مقدمة
عرفت المجتمعات الدولية مراحل عديدة تطور فيها القانون أبرزها مرحلة
القوة والانتقام الفردي ، أي أن القوة تنشئ الحق وتحميه ، ثم انتقل الانسان
الى مرحلة مهذبة حيث عرف حقوقه وحقوق الآخرين ، ومع ذلك عرفت المرحلة
استعمالا للقوة دشنها هابيل وقابيل
تطورت المجتمعات تطورا
قانونيا وقامت الدولة واعتمدت على القضاء الذي سمح بحق الدفاع ، وهكذا
استقرت المحاماة أو الوساطة القانونية ، مهنة حرة ترجع أصولها الى
العصور القديمة ،حيث تعرضت لمشاكل عويصة صمدت أمامها ناجمة عن الصراعات
الاجتماعية والسياسية والاثنية .في العديد من الحضارات الفرعونية وعند
الاغريق والمرحلة اليونانية وعند الرومان ثم انتقلت المجتمعات البشرية الى
مرحلة أرقى فقامت الجمهوريات في اوربا وانعكس ذلك على الشرق القديم حتى
مرحلة الدفاع عند العرب ، هذه المسائل نفصلها في المطالب والفروع التالية
المطلب الأول
حق الدفاع في الحضارات القديمة
الفرع الأول : حق المتهم في الدفاع لدى المصريين القدماء
قام التشريع الجنائي الفرعوني على مبادئ تقليدية وهي حماية البرئ ويقينية
العقاب والبحث عن الحقيقة ، ومنح الأفراد حق التقاضي وله الضمانات بذلك وحق
سماع الدفوع واجبار القاضي على تطبيق القانون وعدم التحيز والانصات للشكوى
ولا تعاقب أحد حتى تسمع دفاعه ، وبهذا عرف المصريون اجراءات المحاكمة
كالقبض والحبس والمعاينة وندب الخبير والشهود وتحليف اليمين للمتهمين
وكانت الجلسات علنية وحضورية ومكتوبة يحررها الكهنة تطور التقاضي على
درجتين في كل مكقاطعة امام محاكم السراة ومحاكم الست العليا برئاسة الوزير
وللمحكوم حق الطعن حتى تتحقق العدالة
ثم جاءت المرحلة
الفرعونية حيث نظم أمازيس نظام السرقة وعاث في الأرض فسادا ، حتى جاء
الملك حرب حب فقرر عقوبات على بعض الجرائم مثل قطع الأنف والأذنين والجلد
لمن يمتنع عن انقاذ الملهوف او القاء القبض على اللصوص ، وحرق من يقتل أباه
، وكان الملك فرعون يصدر تعليمات لموظفيه تستوجب تطبيق القانون والامتثال
لأوامره وممارسة العدالة الفرعونية التي يطبقها الوزير المشرك بالله وعبادة
الفراعنة [1]
عرفت المحاماة في مصر الفرعونية أثناء حكم
الأسرة الثالثة حيث انشأت المحاكم التي يرأسها أحد الأمراء ثم استقلت
واصبحت تدار بغير الأمراء .
