GuidePedia

0

تنظمها

المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)

بالتعاون مع

المكتب الدائم لحماية حق المؤلف،
المجلس الأعلى للثقافة، وزارة الثقافة

القاهرة، 22 و23 فبراير/شباط 2003



التعدي على الحقوق والجزاءات المدنية


السيد حسن بدراوي

مستشار في قسم التشريع في وزارة العدل

القاهرة



مقدمــة :

تلعب السلطة القضائية دوراً محورياً فى التنظيم العام للمجتمعـات الحديثة ، وعلى قدر فعالية هذا الدور تستقر الحياة فى المجتمع ، وتتقلص إلى حد كبير درجة الاحتقان الاجتماعى ، وكيف لا وهذا الدور يتمثل فى ضمان احترام التشريعات التى تحمى الحقوق والحريات وكفالة إنفاذ فعال لها ، إذ لا يكفى أن تحمل هذه التشريعات نصوصاً تؤكـد أصل الحق ( النصوص الموضوعية ) أو وسيلة بلوغه ( النصوص الإجرائية ) بل يتعين أن يكون بلوغ هذا الحق عبر الوسائل المختلفة مكفولاً من خلال قنوات فعالة تسهر على ضمان انسياب مياه العدالة فى جوانبها سلطة قوية قادرة تحمى الحق من أى انتهاك ، وتصونه من أى عبث .

ولعل من أهم الحقوق التى يتعين توفير الحماية لها وإنفاذها إنفاذاً فعالاً تلك الحقوق التى ترتبط بأسمى ما يملكه الإنسان ، وهو العقل فى إبداعاته وتجلياته الفكرية ، فيقدر توفير الحماية الفعالة لهذه الحقوق بقدر ما تنشط ملكة الإبداع وقدرة الابتكار لدى الأفراد ، فتتطور المجتمعات وتحدث فيها نقلات نوعية فى مسار حياتها على صعيد التقدم والازدهار ، ونعنى بتلك الحقوق ما اصطلح على تسميته حقوق الملكية الفكرية بشقيها الصناعى والأدبى .

وفى مصر فقد حمت السلطة القضائية هذه الحقوق ، ولعبت دوراً كبيراً فى مجابهة صور التعدى عليها سواء على الصعيد المدنى ( بتقرير التعويض على من ينتهكها ) أو على الصعيد الجنائى ( بالردع العقابى لمرتكب جرائم التعدى عليها ) فضلاً عن كفالة قدر من الإجراءات التحفظية الفعالة صوناً للأدلة على وقوع التعدى من أى عبث .

وقد بدء هذا الدور حتى قبل صدور التشريعات المصرية التى تحمى تلك الحقوق ، واستمر هذا الدور بعد صدور تلك التشريعات ، ومن المنتظر أن يتعاظم فى ظل المكانة الرفيعة التى تحتلها قضية حماية حقوق الملكية الفكرية فى ظل اتفاقية جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية ( trips ) والتى أفردت (1) مادة من موادها الـ (73) ( ما يقرب من 30% من جملة نصوص الاتفاقية ) لموضوع الإنفاذ .

وسوف نقصر معالجتها فى هذه الورقة على حقوق الملكية الأدبية والفنية ودور القضاء المدنى فى كفالة حمايتها .

ويقتضى الأمر التمهيد ببيان دور القضاء فى توفير الحماية لحقوق الملكية الفكرية بوجه عام والملكية الأدبية على نحو خاص قبل صدور التشريعات المصرية سواء على الصعيد المدنى أو الجنائى بحسبان أن الدعوى الجنائية يولد عنها ـ عادة ـ حق مدنى فى التعويض وذلك فى مبحث أول ثم هذا الدور فى ظل هذه التشريعات فى مبحث ثان ، أما المبحث الثالث فنفرده لمستقبل هذا الدور فى ظل اتفاقية ( trips ) .

أولاً : القضاءوحمايةحقوق الملكيةالفكريةقبل صدورالتشريعات المنظمةلمجالاتها :

عرف المشرع المصرى أول تنظيم لحقوق الملكية الصناعية ـ بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية ـ وذلك فى عام 1939 حيث صدر قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 57 لسنة 1939 .

كما عرف أول تنظيم لحقوق الملكية الأدبية والفنية فى عام 1954 وذلك بمقتضى قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 .

