مداخلـة مداخلة السيد / توصار عبد الحكيم،
المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة.
مقدمة:
لقد شرعت الجزائر سنة 2003 في إعادة النظر في كامل منظومتها المتعلقة بالملكية الفكرية، بشقيها المتمثلة في الملكية الأدبية و الفنية (حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة و الملكية الصناعية).
فنتج عن هذه المراجعة أربعة نصوص قانونية، و هي على التوالي:
- الأمر رقم 05.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة،
- الأمر رقم 06.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بالعلامات،
- الأمر 07.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق ببراءات الاختراع،
- الأمر رقم 08.03 المؤرخ في 19 يوليو المتعلق بالتصاميم الشكلية للدوائر المتكاملة.
و كانت ترمي التعديلات التي أدخلت في هذا المجال، أساسا إلى تكييف قوانين الملكية الفكرية مع اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة تحسبا لانضمام الجزائر للمنظمة العلمية للتجارة.
ففي مجال الملكية الأدبية و الفنية، كانت التغييرات التي أدخلت تخص الجانبين. جانب حقوق المؤلف و جانب الحقوق المجاورة.
ففيما يتعلق بحقوق المؤلف كانت تخص تعديلات المؤلفات المحمية و مدة الحماية و الإستثناءات و الحدود لحماية حقوق المؤلف، الإجراءات و العقوبات و نطاق الحماية.
أما فيما يخص الحقوق المجاورة فالتعديلات تتعلق بالمستفيدين من الحقوق، و امتداد الحقوق المعترف بها لهذه الفئة من المستفيدين و الحقوق المعنوية لفناني الأداء. و سنتطرق إليها بالتفصيل فيما يلي:
و قد أدخلت على الجزء المتعلق بالإجراءات و العقوبات الخاصة بالمساس بحقوق الملكية الأدبية و الفنية تعديلات هامة و جوهرية.
هذه التعديلات تخص التدابير التحفظية، و العقوبات المدنية و العقوبات الجزائية.
و نظرا إلى أن هذه الجوانب تكون الركيزة الأساسية لضمان حماية فعلية لحقوق الملكية الفكرية و ردع كل من يقوم بالتعدي عليها وجب الإهتمام بها عن قرب حتى نحقق لها الممارسة الفعلية.
و أول قطاع معني بهذه الجوانب هو قطاع العدالة و الجهاز القضائي. إذ أن العديد من الإحتجاجات و الشكاوى المتعلقة بالتعدي على حقوق الملكية الفكرية تلجأ في نهاية المطاف إلى العدالة لإيجاد حل لها.
لذا، فإن هذه التغييرات المحدثة تتطلب منا أولا التعريف بها لدى الجهاز القضائي و لدى الإطارات الذين سيمتهنون القضاء و كل من لهم علاقة مباشرة و غير مباشرة بحماية الملكية الفكرية.
كما يتطلب الأمر التفكير في إدخال التخصص في القضاء في ميدان الملكية الفكرية و التخصص يجب يجب أن يشمل التنظيم القضائي و القضاة بحد ذاتهم.
و هذا ما سنتطرق إليه في مداخلتنا، و ذلك بتعريف التغييرات التي أدخلتها القوانين الجديدة في مجال حقوق الملكية الأدبية و الفنية ثم آثارها على العدالة.
I. التغييرات التي أدخلت في مجال الملكية الأدبية الفنية بفعل القوانين الجديدة تخص هذه التغييرات الجوانب المتعلقة بحقوق المؤلف و الجوانب المتعلقة بالحقوق المجاورة.
فيما يتعلق بحقوق المؤلف:
إن التعديلات التي أدرجت في الأمر رقم 03 – 05 ترمي إلى إدخال ضمن المؤلفات المحمية عن طريق حق التأليف برامج الحاسوب و قواعد البيانات و هي المصطلحات المكرسة دوليا.