كان الدفاع علني قي جلسات يدونها كتاب ، وكان دور المحامي يتمحور حول رفع الدعوى وتقديم دفاعه عن موكله الحاضر معه [2]
الفرع الثاني : حق الدفاع عند الاغريق
أرسى الاغريق نظام المحلفين في المحاكم الذين يتم اختيارهم بعناية
ليساهموا في المحاكمات استنادا الى السيادة الشعبية ، وفرقوا بين الجريمة
العامة والخاصة
يتم التصويت اولا على الادانة والثانية على العقوبة ،التي تفترض البراءة
واول فن عرف فكرة المدافع عن المتهم من بين الخطباء والرجل البليغ ليؤثر
في المحلفين ومنهم نشأت فكرة المحاماة ، وله الحق التكلم بحرية والسب للخصم
الشفوي للخصم
شريطة أن يكون رجلا حرا وحسن السيرة والسلوك
تدار المحكمة بصورة علنية وبحضور المتهم الذي يدافع عن نفسه شكلا وموضوعا
يتداول القضاة سريا وينطقون بالحكم ضمانا لكفالة حق المتهم في الدفاع
عرفت المرحلة اليونانية قانون دراكون تدوين الأعراف السائدة مع تنظيمها
وادخال عقوبات شديدة عليها وخاصة القانون الجنائي ليمهد لقانون صولون التي
عرفت القضاء الأثيني التي اعتمدت محكمة المحلفين كمحكمة شعبية تفرعت الى
عشرة مجالس مكونة من 510 عضوا تحكم بقضايا السرقة والحالة المدنية وأمن
الدولة[3]
الفرع الثالث : الدفاع لدى الرومان
نظم
الرومان الأنظمة القانونية قبل الميلاد التي عرفت الألواح الاثني عشرية
منها الأول والثاني والثالث تتعلق بالاجراءات الشكلية العامة للدعوى من
تكليف واستدعاء وشهود والثامن والتاسع والعاشر عرف نظام الجرائم والعقوبات
وعلى من يدعي أمرا أن يثبته وللمتهم الحق في الاستعانة بمحام للدفاع عنه
أحاط اباطرة الرومان مهنة المحاماة بكثير من التكريم والتمجيد الى درجة
توازي بنفس القيمة مهنة القضاة وفي عهد جستنيان تشكلت اول نقابة للمحامين
التي تسمح له بالدفاع عن شخص واحد في الجريمة
ويحلف القاضي والمحامي في كل قضية معروضة بأن يقضي القاضي بالحق وألا يقول المحامي الا الحق
غير أن حسد الأباطرة من تطور مكانة المحامين ونفوذهمم ووجاهتهم ، الى درجة سمح الأباطرة لأنفسهم بممارسة هذه المهنة .
تطور النظام الروماني في العهد الملكي بفض المنازعات عن طريق
التحكيم وهو آلية قانونية يلجا فيها المتخاصمون الى محكم لفض نزاعهم وهو
تحكيم اختياري وتحكيم اجباري
اما مهنة المحاماة فقد كانت خلال هذا
العهد تقتصر على تقديم وجهات نظر أطراف الخصومة وتقديم دفوعاتهم واحترام
الاجراءات الشكلية [4]
يعزى تطور النظام القضائي الى
الحاكم القضائي البريتور المتخصص بالأجانب سميت قانون الشعوب الذي يعتبر
الطبيعة مصدر كل شيء ويعرض الدعوى وعلى المحامون تحديد الادعاءات والدفوعات
وجميع التصريحات أمام البريتور
تطور القانون حتى
وصلنا الى مرحلة جوستنيان الذي نظم الجرائم وسطر العقوبات ضد الأشخاص الذي
ينفذها المجني عليه او عشيرته دون تدخل من الدولة واستعان جوستنيان
بالفقهاء والمحامين الذين نالوا الاحترام اللازم ونظموا أنفسهم في نقابات
لحل مشاكلهم وتقوية ثقافتهم والالمام بأفكار الفقهاء في جميع النواحي
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية واتفقوا على مدة للتدريب
للالمام باخلاقيات المهنة ليرتقي الى أسمى آيات النبل في المجتمع
ويرى دكتور فركوس بحق أن جملة النظم القانونية القديمة انما نشأت من
معتقدات وأفكار كان أصحابها دعاة اشراك وكفر والحاد حتى جاءت النظم
الاسلامية لتصحح هذا الواقع [5]
المطلب الثاني
تطور حق الدفاع عبر العصور
المحاماة مهنة حرة عبر مختلف المجتمعات المتصارعة والتي تنشد الاستقلال ،
ويمكن القول بأن عصر ماقبل الميلاد لم تعرف ممارسة المحاماة بمعناها
الحالي ، غير أنها كانت معروفة بأشكال مختلفة انسجاما مع الأنظمة
الاجتماعية والسياسية ،حتى قامت الدولة ونظمت العلاقات القانونية مع
مواطنيها
الفرع الأول : في أثينا
لم تعرف الأنظمة القانونية الا بعد غزو ها لمصر الفرعونية في عام 232 ق م
لم يعرف الاغريق مهنة المحاماة المحترفة نظرا لغياب الاجراءات القانونية
التي تنظم ذلك والقضاة المحترفين ، ثم تطور الواقع فأنشات القوانين الخاصة
بكل مدينة التي عرفت حق التقاضي لكل افراد المجتمع بل عرفت الدفاع الذي
يعمل على تحسيس القضاة بسجايا أحد اطراف الدعوى واستحقاقه وقد يقوم المتهم
بالدفاع عن نفسه بشجاعة كما فعل سقراط في الدفاع عن فلسفته بامتناعه طلب
العفو ومتحديا القضاة الجهلة وغير المحترفين .