فماذا عن الفترة السابقة على صدور التشريعات المنظمة لحقوق الملكية الفكرية ؟

هل كان التعدى على هذه الحقوق مباحاً ؟ وهل وقف القضاء عاجزاً عن ملاحقة قراصنة الإبداع والابتكار ؟ أم عرف القضاء من الوسائل والآليات ما مكنه من حماية هذه الحقوق وإنفاذها إنفاذاً فعالاً؟

إن الإجابة على هذا السؤال تقتضى تحديد طبيعة النظام القضائى السائد فى مصر خلال هذه الفترة ، ثم تتبع بعض اجتهاداته فى مجال حماية حقوق الملكية الفكرية بشقيها الصناعى والأدبى .

ـ من المسلم به ـ فى عصر الامتيازات الأجنبية التى كانت سائدة فى مصر قبل إبرام معاهدة مونتريه سنة 1937 ـ أن هذه الامتيازات امتدت إلى السلطة القضائية أيضاً ، فقد كان هناك قضاء أهلى يختص بالفصل فى قضايا الوطنيين ، قضاء مختلط يتولى الفصل فى المنازعات التى تنشأ بين المصريين والأجانب .

وقد حمت المحاكم المختلطة والأهلية حقوق الملكية الفكرية التى كانت معروفة فى ذلك الوقت ( بشقيها الصناعى والأدبى ) برغم عدم وجود تشريعات منظمة ـ وذلك على هدى من مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة .



ففى مجال الملكية الصناعية :

تقول المذكرة الإيضاحية للقانون 57 لسنة 1939 أنه " سنت معظم البلاد المتمدينة التدابير التشريعية المنظمة لهذه الحماية ، وقد تضمن قانون العقوبات المصرى المبدأ الخاص بحماية الملكية الصناعية بالنهى عن تقليد علامات المصنع وبيع البضائع الموضوعة عليها علامات مزورة ( المواد 303 ـ 306 من قانون العقوبات الأهلى ، والمواد من 312 ـ 315 من قانون العقوبات المختلط ) ، غير أن هذه النصوص ظلت معطلة بسبب عدم صدور اللوائح المشار إليها فى المادة 305 من قانون العقوبات الأهلى والمادة 314 من قانون العقوبات المختلط ، إلا أن تعذر توقيع العقوبات الجنائية لم يعجز المحاكم الأهلية والمختلطة عن توفير حماية مدنية كافية للملكية الصناعية استناداً إلى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدل والإنصاف .

وجدير بالذكر أن القضاء المختلط لم يقتصر على توفير الحماية فقط من خلال ما يطرح عليه من دعاوى وأنزعة بل وضع نظاماً إدارياً لتسجيل العلامات والأسماء التجارية حرصاً على تيسير إثبات ملكيتها وتقرير الأسبقية على أساس هذا التسجيل .

أما عن الاجتهاد القضائى فى هذا المجال ( الملكية الصناعية ) فنشير إلى حكم أصدرته محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 21/2/1912 أكدت فيه على حماية الملكية الصناعية بجميع جوانبها ( اسم تجارى ـ علامة تجارية ـ براءة اختراع ـ تصميم صناعى ـ أى وسيلة خاصة لجذب العملاء ) مؤكدة أن " الحماية القانونية لحقوق الصانع محمية فى مصر بمبادئ القانون الطبيعى " .



أما فى مجال الملكية الأدبية والفنية :

فإذا كانت الحماية فى مجال الملكية الصناعية قد اقتصرت على الجانب المدنى فقط تأسيساً على أن نصوص قانون العقوبات الأهلى وقانون العقوبات المختلط كانت معطلة لعدم صدور اللوائح اللازمة لإنفاذها، إلا أن الأمر اتخذ شكلاً مختلفاً فى مجال الملكية الأدبية والفنية .

فعلى الرغم من وحدة المصدر الذى ارتكزت عليه الحماية فى المجالين الصناعى والأدبى ، وبين القضائيين الأهلى والمختلط ( مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة ) اللتين يلتزم القاضى بأعمالهما فى حالة عدم وجود نص تشريعى ، وعلى الرغم من وحدة الأساس القانونى الذى اُستند إليه لتعويض من انتهكـت حقوقـه ـ صناعيـة كانـت أو أدبية ( قواعد المسئولية التقصيرية ) .

