-->
1. تقرير
حقوق الملكية الفكرية وإنفاذها
2. دور القضاء في حماية حقوق الملكية الفكرية
3. معايير و إجراءات
الانفاذ الفعال لحقوق الملكية الفكرية
1. المعايير العامة
2. الإجراءات
الاساسية لانفاذ حقوق الملكية الفكرية
أ. الاجراءات التحفظية
ب. التعويض المدني للمتضررين عن أعمال التعدي
ت. الاجراءات الجنائية
3. إجراءات
غير متوفرة أو لا تطبق بشكل فعال في الدول العربية
أ. حماية المعلومات السرية المقدمة
خلال الإجراءات
أ) حماية
المعلومات السرية وعلنية الجلسات
ب) حماية
المعلومات السرية وإجراءات الإثبات
ب. تعويض المدعى عليه وضمان هذا التعويض
4. خلاصة
أهمية السلطات القضائية في إنفاذ حق المؤلف
والحقوق المجاورة
السيد
كنعان الأحمر
محام (دمشق) وأستاذ باحث في معهد ماكس بلانك للملكية الفكرية قانون المنافسة والضرائب
ميونخ-ألمانيا
محام (دمشق) وأستاذ باحث في معهد ماكس بلانك للملكية الفكرية قانون المنافسة والضرائب
ميونخ-ألمانيا
1. تقرير
حقوق الملكية الفكرية وإنفاذها
إصلاح القوانين الناظمة للقواعد الموضوعية لحقوق الملكية الفكرية و جعلها
متوافقة مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لا يمكن أن ينتج ثماره بدون وجود
إجراءات سليمة و فعالة لتنفيذ هذه الحقوق.
الإقرار و الاعتراف بوجود أي حق بموجب نصوص قانونية موضوعية لا يكفي بحد
ذاته لحماية هذا الحق و لابد من إنفاذ هذا الحق عن طريق الأجهزة القضائية و
الإجرائية حتى يمكننا القول بأن هذا الحق تمت حمايته فعليا.
المشكلة الرئيسية فيما يتعلق
بحماية حقوق الملكية الفكرية في الدول العربية والنامية بشكل عام هي ليست في
انعدام النصوص القانونية الموضوعية التي تعترف و تقر هذه الحقوق وإنما في تطبيق
هذه القوانين وانفاذ هذه الحقوق لمصلحة أصحابها من قبل الأجهزة المختصة, على رأسها
الجهاز القضائي. قوانين الملكية الفكرية التي تضمن الحد الأدنى من الحماية لهذه
الحقوق موجودة في الدول المذكورة منذ أكثر من قرن, ويندر
أن نجد دولة في العالم لم تدخل قوانين الملكية الفكرية إليها حتى الآن. وكذلك فقد
عرفت معظم الدول العربية قوانين الملكية الفكرية بمعناها
الحديث منذ أيام الإمبراطورية العثمانية (مثلا, عام 1916 تم إقرار قانون لحق
المؤلف في الإمبراطورية العثمانية),
ناهيك عن تراث العالم
العربي الذي يدين السرقات الأدبية و الفكرية. مع ذلك فإن نسبة قرصنة حقوق الملكية
الفكرية والاعتداء عليها لازالت عالية بشكل كبير في العالم العربي و السبب الرئيسي
لذلك هو ضعف تطبيق وانفاذ هذه الحقوق من قبل الأجهزة المعنية.
2. دور القضاء في حماية حقوق الملكية الفكرية
أهمية دور القضاء في حماية حقوق الملكية الفكرية تفوق أحيانا أهمية وجود
النص التشريعي نفسه الذي يقرر و يعترف بالحق. وجود قضاء جيد مع عدم وجود نص تشريعي
خاص يحمي حقوق الملكية الفكرية يعطي نتائج أفضل على صعيد الحماية من وجود قضاء و
أجهزة ملحقة به غير مؤهلة حتى و لو كانت تتوفر لديها أفضل
النصوص التشريعية و أحدثها التي تحمي حق الملكية الفكرية. القضاء
الكفء يمكن أن يستند على المبادىء العامة للقانون المدني وقواعد العدالة من أجل
حماية حق الملكية الفكرية, كما حصل في بعض البلدان العربية التي تأخر وجود قوانين
حماية حق المؤلف فيها لأسباب معينة, و يمكن لقضاء غير مؤهل أن لا يطبق بشكل فعال
أفضل و أحدث القوانين.