واٌقتصر الدفاع من
قبل أشخاص مؤهلين يتمتعون بالفصاحة والخطابة والاقناع عن أبناء العوائل او
الأصدقاء بدون مقابل ، بل هدايا مقابل اتعابه .ويكون لهم نفوذ واسع
حدد الامبرطور كلوديوس أتعابا للمحامين أقصاها 1000وحدة نقدية تدفع بعد صدور الحكم
ثم تجمع المحامون وشكلوا نقابة لهم أمام قضاة منتخبين من طرف الشعب يساعدهم في ذلك محلفون للفصل في المنازعات المطروحة [6]
الفرع الثاني : الوضع في النظام الفرنسي
وضع ملك فرنسا الأول قيودا بموجب أمرين ملكيين منعا المتهم من
الاستعانة بمحام في الدعوى الجنائية ،التي يجب أن تكون سليمة ثم تطور
الأمر ليفرض تعيين محام في تلك الدعاوى تحت طائلة البطلان اذا اعتدى على
الخصم حتى قيام الثورة الفرنسية التي الغت كافة القوانين عام 1790وكرست
حقوق الانسان والمواطن وضمانة أساسية ضد انتهاك الحقوق ، ومع تطور القانون
تراجع المصدر الالهي الخادم للملوك والأمراء الى فكرة العقد الاجتماعي
والسلطات الثلاث في الدولة وتقنين الجرائم والعقوبات
تمت
محاكمة الملك لويس وزوجته انتوانيت والذين تولى الدفاع عنهما مدافعون هم
محامون أصلا لكنهم جردوا من القابهم ولم يرتادوا جبتهم ، ولم يجدوا من
يدافع عن حقوقهم في ظل حالة من الفوضى وانعدام الهياكل النقابية حتى أعاد
نابليون الأول عام 1810النقابة
وضع برلمان فرنسا قواعد تحدد أسماء من
يبقون مقيدين بجداول المحاماة يؤدي المحامي اليمين ، وأيقبل قضية باطلة ،
وألا يدلي ببيانات كاذبة وألا يحصل على مقابل لأسباب مصطنعة
ومع
سقوط نابليون انتصر المحامون على من أراد بهم السوء وزالت دولة الظلم وبقيت
المحاماة تضيء دروب المدافعين عن الحق ، ثم زالت التفرقة بين أصناف
المحامين ووكلاء الدعوى وممثلوا الدفاع امام المحاكم التجارية
اعتبر المحامي من اعوان القضاة لاضهار الحقيقة ونصرة المظلوم واحاط
المحامي بحصانة تشبه حصانة القاضي تحميه من الاعتداء الذي قد يقع عليه . في
نطاقه الاقليمي
ويقدم الاستشارات القانونية [7]
الفرع الثالث : البلدان الانجلو سكسونية
اختلفت تلك النظم في نظرتها للمحاماة من الناحية التنظيمية حيث مارس
المحامي مهنته يرتدي جبة وقبعة بيضاء وشعر مستعار وعليه التردد على نواد
القضاة والمحامين للاطلاع على المكتبات الثرية وسماع الحوار والنقاش بينهم ،
ليتدرج في الأقدمية ليصبح مستشارا للملكة بعد مرور عشر سنوات لتضع لهم
علامة مميزة في جبته والذي يمكن أن يختار منهم القضاة ، يتعامل المحامي مع
موكله عبر وسيط يقوم بمختلف المهام الاجرائية والاستقبالات وتحرير
العقودوضمان نقل الملكية ويبقى للمحامي المرافعة في مختلف القضايا
تطور الأمر في أمريكا حيث ركز المحامي كافة المهام فهو الموثق والمستشار القانوني وسماع الشهود ويقوم بمساع لدى الادارة
ينتمي المحامي لنقابة مهنية بعد أن تسلم له شهادة المحاماة حيث يمر بامتحان صعب ومعايير دقيقة ومتنوعة وصارمة [8]
الفرع الرابع : الدفاع لدى الشرق القديم
ظهر في بلاد الرافدين عدة شرائع قانونية اهمها عشتار وحمورابي ويقول
الباحثون في تاريخ القانون ، إن أقدم مجموعة قانونية هي نظم السومرية التي
قررت العقوبات لبعض الجرائم ، جاء بعد ذلك حمورابي الذي قدس تمثال الشمس
واستوحى منه قوانينه ، رخص حمورابي لكل طرف توكيل غيره من المؤهلين من
الحكماء للدفاع عنهم