كذلك الأمر بالنسبة للحقوق المالية المعترف بها لمؤلفي قواعد البيانات التي تم استكمالها لتبيين أن الطابع التجاري لإيجار برنامج الحاسوب هو الذي يخضع للحق الإستئثاري (droit exclusif) للمؤلف،
و بالتالي عندما لا تكون برامج الحاسوب الهدف الأساسي لعملية الإيجار فلا يخضع للحق الإستئثاري للترخيص المعترف به للمؤلف، و ذلك طبقا للمادة 11 من اتفاق ""ADPIC فيما يخص الإستثناءات و الحدود لحماية حق التأليف، ترمي التغييرات المدرجة إلى الحد من الحالات التي يمكن فيها إستغلال المؤلفات بدون رخصة من المؤلف مع أو بدون مكافأة مالية.
و هو الحال بالنسبة للتراخيص القانونية للبث الإذاعي و النسخ الخاص للمؤلفات، مثل استنساخ كتب بكاملها أو التوزيعات الموسيقية.
و ترمي إلى إخضاع عملية إستنساخ المصنفات التي تقوم بها المكتبات و مراكز الأرشيف، و كذا التسجيلات الزائلة التي تنجزها هيئات البث الإذاعي لشروط تقييدية.
و هذه التغييرات تحدث طبقا لمواد إتفاقية "برن" لحماية المصنفات الأدبية و الفنية و اتفاق "ADPIC" .
في مجال مدة حماية حقوق المؤلف، ترمي التعديلات إلى توضيح نقطة إنطلاق مدة الحماية بناء على بنود إتفاقية "برن" و اتفاق "ADPIC" التي تخص الحالات الخاصة التي لا يمكن أن يؤخذ فيها تاريخ وفاة المؤلف بعين الاعتبار، كما هو الحال بالنسبة إلى المصنفات الجماعية و المصنفات المغفل ذكر أسماء أصحابها أو المستعارة أسماؤهم و المصنفات السمعية البصرية و المؤلفات المنشورة بعد وفاة أصحابها.
فيما يتعلق بالحقوق المجاورة يرمي الأمر رقم 03 – 05 إلى تكيف أحكام الأمر رقم 97 – 10 للمعايير المنصوص عليها في 14 من اتفاق ""ADPIC.
مع مراعاة نصوص الإتفاقية الدولية المتعلقة بحماية فناني الأداء و منتجي التسجيلات السمعية و هيئات البث الإذاعي (إتفاقية روما) التي ستنضم الجزائر قريبا إليها و الممارسة المشهودة على الصعيد الدولي في هذا الميدان.
فالتعديلات التي أدخلت تخص المستفيدين، حيث أنه يعترف اعترافا صريحا ضمن قائمة المستفيدين من الحقوق بالعازفين مثل ما هو الحال للفنانين المؤديين.
ففيما يتعلق بامتداد الحقوق المعترف بها لمختلف الأصناف بالحقوق المجاورة أدخلت تعديلات جوهرية للأمر رقم 10.97 على مستوى حق الترخيص لاستغلال أداءات فناني الأداء و منتجي التسجيلات الذي يشمل الترخيص لتثبيت أدائه أو أدائه غير المثبت و استنساخ هذا التثبيت و البث الإذاعي السمعي أو البصري لأدائه أو عزفه المباشر.
و من جانب آخر فقد حصر حق المكافأة على فناني الأداء و العازفين و منتجي التسجيلات السمعية فيما يخص البث الإذاعي لدعائمهم المنتوجة لأغراض تجارية أو إبلاغها للجمهور، بينما كان هذا الحق ممنوح أيضا لمنتجي التسجيلات السمعية – البصرية الذين يحتفظون بحقهم في ترخيص استنساخ دعائمهم السمعية البصرية و إبلاغها للجمهور بكل الوسائل، و ذلك طبقا لأحكام اتفاقية روما و للاتجاه الدولي المهيمن.
فيما يخص الإجراءات و العقوبات:
تهدف التعديلات المدخلة في هذا الميدان إلى تكييف الإجراءات و العقوبات ضد المساس بحقوق المؤلف
و الحقوق المجاورة مع الإجراءات و العقوبات التي ينظمها إتفاق "ADPIC" .