على سبيل المثال, في الوقت الذي لم يكن لدى مصر قانون خاص لحماية حق
المؤلف, حيث أن أول قانون خاص لحق المؤلف فيها صدر عام
1954, قام القضاء المصري بحماية هذا الحق استنادا على المبادىء العامة في القانون
المدني و خاصة أحكام المسؤولية التقصيرية التي تعتبر أي اعتداء على أي حق عملا غير
مشروع مستوجب للمسؤولية و التعويض. ومما جاء في حكم صدر عن القضاء المصري بتاريخ
31/5/1924:
"وحيث فضلا عن ذلك فإن كل ما جاء بالقانون
خاصا بأصحاب التأليف ما ورد في مادة (12) من القانون المدني و هي قاضية بأن يكون
الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته على حسب القانون الذي يصدر بها
ومن بعد العمل بالقانون العام لليوم لم يظهر قانون خاص بحقوق المؤلف في مؤلفاته
حتى كان يتعين الرجوع إليه ولذلك تكون حالة الروايات موضوع الدعوى خاضعة لأحكام
العدالة وما قضاه القانون العام من الحقوق لطرفي أي عقد ومن يعدون خارجين عنه.
وحيث أنه لذلك يرى أن ما قد يكون مثبتا لحقوق
المؤلفين ومن تنازلوا إليهم عن مؤلفاتهم ضد الغير هو تسجيل هذه المؤلفات بمعرفة
المؤلفين أو من تنازلوا إليهم.
وحيث أن إسكندر أفندي فرح فضلا عما هو ثابت من
تنازله عن التشخيص وما يتعلق به من نحو الخمس عشرة سنة إلى الشيخ سلامة حجازي الذي
تنازل من ورثه إلى إخوان عكاشة و هؤلاء تنازلوا إلى شركة ترقية التمثيل العربي
بعقد مسجل في المحكمة المختلطة في يناير سنة 1917 فإن ورثة إسكندر أفندي فرح لم
يقدموا ما يثبت تسجيل الروايات موضوع الدعوى بمعرفة من هم بعده ليكون هذا التسجيل
حجة ضد الغير و على الأخص شركة ترقية التمثيل العربي التي حلت بحسن نية محل إخوان
عكاشة فيما كانوا ظاهرين بحيازته و تمثيله للجمهور وتصبح بعد ذلك طلبات المستأنفين
على غير حق وواجبة الرفض". (منشور في: سمير فرنان بالي, قضايا القرصنة
التجارية و الصناعية و الفكرية, الجزء الرابع, منشورات الحلبي الحقوقية-(بيروت
2003)-ص 7)
وجاء أيضا في حكم للقضاء المصري صادر عام 1934 أن عدم
صدور قانون مخصوص بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته لا يحرم القضاء من الاستناد إلى
قواعد المسؤولية التقصيرية (كل فعل ينشأ عنه ضرر للغير يوجب ملزومية فاعله بتعويض
الضرر), و أن هذه المادة يمكن اتخاذها أساسا للقضاء بتعويض المؤلف في حالة
التقليد. (انظر القسم العربي المعد من
الدكتور حسام لطفي من الكتاب التالي: دافيد فافر/بيير سيرينيلي/حسام لطفي,
المبادىء الأساسية لحق المؤلف – أحكام القضاء, منشورات الويبو, جنيف 2002, ص 10, وانظر أيضا السنهوري, الوسيط ,المجلد رقم 8 حق الملكية, ص285).
في هذا الحكم حكم القضاء المصري بأحقية وزارة المعارف العمومية في حقوق التأليف
فيما يتعلق بكراسات مدرسية معينة أصدرتها الوزارة آنئذ, وأوقع الحجز الاحتياطي على
الكراسات المقلدة.
