإضرار بالحقوق المكتسبة، لذا وجدنا أن هذه القاعدة بالذات هي التي اتفق المقنون على صياغتها في القانون المدني، و قد تضمنتها المادة الثانية منه السالفة الذكر في شطرها الأخير.
فقد تضمنت من جهة مبدأ الثر المباشر، و من جهة أخرى مبدأ عدم الرجعية.
و نظرا للانتقادات التي تهاطلت على الفقه التقليدي بسبب غموض فكرة الحق المكتسب، لجأ " Huc " إلى حذف اصطلاح " مكتب " و عبر عن الحق المكتسب بالحق فقط، و اعتبر الاحتمال
مصلحة. و ذكر أن كل ما يحميه القانون و يعتبر حق و كل ما لا يبسط له القانون حمايته يعد مصلحة، و بناء على هذا التمييز بين الحق و المصلحة يتم تطبيق القانون الجديد على الشكل الآتي:

¹ Cours de droit civile Français d’après la méthode de Zachariae 5° ed. Paris 1893.T.1. Demelombe : Cours de code Napoléon. Paris 1854. T .1. N° 243 ² ³ Aubry et Rau : Cours de droit Civile Français. 7° ed. 1964. T1 par pousend.
⁴ Ripert, le régime démocratique et le droit civile moderne. Paris 1935.P. 96 à 129
⁵ Roubier : Conflits de lois dans le temps. 1929. P 310 à 313
⁶ Huc : Commentaire théorique et pratique du code civile français Paris 1892. N° 59 et S

عندما يكون القانون الجديد بصدد حق لا يمكن لهذا الأخير إخضاعه لأثره المباشر، و عندما يكون بصدد مصلحة، يمكن له إخضاعها مباشرة لأحكامه. فلنتساءل، هل أضافت هذه التفرقة بين الحق و المصلحة شيئا جديدا لمادة تنازع القوانين من حيث الزمان، أو أنها أتت لتلبس نظرية الحقوق المكتسبة قناعا جديدا؟ كما ذهب " Laurent " ¹ إلى اعتبار الحق الذي يدخل في ذمة الشخص، بمثابة حق دستوري يحميه الدستور تجاه المشرع و القاضي، حيث لا يمكن لأي منهما تجريده، و إلا كان تصرفهما تصرفا مخالفا لأحكام الدستور.
و Laurent.لة " Laurent " في الدفاع عن الحق الدستوري الذي يدخل في ذمة الشخص بالفشل، بل لقد وجد الفقيه " De vareille soummières " ² إن تأويل " Huc et Laurent "لفكرة الحق و المصلحة يعد أدنى من مستوى التعاريف التقليدية السابقة، ذلك لأنهما بينا أن الحق اسبق في النشأة من العمل بالقانون، كما أنهما لم يعتنيا بحركة القانون في الزمن، و أنهما لم يردا على الانتقادات الموجهة إلى النظرية التقليدية، و بهذا يكونان قد قدما تراجعا لهذه النظرية، بدلا من تحقيقهما تقدما لهذه الأخيرة.
المطلب الأول: تحليل تارك لنظرية التقليدية (*) و نقده لها
يرى " Starck "³ أن القوانين العادية هي التي تشكل الغالبية العظمى من القوانين، و أن نص المادة الثانية من القانون المدني الفرنسي المذكور سالفا، صدر لتنظيم هذه الأخيرة، حيث نص صراحة
على تطبيق القوانين على المستقبل، و منع سريانها على الماضي. مما أدى إلى إلزام القاضي بعدم تطبيق القوانين رجعيا، إلا إذا وجد أمامه نصا مخالفا لذلك صراحة
¹ Laurent . Principes des droits civiles .T1. Bruxelles 1869. P 213. De vareille soummières. Article précité. ²
(*) استعمالنا للنظرية التقليدية هنا بمفهومها العام، أي جمعنا كل النظريات التقليدية في نظرية واحدة.
³ Starck. Introduction au droit civil .P. 200 et S.
ستارك: نفس المرجع
لكن الواقع العملي أثبت أن وضوح هذا النص لا يتعدى الجانب النظري، لذا برزت النظرية التقليدية إلى الوجود. فكان من نتائجها كما بين ذلك " Starck " أن فسرت ذلك النص بالسهولة الآتية:
لقد ذهبت النظرية التقليدية إلى بيان متى نكون بصدد حق مكتسب و متى نكون بصدد مجرد أمل. فالحق المكتسب هو الحق الذي يستوفي جميع شروطه الشكلية و الموضوعية تحت سلطان القانون القديم. إن الحق المكتسب، بعد أن صار كذلك، لا يسمح للقانون الجديد أن يخضعه لأثره المباشر، سواء صدر لتعديله أو لإلغائه، بل للقانون أن يحترم هذا الحق احتراما مطلقا.
أما إذا تعلق الأمر بمجرد الاحتمالات، أو مجرد آمال فإن هذه الأخيرة تخضع لأثر القانون الجديد مباشرة، كما أن لهذا الأخير أن يعدلها أو يلغيها.
و لتوضيح عملية الفرز هذه، نسترشد بالمثال التالي: إذا توفي المورث، و كان القانون النافذ يوم الوفاة قد نص على تعيين الورثة المستحقين للإرث، فإن هؤلاء يصبح لهم حق مكتسب في الإرث.
لكن لو صدر قانون جديد بعد حادث الوفاة يقضي بمنع أولئك الورثة من استحقاقهم للإرث، و بتعيين ورثة جدد بدل الورثة السابقين، فإن الورثة الجدد الذين عينهم القانون الجديد لاستحقاق الإرث لا يمكنهم الاستفادة من التركة التي أصبحت مفتوحة.
ذلك لأن الإجراء القانوني الجديد أصبح من شأنه المساس بالحقوق المكتسبة، التي سبق للقانون القديم تنظيمها، و هذا لا يجوز كما سبق توضيح ذلك، و إن كانت التركة لم توزع بعد على الورثة القدامى.
أما بالنسبة لمن كان لهم الاحتمالات قائمة وفقا لأحكام القانون القديم، و حل عليها القانون الجديد يمنع من كان لهم أمل في الإرث، من استحقاقهم للإرث " أي يحرمهم من الحق في الإرث " فإنه يسدل
أحكامه مباشرة على تلك الاحتمالات جميعا، فتزول بذلك آثارها إلى الأبد، و ينزع أصحاب تلك
الاحتمالات ذلك الوهم الذي طالما راودهم، للاستفادة من الإرث.
فبهذا المثال نكون قد أخذنا صورة عن النموذج التطبيقي لنظرية الحقوق المكتسبة الذي من خلاله قدمت حلولا كثيرة لمشكلة تنازع القوانين طيلة قرن و نصف تقريبا من الزمن.
لكنه تبين فيما بعد أن هذه النظرية ضعيفة من حيث الأساس، و غير قادرة على حل مشكلة القانون الانتقالي لأننا لا نكون دائما بصدد حقوق مكتسبة و غير مكتسبة.
فالزوج الذي تزوج قبل صدور قانون 18 /02 / 1938 هل يمكننا القول بأن له حقا مكتسبا في طاعة زوجه له؟ و هناك مثال آخر، يساهم في بيان عجز هذه النظرية عن تنظيم مشكلة القانون الانتقالي، ينصب على الأولاد الطبيعيين.
لقد كان الرجل الذي يزداد له ولد طبيعي قبل صدور قانون 1912، في مأمن عن رفع دعوى قضائية عليه، لمطالبته بالأبوة. أما إذا اغتصب أم الولد، فإن أبوته تثبت بناء على عملية الاغتصاب.
لكن بعد صدور قانون 16 / 11 1912 و صيرورته نافذا فتحت بشكل واسع إمكانيات البحث في المحاكم عن الأبوة الطبيعية ¹ بالأخص إذا كان بحوزة الأم دليل يثبت امتداد علاقة غير شرعية مع أب الولد الطبيعي أثناء فترة الحمل.
و هنا نفرض أن رجلا ما، ازداد له طفل طبيعي قبل صدور القانون 1912 السالف الذكر. فطوال الفترة التي سبقت صدور هذا القانون، كان ذلك الرجل مرتاح البال، لأنه يعرف مسبقا أنه في مأمن عن رفع دعوى لمطالبته بأبوته، و لكن بعد نفاذ القانون 1912 المنظم لهذه المسألة الحساسة هل يكون
لذلك الرجل أن يتمسك بفكرة الحق المكتسب و يقول: كان لي حق مكتسب في رفض الأبوة للولد الطبيعي، و بالتالي لا أخضع لأحكام قانون 1912 ؟.
فلا شك أن ما يتقدم به هذا المدعي، لا تؤيده العدالة بل ترفضه على الإطلاق. أبعد رفض هذا الادعاء، نبقى على العمل بنظرية الحقوق المكتسبة ؟.
¹ المرجع السابق – ص 199 و ما يليها- B. Starck
.
يجيبنا على هذا السؤال " Starck " و يقول، لذلك كانت نظرية الحقوق المكتسبة غير دقيقة، و منافية للعدالة التي تقتضي مساواة جميع الأفراد أمام القانون.
و هناك مثال آخر خاص بالنساء المتزوجات قبل قانون سنة 1938، فهل بقيت النساء المتزوجات قبل هذا التاريخ ملتزمات بالخضوع لطاعة أزواجهن، و هن لازلن قاصرات ؟.
بينما اللائي تزوجن بعد قانون 1938 تمنح لهن الحرية التامة في تولي شؤونهن بأنفسهن، و لهن الأهلية التامة لإيتاء جميع التصرفات.
و لو عدنا إلى المثال السابق المتعلق بالطفل الطبيعي فنطرح السؤال التالي:
أيعقل أن لا يكون للطفل الطبيعي، الذي يزداد قبل قانون سنة 1912 حق البحث عن نسبه في المحاكم، و يحرم من الأبوة ؟.
في حين يستطيع أخ له، ازداد بعد نفاذ هذا القانون المذكور أن يحظى بناء على حكم القاضي بأبوته ؟
فأين نجد صدى للمساواة بين الأخوين في هذا المثال ؟ و كأن نظرية الحقوق المكتسبة لم تعير اهتماما لفكرة المساواة فلهن و لغير هذا، هجرت هذه النظرية اليومـ هجرت من طرف الفقه أولا، ثم القضاء، و راح الكل يبحث عن نظريات بديلة، تساهم بشكل علمي و منطقي في حل مشاكل تنازع القوانين من حيث الزمان.
المطلب الثاني: نقد النظرية التقليدية.
بحلول القرن العشرين أحجم الفقه عن الإلتفات إلى هذه النظرية، نظرا لشيوع قصورها عن إيجاد الحلول المناسبة لحل مشكل تنازع القوانين من حيث الزمان. و قد يعثر البعض في بعض الأحكام القضائية الفرنسية على اصطلاح الحق المكتسب لكن لا يتفاجأ بذلك، فإنه مجرد تسمية، لم تعد تلبي أي خدمة في نطاق هذه المادة. و لا ندري إذا كان اعتياد القضاء على استعمال هذه العبارة هو الذي يدفعه إلى ذلك، أم أنه يجب التمسك بالأنقاض و لو بحثنا عن أسباب هدم هذه النظرية، فلا نجدها تكمن في صعوبة توضيح الحق المكتسب أو مجرد الأمل فحسب لأن الحق في الوصية مثلا، يكتسب بمجرد وفاة الموصي و الحق في اكتساب ملكية بالتقادم لا يتم إلا بعد اكتمال مدة التقادم.
فلو كان معيار الحق المكتسب يفيد مادة تنازع القوانين بحلول بناءة، لا نشغل به الفقه، ووجه اهتمامه له ليضع له ضوابط معينة تفيد في تحديده، و لذا نقول بأن معيار الحق المكتسب لم يكن غامضا فحسب بل كان عاجزا، و هذا ما أدى إلى سقوطه و خروجه من الدائرة القانونية.
بعد ذلك، نتساءل عن شدة اهتمام الفقه التقليدي بإعطاء تعريفات عديدة و مختلفة لفكرة الحق المكتسب، فالجواب عن ذلك بسيط، حيث أنهم استعملوا ذلك الاصطلاح في كل الاتجاهات التي تحقق لهم أغراض شخصية.
فنجد مثلا أن محكمة النقض الفرنسية ¹ عندما أرادت تبرير بعض الالتزامات، قضت في حكم لها بعدم تطبيق القانون الجديد على التقادم الساري، و كانت تقصد من وراء ذلك الحكم حماية الدائن اتجاه القانون الجديد.
لقد كانت فكرة الحقوق المكتسبة تهدف دائما إلى حماية بعض المراكز تجاه القانون الجديد، الذي أتى لتقرير وجود الحق أو لإقصائه.
كما يوجب الفقه التقليدي على المشرع أن يوفر الاحترام الكافي للحقوق المكتسبة، بحيث لا يمكن له تعديلها أو إلغائها، بل يتركها على حالها إلى الأبد.
كما اعتبر هذا الفقه أن الحقوق الشرطية و الحقوق المؤجلة ² حقوقا مكتسبة أيضا، و بالتالي فلا يمكن أن يمسها القانون الجديد.
¹ Cass. 21juillet 1823. S.24.1.353.
² سمير تناغو – المرجع السابق – ص 664.
Blondeau, Essai sur ce que l’on appelle l’effet rétroactif des lois ; 1809. P. 277 et S
إنه ليس من الضروري أن يكتسب الحق بشكل يقيني، بل له أن يكتسب بمقتضى تصرف غير قابل للرجوع فيه. إن المعيار الذي أوردته النظرية التقليدية، لا يصلح للتفرقة بين التطبيق الرجعي للقانون و بين تطبيقه المباشر، كما أنه لم يقدم أية حماية كافية للحقوق الناشئة عن تصرفات قابلة للرجوع فيها مثل عقد الهبة إذا وجد عذر مقبول ¹.
لذا لم تصلح هذه النظرية لتصحيح التصرفات الباطلة حسب نظام القانون القديم، لأن التصرف الباطل لا ينشىء الحق، و بالتالي لا يمكن للقانون الجديد اعتبار تصرف باطل بمثابة تصرف صحيح.
لقد اهتمت هذه النظرية بالحقوق الفردية فقط دون أن تهتم بالحقوق العامة.
إلى جانب إغفالها للأثر المباشر و قصورها في تحديد مبدأ عدم الرجعية على الحقوق المكتسبة. حيث أثبتت النظرية الحديثة، أنه بعد تطبيق القانون الجديد على حقوق مكتسبة ليس من شأنه أن يكون رجعيا.
كمثل، صدور قانون جديد يقضي بإلغاء نظام الرق أو نظام الإقطاع، فإن القانون الجديد سيتم بدون رجعية أي بأثر مباشر، ابتداء من وقت نفاذه، حيث يترتب على هذا التطبيق المباشر، إلغاء كل الحقوق الناشئة عن نظام الرق أو نظام الإقطاع بغير رجعية.
و هكذا نجد أنه بالرغم من العيوب العديدة التي تضمنتها النظرية التقليدية، فإنه إلى يومنا هذا،
لازال حيز منها، قد احتفظت به نظرية روبييه، يتمثل في خروج آثار العقود السارية من نطاق تطبيق القانون الجديد و إبقاءها تحت أحكام القانون السابق. بينما هناك حقوقا تعد أكثر أهمية من الحقوق التي تنشأ عن العقود و الاتفاقات الفردية كحق الملكية، و حق الانتفاع، و مع ذلك فإنها تخضع مباشرة لأحكام القانون الجديد.