فالهدف المنتظر، هو إتاحة مقروئية أفضل للأحكام في هذا المجال بالنظر إلى اتفاق "ADPIC" و ضمان حماية فعالة لأصحاب الحقوق عن طريق تعزيز الترتيبات الإجرائية و العقوبات المدنية و الجزائية لأغراض ردعية.
و قد أدخل ضمن التدابير التحفظية الموجودة سابقا إيقاف وضع في السوق و دعائم مصنوعة بطريقة غير مشروعة و حجز العتاد الذي استعمل لصنع هذه الدعائم.
و في باب العقوبات المدنية، ينص هذا الأمر بوضوح أن للمحكمة سلطة الحيلولة دون المساس الوشيك بحق المؤلف أو حق مجاور قبل أن يحدث و كذا سلطة وضع حد للمساس الذي حدث و إدانة مرتكبه بتعويض الضرر حسب الأحكام العامة للقانون مع إمكانية إدراج الأرباح المحصل عليها من العمل غير المشروع.
و تم تشديد العقوبات الجزائية بإدراج إتلاف (destruction) النسخ المزورة و العتاد المنشأ خصيصا لصنعها.
II. آثار التغييرات في مجال الملكية الفكرية على العدالة
تظهر آثار التغييرات التي أدخلت بمقتضى القوانين الجديدة المتعلقة بالملكية الفكرية على العدالة على مستويين:
أولا: على مستوى التكوين و الإعلام.
ثانيا: على مستوى ضرورة إدخال التخصص في القضاء في هذا المجال.
2.1 – التكوين و الإعلام
لقد أصبحت الملكية الفكرية في وقتنا المعاصر مادة معقدة جدا، خاصة مع تطور التكنولوجيا الجديدة للإعلام و الاتصال و اعتماد اتفاقيات و معاهدات دولية جديدة من قبل المنظمات الدولية و كذلك التوجيهات العديدة التي صدرت في هذا المجال من الاتحاد الأوروبي.
و هذا التطور الهائل لهذه المادة يفرض علينا التعامل مع هذا المجال بصفة خاصة و لاسيما في مجال الإعلام و التكوين.
ففي مجال التكوين، يجب إدراج مادة الملكية الفكرية في كامل أطوار التعليم الجامعي و في تكوين سلك القضاة و أعوان و مساعدي العدالة.
فحاليا، هذه المادة ليست مدرسة بصفة عامة في كل هذه الأطوار.
فقد سررنا بمبادرة المعهد الوطني للقضاء عندما أدخل منذ السنوات الأخيرة هذه المادة في برنامجه الدراسي.
أما في الجامعة، فهذه المادة تدرس في مستوى ما بعد التدرج بمبادرة من اليونسكو التي ساهمت في إنشاء كرسي الملكية الفكرية.
إلا أن هذا التدريس محدود على مستوى كلية الحقوق لبن عكنون فقط، و لم يعمم للجامعات الأخرى.
لذا، وجب علينا ما يلي:
1. إدخال مادة الملكية الفكرية بشقيها في التعليم الجامعي على مستوى التدرج و ذلك في شعب القانون و الإقتصاد على الأقل.
2. تعميم التخصص لما بعد التدرج إلى الجامعات الكبرى في القطر الوطني و عدم حصره في العاصمة فقط.
3. تنظيم دوري لفائدة القضاة و أعوان و مساعدي العدالة، ملتقيات و ندوات دورية يطلع فيها هؤلاء على المستجدات التي تحصل في هذا المجال.
4. إنشاء مجلات متخصصة في الملكية الفكرية موجهة للقضاة و أعوان و مساعدي العدالة.
كما يجب أن يعمم تدريس الملكية الفكرية إلى الهيئات المكلفة بالقوة العمومية، مثل الدرك الوطني
و مديرية الأمن الوطني
إلى جانب هذه المسائل، يجدر بنا التفكير في إدخال التخصص القضائي في هذا المجال.
2.2 – التخصص القضائي
لقد اتجهت العديد من البلدان المتطورة و حتى النامية نحو إدخال التخصص في العدالة في مجال الملكية الفكرية.