إلا أن القضاء المختلط اتخذ فى مجال الملكية الأدبية والفنية موقفاً مغايراً لذلك الذى اتخذه فى مجال الملكية الصناعية ، كما خالف نهج القضاء الأهلى فى هذا الخصوص .

فقد أعمل القضاء المختلط نصوص قانون العقوبات المعطلة دون انتظار صدور تشريع خاص ينظم الملكية الأدبية والنية بعد أن رفض القضاء الأهلى ذلك لاستحالة تحديد المسئولية الجنائية فى غيبة هذا التشريع ، فحكمت غرفة النقض الجنائى بمحكمة الاستئناف المختلطة فى 17 فبراير سنة 1941 بأن " الغناء بأدوار وألحان موسيقية بدون ترخيص من مؤلفيها يعد جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات بالمادة (351) ، ونوهت الغرفة بأن هذه المادة لم تشترط للأخذ بها شرطاً خاصاً لتطبيقها بخلاف المادة 348 الخاصة بجنح التقليد المتمثلة فى طبع كتب الغير إضراراً بهم والتى تعتمد فى إعمال حكمها على وجود قانون ينظم الملكية الأدبية"

وإذا كان المشر ع المصرى قد نظم الملكية الأدبية بالقانون رقم 354 لسنة 1954 فإن يجدر القول بأن هذا القانون لم يخلق الحماية لهذا المجال من مجالات الملكية الفكرية بل أكدها ونظمها بعد أن كانت محمية باجتهاد قضائى قائم على احترام مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة ، وهو ما أكدته محكمة النقض فى حكمها الصادر بجلسة 25 فبراير سنة 1965 .

ثانياً :الحمايةالمدنيةلحقوق الملكيةالأدبيةوالفنيةفىظل التشريعات :

قدمنا فى البند ( أولاً ) أن القضاء بشقيه الأهلى والمختلط حمى حقوق الملكية الفكرية ـ قبل صدور التشريعات المنظمة لها ـ على هدى من مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة ، وأن أحكام هذه التشريعات لم تخلق الحماية بقدر ما أكدتها ونظمتها .

وإذ صدرت هذه التشريعات بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية ـ شاملة مجالى الملكية الصناعية والملكية الأدبية على السواء وذلك بدء من عام 1939 ( قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 57 لسنة 1939 ) وانتهاء بعام 1954 ( قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 ) مروراً بعام 1949 ( ق 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ) ، فقد زاد الاجتهاد القضائى فى مجال إنفاذ الحقوق محل هذه التشريعات ، وعلى وجه الخصوص فى مجال الملكية الأدبية والفنية ( حق المؤلف ) .

وهو ما سوف نعرض له فى الصفحات التالية .

(1) تشكل الإجراءات التحفظية وسيلة فعالة لمواجهة انتهاكات حق المؤلف لما تتميز به من السرعة والبساطة ، وقد تضمن قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 نصاً بالغ التميز هو نص المادة (43) الذى وفر من تلك الإجراءات ما يكفل حماية فعالة للمخاطبين بأحكامه ويتميز هذا النص بأنه أقام نوع من التوازن بين المؤلف أو خلفه من جانب ومن يُدعى انتهاكهم لحقوقهما من جانب آخر، فإذا كان من حق المؤلف أو خلفه طلب اتخاذ الإجراءات التحفظية بموجب أمر على عريضة يتقدم به إلى رئيس المحكمة الابتدائية الذى له أن يأمر باتخاذ هذه الإجراءات أو إباحتها بناء على هذا الأمر(*)، فإن المشرع قد أجاز لرئيس المحكمة أن يفـرض علـى الطالـب ( المؤلف أو خلفه ) إيداع كفالة مناسبة .

كما أجاز القانون لمن صدر ضده الأمر أن يطعن فيه إما بالتظلم منه أمام رئيس المحكمة مصدر الأمر، وإما بطريق الاستئناف تأسيساً على أن الأمر على عريضة هو حكم قضائى.


الإجراءات التحفظية المشار إليها تشمل : ( أ ) الوصف التفصيلى للمصنف (ب) الحجز على المصنف الأصلى أو نسخه والأدوات التى تستعمل فى إعادة نشر المصنف أو عمل نسخ منه .. (ج) إثبات الأداء العلنى فيما يتعلق بحالات الأداء الموسيقى أو التمثيل المسرحى أو التلاوة لمصنف فى علانية .. ( د ) حصر الإيراد المتحصل من النشر أو العرض وتوقيع الحجز عليه .