¹ سمير تناغو – المرجع السابق –
لقد ساهمت نظرية الحقوق المكتسبة في تنظيم مادة التنازع الانتقالي من زاوية واحدة إلا وهي زاوية الفرد، بحيث كلما وجدت حقوق شخصية سواء كانت تلك الحقوق أصلية أو عينية، وضعت حاجزا أمام تدخل سلطات المشرع، بحيث كلما اكتسب الفرد حقوقا حقيقية امتنع المشرع من مساسها.
لقد استوجب علينا أن نذكر، بأن نظرية الحقوق المكتسبة تعد هي الأخرى من النظريات التي تقدس مبدأ الفردية لذا كانت تدافع عن حقوق الفرد دفاعا شديدا تجاه المشرع أو حتى اتجاه الدولة.
و كان أفرادها متمسكين بفكرة الحق لدرجة أن Meyer و Mailher de chassat…….راحا يميزان بين الحقوق الشرعية و بين الحقوق الاتفاقية، و أما Lassalle فغاص في متاهات البحث عن الطبيعة الحقيقية للحق المكتسب، و انتهى إلى أن الحق المكتسب يصدر عن إرادة منفردة، و بذلك نخلص إلى أنه مهما اتخذت النظرية التقليدية من أشكال مختلفة و قناعات عديدة لفائدة الحقوق الفردية، فقد أظهرت الحقيقة العلمية عيوبها و بينت عدم قدرتها على حل التنازع الانتقالي، بالاعتماد على وسائلها التقنية العادية، بل أن الفقه الذي تلى صدور هذه النظرية و الذي ينتمي إليه.
حاول إعطاء تفسير جديد لمفهوم الحق المكتسب بعد أن أحس بضرورة تخليه عن تلك الفكرة و لو أنه لم يكن يريد هذا التطور لفكرته، و ربما كان ذلك الرفض هو الداعي إلى غموض موقف القضاء تجاه تطبيق القانون الجديد على الحقوق المكتسبة. ذا فشلت جميع محاولات الفقه التقليدي في إنشاء نظام قانوني انتقالي جامع شامل بل أن كل اجتهاداته كانت قاصرة خصوصا بعد أن أصبحت فكرة حماية الحق الشخصي للفرد غير كافية لتنظيم حياته القانونية.
لذا كان من الواجب أن تنظم كافة الأعمال القانونية بأسس بديلة غير تلك التي أقامتها النظرية التقليدية



الفصل الثاني
موقف النظرية الحديثة من تنازع القوانين
من حيث الزمان

لقد أعرض الفقه الحديث عن النظرية التقليدية نظرا لضعفها، و اتجه إلى نظرية حديثة عنيت بتحديد معنى الأثر الرجعي، وفرقت بينه و بين أثر القانون المباشر.
إن حل مشكلة تنازع القوانين لدى هذه النظرية لا يقوم على أساس مبدأ واحد " مبدأ عدم الرجعية " كما هو الشأن في النظرية التقليدية، بل يقوم على أساس مبدأين هما: مبدأ عدم رجعية القوانين و مبدأ الأثر المباشر للقوانين مع الإشارة إلى ورود بعض الاستثناءات على هذين المبدأين.
إن أول من بادر إلى هذا الاتجاه الجديد هو الفقيه الفرنسي " De Gareille Sommieres "¹ الذي ظهرت له مقالة في المجلة الانتقالية لسنة 1893، تحت عنوان " نظرية جديدة في رجعية القوانين ".
ثم ظهر " Duguit "² سنة 1910 بتقسيم جديد للحقوق المكتسبة التي عبر عنها بالمراكز القانونية.
فميز بين المراكز القانونية و المراكز الموضوعية، و قد خلص إلى أن آثار المراكز القانونية تتبع تطورات القانون، و إن الأعمال المنشئة لحقوق شخصية تبقى خاضعة للقانون النافذ أثناء نشأتها. و لكن بالرغم من ورود عدة نظريات حديثة، فإنه لم يكتب النجاح إلا لنظرية الفقيه الفرنسي روبييه،

¹ Duguit, traité de droit constitutionnel, le non rétroactivité des
Lois. T1. P 21 et S. ²
الذي يعود له الفضل في تفصيل موضوع تنازع القوانين من حيث الزمان من خلال نظريته التي عرضها في كتابه المكون من جزأين تحت عنوان: " تنازع القوانين من حيث الزمان ".
و نشير إلى أنه لم تكن لأنصار نظرية روبييه نظرة واحدة في تفاصيلها، الشيء الذي لم يجعل هذه النظرية تبلغ درجة الكمال. و ذلك بالرغم من تفسيرها لمبدأ عدم الرجعية تفسيرا يسمح بمعرفة متى يكون تطبيق القانون الجديد رجعيا و متى لا يكون كذلك ¹، و بالرغم كذلك من إبرازها لأثر القانون المباشر الذي عجزت عن تحديده النظرية التقليدية.
المبحث الأول: التمييز بين الأثر الرجعي و الأثر المباشر.
يرى " Roubier " أن التمييز بين الأثر الرجعي للقانون و الأثر المباشر له، يعد قاعدة أساسية في علم تنازع القوانين من حيث الزمان، و بالتالي فهي جوهر النظرية الحديثة.
فالأثر الرجعي هو تطبيق القانون على الوقائع التي تمت في الماضي أو بتعبير آخر، تطبيقه على الماضي، و الأثر المباشر هو تطبيق القانون على المستقبل، و تحديد هذه التحركات الزمنية للقانون غير صعب.
فإذا ما تم تطبيق القانون على أفعال تامة يكون رجعيا، و إذا ما تم تطبيقه على وقائع سارية فهنا يجب التمييز بين الفترات الزمنية السابقة على تغيير التشريع التي إذا مسها القانون صار رجعيا، و الفترات اللاحقة له، التي إذا تم تطبيق القانون الجديد عليها، و لا يكون له أثر رجعي، أما الأفعال المستقبلية فلا يتصور أن يكون هناك أثر رجعي للقانون الجديد.
و إلى جانب هذه النظرية، ظهرت نظريات أخرى، تعالج موضوع تنازع القوانين من حيث الزمان بطرق جديدة لكن لم يكتب لها النجاح في الفقه، نظرا للتعقيدات التي أثارتها، و من هذه النظريات، نظرية دوجي في التفرقة بين المراكز القانونية و المراكز الموضوعية التي أشرنا إلى
¹ سمير عبد السيد تناغو – المرجع السابق – ص 671.
ذكرها سابقا و نظرية " Bonnecasse " ¹ في التفرقة بين المراكز القانونية المجردة والمراكز القانونية المحددة.
و لقد أورد الفقه الحديث و على رأسهم روبييه، أن تعرضت النصوص الرومانية إلى ما يعرف بالأفعال التامة " Facta Praeterita "و الأفعال السارية " Facta Pendentia " و الأفعال المستقبلية « Facta Futura….. " لكن القانون الروماني لم يضع لجمله هذه الأفعال نظرية واضحة محددة. و كذا فقهاء القرون الوسطى، فهم أيضا لم يتعرضوا لتنظيم نظرية لذلك.
لذا كان معيار التمييز بين الأثر الرجعي و الأثر المباشر غامضا.
و يورد روبييه ² أنه تم على سبيل الصدفة، العثور ضمن نصوص القوانين الثورية، على ما يعرف " بالأثر المباشر " لكنه يعلل في النهاية أن ما عرفه " روبسبيير " ³ بالأثر المباشر ما هو في الحقيقة إلا أثر رجعي، لقد وجدت مجرد تسميته فقط و أن تشريع المرحلة الانتقالية المتقلب، لم يتناول هذا الموضوع لتنظيمه بطريقة موضوعية، و كذا التشريع اللاحق المتأثر بنظرية الحقوق المكتسبة. لذا ارتأى روبييه أن يستبقى من جملة أحكام التشريعات السابقة على استثناء وحيد، تمثل في مبدأ سريان القانون القديم على العقود السارية. و استخلص من عملية التمييز بين آثار القانون المزايا الآتية:
إن الأثر الرجعي للقانون الجديد يمنع منعا باتا بمقتضى نص المادة الثانية من القانون المدني الفرنسي. إن القاضي مسؤول مسؤولية تامة على حصر الرجعية و أبعادها عن مجالات التطبيقات القانونية.
أما الأثر المباشر، فهو نتيجة طبيعية لتطبيق القانون العام الذي يقتضي بتطبيق أحكامه الجديدة مباشرة بعد نفاذه على المراكز غير العقدة التي لا تزال سارية.
¹ Bonnecasse, supplément au traité de droit civile de lacan tinerie T1. P 10 et S
² فقه النظرية الحديثة لروبييه
³ روبييه: المرجع السابق في تنازع الوانين من حيث الزمان – ص 250 و ما يليها
و قد استثنى من هذه القاعدة، تطبيق القانون الجديد على العقود التي مازالت آثارها سارية لأن المنطق لدى أنصار هذا الاستثناء المعروف بسريان القانون القديم يستوجب إخضاعها لأحكام القانون القديم الذي نشأت في ظله، و إلا كان القانون الجديد رجعيا.
و هذا هو الاختلاف الزماني الذي يشكل معارضة مطلقة بين تطبيق القانون الجديد و تطبيق القانون القديم، لذا خلص أنصار النظرية الحديثة إلى نتيجة هامة مقتضاها هو إبعاد الأثر المباشر و إبعاد الأثر الرجعي من نطاق التطبيق على العقود السارية.
و توصل روبييه عند تمييزه بين الأثر المباشر و الأثر الرجعي للقانون إلى نتيجة أخرى لا تتعلق بتطبيق القواعد العامة من حيث الزمان فحسب، و إنما تتعلق أيضا بسلطات المفسر القانوني.
بحيث إذا تعلق الأمر بتطبيق رجعي للقانون وجد القاضي نفسه أمام نص المادة الثانية من القانون المدني، ذلك لنه إذا كان من حق المشرع مخالفة هذا النص، بالنص على رجعية صراحة، فإن هذا الحق على العكس من ذلك لا يخول إلى القاضي مطلقا و بالتالي فلا يجوز لهذا الأخير مخالفة النص، بل له أن يرتبط كليا بعباراته ¹
و لتبسيط ذلك، نبين أنه إذا امتنع المشرع عن النص صراحة على الرجعية، فإنه ليس بإمكان القاضي أن يفسر تلك الرجعية ضمنيا أو عن طريق الاجتهاد.
إن القاضي يظل مرتبطا بنصوص القانون و ليس له أن يبحث إذا كان القانون رجعيا أم غير رجعي، فدوره كما هو محدد يقتصر على تفسير ما هو في منزلة الرجعية الصريحة بغية إبعاده من مجال التطبيق.
أما فيما يتعلق بالأثر المباشر للقانون، فقد نصت عليه المادة الثانية من القانون المدني الفرنسي و القانون المدني الجزائري بكل وضوح و جلاء.
¹ P. Roubier : Conflits de lois dans le temps. 1929 / 1960. P 376 - 377
و عن مشكل إلغاء أو إبقاء القانون القديم في المستقبل يقول روبييه بأنه ليس فقط مشكل سياسة تشريعية تقع على عاتق المشرع وحده، بحيث يعطي لها حلا من بين الحلول التي يختارها لتنازع القوانين، و إنما إلى جانب ذلك فهو مشكل من مشاكل القانون الوضعي ¹ يسعى القاضي هو الآخر جاهدا على البحث عن حقيقته، حتى يتمكن من إيجاد الحلول الخاصة به تنظمه بصفة محكمة، و ذلك طبعا في غياب النصوص التشريعية الخاصة بتنظيمه.
يفهم من هذا المنطق أنه يمنع على القاضي أن يجتهد و يبحث في النص التشريعي عن الرجعية الضمنية، طالما امتنع المشرع على النص عليها صراحة، و ذلك طبقا لما يقضي به نص المادة الثانية.
أما فيما يخص الأثر المستمر للقانون القديم، فإنه طبقا للحكمة المستخلصة من نص المادة 2281 من القانون الفرنسي، يخول للقاضي أن يكثر من بحوثه و اجتهاداته بغية الوصول إلى الحل المبتغى، الذي يتمثل " في مواصلة تطبيق أحكام القانون القديم ". و لكنه في الغالب لم تتبع التشريعات اللاحقة منهج نص المادة 2281 المذكورة، لأن القانون الجديد لا يكون رجعيا إذا طبق مباشرة.
بينما بقي القاضي مفضلا الإبقاء على تطبيق القانون القديم ذلك لأنه لا يعتبر سريان القانون القديم بمثابة استثناء من قاعدة التطبيق المباشر و إنما يعتبره قاعدة عامة و مستقلة ".
و لذلك كان القضاء يخضع التقادم الساري بجميع شروطه لأحكام القانون القديمة، و قد توسع القضاء في تطبيق هذه المادة على أنواع التقادم إلى درجة أنه كان دائما يعود إلى القانون الأصلي و إن كان أمامه نصا جديدا.
و مع ذلك فنجده قد أورد على هذه القاعدة استثناء خاصا تمثل في احترام النصوص الجديدة التي تتعلق بقابلية الأشياء للتقادم كتصريح القانون الجديد، بعدم قابلية بعض الأموال للتقادم.