و هذا التخصص يمس التنظيم القضائي و القضاة المكلفين بحل النزاعات المتعلقة بالملكية الفكرية.
1.2.2 – التخصص المتعلق بالتنظيم القضائي
هذا التخصص يهدف إلى تخصيص جهة قضائية في معالجة القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية فعلى مستوى المحاكم يستحسن أن ينشأ فرع متخصص في قضايا الملكية الفكرية.
و ليس من الضروري إنشاء هذا الفرع على مستوى كل المحاكم، بل على مستوى المناطق الكبرى أو المدن الكبرى التي تسجل شكاوى كثيرة في هذا المجال.
أما على مستوى المجالس القضائية، فيمكن إحداث غرف متخصصة في الملكية الفكرية على مستوى الثلاث مدن الكبرى في مناطق الشرق و الوسط و الغرب.
و سيعمم هذا التخصص حسب الحاجة في المحاكم و المجالس الأخرى، حسب الحاجة مع تطور عدد القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية.
و من الضروري أن تحظى المحكمة العليا بغرفة متخصصة في هذا المجال، نظرا إلى أنها تعتبر الهيئة العليا التي يلجأ المتقاضين في ممارسة الطعون.
2.2.2- تخصص القضاة
إن تخصص القضاة في التنظيم القضائي في مجال الملكية الفكرية، يجب أن يصحبه تخصصا آخر للقضاة نفسهم، إذ أن الحاجة ملحة إلى تخصيص قضاة معنيين في هذا المجال حتى يتسنى لهم التمعن في مجالات الملكية الفكرية و التدقيق فيها.
و هذا التخصص يكون ضمن الهياكل القضائية التي ستتخصص في مجالات الملكية الفكرية.
الخلاصة
إن دراسة آثار تكييف قوانين الملكية الفكرية على العدالة يبرز ضرورة الاهتمام المتزايد بمادة الملكية الفكرية و طرق معالجتها و تسوية النزاعات التي تحدث في مجالها.
و نظرا إلى أن الوقت الراهن أصبح يتميز بالاحترافية في كل مجالات، فلا مناص لنا إلا إتباع ركب الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال.
لقد شرعت الجزائر سنة 2003 في إعادة النظر في كامل منظومتها المتعلقة بالملكية الفكرية، بشقيها المتمثلة في الملكية الأدبية و الفنية (حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة و الملكية الصناعية).
فنتج عن هذه المراجعة أربعة نصوص قانونية، و هي على التوالي:
- الأمر رقم 05.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة،
- الأمر رقم 06.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بالعلامات،
- الأمر 07.03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق ببراءات الاختراع،
- الأمر رقم 08.03 المؤرخ في 19 يوليو المتعلق بالتصاميم الشكلية للدوائر المتكاملة.
و كانت ترمي التعديلات التي أدخلت في هذا المجال، أساسا إلى تكييف قوانين الملكية الفكرية مع اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة تحسبا لانضمام الجزائر للمنظمة العلمية للتجارة.
ففي مجال الملكية الأدبية و الفنية، كانت التغييرات التي أدخلت تخص الجانبين. جانب حقوق المؤلف و جانب الحقوق المجاورة.
ففيما يتعلق بحقوق المؤلف كانت تخص تعديلات المؤلفات المحمية و مدة الحماية و الإستثناءات و الحدود لحماية حقوق المؤلف، الإجراءات و العقوبات و نطاق الحماية.
أما فيما يخص الحقوق المجاورة فالتعديلات تتعلق بالمستفيدين من الحقوق، و امتداد الحقوق المعترف بها لهذه الفئة من المستفيدين و الحقوق المعنوية لفناني الأداء. و سنتطرق إليها بالتفصيل فيما يلي:
و قد أدخلت على الجزء المتعلق بالإجراءات و العقوبات الخاصة بالمساس بحقوق الملكية الأدبية و الفنية تعديلات هامة و جوهرية.
هذه التعديلات تخص التدابير التحفظية، و العقوبات المدنية و العقوبات الجزائية.