وقد قدر لمحكمة النقض أن تقول كلمتها فى شأن هذه الإجراءات التحفظية وطرق التظلم منها :

(‌أ) ففيما يتعلق بالتظلم من الأمر قررت المحكمة أنه : " وإن كان القاضى الآمر لا يستطيع وهو بصدد نظر التظلم فى أمر الحجز أن يمس موضوع الحق إلا أن ذلك لا ينبغى أن يحجبه عن استظهار مبلغ الجد فى المنازعة المعروضة لا ليفصل فى الموضوع بل ليفصل فيما يبدو له أنه وجه الصواب فى الإجراء المطلوب دون أن يبنى حكمه على مجرد الشبهة " ( نقض جلسة 6 ديسمبر سنة 1962 )

(‌ب) وفيما يتعلق بالاستئناف قضت المحكمة بأن " الحكم الصادر فى التظلم يعتبر حكماً قضائياً حل به القاضى الآمر محل المحكمة الابتدائية وليس مجرد أمر ولائى ، ولذلك يكون رفع الاستئناف عن الحكم الصادر من رئيس المحكمة فى التظلم إلى محكمة الاستئناف ، ولا يمنع من هذا النظر ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 354 لسنة 1954 من أن رئيس المحكمة الابتدائية يحكم فى التظلم بصفته قاضياً للأمور المستعجلة وذلك لأن هذا الوصف لا يتفق ونصوص القانون المذكور التى تفيد بحكم مطابقتها لأصول الأحكام العامة للأوامر على العرائض أن ما عهد به المشرع إلى رئيس المحكمة هو من نوع ما عهد به إلى قاضى الأمور الوقتية ( نقض جلسة 6 ديسمبر سنة 1962 ) .



(2) أما عن الحماية على الصعيد المدنى : فقد تواترت أحكام محكمة النقض فى هذا الخصوص بحيث يعجز هذا المقام عن ملاحقتها ، وعلى ذلك فسوف نتخير بعضاً من أبرز هذه الأحكام:

(‌أ) فعن الأعمال التى تشكل مشاركة ذهنية فى التأليف على النحو الذى يتحقق به مفهوم المؤلف المشترك من عدمه قضت المحكمة بجلسة 4 يناير سنة 1962 فى الطعن رقم 134 لسنة 26 ق بأن : " تقدير المشاركة الذهنية فى التأليف من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع ما دام حكمه يقوم على أسباب سائغة ، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد نفى عن الطاعن اشتراكه فى تأليف الكتاب ـ محل النزاع ـ استناداً إلى أن الأدلة التى تقدم بها إنما هى تعليقات بخطه على أصل الكتاب أثبت الخبير المنتدب أنها لا تتجاوز استبدال كلمة بأخرى أو مثلاً بآخر وهى فى مجموعها لا تدل على مشاركة ذهنية وتبادلاً فى الرأى جاء الكتاب نتيجته فإن هذا الذى أورده الحكم يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها " .

(‌ب) وبخصوص المؤلفات التى سقطت فى الملك العام وإعادة طبعها ونشرها وشروط اكتساب حق المؤلف عليها قضت المحكمة بأنه " ولئن كان الأصل أن مجموعات المصنفات القديمة التى آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها إلا أنه إذا تميزت هذه الطبعة عن الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب فى التنسيق أو بأى مجهود ذهنى يتسم بالطابع الشخصى فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق " ( نقض جلسة 7 يوليو سنة 1964 الطعن رقم 13 لسنة 29 ق ) .

(‌ج) وعن المنافسة غير المشروعة التى تتم بالتقليد التام لمصنف المؤلف ونشر المصنف المقلد وحق المؤلف فى التعويض قضت المحكمة بأنه " متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطبعة التى أخرجها الطاعن مقلدة عن الطبعة التى أخرجها المطعون ضده تقليداً تاماً وهو أمر لا يقره القانون ، فإن من شأن نشر الطاعن لطبعته للبيع فى السوق منافسة كتاب المطعون ضده وهى منافسة ولا شك فى عدم شرعيتها ، ولا ينفى قيام هذه المنافسة غير المشروعة أن يكون المطعون ضده قد اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيها ما دام كتابه مازال مطروحاً للبيع فى السوق " ( نقض جلسة 7 يوليو سنة 1964 الطعن رقم 14 لسنة 29 ق ) .