¹ المرجع السابق – Roubier :
و هذا الاستثناء استقاه القضاء من نص المادة 691 مدني فرنسي ¹ التي كانت محرروها آنذاك متأثرين بنظرية الحقوق المكتسبة لذا و نتيجة الفراغ الذي كان يعاني منه القانون المدني بالنسبة لمادة التقادم² و نتيجة المشاكل العديدة المطروحة في المحاكم، بخصوص دعاوي التقادم، راح القضاء يستعين بالقوانين القديمة الأصلية، و يطبقها بشكل يكاد يكون مطلقا ³ على حالات التقادم، و في الحالات الأخرى التي يصعب عليه معها إيجاد حلول من ضمن النصوص القديمة، فإنه يلجأ إلى استعمال الحدس .
لقد ظلت المادة 2281 محتفظا بها من طرف القضاء نظرا لحمايتها لبعض المراكز القائمة إلى ما بعد صدور القانون الجديد، و لبيان ذلك أردنا أن نطرح السؤال التالي:
لما بقي القضاء متحفظا بمبدأ سريان القانون القديم ؟ يكون الجواب كالتالي: لو رفع القانون الجديد مدة التقادم الساري تصير مدة التقادم طويلة بالنسبة للمدة القديمة فطول المدة غير المطاق هو السبب في عدم السماح لرجعية القانون الجديد، و بالتالي يبعد القاضي تطبيقها.
لكن لو نص القانون الجديد على تقصير مدة التقادم الجديدة فهنا يكون الجواب على ذلك بأن المشرع رغبة منه في الإفلات من الرجعية، ألح على التمسك بنصوص القانون القديم اقتسام الحكم بين قانونين متتاليين مستحيل.
إلى جانب التمييز المذكور بين آثار القوانين الجدية و آثار القوانين القديمة، ورد اصطلاح قانوني عرف باصطلاح " المراكز القانونية " " Situations Juridiques " للتعبير عن الأوضاع التي ينظمها القانون كمثل: مركز الزوج، و مركز المالك، و مركز المنتفع أو المرتهن، و مركز الدائن أو المدين

¹ المرجع السابق – Roubier :
² Colin et Capitant : Traité de droit civil Français . 1957 / 59. 3° Vol. Hamol et Ripert : Traité pratique de Droit civil Frainçais 14 Vol, 2° ed. 1952 – 1960. ³
⁴ Carbonnier, droit civil .T1 .P 99. – 1971. Paris .P 113 et S Cornu, le réalisme du législataire, cours de D.E.S. Année 1970
البائع أو المشتري و مركز المؤجر أو المستأجر...إلـخ ¹
و تظهر الصعوبة دائما في بيان حدود تطبيق القانون الجديد على مثل هذه المراكز القانونية التي يستغرق تكوينها أو انقضاؤها أو ترتب أو انقضاء آثارها، فترة ممتدة من الزمن و لهذا سنعرض أولا إلى بيان تكوين المراكز القانونية و انقضائها.
المطلب الأول: قواعد تكوين و انقضاء المراكز القانونية.
كما سبق لنا أن ذكرنا، يستغرق تكوين أو انقضاء بعض المراكز القانونية مدة معينة من الزمن، كما هو الحال في التقادم المكسب للحقوق العينية، أو التقادم المسقط لها. ففي التقادم المكسب الذي يقوم على حيازة الشيء لمدة معينة، لا يتكون المركز القانوني للحائز إلا بعد اكتمال هذه المدة.
و يحصل نفس الشيء بالنسبة للتقادم المسقط، سواء تعلق التقادم بالحقوق العينية أو بالديون. فإنه يقوم على سكوت صاحب الحق أو على عدم استعمال الدائن لحقه في اقتضاء دينه طيلة مدة محددة. و مؤدى ذلك، إن الحق أو الدين لا ينقضيان إلا بعد تلك المدة، و بالتالي فلا ينقضي المركز القانوني لصاحب الحق أو الدائن أيضا إلا بانتهاء نفس تلك المدة. هذا فيما يخص التقادم، أما بالنسبة للوصية، فإن الموصى له لا يستحق الوصية إلا بتوافر عنصرين هما: وجود وصية صحيحة و وفاة الموصي.
و بناء على ذلك، فإن الموصى له لا يتكون مركزه القانوني إلا باجتماع هذين العنصرين معا. و لكن قد لا يتم اجتماعها معا في وقت واحد.
فإذا ما تمت الوصية كاملة في ظل القانون القديم، خضعت في تكوينها و انقضائها لأحكامه، و لو صدر بعد ذلك قانون جديد يغير من شروط تكوينها أو انقضائها، فإنها لا تخضع له.
و نورد في ذلك مثالا عن تكوين المراكز القانونية:
فإنه عندما يتم إبرام تصرف صحيح بمقتضى ورقة عرفية طبقا لأحكام القانون القائم وقت هذا التصرف، ثم بعد إتمام هذا التصرف، يصدر قانون جديد يتطلب الكتابة الرسمية في إبرام مثل هذا التصرف، فإن هذا القانون الجديد لا تسري أحكامه المعدلة على ذلك التصرف العرفي الذي تم في ظل القانون القديم.
و هذا مثال على انقضاء المراكز القانونية:
إذا ما تم طلاق بين زوجين بطريقة يجيزها القانون القائم أثناء إجراء الطلاق، أي بدون حكم قضائي، و بعد ذلك صدر قانون جديد يمنع الطلاق وفقا للطريقة التي أجازها القانون السابق و يتطلب حكما قضائيا لنفاذ الطلاق، فإن هذا القانون الجديد لا تسري على الطلاق الذي تم قبل نفاذ هذا القانون، ذلك لأن المركز القانوني للزوجين قد انقضى قبل نفاذ القانون الجديد.
أما إذا ظلت المراكز القانونية تواصل عملية تكوينها أو لا زالت لم تنقضي بعد، و صدر أثناء ذلك قانون جديد يداهم فترة التكوين أو فترة الانقضاء، و كانت أحكامه تقضي بتعديل شروط التكوين أو الانقضاء، فإن ما لم يتم تكوينه أو انقضاؤه من هذه المراكز يخضع مباشرة لأحكام القانون الجديد، و لا يترتب على ذلك تنازع بين القانون القديم و الجديد، خاصة بالنسبة للمراكز التي لم تتكون بعد.
¹ دناك تدخل هام أبداه روبييه بصدد المراكز القانونية السارية بخصوص التصرفات التي تتميز بقيمة قانونية ذاتية بمجرد إبرامها.
أما بالنسبة لبعض التصرفات عندما يتم إبرامها، تتوفر لها قيمة قانونية بحيث إذا صدر قانون جديد بعد إبرام التصرف لا يسمح بسريان أحكامه على ذلك التصرف المبرم و إلا كان قانونا رجعيا، و للمثال على ذلك أورد مثال الوصية.
كما سبق لنا معرفته أن مركز الموصى له لا يكتمل إلا باجتماع عنصرين و هما: وجود وصية صحيحة ووفاة الموصي و لو افترض صدور قانون جديد بعد إبرام وصية صحيحة طبقا لقانون نشأتها

¹ د. فرج الصده – المرجع السابق – ص 230 و ما بعدها.
سمسر عبد السيد تناغو – المرجع السابق – ص 679 و ما بعدها.
و قبل وفاة الموصي، يعدل شروط إبرام الوصية، كأن يقضي بتغيير شكلها، أو بتعديل قواعد أهلية الإيصاء، ففي هذه الحالة لا يسمح للقانون الجديد أن يسري على الوصية التي تمت صحيحة قبل صدور القانون الجديد و لو كانت شروط إبراهما مطابقة لأحكام القانون القديم.
أما الافتراض الثاني، كأن يصدر قانون جديد يقضي بتعديل القدر أو النصيب الذي تنفذ فيه الوصية بغير إجازة الورثة، كأن يجعله مثلا ربع التركة عوض الثلث بعد تمام إبرام الوصية و قبل وفاة الموصي، و هنا يسمح بسريان القانون الجديد مباشرة على الوصية، ذلك لأن المركز القانون للموصى له لم تكتمل قيمته القانونية طالما أن الموصي لا زال على قيد الحياة، و طالما أن موضوع الوصية مرتبطا بتصرف الموصي الذي أصبح من الضروري أن يخضع لأحكام القانون الجديد الذي وجده على قيد الحياة، فإنه لو صدر بعد وفاة الموصي ما كان له أن يسري على الوصية.
و قد تكمن العلة في تطبيق القانون الجديد أو في عدم تطبيقه كما يرى ذلك روبييه فيما يلي:
يطبق القانون الجديد كلما انتفت علة تطبيقه، و هي انعدام وجود القيمة القانونية في التصرف المبرم بينما إذا توافرت هذه القيمة في التصرف البرم يمنع سريان القانون الجديد عليه.
المطلب الثاني: آثار المراكز القانونية.
إذا ترتبت آثار المراكز القانونية جميعها في ظل القانون القديم، فإنها تبقى خاضعة له، و ليس للقانون الجديد بعد ذلك أن يسري عليها، لأن نفاذه لم يسبق هذا الترتيب.
و من أمثلة ذلك: إذا كانت ملكية العقار تنتقل بمجرد التعاقد، وفقا لأحكام القانون القديم، ثم صدر قانون جديد يجعل هذا الانتقال رهينا بتمام التسجيل، فإن هذا القانون لا يسري على انتقال الملكية الذي تم قبل نفاذه، و لو كان الانعقاد قد تم بعقد غير مسجل ¹
أما فيما يخص الآثار التي يستغرق ترتيبها مدة زمنية طويلة و لم تترتب كلها في ظل قانون

¹ فرج الصده: أصول القانون – ص - 234.
واحد، فإن ما تم منها في ظل القانون القديم تخضع لسلطانه، و ما تم منها في ظل القانون الجديد سيبقى خاضعا له طبقا لأثره المباشر. مثل ذلك: إذا وقع طلاق في ظل قانون معين، ثم صدر قانون جديد يعدل القواعد المتعلقة بآثار هذا الطلاق، كالنفقة و الحضانة، فإن هذا القانون لا يسري على الآثار التي تمت في ظل القانون القديم، بل يسري فقط على الآثار التي تترتب أثناء نفاذه¹.
ففي كل الأحوال، سواء فيما يتعلق بتكوين المراكز القانونية، وآثارها، أو انقضاء هذه المراكز مع آثارها، يظل القانون الجديد محافظا على نفاذه المباشر دون أن يتعدى الحدود التي تم فيها سريان القانون القديم، في مدة غير مدته.
المبحث الثاني: الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم الرجعية في النظريتين التقليدية و الحديثة.
لقد أوردت النظرية التقليدية أربع استثناءات على مبدأ عدم الرجعية، أما النظرية الحديثة، فقد اكتفت باثنين، و هذه الاستثناءات هي: النص الصريح على الرجعية، و القوانين التفسيرية، هذا بالنسبة للنظرية الحديثة. أما بالنسبة للنظرية التقليدية، فإنها تضيف إلى هذين الاستثناءين القوانين الجنائية الأصلح للمتهم و القوانين المتعلقة بالآداب و النظام العام.
و السبب في إهمال النظرية الحديثة الأخذ بهذين الاستثناءين يعود إلى عدم صلاحيتهما في التطبيق، ذلك لأن القانون الأصلح للمتهم على ما وقع قبل نفاذه ، يتم بمقتضى ما له من أثر مباشر، هذا إلى جانب أن المركز القانوني لا يتكون بمجرد ارتكاب الفعل، بل يكتمل بصدور حكم قضائي، ذلك لأنه بالنسبة للأفعال غير المشروعة، يعتبر الحكم منشئا لمراكزها و ليس مقررا لها.
و بناء على ذلك، إذا صدر قانون جديد مباشرة بعد ارتكاب الفعل و قبل صدور الحكم بشأنه، يقضي بمحو الجريمة أو بتخفيف العقوبة، فإنه يسري على مرتكب الفعل بمقتضى أثره المباشر.
أما فيما يتعلق بالقوانين الخاصة بالنظام العام و الآداب فإنه ليس لها إعادة النظر في شرعية

