تنظمها
المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)
بالتعاون مع
المكتب الدائم لحماية حق المؤلف،
المجلس الأعلى للثقافة، وزارة الثقافة
القاهرة، 22 و23 فبراير/شباط 2003
التعدي على الحقوق والجزاءات المدنية
السيد حسن بدراوي
مستشار في قسم التشريع في وزارة العدل
القاهرة
مقدمــة :
تلعب السلطة القضائية دوراً محورياً فى التنظيم العام للمجتمعـات الحديثة ،
وعلى قدر فعالية هذا الدور تستقر الحياة فى المجتمع ، وتتقلص إلى حد كبير
درجة الاحتقان الاجتماعى ، وكيف لا وهذا الدور يتمثل فى ضمان احترام
التشريعات التى تحمى الحقوق والحريات وكفالة إنفاذ فعال لها ، إذ لا يكفى
أن تحمل هذه التشريعات نصوصاً تؤكـد أصل الحق ( النصوص الموضوعية ) أو
وسيلة بلوغه ( النصوص الإجرائية ) بل يتعين أن يكون بلوغ هذا الحق عبر
الوسائل المختلفة مكفولاً من خلال قنوات فعالة تسهر على ضمان انسياب مياه
العدالة فى جوانبها سلطة قوية قادرة تحمى الحق من أى انتهاك ، وتصونه من أى
عبث .
ولعل من أهم الحقوق التى يتعين توفير الحماية لها وإنفاذها إنفاذاً فعالاً
تلك الحقوق التى ترتبط بأسمى ما يملكه الإنسان ، وهو العقل فى إبداعاته
وتجلياته الفكرية ، فيقدر توفير الحماية الفعالة لهذه الحقوق بقدر ما تنشط
ملكة الإبداع وقدرة الابتكار لدى الأفراد ، فتتطور المجتمعات وتحدث فيها
نقلات نوعية فى مسار حياتها على صعيد التقدم والازدهار ، ونعنى بتلك الحقوق
ما اصطلح على تسميته حقوق الملكية الفكرية بشقيها الصناعى والأدبى .
وفى مصر فقد حمت السلطة القضائية هذه الحقوق ، ولعبت دوراً كبيراً فى
مجابهة صور التعدى عليها سواء على الصعيد المدنى ( بتقرير التعويض على من
ينتهكها ) أو على الصعيد الجنائى ( بالردع العقابى لمرتكب جرائم التعدى
عليها ) فضلاً عن كفالة قدر من الإجراءات التحفظية الفعالة صوناً للأدلة
على وقوع التعدى من أى عبث .
وقد بدء هذا الدور حتى قبل صدور التشريعات المصرية التى تحمى تلك الحقوق ،
واستمر هذا الدور بعد صدور تلك التشريعات ، ومن المنتظر أن يتعاظم فى ظل
المكانة الرفيعة التى تحتلها قضية حماية حقوق الملكية الفكرية فى ظل
اتفاقية جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية ( trips ) والتى
أفردت (1) مادة من موادها الـ (73) ( ما يقرب من 30% من جملة نصوص
الاتفاقية ) لموضوع الإنفاذ .
وسوف نقصر معالجتها فى هذه الورقة على حقوق الملكية الأدبية والفنية ودور القضاء المدنى فى كفالة حمايتها .
ويقتضى الأمر التمهيد ببيان دور القضاء فى توفير الحماية لحقوق الملكية
الفكرية بوجه عام والملكية الأدبية على نحو خاص قبل صدور التشريعات المصرية
سواء على الصعيد المدنى أو الجنائى بحسبان أن الدعوى الجنائية يولد عنها ـ
عادة ـ حق مدنى فى التعويض وذلك فى مبحث أول ثم هذا الدور فى ظل هذه
التشريعات فى مبحث ثان ، أما المبحث الثالث فنفرده لمستقبل هذا الدور فى ظل
اتفاقية ( trips ) .
أولاً : القضاءوحمايةحقوق الملكيةالفكريةقبل صدورالتشريعات المنظمةلمجالاتها :
عرف المشرع المصرى أول تنظيم لحقوق الملكية الصناعية ـ بعد إلغاء
الامتيازات الأجنبية ـ وذلك فى عام 1939 حيث صدر قانون العلامات والبيانات
التجارية رقم 57 لسنة 1939 .
كما عرف أول تنظيم لحقوق الملكية الأدبية والفنية فى عام 1954 وذلك بمقتضى قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 .