و قد استند الحكم
المذكور على أحكام مشابهة سابقة صادرة عن القضاء المصري منذ عام 1907 و أورد أرقام
تلك الأحكام, و مما جاء في الحكم المذكور:
"حيث أن تطور الحياة الاجتماعية
الأدبية و الاقتصادية في مصر وما يستلزمه من ضرورة حماية الملكية الفنية
حماية تحفظ للأفراد حقوقهم و تبعث فيهم روح الابتكار والاختراع و تضمن لهم وحدهم
حق الاستفادة من مجهوداتهم و ابتكاراتهم في وقت لا يتورع فيه الكثيرون عن استغلال
مجهودات غيرهم والاستفادة من إنتاجهم الفني والصناعي سعيا وراء الشهرة أو جريا
وراء المـال – هذه التطورات من شأنها أن تدعو إلى الاجتهاد في الرأي و إلى استشارة
مبادىء القانون العامة و قوانين الدول الأخرى في علاج ما يعرض على المحاكم من
المنازعات الخاصة بتلك الملكية إتباعا لما سنته المادة التاسعة والعشرون من ترتيب
المحاكم الأهلية إذ قضت بأنه (إذا لم يوجد نص صريح بالقانون يحكم القاضي بقواعد
العدل و الإنصاف)" .(لطفي, المرجع السابق, ص 11).
والقضاء في دول عربية أخرى قام أيضا بدور مماثل و حمى حقوق المؤلف على
إنتاجه استنادا إلى القواعد القانونية العامة. في الكويت, مثلا, تأخر صدور القانون
الخاص بحق المؤلف حتى عام 1999 ومع ذلك فإن القضاء الكويتي أخذ المبادرة ولم
يتوانى عن حماية حقوق المؤلف بناء على القواعد العامة وأحكام القضاء و الفقه في
البلدان الأخرى. ومن المثير للانتباه أن المحكمة بحثت في حكمها حق المؤلف و بينت
عناصره وأحكامه بشكل مسهب ومما جاء في الحكم:
"وحيث
إنه نتيجة للتقدم الحضاري و العلمي الذي بدأ منذ أكثر من قرن, وخاصة تطوير الطباعة
و ظهور الأجهزة الالكترونية من مذياع و تليفزيون وآلات تسجيل وعرض, وتطورها تطورا
سريعا وخطيرا ومدهشا وانتشارها, أجمع الفقه والقضاء على حماية الملكية الأدبية و
الفنية من الاعتداء عليها بتلك المخترعات و المبتكرات العلمية, حتى ولو لم يكن
هناك تشريع يحميها, لأن قواعد العدالة تقتضي هذه الحماية,و تشمل هذه بوجه عام
مؤلفي المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الرسم أو التصوير أو
الحركة. و يجب أن تستوفي هذه المصنفات ركنا شكليا و أخر موضوعيا, ". (الحكم
رقم 4200/1978 تجاري كلي صادر عن المحكمة الكلية الكويتية, غير منشور, تم
الاستشهاد به في:طعمة صعفل الشمري, أحكام المنافسة غير المشروعة في القانون
الكويتي, مقالة منشورة في مجلة الحقوق- مجلس النشر العلمي- جامعة الكويت-عدد مارس 1995,
ص 49-51 ).
وبناء على هذه القواعد العامة قام القضاء الكويتي, قبل صدور قانون حق
المؤلف, بحماية هذا الحق من حالات التعدي عليه المختلفة و بشكل خاص حالات التعدي
التي تأخذ شكل استغلال غير مشروع للمصنفات الغنائية و الموسيقية للفنانين
الكويتيين وغيرهم مثل أعمال المرحوم محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم حيث درج
البعض على طباعة أعمالهم على أشرطة وتوزيعها بدون ترخيص من أصحاب الحق, حتى أن
القضاء الكويتي اعتبر أنه قيام فنان معين بتسجيل موسيقى و أغاني الموسيقار محمد
عبد الوهاب بصوته هو وبيعها يعتبر اعتداء على مالك حقوق الفنان عبد الوهاب و
منافسة غير مشروعة لوكيله الشرعي في الكويت. (الشمري,
مرجع سابق, ص 51 حيث يشير إلى أرقام عدة أحكام صادرة عن القضاء الكويتي وغير
منشورة). وكان القضاء يحكم بوقف أعمال الاعتداء وبالتعويض للمتضررين من أعمال
التعدي.
وفي نزاع يتعلق بتقليد لحن أغنية "لا ذي الأولة منك وذي الثانية"
من خلال أغنية "أنا منساك" قامت المحكمة في الكويت بالنظر بالدعوى استنادا على المبادىء
القانونية العامة لأنه لا يجوز حرمان المؤلف من الحماية بحجة أن تشريع حماية حق
المؤلف في دولة الكويت لم يصدر بعد. و قامت المحكمة بإدارة الدعوى والتحقيق في
النزاع وفق الأصول المتبعة في أي نزاع فقامت باللجوء إلى الخبرة القانونية الصادرة
عن لجنة خبراء من المعهد العالي للفنون الموسيقية وانتهت إلى اعتبار أن الأغنية
الثانية هي تقليد للأولى و حكمت بالتعويض المدني لصاحبها الملحن و الشاعر
"حسين أبو بكر الحضار".( لطفي,المرجع السابق, ص 13).