¹ فرج الصده: أصول القانون – ص - 234.
الأفعال و التصرفات التي سبقت مدة نفاذها.
و ليس لها أن تعدل آثار التصرفات السابقة أيضا و كل مساس بالأفعال أو الآثار السابقة، يعد هدرا منها للحريات الفردية، الشيء الذي يؤدي إلى اضطراب في معاملات الأفراد، لا سيما و أن أهم القوانين الجنائية، ليس لها أثر رجعي ¹.
المطلب الأول:الأثر المباشر للقانون الجديد.
لقد تنبأ بعض من الفقه الحديث بمدى أهمية الأثر المباشر للقانون الجديد، قبل أن يتعرض إليه روبييه في نظرية تنازع القوانين من حيث الزمان، و إن كان هذا المبدأ غير مستخلص من محتوى نص قانوني، فإنه قد بني على أسس التفكير المنطقي، و قد وجدت تبريرات قوية، تدعم هذا المبدأ من بينها: أن للقانون الجديد قوة الجبر، لأنه يلغي القانون القديم باعتباره أحسن منه، و إلا فلما لجأ المشرع إلى تشريعه.
كما تتطلب ضرورات وحدة التشريع تطبيقه، لأنه ليس من المعقول تطبيق قانونين " قديم و جديد " على مراكز معينة من طبيعة واحدة، فهذا ما يتنافى مع فكرة المساواة بين المواطنين، و بشكل خطرا على الأمن القانوني ².
و مع كل التبريرات التي أحاكها الفقه الحديث بمبدأ أثر القانون المباشر، فإنه ظل محجوبا بسبب عدم سماح نظرية الحقوق المكتسبة بتحديد حركية القانون مباشرة. إلى أن أتى روبييه بتمييزه الفاضل بين المركز القانوني و الأثر المباشر، فاستطاع أن يحدد أو يحصر حركة القانون في المستقبل، بعدما كانت محددة في حركة أو عدم حركة القانون على الماضي.
و قد تبين له من خلال دراساته للمراكز القانونية أن هذه الأخيرة تعرف حركات ديناميكية أثناء نشأتها و أثناء انقضاءها.
¹ Roubier, le droit transitoire. PP .274 – 285 et S
² المرجع السابق – ص 14 و ما يليها. F. Dekewer :
كما تعرف حركة ثابتة، تنتج خلالها نتائجها، فعندما ينشأ المركز القانوني و ينتهي، يصير فعلا منقضيا، بحيث لو طبق عليه، ولقانون الجديد، لكان رجعيا، و من أمثلة ذلك: الزواج الذي يتم بصورة عادية، فإن المركز القانوني للزوجين قد نشأ، و ليس بعد ذلك للقانون الجديد، أن يعيد النظر في تلك النشأة. و نفس المثال ينطبق على آثار الزواج.
أما إذا تلت مكونات المركز القانوني صدور قانون جديد، فإنها تخضع له مباشرة طبقا لأثره المباشر.
إن الاكتشاف الجديد لأثر القانون المباشر وسع مجال تطبيق القانون الجديد إلى أقصى الحدود. فنجد مثلا أن القوانين الخاصة بأهلية المرأة المتزوجة و القوانين الخاصة بشروط الطلاق تطبق مباشرة على جميع المتزوجين،و ذلك بغض النظر عن التاريخ الذي تم فيه الزواج، و لا تترتب عن ذلك أية رجعية.
و القوانين الخاصة بالأهلية " أهلية التصرف " كأن يصدر قانون جديد محددا سن الرشد، يرفعها أو يخفضها، فإنه ينطبق مباشرة على كل من تتوافر فيهم الشروط المطلوبة.
و في هذا كله يبرز مدى تفوق النظرية الحديثة على النظرية التقليدية، حيث بينت و أكدت أن تطبيق القانون الجديد مباشرة على الزواج القائم و على سن الرشد، ليس من شأنه أن تترتب عليه الرجعية.
المطلب الثاني: سريان القانون القديم استثناء.
إنه استثناء يعرف بالأثر المستمر للقانون القديم، كما سبق لنا التعرض إليه.
لقد أوردته النظرية الحديثة، أو بقيت محافظة عليه ليس كأصل عام و إنما كاستثناء منه على مبدأ أثر القانون المباشر، و ذلك ضمن نطاق المراكز العقدية التي نشأت في ظل القانون القديم، و ظلت سارية إلى حين نفاذ القانون الجديد.
إنه طبقا لرأي روبييه، لا تخضع المراكز القانونية العقدية السارية لأثر القانون المباشر، بل تظل محكومة بنصوص القانون القديم الذي تولى تنظيم نشأتها.
و بناء على ذلك، يستمر تطبيق القانون القديم بعد إلغائه على العقود أو على آثارها، استثناء على القاعدة الأصلية التي هي معروفة بأثر القانون الجديد المباشر و التي يقتضيها النظام الهام و تتطلبها ضرورة وحدة التشريع على المراكز التي هي من طبيعة واحدة داخل الدولة.
و لتحديد نطاق تطبيق الأثر المستمر للقانون القديم أوجد روبييه تميزا بين المراكز العقدية البحتة و المراكز القانونية. فالمراكز العقدية تتفق و مبدأ سلطان الإرادة، بحيث طبقا لهذا المبدأ تتجه إرادات الأفراد إلى تنظيم علاقاتهم العقدية وفقا لمشيئتهم الخاصة، و ذلك ما يدعو إلى إبعاد أثر القانون المباشر على مثل هذه المراكز.
و هنا لا يكون لإرادة الأفراد أي دور في تنظيمه، و إنما تقتصر على قبول الدخول في المركز القانوني وفقا للوضع الذي ينظمه القانون القائم، و يكون المركز القانوني موحدا بالنسبة لجميع الأفراد، و هذه الوحدة القانونية هي العلة في تقرير أثر القانون الجديد المباشر.
و مثل ذلك: الزواج الذي يعتبر نظام قانوني موحد، بحيث تتضمن أحكامه حقوق وواجبات الأزواج، فيما يخص الانعقاد و كذا الانحلال.
ففي هذا المثال، تقتصر إرادة الزوجين على قبول الزواج أو عدمه قبوله.
و إن صدر بعد ذلك قانون جديد يعدل قواعد تنظيم الزواج فإنه يسري مباشرة على كل زوج قائم، سواء تمت العلاقة الزوجية أثناء نفاذ القانون الجديد، أو تمت خلال نفاذ القانون السابق، و ذلك بدون أن تترتب عليه أي رجعية.
و نفس المثال يكون بالنسبة لحقوق الملكية و بالنسبة للحقوق العينية الأخرى.
و قد انقسم الفقه الحديث حول تحديد المراكز العقدية فمنهم فريق و على رأسه دوجي، يقول بتطبيق أثر القانون الجديد على العقود التي تنظمها قواعد قانونية مقررة، بينما يترك المجال لإرادات الأفراد في تنظيم عقودهم وفقا للقانون القديم إذا كانت قواعد القانون الجديد ليست إلزامية أي ليست من النظام العام.
بينما يرفض روبييه هذه التفرقة، ويقول بسريان القانون القديم على المراكز القانونية العقدية سواء كانت قواعد القانون الجديد مقررة أو من النظام العام.
المبحث الثالث: تحليل ستارك للنظرية الحديثة.
استخلص ستارك من خلال تحليله للنظرية الحديثة ثلاث ملاحظات نوردها كالتالي:
- الملاحظة الأولى: و هي عندما ينشأ فعل قانوني أو مع حلول قانون لاحق، يطبق القانون الجديد مباشرة على ذلك الفعل. و هنا غالبا ما يلجا المشرع إلى سن قوانين انتقالية تفيد في تحديد مدة لاحقة تحدد التاريخ الذي يبدأ فيه تطبيق القانون الجديد، كأن تحدد تاريخ نفاذه بعد أيام أو بعدة أشهر لاحقة.
- الملاحظة الثانية: و هي عندما تنشأ حالة قانونية و تصير تامة تحت سلطان القانون القديم، كمثل: افتتاح التركة بعد الوفاة. فإنه بحلول الوفاة تظل حقوق الورثة قائمة، و تابعة لأحكام القانون الذي وقعت الوفاة في ظله، أي القانون النافذ يوم الوفاة.
و بعد ذلك لا يمكن للقانون الجديد أن يطبق على الورثة و نفس المثال يطبق بالنسبة لعقد تم شرعيا في ظل القانون القديم، و نفذ بصورة كاملة.
فإذا صدر بعد ذلك قانون جديد، يقضي بأن العقد لا يضير صحيحا إلا بتوفر شروط معينة، كمثل كتابة العقد عند الموثق، أو كأن يشتمل في المستقبل على آثار تختلف عن تلك الآثار التي كانت مقبولة في العقد سابقا، فإن القاضي لا يمكن له تطبيق نصوص القانون الجديد على العقود التي انقضت بصفة نهائية.
ففي هذين المثالين، أو في ما يقوم مقامهما، يوجد حق مكتسب حقيقة ¹، فلا يعقل مساس القانون له، و إلا كان هذا الأخير رجعيا، لكن الرجعية ليس لها مكانتها ضمن القوانين العادية التي يقصدها نص المادة 2 من القانون الفرنسي و التي تنطبق أحكامها على المستقبل فقط².
- الملاحظة الثالثة: و تتعلق بالحالات القانونية السارية، أي تلك التي تستغرق مدة زمنية طويلة، كآثار الزواج و النسب التي تشتمل آثارها حياة الفرد كاملة، أثناء حياة الأولياء أو بعدها، لأن الورثة بامكانهم إحياء آثار نسب أجدادهم، فللأطفال الصغار أن يطالبوا الجد أو الجدة " بالنفقة " إذا ثبتت حاجتهم إليها. و يحصل نفس الفعل لغالبية التصرفات القانونية التي لم تنته آثارها بعد.
و في أحيان أخرى تتطلب نشأة الحق أو سقوطه، مرور وقت معين كمثل التقادم المكسب أو التقادم المسقط، فكلاهما يتحققان خلال مدة طويلة.
و إلى جانب ذلك هناك حالات قانونية تستغرق إجراءاتها عدة شهور و أحيانا سنين طويلة.
فهذا النوع من الحالات التي يطلق عليها " الحالات السارية " كيف يكون مآلها يتدخل قانون جديد أثناء سريان ما يماثل هذه الحالات لتعديل النصوص القديمة ؟ لقد رأى ستارك في هذا الشأن أن النظرية الحديثة هي تلك التي تفضلت بالإجابة على هذا السؤال، باستخلاصها قاعدة عامة و استثناء خاص.
- القاعدة العامة: و تتمثل في أن يطبق القانون الجديد مباشرة على الحالات السارية، و إن كان قد بدأ تكوينها في ظل القانون السابق، لكنه في هذه الحالة تجب الملاحظة، إن القانون الجديد يطبق فقط على الجزء الذي اصطدم بنفاذه دون أن يتعدى الجزء الذي تم قبل نفاذه.
¹، ² Starck. P. 190 et 200
فالطفل الطبيعي الذي ولد قبل صدور قانون 1912 بامكانه الاستفادة من الإمكانيات التي خصصها له هذا القانون للبحث عن نسبه في المحاكم وفقا للمواعيد المنصوص عليها في أحكامه.
أي أن الطفل الطبيعي استفاد مباشرة بتطبيقات القانون الجديد، و على أية حال، فالطفل الطبيعي الذي يثبت نسبه الآثار رة، ليس باستطاعته مطالبة الأب بالمبالغ السابقة عن إثبات نسبه، التي تمثل المبالغ المستحقة خلال الفترة التي سبقت صدور قانون 16 / 11 / 1912، ذلك لأنه لا ينبغي تطبيق القانون الجديد رجعيا.
و كذلك تكون الحال بالنسبة للنساء المتزوجات قبل قانون 18 / 02 / 1938، فإنهن تستفدن مباشرة من القانون الجديد و تتمتعن مباشرة بحرياتهن الشخصية بعيدات عن الخضوع لسلطات أزواجهن و تستطعن بعد ذلك إبرام عقود شرعية بدون تصريح الأزواج.
لكنه بالنسبة للعقود التي سبق لهن إبرامها قبل قانون 1938 بدون تصريح الزوج تعد باطلة، و بطلانها لا يزول بفعل نفاذ هذا القانون الجديد، فالقانون وفقا لهذا المثال يطبق هو الآخر على الحالات السارية و بدون رجعية، فمثل هذه العقود لا تصير نافذة إلا بنفاذ قانون 1938.
و هناك مثال آخر، عندما ينص قانون جديد على تغيير شكل العقد أو ينص على تغيير قواعد الإجراءات، فإن هذا القانون ليس له أن يمس العقود التي تم انعقادها كما ليس له أن يمس آثارها الغير منقضية، ذلك لأنه ليس بالإمكان إجبار المتصرف على إعادة تصرفاته التي تمت صحيحة، أما إذا بقي هذا الإجراء متواصلا، فإنه لا يخضع للقانون الجديد إلا ما تبقى منه، أي ذلك الجزء المتبقي صادف حلول القانون الجديد ¹.
و يبرز القانون الجديد كقاعدة عامة على الحالات السارية، مساواة الجميع أمام القانون و الافتراض الذي يرمي إلى أن القانون الجديد أحسن من القانون القديم، و إلا فلماذا يعدل القانون القديم ؟

¹ المرجع السابق Starck : 201 et S
إنه طبقا لهذه النظرية، لا يمكن للقانون الجديد أن يرجع أثناء تطبيقه على حالات تمت قبله منذ عشرات السنين، و إنما لا يسمح له بالتطبيق إلا على الحالات التي نشأت معه أو بعد نفاذه.
و فضلا عن ذلك، فإن هذه القاعدة مطابقة لنص المادة الثانية من القانون المدني التي تعرضنا لها في عدة مرات حيث أنها تقضي بعدم رجعية القانون الجديد على ما مضى من الحالات السارية، و إن كانت الحالات السارية في الغالب، و بالتحديد في الحياة العملية معقدة أكثر مما هي عليه في المثالين المذكورين آنفا. لأن القضاء يواجه بصددها صعوبات كبيرة أثناء تطبيقه للقانون الجديد.
لقد اظهر ستارك تفاؤلا كبيرا تجاه النظرية الحديثة مما أدى إلى القول أن قاعدة التطبيق المباشر للقانون الجديد هي الطريق الموصل إلى حل مشاكل القانون الانتقالي.
لذا وجدنا أن القانون الذي يقضي بإنقاص مدة التقادم لا يطبق إلا بعد نفاذه، و بدون أن تتجاوز مدته الكاملة مدة القانون القديم¹.
و إلى جانب أحكام نص المادة الثانية و أحكام الفقه و القضاء، يتضمن القانون الجديد النص على نصوص جديدة تفيد مجال تطبيق القانون من حيث الزمان، و قد أشرنا غليها بصدد الكلام عن التقنين المدني. إنها تعرف بالمقاييس أو النصوص الانتقالية.
المطلب الأول: التطبيق المباشر للقانون غير المطلق.
إن قاعدة التطبيق المباشر للقانون الجديد ليست مطلقة بل يحدها استثناء متعلق بآثار العقود السارية.
هذا الاستثناء من شأنه مواصلة تطبيق القانون القديم على العقود السارية، و ذلك بناء على العمل بالقاعدة المعروفة بسلطان الإرادة في ظل طغيان النظام الفردي و هي: إن العقد شريعة المتعاقدين، يقوم أساسه على تطابق إرادة المتعاقدين أو من يقوم مقامهم.