و نظرا إلى أن هذه الجوانب تكون الركيزة الأساسية لضمان حماية فعلية لحقوق الملكية الفكرية و ردع كل من يقوم بالتعدي عليها وجب الإهتمام بها عن قرب حتى نحقق لها الممارسة الفعلية.
و أول قطاع معني بهذه الجوانب هو قطاع العدالة و الجهاز القضائي. إذ أن العديد من الإحتجاجات و الشكاوى المتعلقة بالتعدي على حقوق الملكية الفكرية تلجأ في نهاية المطاف إلى العدالة لإيجاد حل لها.
لذا، فإن هذه التغييرات المحدثة تتطلب منا أولا التعريف بها لدى الجهاز القضائي و لدى الإطارات الذين سيمتهنون القضاء و كل من لهم علاقة مباشرة و غير مباشرة بحماية الملكية الفكرية.
كما يتطلب الأمر التفكير في إدخال التخصص في القضاء في ميدان الملكية الفكرية و التخصص يجب يجب أن يشمل التنظيم القضائي و القضاة بحد ذاتهم.
و هذا ما سنتطرق إليه في مداخلتنا، و ذلك بتعريف التغييرات التي أدخلتها القوانين الجديدة في مجال حقوق الملكية الأدبية و الفنية ثم آثارها على العدالة.
I. التغييرات التي أدخلت في مجال الملكية الأدبية الفنية بفعل القوانين الجديدة تخص هذه التغييرات الجوانب المتعلقة بحقوق المؤلف و الجوانب المتعلقة بالحقوق المجاورة.
فيما يتعلق بحقوق المؤلف:
إن التعديلات التي أدرجت في الأمر رقم 03 – 05 ترمي إلى إدخال ضمن المؤلفات المحمية عن طريق حق التأليف برامج الحاسوب و قواعد البيانات و هي المصطلحات المكرسة دوليا.
كذلك الأمر بالنسبة للحقوق المالية المعترف بها لمؤلفي قواعد البيانات التي تم استكمالها لتبيين أن الطابع التجاري لإيجار برنامج الحاسوب هو الذي يخضع للحق الإستئثاري (droit exclusif) للمؤلف،
و بالتالي عندما لا تكون برامج الحاسوب الهدف الأساسي لعملية الإيجار فلا يخضع للحق الإستئثاري للترخيص المعترف به للمؤلف، و ذلك طبقا للمادة 11 من اتفاق ""ADPIC فيما يخص الإستثناءات و الحدود لحماية حق التأليف، ترمي التغييرات المدرجة إلى الحد من الحالات التي يمكن فيها إستغلال المؤلفات بدون رخصة من المؤلف مع أو بدون مكافأة مالية.
و هو الحال بالنسبة للتراخيص القانونية للبث الإذاعي و النسخ الخاص للمؤلفات، مثل استنساخ كتب بكاملها أو التوزيعات الموسيقية.
و ترمي إلى إخضاع عملية إستنساخ المصنفات التي تقوم بها المكتبات و مراكز الأرشيف، و كذا التسجيلات الزائلة التي تنجزها هيئات البث الإذاعي لشروط تقييدية.
و هذه التغييرات تحدث طبقا لمواد إتفاقية "برن" لحماية المصنفات الأدبية و الفنية و اتفاق "ADPIC" .
في مجال مدة حماية حقوق المؤلف، ترمي التعديلات إلى توضيح نقطة إنطلاق مدة الحماية بناء على بنود إتفاقية "برن" و اتفاق "ADPIC" التي تخص الحالات الخاصة التي لا يمكن أن يؤخذ فيها تاريخ وفاة المؤلف بعين الاعتبار، كما هو الحال بالنسبة إلى المصنفات الجماعية و المصنفات المغفل ذكر أسماء أصحابها أو المستعارة أسماؤهم و المصنفات السمعية البصرية و المؤلفات المنشورة بعد وفاة أصحابها.
فيما يتعلق بالحقوق المجاورة يرمي الأمر رقم 03 – 05 إلى تكيف أحكام الأمر رقم 97 – 10 للمعايير المنصوص عليها في 14 من اتفاق ""ADPIC.