كذلك نظر قضاء دولة البحرين في نزاعات حول حق المؤلف استنادا على مبادىء
القانون الطبيعي و قواعد العدالة و بشكل خاص أحكام المسؤولية التقصيرية
".(المرجع السابق, ص 13).
الانتباه لأهمية الدور الذي يقوم به القضاء و الأجهزة التابعة له في حماية
حق المؤلف و حقوق الملكية الفكرية بشكل عام و ذلك عن طريق تطبيق القوانين
الموضوعية و انفاذ هذه الحقوق و هو ما جعل الجهود الدولية في السنوات الأخيرة في
هذا المجال ترتكز على هذا الجانب من عملية الحماية و تكريس له الاهتمام الكافي كما
تم في اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية
("تريبس") والتي تعتبر إحدى الاتفاقيات الرئيسية التي تديرها منظمة
التجارة الدولية. حتى ظهور هذه الاتفاقية عام 1994, كانت معظم الجهود الدولية في هذا المجال و
الاتفاقيات الناجمة عنها تركز على القواعد و المعايير الموضوعية لحق المؤلف و غيره
من حقوق الملكية الفكرية إلى أن انتبهت الدول بأن ذلك لا يكفي وأن انفاذ حقوق
الملكية الفكرية لا يقل أهمية عن تقريرها و الاعتراف بها.
أحد أهم ما يميز تريبس عن غيرها من الاتفاقيات الدولية حول الملكية
الفكرية، هو احتوائها على فصل خاص يضم الأحكام و القواعد الملزمة للدول الأعضاء
فيما يتعلق بتنفيذ حقوق الملكية الفكرية. هذا الفصل يضم أحكاما و اجراءات تعتبرها
تريبس ضرورية لأصحاب الحقوق لتنفيذ حقوقهم، إضافة لإجراءات معينة للحيلولة دون
اساءة استخدام اجراءات التنفيذ من قبل أشخاص معنيين مما يشكل بحد ذاته عرقلة
لاستخدام و استثمار أصحاب الحقوق لحقوقهم. تريبس تصنف الأحكام المتعلقة بالتنفيذ
على الشكل التالي: الالتزامات العامة، الاجراءات و الجزاءات المدنية و الادارية،
الاجراءات الاحتياطية أو التدابير المؤقتة، المتطلبات الخاصة بالتدابير الحدودية
والاجراءات الجنائية.
حيث أن القواعد التي تنص عليها تريبس فيما يتعلق بانفاذ حقوق الملكية تمثل
الحدود الدنيا من الإجراءات التي يفترض بالقضاء و الأجهزة المتصلة أو الملحقة به
أن تقوم بها من أجل ضمان انفاذ و حماية فعاليين لحقوق الملكية الفكرية ولأصحابها
فقد أصبحت تمثل معاييرا وحدودا دنيا يفترض بأي قضاء لأي دولة عصرية الالتزام بها.
فيما يلي سنقوم بالإضاءة على هذه المعايير و الحدود الدنيا من الإجراءات هذا مع
العلم بأن معظمها منصوص عنها في قوانين الملكية الفكرية أو قوانين المرافعات
العامة و التنفيذ و القوانين المتصلة بها في معظم الدول العربية ومنها سورية. ومع ذلك فإن بعض هذه المعايير و الحدود الدنيا غير متوفرة
أو منصوص عنها في القوانين المذكورة أو أنها موجودة ولكن بشكل غير كامل و هي بحاجة
للتعديل و
التطوير.