(‌د) وبخصوص المعيار الواجب الاستناد إليه لتحديد علانية الأداء من عدمه قضت المحكمة بأن " العبرة فى علانية الأداء المتعلق بإيقاع أو تمثيل أو إلقاء مصنف من المصنفات المشمولة بالحماية ليست بنوع أو صفة المكان المقام فيه الاجتماع أو الحفل الذى يحصل فيه هذا الأداء وإنما بالصفات الذاتية لذلك الاجتماع أو الحفل ، فإذا توافرت فيه صفة العمومية كان الأداء علنياً ولو كان المكان الذى انعقد فيه الاجتماع يعتبر خاصاً بطبيعته أو بحسب قانون إنشائه ، ولا تلازم بين صفة المكان وصفة الاجتماع من حيث الخصوصية والعمومية ( نقض جلسة 25 فبراير سنة 1965 ـ الطعن رقم 244 لسنة 30 ق )

(‌ه) وعن حق الاستغلال المالى للمصنف قضت المحكمة بأن " حق استغلال الكتاب مالياً ـ وهو حق مادى ـ يجوز للمؤلف أن ينقله إلى الغير ومتى كان النزاع خارجاً عن نطاق الحق الأدبى للمؤلف الذى تنظمه أحكام القانون رقم 354 لسنة 1954 ويتعلق باستغلال عدد معين من نسخ الكتاب مالياً بإذن صاحبه وهو أمر أباحته المادة 37 من القانون المذكور ، فإن النعى على الحكم بمخالفته للمادتين 5/1 ، 38 مـن هـذا القانون يكون على غير أساس " . ( نقض جلسة 12 مايو سنة 1966 الطعن رقم 356 لسنة 32 ق ) .

(‌و) وبخصوص المركز القانونى للمنتج السينمائى قضت المحكمة بأنه " يعتبر المنتج نائباً عن المؤلفين فى استغلال المصنف السينمائى وعرضه بطريق الأداء العلنى ، وتنصرف نيابته إلى مؤلف الموسيقى التى وضعت خصيصاً للمؤلف السينمائى واندمجت فيه ( نقض جلسة 8 نوفمبر سنة 1966 الطعن رقم 495 لسنة 35 ق ) .

ولكن هل يجوز الاتفاق على غير ذلك ، طرح هذا الأمر على محكمة النقض بالطعن رقم 22 لسنة 38ق، فقضت بجلسة 14 إبريل سنة 1973 بأنه " إذا كانت طبيعة العمل الفنى لا تدرجه ضمن عروض التجارة ، كما يعتبر تعاقد الفنان على استغلال عمله الفنى عملاً مدنياً فإن قواعد الوكالة فى القانون المدنى تكون هى التى تحكم هـذه الحالة ، وإذ كانت المادة 34 من القانون رقم 354 لسنة 1954 وإن أنابت المنتج عن مؤلفى المصنف السينمائى فى نشر الفيلم واستغلاله إلا أنها فى فقرتها الأخيرة أجازت أن يتم الاتفاق على خلاف ذلك ، ومؤدى هذا النص أنه لو احتفظ مؤلف المصنف السينمائى بحقه فى الأداء العلنى تزول تلك النيابة القانونية التى للمنتج عنه ويصبح هو صاحب الحق فى استغلال مصنفه بنفسه " .

(‌ز) وبخصوص حق المؤلف فى تعديل وتحوير مصنفه الفنى قضت المحكمة بأنه " ولئن كانت المادة السابعة من القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حماية حق المؤلف تعطى للمؤلف وحده الحق فى إدخال ما يرى من تعديل أو تحوير على مصنفه ولا تجيز لغيره أن يباشر شيئاً من ذلك إلا بإذن كتابى منه أو ممن يخلفه إلا أن سلطة المؤلف فى ذلك وخلفه من بعده مقيدة فى حالة تحويل المصنف من لون إلى آخر بحسب ما يقتضيه هذا التحويل ، فإذا أذن المؤلف أو خلفه بتحويل المصنف من لون إلى آخر ( من عمل مسرحى إلى عمل إذاعى مثلاً ) فليس لأيهما أن يعترض على ما يقتضيه التحويل من تحوير وتغيير فى المصنف الأصلى مما تستوجبه أصول الفن فى اللون الذى حول إليه المصنف ويفترض رضاءهما مقدماً بهذا التحوير " ( نقض جلسـة 16 ينايـر سنـة 1979 الطعن رقم 533 لسنة 46 ق ) .