مع مراعاة نصوص الإتفاقية الدولية المتعلقة بحماية فناني الأداء و منتجي التسجيلات السمعية و هيئات البث الإذاعي (إتفاقية روما) التي ستنضم الجزائر قريبا إليها و الممارسة المشهودة على الصعيد الدولي في هذا الميدان.
فالتعديلات التي أدخلت تخص المستفيدين، حيث أنه يعترف اعترافا صريحا ضمن قائمة المستفيدين من الحقوق بالعازفين مثل ما هو الحال للفنانين المؤديين.
ففيما يتعلق بامتداد الحقوق المعترف بها لمختلف الأصناف بالحقوق المجاورة أدخلت تعديلات جوهرية للأمر رقم 10.97 على مستوى حق الترخيص لاستغلال أداءات فناني الأداء و منتجي التسجيلات الذي يشمل الترخيص لتثبيت أدائه أو أدائه غير المثبت و استنساخ هذا التثبيت و البث الإذاعي السمعي أو البصري لأدائه أو عزفه المباشر.
و من جانب آخر فقد حصر حق المكافأة على فناني الأداء و العازفين و منتجي التسجيلات السمعية فيما يخص البث الإذاعي لدعائمهم المنتوجة لأغراض تجارية أو إبلاغها للجمهور، بينما كان هذا الحق ممنوح أيضا لمنتجي التسجيلات السمعية – البصرية الذين يحتفظون بحقهم في ترخيص استنساخ دعائمهم السمعية البصرية و إبلاغها للجمهور بكل الوسائل، و ذلك طبقا لأحكام اتفاقية روما و للاتجاه الدولي المهيمن.
فيما يخص الإجراءات و العقوبات:
تهدف التعديلات المدخلة في هذا الميدان إلى تكييف الإجراءات و العقوبات ضد المساس بحقوق المؤلف
و الحقوق المجاورة مع الإجراءات و العقوبات التي ينظمها إتفاق "ADPIC" .
فالهدف المنتظر، هو إتاحة مقروئية أفضل للأحكام في هذا المجال بالنظر إلى اتفاق "ADPIC" و ضمان حماية فعالة لأصحاب الحقوق عن طريق تعزيز الترتيبات الإجرائية و العقوبات المدنية و الجزائية لأغراض ردعية.
و قد أدخل ضمن التدابير التحفظية الموجودة سابقا إيقاف وضع في السوق و دعائم مصنوعة بطريقة غير مشروعة و حجز العتاد الذي استعمل لصنع هذه الدعائم.
و في باب العقوبات المدنية، ينص هذا الأمر بوضوح أن للمحكمة سلطة الحيلولة دون المساس الوشيك بحق المؤلف أو حق مجاور قبل أن يحدث و كذا سلطة وضع حد للمساس الذي حدث و إدانة مرتكبه بتعويض الضرر حسب الأحكام العامة للقانون مع إمكانية إدراج الأرباح المحصل عليها من العمل غير المشروع.
و تم تشديد العقوبات الجزائية بإدراج إتلاف (destruction) النسخ المزورة و العتاد المنشأ خصيصا لصنعها.
II. آثار التغييرات في مجال الملكية الفكرية على العدالة
تظهر آثار التغييرات التي أدخلت بمقتضى القوانين الجديدة المتعلقة بالملكية الفكرية على العدالة على مستويين:
أولا: على مستوى التكوين و الإعلام.
ثانيا: على مستوى ضرورة إدخال التخصص في القضاء في هذا المجال.
2.1 – التكوين و الإعلام
لقد أصبحت الملكية الفكرية في وقتنا المعاصر مادة معقدة جدا، خاصة مع تطور التكنولوجيا الجديدة للإعلام و الاتصال و اعتماد اتفاقيات و معاهدات دولية جديدة من قبل المنظمات الدولية و كذلك التوجيهات العديدة التي صدرت في هذا المجال من الاتحاد الأوروبي.
و هذا التطور الهائل لهذه المادة يفرض علينا التعامل مع هذا المجال بصفة خاصة و لاسيما في مجال الإعلام و التكوين.