3. معايير و إجراءات
الانفاذ الفعال لحقوق الملكية الفكرية
1. المعايير العامة
الدور الرئيسي الذي يلعبه القضاء والأجهزة التابعة له
فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية وإنفاذها يظهر بشكل رئيسي من خلال تصدي
القضاء للاعتداء على هذه الحقوق التي تأخذ أشكالا مختلفة تتدرج من تقليد العمل و
قرصنته أو استغلاله ماديا من دون إذن صاحبه وبدون دفع أي مقابل مثل القيام بطبع
كتاب وبيعه دون إذن صاحبه, أو أداء قطعة موسيقية أو أغنية بدون إذن صاحبها بشكل
علني. ويدخل أيضا ضمن أشكال الاعتداء النسخ أو التحوير أو الترجمة أو غيره لعمل ما
بدون إذن صاحبه, ومن أشكال الاعتداء ما هو نتيجة للتقدم التقني و التكنولوجي مثل
نسخ أعمال محمية كالأغاني من الإنترنيت. والقضاء والأجهزة التابعة له, مثل الضابطة العدلية, يفترض بها أن تتصدى لهذه الاعتداءات وتقرر الحقوق
لأصحابها وتوقف الاعتداء و تعوض صاحب الحق عن الخسارة التي لحقته من جراء الاعتداء.
ليس من الضروري تأسيس محاكم خاصة للنظر في قضايا الملكية الفكرية أو دوائر
تنفيذية مستقلة لتنفيذ الأحكام و الحقوق المتصلة بالملكية الفكرية من أجل أن
يقوم القضاء والأجهزة التابعة له بوظيفه. أما على مستوى الضابطة العدلية المعنية برقابة تنفيذ حقوق الملكية
الفكرية و بضبط المخالفات و التعديات الواقعة عليها، فقد دلت التجارب
المطبقة في بعض الدول على أنه من المفيد لنجاح عمليات الضابطة العدلية أن يتم تشكيل وحدات خاصة لضبط التعديات على
حقوق الملكية الفكرية يتم فيها تجميع الخبرات اللازمة وتدريب الأشخاص على
المهارات الخاصة المطلوبة لضبط تعديات الملكية الفكرية مثل ضبط التعديات على برامج
الكومبيوتر وغير ذلك مما يتطلب بعض التدريب و المعرفة بهذه المجالات.
الدعاوى والإجراءات القضائية المتعلقة بانفاذ
الإجراءات العامة التي يفترض بالنظام القضائي في أي دولة حديثة النص عليها
والهادفة و الهادفة لتسهيل اتخاذ
تدابير فعالة ضد أي تعد على حقوق الملكية الفكرية التي تعطيها القوانين الموضوعية
و تشمل الإجراءات
السريعة لمنع التعديات
و الجزاءات التي تشكل رادعاً لأي تعديات أخرى مستقبلية وهذه الاجراءات يفترض أن
تطبق بالأسلوب الذي يضمن تجنب إقامة حواجز أو عراقيل أمام أصحاب الحقوق لاستخدام
حقوقهم أو أمام التجارة المشروعة كما أن
الاجراءات يجب أن تتضمن ضمانات ضد إساءة استعمالها. إضافة لذلك، فإن الاجراءات يجب
أن تكون منصفة وعادلة ولايجوز أن تكون معقدة أو باهظة التكاليف بصورة غير ضرورية،
و لا أن تنطوي على مواعيد أو حدود زمنية غير معقولة أو تأخير لاداعي له. القرارات
الادارية النهائية المتخذة بصدد حقوق أو اجراءات الملكية الفكرية، يجب أن يتاح
المراجعة فيها و الطعن أمام سلطة قضائية، ومع ذلك فإنه من غير الملزم إيجاد طريق
للطعن في الأحكام الجزائية التي تم بنتيجتها تبرئة المتهمين في القضية. القانون يجب
أن يخول السلطات القضائية
صلاحية أن تأمر أي طرف معين بالامتناع عن التعدي على حق من حقوق الملكية الفكرية،
من بين أمور أخرى، بغية منع دخول سلع مستوردة تنطوي على هذا التعدي حال انجاز
التخليص الجمركي لهذه السلع الى القنوات التجارية.
الدعاوى والإجراءات القضائية المتعلقة بانفاذ حقوق الملكية الفكرية تستهدف ضمان وجود الحدود
الدنيا من القواعد الأساسية التي تكفل فعالية تنفيذ هذه الحقوق، وهذه والإجراءات هي نفسها تقريباً التي يفترض بالقانون و
النظام القضائي لأي بلد توفيرها مابصدد تنفيذ وإنفاذ جميع القوانين و الحقوق فيه، وليس فقط حقوق
الملكية الفكرية.