¹ Arrêt, tribunal de Lyon 20/01/1971.
هذه القاعدة، مؤداها أن التعبير عن الإرادة، يجب أن يظل مطابقا للقوانين النافذة أثناء صدوره. ذلك لأنه في الغالب، لا يحدد المتعاقدون آثار اتفاقاتهم لأنهم على علم بأن القانون الذي تم فيه العقد هو القانون الذي يتولى تبيين و تحديد آثار العقد. أو بمعنى آخر، إن العقد لا ينشأ إلا برضاء أطرافه و الرضاء كما ينصب على العقد فإنه ينصب على آثاره كذلك. و إن الرضاء لم يصدر عن المتعاقدين إلا لكونهم راضين بما نص عليه القانون يوم انعقاد العقد.
كأن يقوم شخص بإبرام عقد إيجار، فإن هذا الشخص لا يهمه مضمون العقد الذي حددته إرادة المتعاقدين كما تهمه آثاره المستقبلة بالصورة التي حددها قانون نشأة العقد.
فإذا ظهر قانون جديد يقضي بتنظيم جديد لهذه الآثار، و طبقت أحكامه على العقود السارية، فإن هذا معناه أرغام الأفراد المتعاقدين على قول ما لم يريدوا قوله.
لذا كان من الطبيعي إلغاء تطبيق القانون الجديد على آثار العقد، و إبقائها سارية وفقا لأحكام القانون القديم، بالرغم من إلغاء هذا الأخير. و ينتج عن ذلك أن يظل القانون القديم ساريا مع سريان آثار العقد ¹
هذه الظاهرة، تعرف بظاهرة سريان القانون القديم التي أطلق عليها الفقه الحديث اسم: حركية القانون القديم اللاحقة " La postactivité de la loi ancienne " لكن ستارك لا يحبذ إطلاق هذا الاستثناء على قاعدة الأثر المباشر للقانون الجديد، لأن ذلك يجافي المنطق، خصوصا بعد تدخلات المشرع الكثيرة في مادة العقود.
لقد أصبح المشرع يتدص Starck ر لوضع قواعد آمرة تبررها المصلحة العامة أو النظام العام، و في هذه الحالة لا يجب أن تعامل آثار العقود نفس المعاملة التي ذكرناها في المثال السابق، لأن آثار العقود التي تتولى تنظيمها القواعد الآمرة تختلف عن الآثار التي أرادها المتعاقدون، حيث أن الآثار

¹ المرجع السابق - ص Starck : .202
الأولى تخضع للقانون الجديد سواء قبل ذلك المتعاقدون أم لا.
والآثار الثانية تخضع لنظام القانون القديم لأنه بالنسبة لآثار العقود التي تنظمها القواعد الآمرة، يرفض المشرع السماح لسريان القانون القديم بعد أن استبدل هذا الأخير كليا بقانون جديد و أصبح يفتح المجال بشكل واسع لتطبيق القاعدة العامة و هي: تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر على العقود السارية.
و سنعرض لذلك مثالين لتبسيط المسألة:
- المثال الأول: و يتمثل في صدور القانون الفرنسي بتاريخ 01 سبتمبر 1948 الخاص بتنظيم أزمة السكن، لقد تضمن هذا القانون عملية إعادة تنظيم إيجار السكن، فالقانون الجديد يعتبر ذو نظام معقد، لأنه ينظم إيجار السكن على أساس " المساحة المصححة " التي تتضمن عدد الأمتار المربعة، اتساع البهو، التكييف و الشمس إلخ... و هذه الأمور لم تكن مأخوذة بعين الاعتبار حسب نظام القانون السابق.
و إلى جانب شروط الإيجار الجديدة، تضمن ذلك القانون النص على عدم طرد المستأجر عند نهاية عقد الإيجار إذا كان ساكنا بحسن نية.
هذا القانون، طبق مباشرة بعد نفاذه على جميع الأملاك السارية و على الإيجار. و لم يطبق رجعيا بحيث لا يمكن للمؤجر أن يطلب الفرق المستحق قبل نفاذ هذا القانون، فهذا المثال نموذج لتطبيق القانون بأثر مباشر.
- أما المثال الثاني: فيتمثل في صدور القانون الفرنسي رقم 66 / 1010 بتاريخ 28/12/1966 الذي يقضي بوضع حد أقصى لسعر الفائدة، عند قرض مبلغ من المال، و إن أي زيادة تفوق الحد الأقصى تصحبها عقوبات جنائية.
إن نص المادة 18 من هذا القانون يقضي بوجوب احترام الحد الأقصى للفوائد بالنسبة لكافة العقود السارية أثناء نفاذ هذا القانون.
هذا المثال أيضا يعد نموذجا لتطبيق القانون الجديد بأثر مباشر، و بغير رجعية.
لأنه بناء على ضوء أحكام هذا القانون، لا يمكن للمقرض المطالبة باستيفاء مبالغ الفوائد التي ترتبت من قبل صدور هذا القانون و نفاذه. و من هنا يمكننا القول بأن تضاعف القواعد القانونية الآمرة باستمرار في الميادين الاقتصادية من شأنه أن يشد الخناق على مبدأ سريان القانون القديم، لذا نرى وجوده نادرا في مادة العقود.
ذلك لأن ضرورة النظام الاجتماعبعدها Starck  المشرع اليوم أسمى من الإرادات الفردية، تقتضي تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر.
بل أن للمشرع أن يذهب إلى أبعد من ذلك، و ذلك بما له من سلطات كافية في سن قوانين رجعية صراحة يمتثل إليها القاضي ويطبقها ¹ بدون أن يبدي تقيده بنص المادة الثانية من القانون المدني.

******







¹ المرجع السابق – ص 203 و ما بعدها Starck :
الفصل الثالث
مزايا و عيوب النظرية الحديثة
لقد حققت نظرية روبييه من الناحية العملية تطورا ملحوظا لعلم تنازع القوانين من حيث الزمان إذا ما قورنت بنظرية الحقوق المكتسبة، حيث أنها استطاعت تغيير فلسفة القانون الانتقالي تغييرا جذريا.
فحسب فلسفة النظرية التقليدية: يعتبر الفرد صاحب حق، و ذلك ما يمكنه من حماية حقه تجاه تدخلات الدولة ².
أما في ظل الفلسفة الحديثة، يجد الفرد نفسه أمام " مركز قانوني " خاضع للنظم القانونية و تابع لجميع تغيراتها.
إن منطق الفلسفة الحديثة يغلب فكرة المصلحة العامة على فكرة المصلحة الخاصة، و ذلك بمنح المشرع السلطة الكافية لتنظيم المراكز الخاصة. إن هذا الطابع المميز لنظرية Roubier أدى إلى إعجاب الفقه الحديث بمنطق و وضوح الأسس التي بنيت عليها هذه الأخيرة، لذا اقبلوا على تبنيها و لكن بشيء من التحفظ بسبب إبقائهم على نظرية الحقوق المكتسبة التي ما فتئوا يعتبرونها ضرورية لحماية الفرد.
و على غرار ذلك: أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكما لها بتاريخ 29 أفريل 1960، يقضي بتطبيق القانون الجديد مباشرة بعد نفاذه على آثار المراكز القانونية السارية " غير التعاقدية " ³.
و ابتداء من هذا التاريخ لم تعترض نظرية الحقوق المكتسبة تطبيق القانون الجديد مباشرة

¹ باش: مدخل إلى دراسة تطبيق القوانين المتنازعة، و قد سبق ذكره.
² بورسين ستارك – المرجع السابق.
³ Cass. Civ. 1°, 29 av. 1960 – 8.
و هكذا استطاعت النظرية الحديثة أن تحقق فوزا كبيرا بالنسبة لتحديد مبدأ أثر القانون المباشر الذي طالما أهملته النظرية التقليدية التي كانت تعتمد كليا على مبدأ رجعية القانون. و ذلك لأن النظرية التقليدية كانت تعتبر أن الأثر المباشر هو نفسه مبدأ عدم الرجعية. بل أحيانا أخرى كانت هذه النظرية تخلط بين الأثر المباشر و بين مبدأ الرجعية حسب انتقادات النظرية الحديثة، لذا بينت هذه الأخيرة، متى نكون بصدد أثر رجعي و متى نكون بصدد أثر مباشر.
و قد ساعد النظرية الحديثة في استخلاص هذا التمييز، و التحديد التقليدي الذي يفصل بين الحالات القانونية المنقضية و الحالات القانونية السارية. فبالنسبة للأوضاع المنقضية، أخضعها الفقه الحديث لمبدأ عدم رجعية القانون عليها، أما بالنسبة للأوضاع أو الحالات السارية، فقد خصص لها تصرفين:
- فإنه قد اخضع المركز القانوني الذي يحكمه القانون القديم لأثر القانون الجديد مباشرة، و أخضع المركز العقدي الذي ينجم عن إرادة الأفراد للنصوص القديمة، بالرغم من حلول القانون الجديد على آثار هذه المراكز العقدية.
- إن التمييز الآخر الذي أوردته النظرية الحديثة بخصوص العناصر التي تحضى بقيمة قانونية، و تلك التي تنعدم فيها هذه القيمة، سواء عند تكوين المراكز أو عند انقضائها أو عند تكوين أو انقضاء آثارها. و قد جاء بخصوص القيمة القانونية ما يلي:
" غير أنه إذا كانت بعض عناصر التكوين أو الانقضاء التي تمت في ظل القانون القديم قد توفرت لها قيمة قانونية في حد ذاتها، فإنه لا يسمح بسريان القانون الجديد على تلك العناصر و إلا كان رجعيا " ¹
فالفقه الحديث، بذكره لهذه الجزئية، كأنه لازال متأثرا بفكرة احترام الحقوق المكتسبة، بالنسبة
¹ روبييه – المرجع السابق في تنازع القوانين 1929.
لمراكز محددة.
ذلك لأنه سبق لنا أن عرفنا بأنه إذا سبقت حالة معينة نفاذ القانون الجديد وصارت تامة منقضية قبل ذلك، فإن القانون الجدي لا يسري عليها بناء على حكم انقضائها.
و الانقضاء سواء كان كليا كأن تنقضي جزء من عناصره، فالعناصر سواء انقضت كلها أو بعضها، فإنه ليس للقانون الجديد أن يسري على ما انقضى من تلك العناصر و استقر تماما.
و هذا المبدأ متفق عليه بالإجماع، سواء من طرف الفقه الكلاسيكي الذي يميز بين الأوضاع المنقضية و غير المنقضية، أو من طرف الفقه الحديث الذي وضع مبدأ عاما لاحترام المراكز المنقضية، الذي يتمثل بصريح النص في عدم رجعية القانون.
عن ذكر بعض الفقه للقيمة القانونية، التي اكتسبتها بعض المراكز و التي تكون جزءا منها، و كأنما استعملها للحفاظ على فكرة الحق المكتسب تحت غطاء القيمة القانونية، فانقضاء جزء من المركز القانوني قبل نفاذ القانون الجدي كاف لعدم سريان هذا الأخير عليه، فالقيمة القانونية في هذه الحالة تعد عنصر مضاف لم يأت بحل جديد و إنما استعمل كحيلة قانونية إبعاد مراكز خاصة عن تطبيق القانون الجديد، و يعاب على النظرية الحديثة أن التفرقة التي أوردتها بين النظام القانوني و المركز العقدي، تعد غير دقيقة بحيث يصعب معها تحديد النظام القانوني و المركز العقدي المحض.
و نتيجة عدم دقة هذه التفرقة، لجأ أنصار النظرية هذه إلى استعمال معيار النظام العام لتحديد ما يخضع للقانون الجديد و ما لا يمكن إخضاعه له.
و معيار النظام العام عند هؤلاء، لا يعني القواعد الآمرة كما هو الشأن بالنسبة للبعض، و إنما يعنوا به المصلحة العامة.
و بناء على ذلك، إذا تعلقت قواعد القانون الجديد بالنظام العام، فإنها لا تسمح باستمرار سريان القانون القديم، و إنما تقضي بتطبيق القانون الجديد مباشرة
لكن هذا المعيار هو الآخر لم يسلم من الانتقادات، بحيث لا يمكن على ضوءه تحديد القواعد التي تنظم المصلحة العامة، و تلك تنظم مصلحة خاصة. و هناك من يفضل الأخذ بفكرة النظام العام كمعيار مطلق، و من بينهم ستارك، و عليه فإن وجدت قاعدة قانونية آمرة، وجب تطبيقها فورا، و لو أتت لتنظيم مركز عقدي¹
و هنا لا تمتد حياة القانون القديم أمام صدور القواعد القانونية الجديدة الآمرة. و لكن تمتد حياته فقط بالنسبة للقواعد القانونية المقررة، التي يباح فيها الخروج عن أحكامها و منح الحرية للأفراد عند تنظيم اتفاقاتهم.
و من أمثلة القواعد الآمرة، أي المتعلقة بالنظام العام، تلك القواعد التي تعدل أحكام عقد الإيجار، بقصد حماية المستأجرين، فهي تطبق على عقود الإيجار التي أبرمت قبل صدور التشريع الجديد.
و القواعد التي تضع حدا أقصى لسعر الفائدة الاتفاقية فإنها تسري مباشرة على الاتفاقات المبرمة.
إنه بالرغم من المزايا التي حضيت بها النظرية الحديثة بخصوص موضوع تنازع القوانين من حيث الزمان، فإنها لم تفلح في إعطاء هذه المادة نموذج علمي وافر، و ذلك بالرغم من أنها قدمت أكثر ما قدمته النظرية التقليدية لهذه المادة.
و ذلك لأنها لم تعتمد على الأساس الذي اعتمدته النظرية الحديثة في تحليل عناصر تنازع القوانين الانتقالي. و كل ما يذكر عن النظرية الحديثة، فإنه إذا كان لها أنصار كثيرون، كبلانيول، و ريبير و بولونجي و مازو و ستارك و غيرهم... فإن هناك فريق من الفقه الحديث نفسه، من احترز هذه النظرية، فقد وجدنا على سبيل المثال أن كل من لوفيل و باش قد خصصا دراسة مستقلة، شاملة و دقيقة لعناصر موضوع القانون الانتقالي.
¹ الدكتور جميل الشرقاوي – المرجع السابق – ص 150.
لقد بادر لوفيل بتجميع معظم العناصر الأساسية الخاصة بشكل تنازع القوانين من حيث الزمان، و راح يستخلص منها علما جديدا لتنظيم مشكل القانون الانتقالي. ¹ و ميز بشكل دقيق بين المراكز القانونية التي تشمل كل من المراكز المستقلة و المراكز المتعارضة تعارضا على المراكز المعارضة للمراكز المستقلة ².
و يختلف لوفيل عن روبييه، في أن الأول يجد أن الأثر المباشر ما هو إلا نتيجة طبيعية لعدم الرجعية ³، ذلك لن القانون الجديد بعد صيرورته نافذا ينتج أثره على كل العلاقات المحددة بعد نفاذه.
لذا اتخذ لوفيل " عنصر التحديد " كدعامة أساسية لحل مشكل القانون الانتقالي.
و إضافة إلى ما ذكره هذا الفقيه في دراسته، فقد ألح على وضع مشكل تنازع القوانين من حيث الزمان في وسط قانون مثمر، بغية تأثيره إيجابيا على مشاكل العلاقات القانونية
أما الأستاذ باش " Bach " فإنه يرى أن فكرة المركز القانوني لا تفيد القانون الانتقالي .
لذا شرع في توجيه اهتماماته القصوى نحو دراسة تطورات حركية القانون على الأفعال و التصرفات التي ينظمها التشريع ⁵
فنجده من جهة يتفق مع روبييه في أن أثر القانون القديم يمتد على الآثار المستقبلية، و من جهة أخرى يحبذ منع كواصلة تطبيق القانون القديم، و في هذا يختلف مع روبييه ⁶.
و أخيرا يتفق مع لوفيل في إعطاء المشرع السلطة الكاملة في تنظيم مشاكل القانون الانتقالي.