فماذا عن الفترة السابقة على صدور التشريعات المنظمة لحقوق الملكية الفكرية ؟
هل كان التعدى على هذه الحقوق مباحاً ؟ وهل وقف القضاء عاجزاً عن ملاحقة
قراصنة الإبداع والابتكار ؟ أم عرف القضاء من الوسائل والآليات ما مكنه من
حماية هذه الحقوق وإنفاذها إنفاذاً فعالاً؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضى تحديد طبيعة النظام القضائى السائد فى مصر
خلال هذه الفترة ، ثم تتبع بعض اجتهاداته فى مجال حماية حقوق الملكية
الفكرية بشقيها الصناعى والأدبى .
ـ من المسلم به ـ فى عصر الامتيازات الأجنبية التى كانت سائدة فى مصر قبل
إبرام معاهدة مونتريه سنة 1937 ـ أن هذه الامتيازات امتدت إلى السلطة
القضائية أيضاً ، فقد كان هناك قضاء أهلى يختص بالفصل فى قضايا الوطنيين ،
قضاء مختلط يتولى الفصل فى المنازعات التى تنشأ بين المصريين والأجانب .
وقد حمت المحاكم المختلطة والأهلية حقوق الملكية الفكرية التى كانت معروفة
فى ذلك الوقت ( بشقيها الصناعى والأدبى ) برغم عدم وجود تشريعات منظمة ـ
وذلك على هدى من مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة .
ففى مجال الملكية الصناعية :
تقول المذكرة الإيضاحية للقانون 57 لسنة 1939 أنه " سنت معظم البلاد
المتمدينة التدابير التشريعية المنظمة لهذه الحماية ، وقد تضمن قانون
العقوبات المصرى المبدأ الخاص بحماية الملكية الصناعية بالنهى عن تقليد
علامات المصنع وبيع البضائع الموضوعة عليها علامات مزورة ( المواد 303 ـ
306 من قانون العقوبات الأهلى ، والمواد من 312 ـ 315 من قانون العقوبات
المختلط ) ، غير أن هذه النصوص ظلت معطلة بسبب عدم صدور اللوائح المشار
إليها فى المادة 305 من قانون العقوبات الأهلى والمادة 314 من قانون
العقوبات المختلط ، إلا أن تعذر توقيع العقوبات الجنائية لم يعجز المحاكم
الأهلية والمختلطة عن توفير حماية مدنية كافية للملكية الصناعية استناداً
إلى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدل والإنصاف .
وجدير بالذكر أن القضاء المختلط لم يقتصر على توفير الحماية فقط من خلال ما
يطرح عليه من دعاوى وأنزعة بل وضع نظاماً إدارياً لتسجيل العلامات
والأسماء التجارية حرصاً على تيسير إثبات ملكيتها وتقرير الأسبقية على أساس
هذا التسجيل .
أما عن الاجتهاد القضائى فى هذا المجال ( الملكية الصناعية ) فنشير إلى حكم
أصدرته محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 21/2/1912 أكدت فيه على حماية
الملكية الصناعية بجميع جوانبها ( اسم تجارى ـ علامة تجارية ـ براءة اختراع
ـ تصميم صناعى ـ أى وسيلة خاصة لجذب العملاء ) مؤكدة أن " الحماية
القانونية لحقوق الصانع محمية فى مصر بمبادئ القانون الطبيعى " .
أما فى مجال الملكية الأدبية والفنية :
فإذا كانت الحماية فى مجال الملكية الصناعية قد اقتصرت على الجانب المدنى
فقط تأسيساً على أن نصوص قانون العقوبات الأهلى وقانون العقوبات المختلط
كانت معطلة لعدم صدور اللوائح اللازمة لإنفاذها، إلا أن الأمر اتخذ شكلاً
مختلفاً فى مجال الملكية الأدبية والفنية .
فعلى الرغم من وحدة المصدر الذى ارتكزت عليه الحماية فى المجالين الصناعى
والأدبى ، وبين القضائيين الأهلى والمختلط ( مبادئ القانون الطبيعى وقواعد
العدالة ) اللتين يلتزم القاضى بأعمالهما فى حالة عدم وجود نص تشريعى ،
وعلى الرغم من وحدة الأساس القانونى الذى اُستند إليه لتعويض من انتهكـت
حقوقـه ـ صناعيـة كانـت أو أدبية ( قواعد المسئولية التقصيرية ) .