2. الإجراءات
الاساسية لانفاذ حقوق الملكية الفكرية
فيما يلي سوف نعرض الإجراءات الأساسية التي يفترض بالقضاء أن يقوم بها
والتي تنص عليها عادة قوانين الملكية الفكرية وكما ذكرنا أعلاه أصبحت هذه الإجراءات
حاليا تمثل الحدود الدنيا المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق
المؤلف وعلى رأسها التريبس.
أ. الاجراءات التحفظية
يخول القانون السلطات القضائية صلاحية الأمر بإتخاذ تدابير تحفظية مؤقتة فورية وفعالة
لتحقيق هدفين: (1) للحيلولة دون حدوث تعدٍ على أي حق من حقوق الملكية الفكرية، لا
سيما منع السلع بما فيها السلع المستوردة فور تخليصها جمركياً من دخول القنوات
التجارية القائمة في مناطق اختصاصها و(ب) لصون الادلة ذات الصلة فيما يتعلق
بالتعدي المزعوم. هذه الاجراءات التحفظية يمكن أن تتخذ عند الحاجة، دون علم الطرف
الآخر إذا كان من المرجح أن يسفر أي تأخير عن إلحاق أضرار يصعب تعويضها بصاحب الحق
حين يكون هناك احتمال لضياع الأدلة. بشكل عام، هذه التدابير التحفظية تهدف لحماية
مصالح وحقوق صاحب الحق بسرعة عندما لا يكون من الممكن الانتظار حتى تنتهي
الاجراءات القضائية العادية التي يمكن أن تطول.
حين تتخذ تدابير مؤقتة
دون علم الطرف الآخر، تخطر الأطراف المتأثرة من جراء ذلك دونما تأخيـر عقب تنفيذ
التدابير على أبعد تقدير. ويجرى استعراض بناء على طلب المدعى عليه، مع حقه في عرض
وجهة نطره، بغية اتخاذ قرار في غضون فترة معقولة عقب الاخطار بالتدابير المتخذه
بشأن تعديل تلك التدابير أو الغائها أو تثبيتها. كما يجب أن
يعطي القانون للسلطات القضائية صلاحية أن تطلب من المدعي تقديم أي أدلة معقولة لديه لكي تتيقن
بدرجة كافية من أن المدعي هو صاحب الحق وأن ذلك الحق متعرض للتعدي أو على وشك التعرض
لذلك. ويجب أن ينص
القانون, من أجل منع التعسف في استعمال الإجراءات أن ينص على إلغاء التدابير المتخذة بناء على طلب المدعى عليه، أو يوقف مفعولها ان لم تبدأ
الاجراءات المؤدية لاتخاذ قرار بصدد موضوع الدعوى في غضون فترة زمنية معقولة
تحددها قوانين الملكية
الفكرية أو قوانين أصول المرافعات العامة و هذه الفترة عادة لا تتجاوز 20 يوم عمل أو 31 يوما. أيضا يجب أن
يعطي القانون للسلطات القضائية، حين تلغى التدابير المؤقتة المتخذة أو تنقضي مدة
سريانها نتيجة اجراء أو اهمـال من جانب المدعي أو حين يتضح لاحقا عدم حدوث أي تعد
أو احتمال حدوث أي تعد على حق من حقوق الملكية الفكرية، صلاحية أن تأمر المدعي
بناء على طلب المدعى عليه بدفع تعويضات مناسبة للمدعى عليه عن أي ضرر لحق به نتيجة
هذه التدابير. أيضا يجب أن
يعطي القانون السلطة القضائية صالحية أمر المدعي بتقديم ضمانة أو كفالة معادلة بما يكفي
لحماية المدعى عليه وتعويضه في حال ظهور أنه كان على حق ولمنع اساءة استخدام
التدابير التحفظية كما كما أنه من
المفترض تطبيق ذات الاجراءات والضمانات على التدابير التحفظية التي يمكن أن يتم
اتخاذها إدارياً.