(‌ح) وعن مدى جواز اعتبار طريقة أداء تلاوة القرآن الكريم مصنفاً فنياً قضت المحكمة فى حكمين شهيرين بأن " محل التعاقد فى هذه الحالة ليس هو القرآن الكريم فى حد ذاته أو مجرد تلاوته وإنما هو صوت القارئ ومدى إقبال الجمهور على سماعه فإذا نزل الشخص عن حقه فى استغلال صوته مادياً للغير امتنع عليه القيام بأى عمل أو تصرف من شأنه تعطيل استعمال الغير الحق المتصرف فيـه …… ) كما قضت بأنه " إذا انطوت طريقة أداء تلاوة القرآن الكريم على شئ من الابتكار بحيث يستبين أن مبتكرها قد خلع عليها من شخصيته ومن ملكاته وحواسه وقدراته ما يميزها عن غيرها فإنها تكون مصنفاً فنياً مما عينته المادة الثانية من القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حماية حق المؤلف "

( نقض جلسة 12 مارس سنة 1984 الطعن رقم 555 لسنة 48 ق ـ نقض جلسة 6 يناير سنة 1992 ـ الطعن رقم 1462 لسنة 54 ق ) .

(‌ط) وبخصوص حق المؤلف فى نسبة مصنفه إليه ووضع اسمه على كل نسخه وإعلاناته دون اتفـاق قضت المحكمة بـأن " النص فى الفقرة الأولى من المادة التاسعة من القانون رقم 354 لسنة 1954 على أن ( للمؤلف وحده الحق فى أن ينسب إليه مصنفه وفى أن يدفع أى اعتداء على هذا الحق ) يدل على أن للمؤلف الحق دائماً فى أن يكتب اسمه على كل نسخة من نسخ المصنف الذى ينشره بنفسه أو بواسطة غيره وفى جميع الإعلانات عن هذا المصنف بغير حاجة إلى إبرام اتفاق مع الغير على ذلك " ( نقض جلسة 7 يناير سنة 1987 ـ الطعن رقم 1352 لسنة 53 ق ).



ثالثاً :الحمايةالمدنيةلحقوق املكيةالأدبيةوالفنيةفىظل اتفاقية(trips ):

قدمنا ـ فيما سبق ـ أن اتفاقية ( trips ) عنيت أشد العناية بموضوع إنفاذ الحقوق وأنزلته مكاناً علياً إلى الحد الذى أفردت معه لهذا الموضوع (21) مادة من موادها الـ (73) ( ما يقرب من 30% من جملة نصوص الاتفاقية ) وهى مواد الجزء الرابع من الاتفاقية ( المواد من 41 : 61 ) .

ولعله ليس من قبيل المبالغة القول بأن هذا الجزء يشكل مع الجزء الخامس المتعلق بمنع المنازعات وتسويتها سيفاً بتاراً فى حماية حقوق الملكية الفكرية .

وهنا يتعين التأكيد على نقطتين :

الأولى : أنه لا ينبغى أن يثور فى الذهن أن الاتفاقيات السابقة على اتفاقية ( trips ) لم تكن اتفاقيات تتمتع بخاصية الإلزام وتتخذ طابعاً جدياً ، ولكن الجديـد الـذى أتـت بـه اتفاقيـة ( trips ) هو هذا التنظيم الشامل لموضوعى الإنفاذ وتسوية المنازعات ، وما تضمنه هذا التنظيم من آليات تنفيذية محددة .

الثانية : أن فى هذا التنظيم الشامل لهذين الموضوعين ( الإنفاذ ـ تسوية المنازعات ) فى إطار الاتفاقية ما يقطع بأن عهد النظرة الانتقائية فى حماية حقوق الملكية الفكرية قد ولى إلى غير رجعة ، وأن وسائل الحماية ذات صبغة شاملة لا تستثنى مجالاً من المجالات الواجبة الحمايـة .