¹ Level ; thèse précitée
² Op.Cit.P . 230 et S ³ Op.Cit.P. 90 et S.
⁴ Bach. Contribution à l’étude du problème de l’application des lois dans le temps. R.T.D civ. 1969. P. 405.N°17 à 20. Article à l’encyclopédie Dalooz de droit civil ; 2° ed. viS « conflits de lois dans le temps »
N° 44 et S. Article précitée. N° 19.
¤ Article à la R.T.D.Civ. N°31. Enc. Dalloz. N° 45 et S.
إن كل الاجتهادات التي عرفها موضوع تنازع القوانين من حيث الزمان، جعلت المشرع يقترب من الحقيقة العلمية التي تفيد في تحديد تطبيق القانون الانتقالي. لذا اتخذت نظرية روبييه كقاعدة لانطلاق التفكير في إيجاد حلول مشاكل القوانين الانتقالية.
و تبعت هذه النظرية عدة تعديلات مدققة و محددة من بينها تلك التي تعرض لها كل من لوفيل و باش بإسهاب.
فكان من شأن تلك الاجتهادات أن أنارت الفقه و القضاء و المشرع لوضع مبادئ عامة تفيد في بناء منهج عام يتم على ضوئه ربط الأفعال و الأحداث القانونية بقانون معين من القوانين المتنازعة، يمكن إدراجه بعد ذلك في المنظومة العلمية. تماما كالتنظيم الذي يعرفه القانون الدولي الخاص، عند ربطه لحادثة معينة بقانون معين من القوانين المتنازعة ¹
حيث تستخلص مبادئه العامة من طبيعة الأشياء الحقيقية و من ثم تدرج ضمن المبادئ السامية التي تحضى بسلطة معنوية عالية، لا يجوز للمشرع الخروج عليها.
أما اليوم فقد أصبح المشرع هو صاحب السلطة العليا في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل القانون الانتقالي، فإنه عند تنظيم قانون معين، يحدد مجالات تطبيقه و ذلك ما نلاحظه من خلال التشريعات الوضعية الحديثة.
حيث تظهر بشكل متواصل نصوص قانونية انتقالية كثيرة، من شأنها مساعدة القاضي على تطبيق القانون الواجب التطبيق.


¹ de lois dans le temps. Batiffol, Conflits de lois dans l’espace et conflits
Rippert.T1/L.G.D.J. 1950.P.292 et S
الفصل الرابع
نظرية رجعية القوانين التفسيرية

تعد هذه النظرية قديمة جدا تعود إلى ظهور القانون التفسيري، و قد تقبلها جستنيان في النص التاسع، و عرفت نجاحا كبيرا خلال القرون الوسطى ¹.
ذلك لأنها كانت تتأقلم مع نظام الأعراف و القضاء المتغير. كما أنها كانت تحترم القضايا التامة Cause finitae و تطبق القواعد الجديدة على القضايا المستقبلية، و أحيانا أخرى على القضايا السارية، و كانت تعتد بتاريخ خضوع الأفعال القانونية للمحكمة، و ليس بتاريخ نشوءها أو انقضاءها ²
أي تأخذ بحكمها و ليس بإنشائها. إلا أن نظام التشريع الحديث قد ابتعد عن هذا النظام، و الذي يعود له الفضل في تحديد تاريخ نفاذ القوانين التي تستطيع من خلال الأفعال القانونية تحديد نهاية القوة الشرعية للقوانين المتتالية.
إن المشرع الحديث يأخذ بعين الاعتبار الأفعال القانونية نفسها و ليس النزاعات المتعلقة بتلك الأفعال ³ . و لا يعود المشرع الحديث إلى نظام القديم إلا في حالات خاصة، فيظهر الأخذ بالنظام القديم عندما يكون القانون رجعيا، و خاصة إذا كان القانون قانونا تفسيريا.
و قد كان لهذه النظرية دور كبير عند تقنين القوانين الوطنية الفرنسية المتمثلة في قوانين سابقة أو قواعد شرعية أو أعراف موجودة. و قد تضمنت الفقرة الثانية من المادة الثانية من مشروع القانون المدني الفرنسي تطبيق نلك النظرية، و لكن سرعان ما حذفت نظرا لأنها تحتوي على عناصر خطيرة

¹ Roubier : Les Conflits de lois dans le temps. 1929. P. 463.
² نفس المرجع السابق Roubier : P. 463
³ نفس المرجع السابقRoubier : P. 464
و غير يقينية. حيث كانت تحث على تطبيق القانون التفسيري ابتداء من تاريخ نفاذ القانون الذي هي بصدد تفسيره، ما عدا الأفعال التي حازت على حكم الشيء المقضي ¹
إن المشاكل التي اعترضت القوانين أثناء محاولتهم إعطاء تعريف دقيق للقانون التفسيري، لا تمنع من القول بأن القانون التفسيري هو قانون رجعي. و إن كانت هذه المقولة صحيحة، فإن وجود التشريع التفسيري أصبح نادرا، لذا فهو لا يخرج عن دائرة الاستثناء، و يعود الفضل في الوصول إلى هذه النتيجة إلى التجربة التاريخية التي حضيت بها القوانين الفرنسية الثورية، لذا كان المشرع يخشى من تحريف القضاء لمحتوى القانون، لذا كان يمنح لنفسه السلطة العليا في تفسير القوانين بواسطة إصداره قوانين تفسيرية بصدد كل نقض تقريبا ².
و نظرا للانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى المشرع، و نظرا لاهتمامه بشؤون أخرى، توقف المشرع عن تدخله في الشؤون القضائية المخولة إليه، أي أصبح تفسير القوانين من اختصاص منظومة قضائية ذات سلطة سامية تتمثل في السلطة القضائية، و هذه الخصيصة تتماشى مع المبادئ العامة للقانون العام الحديث، و يتطلبها نظام الفصل بين السلطات ³ .
و لما تم تعديل نظام التفسير القانوني سنة 1828 – 1837، ظن بعض الفقهاء أن التفسير القانوني قد ألغي تماما و لكن الأصل هو أن يبقى المشرع محتفظا بسلطته في إصدار تشريع تفسيري أو تشريع جديد بدون أن يتعدى حدود المستقبل.
و مع ذلك بقي المشرع يتدخل، عندما يختلف القضاء في تحديد بعض المسائل، أو عندما يطلب منه أطراف النزاع ذلك الإجراء فيضع حدا فاصلا لتلك التناقضات، و مهما يكن فبمجرد تنظيم السلطة
¹
، ² نفس المرجع السابق – ص 465. Roubier :
³ المرجع السابق – ص 224 و ما بعدها. B. Starck :
⁴ Planiol et Ripert. Op.Cit.I.N° 212.
القضائية، أصبحت القوانين التفسيرية نادرة الوجود، نظرا لتقديم الحلول من طرف الهيئات القضائية، إلا في حالة اختلاف قائم بين غرف محكمة النقض، أي بين غرفة العرائض و الغرفة المدنية، و لمن القول باستثنائية القوانين التفسيرية لا يمنع المشرع من أن ينص على قوانين تفسيرية ¹.
المبحث الأول: التفسير التقليدي لرجعية القوانين التفسيرية.
بالنسبة للرأي التقليدي، لا يعد القانون التفسيري قانون جديد، و إنما أتى لتوضيح قانون سابق، و ذلك بغية تسهيل عملية تطبيقه لذا فهو لا يتنازع مع القانون السابق الذي صدر بشأن تفسيره، فهو كما يقول الفقهاء القدامى، يشكل مع القانون المفسر هيكلا واحدا.
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا أن رجعية القوانين التفسيرية، ما هي إلا رجعية ظاهرية فقط. ذلك لأن القانون التفسيري في نظرهم لم يأت بشيء جديد و إنما أظهر إلى الوجود ما كان مختفي ضمن القانون السابق، أو بتعبير آخر ليس القانون التفسيري الذي سيصير نافذا و إنما القانون الأصلي هو الذي يبقى ساريا. و لكن هذه النظرية التقليدية لرجعية القوانين التفسيرية لم تكن صائبة لذا هجرها الفقه الحديث و ذلك لعدة أسباب منها:
- إن القانون التفسيري أتى بحلول واضحة وكاملة أي أتى بقواعد تشريعية لم يتعرض إليها القانون السابق ² و ذلك بعكس ما كان يعتقده الفقه الفرنسي خلال القرن الرابع عشر بحيث كان له أن يرى بأنه هناك مصادر أخرى للقانون سوى القانون نفسه ³ إن فكرة محو الفترة الزمنية الممتدة بين القانون التفسيري و القانون المفسر، قد تؤدي لا محال إلى نتائج غير صائبة. بحيث لو كان الأمر كذلك، لتم تطبيق القانون التفسيري على القضايا أو المسائل التي انتهى الحكم فيها و صارت تامة، و لكن عرفنا فيما سبق أن القانون التفسيري لا يحكم المسائل التامة و أيا يقتصر تطبيقه على الأفعال

¹ نفس المرجع – ص 468. Roubier :
² المرجع السابق – ص 470 Roubier :
³Reymond ( J ) Des lois d’interprétation et de leur rétroactivité thèse Aix. 1925
السارية و بالأخص الأفعال و إنما يقتصر تطبيقه على الأفعال السارية و بالأخص الأفعال المستقبلية.
و أخيرا يجب إلغاء فكرة أن القانون التفسيري و القانون المفسر يكونان هيكلا قانونيا واحدا، لأنه من الضروري أن القانون التفسيري قد يأتي بشيء جديد و إلا فلما بادر المشرع إلى إصدار قانون تفسيري ؟
و لهذا نبذ الفقه الحديث تلك النظرية التي لم تأت بتفسير حقيقي للقوانين التفسيرية. و لو كانت رجعية القوانين التفسيرية ظاهرية كما كان يظن الفقه التقليدي لما كان المشرع الفرنسي مثلا يمنح للمرتهنين مدة زمنية محددة لكي ينظموا خلالها شؤونهم وفقا للقانون التفسيري، و إن هذا الإجراء إنما يؤكد على رجعية القوانين التفسيرية بصفة حقيقية و ليس بصفة ظاهرية.
و تاريخ القانون الانتقالي يثبت ذلك بسهولة حيث كان المشرع يأخذ مكانة القاضي في التفسير، و بالتالي يصدر قانون جديد تحت ستار القانون التفسيري و ذلك ما كان يحدث بالنسبة للقوانين العرفية و القضائية ¹.
و سبق للفقه القانوني أن رفض رجعية الأحكام القضائية في الميدان التطبيقي، و لكن هذا الرفض لا يمكن أن يتعدى رجعية القوانين التفسيرية ذلك لأن القانون الفرنسي يسمو على مناقشة هذه الفكرة، و لكن كل ذلك الفقه القانوني الحديث يسعى جاهدا إلى الحد من تطبيق القوانين التفسيرية.
المبحث الثاني: مميزات القانون التفسيري.
تحديد التشريع للقوانين التفسيرية:
قد يتم التمييز بين قوانين تفسيرية بطبيعتها و قوانين تفسيرية بنص تشريعي.
فبالنسبة لهذه الأخيرة، قد ينص المشرع صراحة بأن القانون، قانون تفسيري، و هذا يكفي لتطبيقه

¹ Ghestin et Goubeaux . Op.Cit.N° 353
رجعيا، و ذلك بدون أن يحث المشرع على رجعية القوانين التفسيرية.
مثال ذلك: قانون 30 جوان 1923 ( م 107 – م 109 ) قضى صراحة بتفسيره لقانون 10 أكتوبر 1919 ( م 06 ) و قانون 24 مارس ( م 02 ) ¹ و لذلك يعفى القاضي من البحث على رجعية المشرع الضمنية، إذا صرح المشرع بأن القوانين تفسيرية، و حتى إذا وجد أن تلك القوانين تفسيرية بطبيعتها.
و قد يتساءل البعض عندما يلجأ المشرع إلى التصريح بان القوانين التي يصدرها هي قوانين تفسيرية في حين يقصد من وراء ذلك رجعيتها.
إن المشرع عندما يلجأ إلى هذا الإجراء، إنما لأنه يعلم بعدم شعبية القوانين الرجعية، و إنها تخل بالشعور العام للقانون لذا يصرح بأن القوانين تفسيرية عوض أن يصرح بأنها رجعية، فتبريره هو أن يتهرب من الإخلال بالرأي العام بطريق غير مباشر، لذا نجد الفقيه مايير دي شاسا² قد نقد هذا الموقف بشدة لاعتباره مخل باستقامة القانون.
خاصة و نحن نعرف بأن ليس هناك ما يمنع المشرع من إصدار قوانين رجعية لو تطلب الإصلاح القانوني ذلك.
المطلب الأول: القوانين التفسيرية بطبيعتها.
بالنسبة للقوانين التفسيرية بطبيعتها، يجوز للقاضي طبقا للقانون الوضعي و بدو تصريح من المشرع أن يدلي بأن القانون كذا قانون تفسيري معتمدا في ذلك على طبيعة القانون التفسيري نفسها. لكن ما هي المميزات التي تسهل للقاضي معرفة القوانين التفسيرية ؟
لم يكن اتجاه الفقه واضحا بالنسبة لهذه المسالة و لكن حسب الاحتياطات العلمية المستخلصة من

¹ المرجع السابق – ص 474 Roubier :
² MAILHER de Chassert, Traité de la rétroactivité des lois. Paris 1845.