الإنفاذ الفعال لحق المؤلف يستوجب أن يكون
بمقدور السلطة القضائية أن تأمر أولا بوقف التعدي الواقع على حق من حقوق المؤلف
على سبيل الاحتياط ريثما تنتهي من النظر في النزاع, وبعد ذلك أن تأمر بوقف هذا
التعدي نهائيا و أمر المعتدي من الامتناع عن أي تعد مستقبلي أو جديد على الحق
المعني. و وقف التعدي نهائيا يأخذ أشكالا عديدة بحسب نوع التعدي. مثلا, إذا كان
التعدي يأخذ شكل طبع و توزيع مطبوعة محمية بدون اذن صاحب حق استغلالها, وقف التعدي
يكون بأن تأمر المحكمة بوقف التوزيع أو الطبع, في حالة أنه لم ينتهي, والأمر
بإتلاف النسخ المقلدة ومصادرة الأوراق والمواد المستخدمة في التعدي.
ب. التعويض المدني للمتضررين عن أعمال التعدي
إضافة لوقف التعدي و الأمر بالامتناع عن أي تعد
مستقبلي يجب أن يكون للمحكمة صلاحية الحكم على المعتدي بتعويض صاحب الحق بشكل
مناسب عن الضرر الذي لحق به بسبب التعدي إضافة للمصروفات التي تكبدها بسبب هذا
التعدي و استرداد الأرباح التي جناها المعتدي من اعتدائه أو فوات الربح على صاحب
الحق من جراء عدم تمكينه أو تفويت الفرصة عليه لجني ثمار استغلال حقوقه المالية في
العمل المعتدى عليه.
ت. الاجراءات الجنائية
يجب أن ينص القانون على جزاءات وإجراءات جنائية على الأقل في حالات انتحال حقوق المؤلف، خاصة
حين تتم هذه التعديات عن عمد وعلى نطاق تجاري. الجزاءات والإجراءات الجنائية يجب
أن تشمل الحبس أو/و الغرامات المالية بما يكفي لتوفير رادع يتناسب مع مستوى
العقوبات المطبقة فيما يتعلق بالجرائم ذات الخطورة المماثلة
3. إجراءات
غير متوفرة أو لا تطبق بشكل فعال في الدول العربية
هناك إجراءات معينة متصلة بانفاذ حقوق الملكية
الفكرية, وغيرها من الحقوق, غير متوفرة بشكل كامل في قوانين الكثير من الدول
العربية, حيث أن لا قوانين الملكية الفكرية ولا قوانين المرافعات والإجراءات
القضائية بشكل عام تنص عليها, أو تنص عليها ولكن
لايتم تطبيقها وتنفيذها من قبل المحاكم بشكل فعال. هذه الإجراءات أصبحت من ضمن
المعايير التي تنص عليها أو توصي بها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة, وبشكل خاص
اتفاقية تريبس. فيما يلي سوف نعرض
سريعا لأهم هذه الإجراءات:
أ. حماية المعلومات السرية المقدمة
خلال الإجراءات
أ) حماية
المعلومات السرية وعلنية الجلسات
الكثير من النزاعات و الإجراءات
القضائية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية تنطوي على تقديم معلومات سرية أمام
المحاكم أو الهيئات و الإدارات المختصة. هذا ناجم عن طبيعة حقوق الملكية الفكرية,
حيث أنها تتصل بمخترعات أو منتجات حديثة تتصف بالسرية في الكثير من الأحيان. يجب
على القانون أن يوفر الإجراءات والوسائل لتحديد المعلومات السرية المقدمة خلال الإجراءات
القضائية والتنفيذية وحمايتها.
معروف أن مبدأ علنية
جلسات المحاكم بشكل عام أصبح مبدأ دستوريا تعترف به وتقره دساتير معظم الدول منها
العربية.ولكن قوانين أصول المحاكمات والمرافعات تنص عادة على استثناءات محددة لهذا
المبدأ حيث يمكن للمحكمة أن تقرر جعل المحاكمة سرية. الأسباب التقليدية لهذا
الاستثناء عادة ما يتم حصرها بحماية النظام والآداب العامة أو حرمة الأسرة وحماية المعلومات السرية المتصلة بدعوى من
دعاوى الملكية الفكرية ليست من حيث المبدأ من متطلبات النظام العام أو حماية
الأسرة. ونظراً لأهمية مسألة حماية المعلومات السرية أثناء الإجراءات القضائية
فإنه من الموصى به أن يتم النص على إجراءات وقواعد لتحديد ماهي المعلومات السرية
واجبة الحماية و كيفية إجراء هذه الحماية وتعديل النصوص المتعلقة بعلنية الجلسات
لجعلها تنص على إمكانية عقد جلسات سرية إذا قررت المحكمة ذلك لحماية المعلومات
السرية، خاصة وأن حماية هذه المعلومات له أيضاً أهمية كبيرة مثل أهمية حماية
النظام العام أو الأسرة التي تجيز عقد جلسات سرية.