وفى إطار الموضوع المطروح ـ الإنفاذ ـ يقوم هذا التنظيم الشامل على محورين أساسيين :

المحور الأول : المبادئ العامة ( م 41 )

وتتضمن هذه المبادئ العامة نوعين من الأحكام :

( أ ) التزام عام بأن تضمن الدول الأعضاء اشتمال قوانينها على إجراءات الإنفاذ لتسهيل اتخاذ التدابير الفعالة ضد أى تعد على حقوق الملكية الفكرية مع ضمان تطبيق هذه الإجراءات بأسلوب يمنع إقامة حواجز أمام التجارة المشروعة ويوفر ضمانات ضد إساءة استعمالها .

ومفاد ذلك أن الاتفاقية ألزمت الدول الأعضاء بإجراءات الإنفاذ وتركت لكل دولة وضع تلك الإجراءات موضع التنفيذ على النحو الذى يتناسب ونظامها القانونى .

إلا أنها رغم كل ذلك ـ لم تترك المجال فارغاً من ضوابط إرشادية تهتدى بها الدول بل أشارت إلى هذه الضوابط فما هى هذه الضوابط ؟

( ب ) ضوابط تحقيق الالتزام العام : عرضت الاتفاقية لهذه الضوابط على النحو التالى :

(1) أن تكون إجراءات الإنفاذ عادلة ومنصفة ، وغير معقدة أو باهظة التكاليف ، وناجزة فلا تنطوى على تأخير غير مبـرر .

(2) أن تكون القرارات والأحكام مكتوبة ومسببة وعلنية يمكن الاطلاع عليها ومبنية على ما طرح على المحكمة من مستندات .

(3) أن تتاح جهة تقاضى استئنافية للطعن على هذه القرارات والأحكـام .



وإذا كانت الاتفاقية قد أشارت إلى الضوابط المتقدمة فقد كانت حريصة على تأكيد أن هذا الالتزام وضوابط تحقيقه لا تعنى بأى حال من الأحوال إنشاء التزام على عاتق الدولة العضو بإقامة نظام قضائى خاص بإنفاذ حقوق الملكية الفكرية غير نظامها القضائى العام .

وفى تقديرنا ـ من خلال العرض المتقدم ـ أن هناك نقطتين يتعين التأكيد عليهما :

الأولى : أن الضوابط المشار إليها هى من المبادئ القانونية العامة التى لا يكاد يخلو منها أى تنظيم قانونى للمحاكمة العادلة والمنصفة فى أى نظام قضائى فى دولة من الدول أياً كانت طبيعة هذا النظام ( لاتينى ـ أنجلو سكسونى ـ أو غيـر ذلـك من الأنظمة ) ، وهذه الضوابط تشكل قوام النظام القانونى والتنظيم القضائى المصرى على صعيد تنظيم أصول التقاضى ، ومن ثم فهى لا تشكل جديداً فى هذا الخصوص ، والمتأمل للقوانين الإجرائية المصرية ( مدنية أو جنائية ) يلحظ بسهولة انطوائها على كل هذه الضوابط وزيادة .



الثانية : أنه لا حاجة إلى ابتداع نسق جديد من أنساق التقاضى وإفراده لمجالات الملكية الفكرية ، على نحو ما يثار حالياً من ضرورة وجود محاكم متخصصة فى قضايا الملكية الفكرية ، ولكن الأهم فى تقديرنا هو وجود القاضى المتخصص المدرب ، بيان ذلك أن تخصيص محاكم لمجال أو آخر يدور وجوداً وعدماً مع قضية توزيع العمل التى يحكمها فى الأساس معيار كمى ، أما وجود القاضى المتخصص الذى حصل على دورات تكوينية ثم دورات متقدمة فى مجالات الملكية الفكرية ، وتشبعت روحه بثقافة الملكية الفكرية وأطروحاتها فهو الضمان الأكيد لارتفاع مستوى الأداء القضائى فى هذه المجالات لا سيما على صعيد المحكمة الابتدائية ( جزئية أو كلية ) .



المحور الثانى : الحماية ومجالاتها :

وضعت الاتفاقية تنظيماً شاملاً لكل مجالات الحماية بدءً من مستوى الإجراءات الإدارية وانتهاء بالتدابير الحدودية وفى حدود الموضوع المطروح ـ الحماية المدنية لحقوق الملكية الأدبية والفنية ـ فقد عالجت الاتفاقية بتفصيل الحماية على صعيد الإجراءات الوقتية ( أو ما أسمته بالتدابيـر المؤقتـة مـادة 50 ) ، ثم الحمايـة علـى الصعيد المدنـى ( المواد من 42 : 48 ) .