القرارات القضائية، فإنه تم استخلاص الوجهة التالية:
يعتبر القانون تفسيريا بطبيعته عندما يصدر لحل نص قانوني تضمن قاعدة قانونية غير يقينية أو مخالفة لمعناها الحقيقي، و كان لا يقدر على حلها إلا القضاء.
و هذه العملية من شأنها أن تمحي الطابع السلبي لرجعية القوانين العادية التي تعد مخالفة لمبدأ عدم الرجعية ¹
فالقانون التفسيري بهذه الصورة ليس شانه تبديد الثقة المتمثلة في الأمن و الثبات القانوني، و إنما يمتد تدريجيا إلى أن يحقق كمال القانون الوضعي، لقد كان القانون المدني بعد صدروه في شكل جديد في غير حاجة إلى تفسير، و إنما تقبل القضاء فكرة التفسير القانوني، في الوقت الذي كان لا يفرق فيه بين الأثر الرجعي للقانون و أثره المباشر ².
فبمجرد نفاذ قانون معين، يبرز القضاء نيله بوضوح إلى تطبيق القوانين الجديدة، فإن كان هدا التطبيق له أثر مباشر، يعتقد القضاء أنه رتب أثرا رجعيا بتطبيقه قوانين جديدة على قضايا سارية.
و قد كان يستهدف من تفسير القانون الوضعي، تطبيق هذا الأخير على بعض الحالات السابقة، ففي هذه الصورة لا يكون هذا التطبيق بحاجة إلى رجعية، بل الأثر المباشر كاف لهذا الإجراء، و مثل ذلك كتطبيق قانون تفسيري على اختراعات سابقة النشأة ³ أو كتطبيقه على حارس الأشياء. و أساسا على ذلك فقد كان البعض يرفض الطابع التفسيري لبعض القوانين، بينما كانت قوانين أخرى مقبول تفسيرها، و التي من بينها قانون تعديل حوادث المرور.
و هنا تبنى القضاء فكرة تطبيق القوانين التفسيرية على كل القضايا الجديدة.



¹،² نفس المرجع السابق – ص 486 Roubier :
³ المرجع السابق – ص 489.Roubier
المطلب الثاني: القانون التفسيري يوجه القضاء إلى الحل الصحيح.
في الغالب لا يأتي القانون التفسيري بتفسير جديد بل يقضي على الخلاف القائم بيم حلين ممكنين. و لكن أحيانا أخرى، و يقضي على الخلاف القائم بين القضاء مما يؤدي بالمشرع إلى إعطاء حل جديد لذلك الخلاف.
و للمثال على ذلك، ما حدث بين محكمة النقض الفرنسية و محاكم الاستئناف التي اختلفت حول مدة النطق بالحكم إذا ما كانت محددة بـ 8 أيام أو ثلاثة. فما كان للمشرع إلا أن يصدر قانونا تفسيريا محددا هذه المدة بـ 3 أشهر¹، فهذا القانون هو بمثابة قانون جديد و ليس قانون تفسيريا. و لذلك صار إعطاء تعريف دقيق للقانون التفسيري من الأمور الصعبة خاصة بعد ما لبست الكثير من القوانين الجديدة غطاء التفسير "، و بعد ما فتح الفقه الحديث مجالات واسعة للقضاء في شان تفسير القوانين.
لكنه مع هذا يجد هذا الأخير نفسه دائما عاجزا أمام بعض الإجراءات القانونية البحتة، كتحديد مدة التقادم، أ, كإنشاء بعض التنظيمات الجديدة و تحديد وظائفها أو كتنظيم نظام خاص لمؤسسة معينة، فهذه الاختصاصات يناط بها التشريع لا غيره، فاختصاص القضاء في التفسير لا يتجاوز حل الخلاف.
و مع ذلك كله، فقد يطرح العميد جوسران ² السؤال حول مدى أهمية تدخلات المشرع في تفسير القوانين، أو ترك هذه المهمة للقضاء وحدها، إنه سؤال مطروح قد لا نجد الجواب عنه، أو قد تكتفي بالقول أن تدخل المشرع لا يعتبر تفسيرا للقوانين، و إنما رجعية مستترة.
المطلب الثالث: حدود رجعية القوانين التفسيرية.
يعتبر تطور رجعية القوانين التفسيرية مرتبطا بتطورات أو تغيرات القضاء، أي بمعنى امتداد آثار هذه القوانين إلى النزاعات الناشئة سابقا و التي لازالت مطروحة في ساحة القضاء أو التي لازالت في

¹ Meyer ; Principe sur les question transitoires ; 2° ed par de pinto 1858.
² Duguit, la non rétroactivité des lois et l’interprétation des lois, Rev. Droit public.1910.P. 794
طريق النشوء، و قد لا تصل إلى النزاعات التي تم الفصل فيها نهائيا، و في ذلك يتشابه الأمر، كما هو عليه الحال بالنسبة لرجعية القوانين العادية التي لا يجوز فيها أن تمس رجعيا القضايا التي تم فصلها بصورة نهائية.
و لكن ما سبق اذكر، قد يخل المشرع بهذه القاعدة استثناء من الأصل العام، بمساس القانون الجديد رجعيا لبعض القضايا التامة.
و القضايا التامة كما حددها الفقه الروماني هي القضايا التي تم فيها الفصل عن طريق حكم أو طريق الإحالة، و البعض الأخر من هذا الفقه يضيف إلى ذلك القضايا التي تمت تسويتها بالصلح أو بالسكوت التام، و من الواضح أن الفقه اللاحق لم يدخل تطورا لهذه المصطلحات، بل أنه لم يفهم بصورة محكمة مدى أهمية هذه المبادئ ¹، بمعنى أنه عندما يفصل في قضية معينة طبقا لحل معين، و تصير تامة، لا يمكن بعد ذلك أن يحتج على ذلك الحل المتخذ بأنه مخالف للقانون، و لذلك فلا ينبغي أن يمس القانون التفسيري ما تم الفصل فيه، تماما كالتعديلات اللاحقة التي يتخذها القضاء، فلا يمكن له أن يرافع بشأنه بعد قفل باب المرافعة.
أو كأن يكون الحكم الحائز للشيء المقضي، بينما يمكن للقانون التفسيري أن يمس القضايا التي لازالت مستأنفة أو معروضة في محكمة النقض و ذلك بغية عدم رجعية القوانين التفسيرية، فهذا هو مفهوم القضايا التامة بالنسبة للفقه الروماني، وبعض الفقه التقليدي و منهم سافيني ²
و لكن هناك رأي راجح يقصد بالقضايا التامة انفصال الأشياء المحكوم فيها عن التبعات القانونية، و لا يؤخذ بانتهاء النزاع كأساس للقول بالقضايا التامة، مثل ذلك كأن يكتسب شيء بالتقادم، فلا يمكن للقانون التفسيري أن يخضع هذا الشيء لحكمه، و ليس للقانون الجديد أن يرجع على القضايا التامة.

¹ P. Roubier : le droit transitoire, conflits de lois dans le temps 2° ed. Dalloz et serey 1960.
² سافيني: دراسة القانون الروماني.
أما بالنسبة للقضايا الساري، فقد استقر الفقه الفرنسي الحديث على أن التفسير الذي يأتي به المشرع يسري على جميع القضايا التي لم يفصل فيها بعد نهائيا، أي التي لم تصير تامة.
أي يسري على القضايا المستأنفة و المعروضة أمام محكمة النقض. و في ذلك اتخذ الفقه الحديث مجرا مخالفا لمجرى الفقه التقليدي الذي جعل القضايا التامة و القضايا السارية في نفس المستوى.
كما يضيف بعض أنصار هذا الفقه أن التغيرات القضائية هي الأخرى تطرأ على جميع القضايا الغير نهائية.
و مع ذلك فإن المشرع، كما سبق لنا ذكر ذلك، زيادة على ذلك أن يرجع على القضايا التي صارت تامة، و لم تصير بعد شيئا طبيعيا.
و قد حاول دوجي ¹ منح السلطة للقضاء بأبعاد القانون التفسيري عن القضايا المستأنفة و القضايا المطروحة أمام محكمة النقض، لكن محكمة النقض الفرنسية نفسها رفضت منهجه هذا وأقرت باحترام القانون التفسيري للقضايا.
المبحث الثالث: المبادئ العامة في حل تنازع القوانين من حيث الزمان.
إضافة إلى النظريتين التقليدية و الحديثة و هما الرئيسيتين، نرى أن المبادئ العامة تصلح هي الأخرى لحل تنازع القوانين من حيث الزمان.
و تتضمن هذه المبادئ ذ، نفس المبدأين و هما مبدأ عدم الرجعية و مبدأ الأثر المباشر للقانون، بتطبيقاتهما و ما يرد عليهما من استثناءات.
المطلب الأول: الأوضاع القانونية ذات الأثر الرجعي.
تمثل دراسة هذه الأوضاع تعقيدا ذا درجة كبيرة، و هي تنقسم إلى نوعين:


¹ المرجع السابق – 764 و ما بعدها. Duguit :
- النوع الأول: ينشا العقد أو العمل القانوني، و إذا تلاها قانون لاحق، قام بتعديل هذه الواقعة القانونية السائدة من يوم انعقاد العقد أو إتيان العمل القانوني، أو تعديل آثار العقد إذا توقفت مؤقتا، و بذلك يتم قبولها أو زوالها رجعيا.
و هكذا تكون الوقائع التي تصدر بشرط موقوف أو فاسخ فرجعية هذه الوقائع لا تمتد إلى ما قبل انعقاد العقد أو ما قبل إتيان العمل القانوني، بل تكون تابعة لزمن الانعقاد.
و في هذا المجال ينعدم التمييز بين الأثر الرجعي و الأثر المباشر للقانون، لأن الرجعية في هذه الحالة تقوم بتعديل آثار سابقة، أي التي تمت في تاريخ سابق.
المطلب الثاني: اللجوء إلى فكرة عدم الرجعية.
استعملت هذه الفكرة في عدة اتجاهات من طرف المشرع و القاضي و أغلبية الفقه، تعطي لمبدأ عدم الرجعية تبريرا مستأصلا من الفلسفة الاجتماعية، ألا و هو الحماية الضرورية للمصالح الخاصة. فإذا لم يكن القانون مطبقا رجعيا، و هو ذو الطابع الإلزامي، و يطبق في المستقبل، لأن الرجعية تخلق حالة اختلال غير مطلقة في العلاقات القانونية، و يحطم الشعور بالثقة في القانون في ضمان المن الكافي.
فهذه الأسباب بالرغم من تحكمها، لم تمنع المشرع من أن يجعل قيودا مشددة على القاعدة العامة في استعمال الرجعية، فالضمان القانوني هو أحد الأسس المبدئية في السياسة التشريعية الشيء الذي أدى بالمشرع أن يخنق القانون الرجعي بحيث لم يسمح له أن يتعدى الحالات الاستثنائية. حتى يتمكن من إبعاد ما هو غير عادي في الرجعية، و ذلك بعكس ما كان سائدا في الماضي لفترة طويلة من الزمن. كما أنه ليس للقانون الرجعي أن يسقط الحقوق المكتسبة، فهذا السقوط، قد ينجم من آثار كل تعديل تشريعي، فيصطدم بالحقوق المكتسبة، فالأثر المباشر للقانون وحده يكفي لهذا التعديل بدون حاجة إلى الرجعية.
فليس لزاما على المشرع أن يضمن للأفراد التمتع اللامحدود في المستقبل بالحقوق التي يملكونها مدة، لكن الشيء الذي يضمنه هو ما مضى في ظل قانون سابق، و في هذا يرجع الفضل إلى قاعدة عدم الرجعية. فالقانون الجديد ابتدءا من يوم صيرورته نافذ، يثير نزاعات في شان تطبيقه من حيث الزمان، لذا نجد أنفسنا أمام حلين ممكنين.
أما أن نقبل بقاء الوقائع السارية خاضعة مع آثارها المستقبلة للقانون القديم، و هذا ما يعرف باستثناء سريان القانون القديم، أو نقبل إخضاعها للقانون الجديد، ابتداء من يوم نفاذه و هذا ما عرف بتطبيق الأثر المباشر.
و طالما تقبل التشريع هذين الحلين، فلماذا لا نقتصر على احديهما لقطع تنازع القوانين من حيث الزمان؟ لكن الشيء الذي يعتبر غير عادي بالنسبة لروبييه و أنصاره هو الأثر الرجعية للقانون الجديد، لأنه ليس حلا مخففا، و لا يساهم في حل التنازع الناشئ عن تعديل التشريع، بل بالعكس فهو يزيد من حدته.
كما لا يعتبر الأثر الرجعي بمثابة حركة قانونية ثالثة، يقوم بها المشرع، إذا تراءى له ذلك، لأن هذه الحركة تشكل تحولا خطيرا، يرفضه المنطق و التجربة الإنسانية ¹. و على هذا الأساس يجد روبييه، أن قاعدة عدم الرجعية هي وحدها تكفي أن تجعل حدا فاصلا لحركة القوانين من حيث الزمان لذا على المشرع اعترافا بموقف هذه القاعدة القانونية أن يتوقف أمامها دون حاجة إلى استعمال الرجعية، و ليس لاعتبارات قانونية فحسب و إنما لاعتبارات علمية على الأقل، و هذا لا يعني نفي تدخله رجعيا في حدود خاصة إذا تطلبت الضرورات الاجتماعية ذلك، طالما لم يكن نص تأسيسي يمنعه من هذا العمل.