وله الحق في أن يطعن في الحكم ويترافع أمامه وكانوا يتمتعون بمكانة رفيعة داخل المجتمع ويتم اختيار القضاة منهم
يترافع المحامون عن جرائم القتل من الفاعلين والشركاء وتحكم المحكمة بالعقوبة او البراءة
ويقوم الدفاع بعمله وقد سجل ذلك في الألواح السومرية
وافترضت مبدأ براءة المتهم وتطبيقه عملا ولم يعتدى على الحرية الشخصية
ومعاملة المتهم أثناء التحقيق ومنعت الانتقام الفردي وقررت أن الدولة هي
التي توقع العقوبة
ولكل متهم الحق بمدافع يتولى المرافعة وابداء طلبات
الدفوع ، ومحاسبة الشريك ، وبراءة المرأة التي لم تبلغ عن زوجها بسبب عدم
الانفاق
نقل حمورابي القضاء من الكهنة الى الدولة لتقاضي علانية وامام الجميع
وكفل حمورابي للمتهم محاكمة عادلة يديرها قضاة نزهاء وتعددت الدرجات
والطعن لاحقاق الحق ورفع الظلم ويعاقب حمورابي القاضي الظالم ويغرمه اثنى
عشر ضعفا ويعزل مكن القضاء ولا يعود اليه [9]
الفرع الخامس : الدفاع عند العرب
كانت الحياة عند العرب تتمثل بالبداوة ، تمثل العائلة الخلية
الأساسية ثم توسعت الى القبيلة وكان التنظيم الاجتماعي الذي يحكم العرب
يسند مهمة فض المنازعات لشيخ القبيلة نظرا للمكانة التي كان يحتلها ولنبل
خصاله وسماته وقد عرف العرب عمر بن هشام ابو الحكم حكيم قريش لفض تلك
المنازعات بالتحكيم
لم يعرف العرب مهنة المحاماة بل كان
هناك ما يسمى حجاجا، فاذا حدث نزاع بين رجلين جاز لأي منهما ان يوكل عنه
حجيجا وكانت صيغة الوكالة هي ان يقول لوكيله[ وضعت لساني في فمك لتحج عني
]وهم من الشعراء المعروفون بالخطابة وفن الالقاء
ثم جاء الاسلام وعين
القضاة العادلون حيث لايحتاج الخصم محام نظرا للعدالة التي كرسها عمر بن
الخطاب في مقولته الشهيرة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
ومع وصول الحكم العثماني للجزائر الذي كان يطبق المذهب المالكي والحنفي
على بعض العثمانيين لذلك وجد القاضيان يساعدهم الشهود العدول ويحميهم
الشاوش ولم يعرف نظام المحاماة حتى الاستعمار الفرنسي [10]
المراجع
[1 ] د عبد الرحيم صدقي : القانون الجنائي عند الفراعنة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1986 ص 22
[2] د صوفي أبو طالب : تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ، دار النهضة العربية القاهرة 1988 ص 202
[3] د فاضلي ادريس : المدخل الى تاريخ النظم ، ديوان المطبوعات الجامعية 2006 ص95
[4] محمود توفيق اسكندر : المحاماة في الجزائر ، دار المحمدية العامة 1998 ص 9
[5] محمد بكري آغا : المحاماة هي رسالة الحق والحرية والمساواة ، مجلة المحاماة العدد السابع سبتمبر 1971 ص 82.
[6]د مسلم يوسف : هل المحاماة حلال أم حرام ، المجلة معهد المعارف لتخريج الدعاة ، الفلبين الموقع الالكترون
ص 46www.arabiclaw.org
[7] د عبد السلام الترمانيني : الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية ، جامعة الكويت ط 3 1986 ص 246
[8] د صالح فركوس : تاريخ النظم القانونية والاسلامية ، دار العلوم عنابة 2001ص 38
[9] د محمد خميس : الاخلال بحق المتهم في الدفاع ، منشاة المعارف الاسكندرية 2001ص 20ـ
[10] د محمد خميس : الاخلال بحق المتهم في الدفاع ، منشاة المعارف الاسكندرية 2001ص
بواسطة الاستاذ:اسامة هويدي
إرسال تعليق