ففي مجال التكوين، يجب إدراج مادة الملكية الفكرية في كامل أطوار التعليم الجامعي و في تكوين سلك القضاة و أعوان و مساعدي العدالة.
فحاليا، هذه المادة ليست مدرسة بصفة عامة في كل هذه الأطوار.
فقد سررنا بمبادرة المعهد الوطني للقضاء عندما أدخل منذ السنوات الأخيرة هذه المادة في برنامجه الدراسي.
أما في الجامعة، فهذه المادة تدرس في مستوى ما بعد التدرج بمبادرة من اليونسكو التي ساهمت في إنشاء كرسي الملكية الفكرية.
إلا أن هذا التدريس محدود على مستوى كلية الحقوق لبن عكنون فقط، و لم يعمم للجامعات الأخرى.
لذا، وجب علينا ما يلي:
1. إدخال مادة الملكية الفكرية بشقيها في التعليم الجامعي على مستوى التدرج و ذلك في شعب القانون و الإقتصاد على الأقل.
2. تعميم التخصص لما بعد التدرج إلى الجامعات الكبرى في القطر الوطني و عدم حصره في العاصمة فقط.
3. تنظيم دوري لفائدة القضاة و أعوان و مساعدي العدالة، ملتقيات و ندوات دورية يطلع فيها هؤلاء على المستجدات التي تحصل في هذا المجال.
4. إنشاء مجلات متخصصة في الملكية الفكرية موجهة للقضاة و أعوان و مساعدي العدالة.
كما يجب أن يعمم تدريس الملكية الفكرية إلى الهيئات المكلفة بالقوة العمومية، مثل الدرك الوطني
و مديرية الأمن الوطني
إلى جانب هذه المسائل، يجدر بنا التفكير في إدخال التخصص القضائي في هذا المجال.
2.2 – التخصص القضائي
لقد اتجهت العديد من البلدان المتطورة و حتى النامية نحو إدخال التخصص في العدالة في مجال الملكية الفكرية.
و هذا التخصص يمس التنظيم القضائي و القضاة المكلفين بحل النزاعات المتعلقة بالملكية الفكرية.
1.2.2 – التخصص المتعلق بالتنظيم القضائي
هذا التخصص يهدف إلى تخصيص جهة قضائية في معالجة القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية فعلى مستوى المحاكم يستحسن أن ينشأ فرع متخصص في قضايا الملكية الفكرية.
و ليس من الضروري إنشاء هذا الفرع على مستوى كل المحاكم، بل على مستوى المناطق الكبرى أو المدن الكبرى التي تسجل شكاوى كثيرة في هذا المجال.
أما على مستوى المجالس القضائية، فيمكن إحداث غرف متخصصة في الملكية الفكرية على مستوى الثلاث مدن الكبرى في مناطق الشرق و الوسط و الغرب.
و سيعمم هذا التخصص حسب الحاجة في المحاكم و المجالس الأخرى، حسب الحاجة مع تطور عدد القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية.
و من الضروري أن تحظى المحكمة العليا بغرفة متخصصة في هذا المجال، نظرا إلى أنها تعتبر الهيئة العليا التي يلجأ المتقاضين في ممارسة الطعون.
2.2.2- تخصص القضاة
إن تخصص القضاة في التنظيم القضائي في مجال الملكية الفكرية، يجب أن يصحبه تخصصا آخر للقضاة نفسهم، إذ أن الحاجة ملحة إلى تخصيص قضاة معنيين في هذا المجال حتى يتسنى لهم التمعن في مجالات الملكية الفكرية و التدقيق فيها.
و هذا التخصص يكون ضمن الهياكل القضائية التي ستتخصص في مجالات الملكية الفكرية.
الخلاصة
إن دراسة آثار تكييف قوانين الملكية الفكرية على العدالة يبرز ضرورة الاهتمام المتزايد بمادة الملكية الفكرية و طرق معالجتها و تسوية النزاعات التي تحدث في مجالها.
و نظرا إلى أن الوقت الراهن أصبح يتميز بالاحترافية في كل مجالات، فلا مناص لنا إلا إتباع ركب الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال.
إرسال تعليق