¹ المرجع السابق – الجزء الثاني 1933 – ص 517 Roubier :
بعد توضيح القواعد العامة لحل التنازع بين القوانين و التي تفرض نفسها أمام القضاء، يبقى لنا أن نرى ما إذا كانت السياسة التشريعية صائبة في إدخال بعض الإجراءات المعدلة لتلك القواعد، أم يكتفي بما سطرته المبادئ العامة في هذا الموضوع فقط. باعتبار القانون الانتقالي يكون مجموعة من القواعد التي تفيد في حل التنازع في أحسن الظروف، و إن النظرية الخاصة للقانون الانتقالي، لا يجب أن تغفل إدراج النصوص الصريحة في القانون.
و ذلك ما يستدعي انتباه المشرع بأن يحيط تلك النصوص الجديدة بمجموعة من الإجراءات الاحتياطية التي يستشفها من الحالات الواقعية، حالة بعد أخرى و هي مقاييس ليس بمستطاع القاضي أن يلجأ إليها، فهو يتقيد بالمبادئ العامة فقط أي يجمعه لبعض الاحتمالات و ليس لحالة خاصة.
و لكن لا يمكن تغطية بعض المبادئ العامة التي صارت قانونا ملحوظا بفضل حركة التشريع.
و من ذلك نستخلص أن وراء المبادئ العامة يكمن ما يعرف بالسياسة التشريعية فهي إذن تسبق قواعد القانتون الانتقالي. فالسياسة التشريعية تسبق مختلف قواعد القانون كلها. و ذلك ما يؤدي بنا إلى إجراء مقارنة تقليدية بين المسائل التشريعية و مسائل القانون الوضعي، و قد أشار إلى ذلك دوجي، و لكن بدون أن يفصح عن ذلك مباشرة، لذا راح يتساءل عن هدف السلطة التشريعية إذا ما كان هو إنشاء القانون فقط.
إن الدولة مرتبطة بالقانون، لكن هل يقتصر هدفها على إنشاء القانون فقط أم يتجاوز هذا الهدف ؟ مع العلم أن الدولة خاضعة للقانون.
و ذلك معناه، أبعاد المشرع عن اختراق مبدأ عدم الرجعية بدون وجود نصوص تأسيسية لمراقبته على ذلك. و لكن على السلطات العامة أن تعمل جاهدة على إلغاء كل ما هو خارج عن الإطار القانوني سواء تمثل ذلك في التحكيم العشوائي أو في نيل من بعض القواعد القانونية، هذا ما أراد أن

يوضحه دوجي ¹ و لكن أتي به من وراء الحجاب، حيث يرمي إبعاد المشرع من أن يتعرض لمبدأ عدم رجعية القوانين من جهة و من جهة أخرى أراد أن يكون هناك نظام قضائي خاص بمراقبة فعالية القوانين الدستورية و معاقبة كل من لم يحترمها، لكن جيز ² يختلف عن دوجي في انه ميز بين وجهة النظر القانوني ووجهة النظر السياسي. و إنه يرى بأن التدخل الناجم عن المشرع في المجال القانوني لا يشك فيه الفقيه بل إنه يرى بأنه في أمس الحاجة إليه، و أن الحركة التشريعية لا تقتصر على الضمانات السلبية لتنفيذ القوانين، بل لها ضمانات إيجابية قد تتجاوز متطلبات القواعد القانونية البحتة و أكثر من ذلك فقد يتحقق عنها انتقالات تشريعية في منتهى الايجابية بالنسبة للمصالح المعنية.
لكن كل من دوجي وجيز قد اعتمدا على تحليل تقليدي للغاية، فكل منهما يرى بأن القاعدة القانونية تضمن التوازن الحقيقي بين المصالح القائمة. و ذلك مع ترك مجال معين للمشرع، يسمح له بالتدخل كلما دعت الضرورة إلى إنشاء تحولات خاصة، و لكن على المشرع أثناء تدخله الانتقالي أن يحترم القانون، و له الاختيار في اتخاذ الحلول الملائمة كاتخاذه لمقاييس كافية لإصلاح قانوني، أو كنصه على نصوص انتقالية جديرة القبول من طرف المعنيين في الحالات الصعبة أو الحالات التي تتطلب التدخل السريع. أو كتعويض الأفراد المتضررين من الإجراءات الإصلاحية، في الحقيقة، بإمكان المشرع أن يتخذ عدة صفات لإحداث الإصلاح دون أن يبتعد عن العدالة.
- لكن السؤال الذي يطرحه الفقه الحديث يتمثل في ماهية وجود سياسة ناجعة للقانون الانتقالي ؟ هذا السؤال لم يبادر الفقه التقليدي إلى الإجابة عليه الأمن جانب واحد هو الجانب الرجعي للقوانين، و هو منع المشرع من أن يتدخل رجعيا، لكن الاختلاف الذي وقعوا فيه في هذا الصدد، هو تحديد مجال تدخل المشرع رجعيا ³

¹ Supra. P. 511 et S.
² نفس المرجع .Jeze :
³ Supra. P. 431 et S
فحسب الفقه الحديث، صحيح أن القانون الانتقالي له أهمية تطبيقية قليلة في القواعد التأسيسية، لكنت المنطق الذي لا يجب أن يغفل هو عدم تقييد المشرع بمبدأ عدم رجعية القوانين.
إن سياسة القانون الانتقالي لا تكمن في مشكل رجعية أو عدم رجعية القانون، لأن رجعية القانون كما سبق لنا أن عرفنا ليست ممنوعة منعا مطلقا، و إنما هي بمثابة إجراء استثنائي فقط. و على أساس ذلك يمكن للمشرع أن يلجأ أحيانا إلى تطبيق مبدأ الأثر المباشر للقوانين¹ و أحيانا أخرى يلجأ إلى إمداد سريان القانون القديم.
فالمسألة السياسة التشريعية مرتبطة كل الارتباط بتاريخ الشعوب و بتأسيساتها، و لذلك نجد بطبيعة الحال أن الشعب المحافظ يميل كليا إلى التشبث بالقوانين القديمة ².
و ذا لا عني أن الشعوب المحافظة رافضة لتطوير مؤسساتها، بل كل ما في الأمر، أن هذه الشعوب لها طريقة خاصة لخوض التطور، فهي إلى جانب القوانين الموجودة، تنشئ قوانين جديدة لإرضاء الاحتياجات الجديدة، و يبقى سريان القوانين القديمة متواصلا مع سريان القوانين الجديدة بصورة متوازية جنبا إلى جنب، حتى يتبين بوضوح عجز القوانين القديمة عن مواكبة التطور، فهنا بالتحديد، تبقى القوانين الجديدة وحدها سارية المفعول، بدون منازع. و هذه الطريقة المحافظة من شانها القضاء على المشاكل التي تعرقل القانون الانتقالي بصورة قطعية.
ففي البلدان الأنجلوسكسونية، تعطي الكلمة الخيرة فيها للقاضي ² الذي يستمد قانونه من التقاليد ذات الطابع المحافظ. لكن الأمر يختلف في بعض المجتمعات الأخرى التي تطمح في إدخال بعض التعديلات المرجوة ليس عن طريق الإنشاء الخارجي، و إنما عن طريق الإصلاحات التأسيسية الداخلية
و هي تعد بمثابة طريقة أساسية لمفهوم التعديل، و ذلك كالإكثار من الحركات السياسية و الثورات
¹ هذا النوع من القوانين المحافظة، كان موجودا في القوانين الرومانية العتيقة و هو موجود أيضا في القانون الأنجلوسكسوني
² Ed . Lambert, le gouvernement des juges 1921.
الانقلابات إلخ... و هي تعتمد في منطوقها على الإرادة الإنسانية في إنشاء الهيكل الاجتماعي ¹ الذي يبنى على قواعد تأسيسية أساسية.
و مثال ذلك، زوال النظم السياسية الإقطاعية، و في البداية ثم القضاء على مخالفتها في بعض المدن الأوروبية فلا يمكن الإبقاء على نظامين مع بعض، كالنظام الإقطاعي و النظام الاشتراكي مثلا، أو كالنظم الرأسمالي.
لأن التاريخ و الواقع هما اللذان يحكمان الظروف المعاشية و ليس العكس، كما يقول أحد المؤرخين، و هذه الميول المحددة تحددها قوانين فعالة و تنشطها حركات سياسية، بحيث يصبح لزاما على الأفراد إتباع الإصلاحات الجديدة المخالفة للأنظمة القديمة، و لو تم ذلك في زمن غير محدد ²، لكن إذا كان هذا الانطباع لا يخرج عن الشكل العام، فإنه في حالات خاصة، قد لا يكون لزاما على المشرع أن يضغط على الأفراد لإتباع نظام جديد، بل إذا تبين له من خلال السياسة التجريبية للنظام المحافظ أن هناك قواعد موجودة صالحة، فلا داعي لتغييرها بقواعد أخرى.
و في بعض الأحيان تحتاج القواعد القديمة إلى لباس قانوني جديد، إذا تبين أن القانون القديم أصبح عاجزا عن حكم بعض التطورات الجديدة، و لذا يجب على المشرع أثناء إدخاله بعض التغيرات أو التعديلات أن يكون حذرا في تحديدها، لأن الإصلاحات المبتغاة قد تكون فاشلة، إذا ما كان انتقالها بصورة ارتجالية.
المطلب الثالث: المقاييس الضرورية للتشريع الانتقالي.
من بين المقاييس التي تسهل التحولات بين القوانين المتعاقبة تحديد مدة معينة لنفاذ التعديلات الجديدة، و هي العلمية التي غاليا ما يلجأ المشرع إلى اتخاذها مستهدفا بذلك عدة أهداف، كاتخاذ
¹ المرجع السابق – ص 639 Roubier :
² Planiol et Ripert. Op. Cit. I. N° 115
إجراءات وقائية لمخاطر بعض نتائج التطبيق الرجعي للقوانين، مثل ذلك القانون الفرنسي الذي صدر بشان تنظيم الشهر العقاري. فكان يحدد مدة معينة يتمكن من خلالها الدائنون المرتهنون تسجيل أنفسهم، و ذلك لضمان حقوقهم ¹، وأحيانا لا تكون المدة ضرورة تتطلبها رجعية القوانين، و لكن، قد يعينها المشرع و هو بصدد تشريع قوانين مباشرة، و هو يقصد من هذه المدة، السماح للأفراد الذين ستمسهم التعديلات الجديدة بالإطلاع على القوانين الجديدة بحيث يمكن لهم تنسيق مصالحهم وفقا للقانون الجديد.
و هذه الإجراءات الزمنية كثيرا ما يلجأ المشرع إلى اتخاذها نظرا لأهميتها بالنسبة للأفراد، خاصة بالنسبة للعمال أصحاب الصناعات و الحرف المختلفة ²، و أحيانا قد يقصد المشرع من تعيين المدة أهدافا أخرى من بينها إعطاء مهلة كافية للتفكير في مدى قابلية التغيير لتعويض، بدلا من النص على التعويض مباشرة.
و التعويض من طرف المستفيدين من التعديلات التشريعية و هذا المقياس يتخذ في غالب الأحيان عندما يكون تعديل التشريع سيئا في استفادة فئة معينة من الأشخاص، و في حين يكون لزاما على المشرع إنشاء تكافؤ تكميلي لتحقيق نوع من التوازن بين الفئتين، و قد قضت قوانين كثيرة بهذا النوع من التعويض ³.
و مثال لك إذا أخذت من المالك الأصلي، بعض الحقوق المتعلقة بملكيته، كحق المرور، أو الاتفاق أو مرور الماء، فإن للمستفيد من هذه الحقوق أن يعوض المالك بالقدر الذي يحدده القانون الخاص بذلك، أ, كأن يعوض صاحب البراءة من طرف المستفيدين من براءته.
لكن في بعض الحالات قد يترتب على بعض التعديلات أن يفقد الشخص أموالا دون أن يتعين

¹ Supra. P. 517 et S
² R. Demogue ; Les Notions fondamentales du droit privé. Paris 1911 Planiol et Ripert. Op.
P. 109
³ Duguit. Traité de droit Cons. III § 91. P. 613 et S.
مستفيد مباشر لتعويضه، كأن يصدر قانون خاص يقضي بمنع إنتاج معين.
و لهذا كان على الدولة أن تساهمن هي الأخرى في تعيين التعويضات في الحالات المشابهة لذلك.
و لهذا سنشير في النهاية إلى هذا النوع من التعويض و هو التعويض من طرف الدولة، و ليس باعتبارها المستفيد الأول من التعديلات لأن هنا لا داعي أن يصدر قانون بشأن تعويض المتضرر، بل ينجم التعويض من طبيعة الأشياء بل تكون الدولة ملتزمة بدفع التعويضات كلما تبين أن هناك أشخاص ترتبت لهم أضرار بسبب إجراء حكومي أدى إلى حرمانهم من ممارسة إنتاج معين مثلا

إرسال تعليق

 
Top