إلا أن القضاء المختلط اتخذ فى مجال الملكية الأدبية والفنية موقفاً
مغايراً لذلك الذى اتخذه فى مجال الملكية الصناعية ، كما خالف نهج القضاء
الأهلى فى هذا الخصوص .
فقد أعمل القضاء المختلط نصوص قانون العقوبات المعطلة دون انتظار صدور
تشريع خاص ينظم الملكية الأدبية والنية بعد أن رفض القضاء الأهلى ذلك
لاستحالة تحديد المسئولية الجنائية فى غيبة هذا التشريع ، فحكمت غرفة النقض
الجنائى بمحكمة الاستئناف المختلطة فى 17 فبراير سنة 1941 بأن " الغناء
بأدوار وألحان موسيقية بدون ترخيص من مؤلفيها يعد جريمة يعاقب عليها قانون
العقوبات بالمادة (351) ، ونوهت الغرفة بأن هذه المادة لم تشترط للأخذ بها
شرطاً خاصاً لتطبيقها بخلاف المادة 348 الخاصة بجنح التقليد المتمثلة فى
طبع كتب الغير إضراراً بهم والتى تعتمد فى إعمال حكمها على وجود قانون ينظم
الملكية الأدبية"
وإذا كان المشر ع المصرى قد نظم الملكية الأدبية بالقانون رقم 354 لسنة
1954 فإن يجدر القول بأن هذا القانون لم يخلق الحماية لهذا المجال من
مجالات الملكية الفكرية بل أكدها ونظمها بعد أن كانت محمية باجتهاد قضائى
قائم على احترام مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة ، وهو ما أكدته
محكمة النقض فى حكمها الصادر بجلسة 25 فبراير سنة 1965 .
ثانياً :الحمايةالمدنيةلحقوق الملكيةالأدبيةوالفنيةفىظل التشريعات :
قدمنا فى البند ( أولاً ) أن القضاء بشقيه الأهلى والمختلط حمى حقوق
الملكية الفكرية ـ قبل صدور التشريعات المنظمة لها ـ على هدى من مبادئ
القانون الطبيعى وقواعد العدالة ، وأن أحكام هذه التشريعات لم تخلق الحماية
بقدر ما أكدتها ونظمتها .
وإذ صدرت هذه التشريعات بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية ـ شاملة مجالى
الملكية الصناعية والملكية الأدبية على السواء وذلك بدء من عام 1939 (
قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 57 لسنة 1939 ) وانتهاء بعام 1954 (
قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 ) مروراً بعام 1949 ( ق 132 لسنة
1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ) ، فقد زاد
الاجتهاد القضائى فى مجال إنفاذ الحقوق محل هذه التشريعات ، وعلى وجه
الخصوص فى مجال الملكية الأدبية والفنية ( حق المؤلف ) .
وهو ما سوف نعرض له فى الصفحات التالية .
(1) تشكل الإجراءات التحفظية وسيلة فعالة لمواجهة انتهاكات حق المؤلف لما
تتميز به من السرعة والبساطة ، وقد تضمن قانون حماية حق المؤلف رقم 354
لسنة 1954 نصاً بالغ التميز هو نص المادة (43) الذى وفر من تلك الإجراءات
ما يكفل حماية فعالة للمخاطبين بأحكامه ويتميز هذا النص بأنه أقام نوع من
التوازن بين المؤلف أو خلفه من جانب ومن يُدعى انتهاكهم لحقوقهما من جانب
آخر، فإذا كان من حق المؤلف أو خلفه طلب اتخاذ الإجراءات التحفظية بموجب
أمر على عريضة يتقدم به إلى رئيس المحكمة الابتدائية الذى له أن يأمر
باتخاذ هذه الإجراءات أو إباحتها بناء على هذا الأمر(*)، فإن المشرع قد
أجاز لرئيس المحكمة أن يفـرض علـى الطالـب ( المؤلف أو خلفه ) إيداع كفالة
مناسبة .
كما أجاز القانون لمن صدر ضده الأمر أن يطعن فيه إما بالتظلم منه أمام رئيس
المحكمة مصدر الأمر، وإما بطريق الاستئناف تأسيساً على أن الأمر على عريضة
هو حكم قضائى.
المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)
بالتعاون مع
المكتب الدائم لحماية حق المؤلف،
المجلس الأعلى للثقافة، وزارة الثقافة
القاهرة، 22 و23 فبراير/شباط 2003
التعدي على الحقوق والجزاءات المدنية
السيد حسن بدراوي
مستشار في قسم التشريع في وزارة العدل
القاهرة
إرسال تعليق