الحماية على صعيد الإجراءات الوقتية :

والغرض من الحماية هنا هو الحيلولة دون حدوث تعد على أى حق من حقوق الملكية الفكرية وعلى وجه الخصوص :

(1) منع السلع فور التخليص عليها جمركياً من النفاذ إلى الأسواق .

(2) صون الأدلة ذات الصلة بالتعدى المدعى وقوعه من العبـث .



وحدود الصلاحية المقررة للقضاء فى هذا الخصوص تتمثل فى الآتى :

(1) اتخاذ تدابير مؤقتة دون علم الطرف الآخر متى كان ذلك ملائماً .

(2) إلزام طالب الإجراء بتقديم الأدلة المعقولة على صحة مدعاه مع تقديم كفالة لحماية الصادر ضده الأمر مما يلحقه من ضرر .

(3) إخطار الصادر ضده الأمر بمجرد صدوره وفتح طريق التظلم أمامه واتخاذ قرار فى هذا التظلم فى غضون مدة معقولة بإلغاء الأمر أو تعديله أو تثبيته .

(4) إلزام طالب الإجراء بإقامة الدعوى الموضوعية خلال مدة معقولة وإلا سقط الأمر بعد مرورها (عشرين يوم عمل أو 31 يوم ميلادى ) .



وجدير بالإشارة أن القوانين التى كانت تنظم حقوق الملكية الفكرية فى مصر وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية القائم قد تضمن تنظيماً فعالاً للإجراءات الوقتية والتحفظية تتواكب وتتوافق تماماً مع التنظيم الذى أتت به الاتفاقية ، فهذا التنظيم فى حقيقته يعد صورة تطبيقية لنظام الأوامر على عرائض التى يعرفها النظام القانونى المصرى منذ زمن بعيـد .



الحماية على الصعيد المدنى :

ويقصد بها توفير السبل أمام صاحب الحق فى طلب اقتضاء التعويض عن الضرر الناجم من أى تعدى على حق من حقوق الملكية الفكرية خاصته بطريق الدعوى المدنية أمام القضاء الوطنى .

وقد نظمت الاتفاقية الحماية فى هذا الخصوص على النحو التالى :

‌أ. المبادئ : أن تتسم الإجراءات بالإنصاف والعدالة ( مبدأ المواجهة بين الخصوم ـ كفالة حق الدفاع بالأصالة أو الوكالة … الخ ) .



‌ب. الأدلة : البينة على من ادعى كأصل عام مع اعتماد الاتفاقية لمبدأ جواز أن يأمر القضاء الخصم بتقديم دليل تحت سيطرته يؤدى إلى إثبات طلبات المدعى .



‌ج. التعويضات : أداء المعتدى للمضرور تعويضات مناسبة ودفع المصروفات شاملة أتعاب المحاماه مع جواز إلزامه برد ما حققه من أرباح ولو لم يتوافر لديه ركن العلم بقيامه بالتعدى .



‌د. الإتلاف : للسلع والمواد والمعدات التى تستخدم بصورة رئيسية فى تصنيع السلع المتعدية .



‌ه. إعلام صاحب الحق : جواز أمر المعتدى بإعلام صاحب الحق بهوية كل من اشترك فى إنتاج أو توزيع السلع المتعدية .



‌و. التعويض عن إساءة استخدام الإجراءات : أمر المدعى ـ إذا أساء استخدام الإجراءات ـ بأن يؤدى لمن كلف خطأ بالتعويض ما يجبر ما لحق به من ضرر شاملاً المصاريف وأتعاب المحاماه .



وليس ثمة شك فى البنود الستة من ( أ إلى و ) على نحو ما عرضنا لها ليست غريبة على مبادئ النظام القانونى المصرى ولا تشذ عن أصول وإجراءات التقاضى فى مصر ، بل هى تعد نموذجاً تطبيقياً لذلك كله ، وهى الأمور المستقرة فى مجال التقاضى عموماً ، والتقاضى فى مجالات الملكية الفكرية على نحو خاص .

إرسال تعليق

 
Top