ب) حماية
المعلومات السرية وإجراءات الإثبات
للسلطات القضائية
صلاحية، حين يقدم طرف في خصومة معينة أدلة معقولة تكفي إثبات أن أي من الأدلة
المتصلة بإثبات أي من مطالباته يخضع لسيطرة الطرف الخصم، في أن تأمر الخصم في
تقديم هذه الأدلة. القوانين العربية بشكل عام الحالي تطبق القاعدة المذكورة أعلاه
على الأدلة الكتابية (المحررات)، حيث أنها تنص على إجراءات معينة يمكن للخصم من
خلالها أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده. وهذا
الطلب مشروط بحالات معينة كأن يجيز القانون للخصم المطالبة بالمحرر أو أن يكون
المحرر مشتركاً بين الخصمين أو أن يستند إليه الخصم في أي مرحلة من مراحل الدعوى.
هذه الإجراءات، يجب أن تكون مشروطة بحماية المعلومات السرية التي قد تتضمنها
المحررات التي قد يتم إلزام خصم معين في الدعوى لإبرازها أمام المحكمة.
ب. تعويض المدعى عليه وضمان هذا التعويض
قوانين معظم الدول
ومنها العربية تنص على إمكانية تعويض المدعى عليه في الإجراءات القضائية المتخذة
لإنفاذ أو تنفيذ حقوق الملكية الفكرية أو غيرها, عن الضرر الذي يلحقه من هذه
الإجراءات ظلماً و ويهدف هذا أيضا لضمان منع إساءة استخدام الإجراءات القضائية بشكل
عام. لذلك يجب أن يكون الطرف الذي اتخذت إجراءات قضائية بناء على طلبه لإنفاذ حقوق
الملكية الفكرية وأساء استعمال هذه الإجراءات ملزما بأن يدفع للطرف الذي اتخذت هذه
الإجراءات ضده على سبيل الخطأ، التعويضات الكافية لتعويضه عن الأضرار التي لحقت به
بسبب تلك الإساءة. ويجب أن يكون للسلطات القضائية أن تأمر المدعى عليه بدفع
المصروفات التي تكبدها المدعى عليه ويمكن أن يشمل ذلك أتعاب المحامي المناسبة. فقط
الهيئات العامة والمسؤولين الرسميين المعنيين بتنفيذ قوانين الملكية الفكرية يمكن
أن يعفوا من اتخاذ أي إجراءات جزائية بحقهم نتيجة اتخاذهم إجراءات معنية خاطئة
لتنفيذ قوانين الملكية الفكرية عندما يتخذون هكذا إجراءات بحسن نية. وكذلك تنص
القوانين على ضمانات مشابهة للحيلولة دون إساءة استخدام الإجراءات القضائية والتنفيذية
وذلك فيما يتعلق بالإجراءات الاحتياطية الممكن اتخاذها لحماية حقوق الملكية
الفكرية.
النقد الذي يمكن أن
يوجه للقضاء العربي بشكل عام في هذا المجال أنه لا يأخذ دائما مسألة تعويض المدعى
عليه في الحالات المبينة أعلاه بالجدية الكافية وكذلك لا يتم تقدير قيمة الضمانات
والكفالات التي يتم فرضها أحيانا لضمان هذه التعويضات, كما في حالة الإجراءات
الاحتياطية, بشكل واقعي وكافي لتعويض المدعى عليه.
4. خلاصة
تأمين حماية فعالة
لحقوق الملكية الفكرية يقوم على ركنين أساسيين, الأول هو تأمين القوانين الحديثة
التي تعترف بهذه الحقوق وتنظمها والثاني هو تأمين الإنفاذ الفعال لهذه الحقوق
لصالح أصحابها عن طريق تطبيق القوانين الموضوعية من قبل الأجهزة القضائية والأجهزة
المعنية الأخرى. إن دور القضاء هو الأهم في عملية الحماية, لذلك لا غنى لأي دولة
تسعى لتأمين حماية فعالة لحقوق الملكية الفكرية من الاهتمام إلى جانب تحديث
القوانين بعملية تطبيق هذه القوانين عن طريق دعم دور القضاء والأجهزة المعنية
الأخرى.
إرسال تعليق