البحث الأول: ماهية مبدأ سلطان الإرادة
المطلب الأول:تعريف مبدأ سلطان الإرادة:
سبق القول أن العقد توافق بين إرادتين أو أكثر على إحداث اثر قانوني إذ أن أساس العقد هو الإرادة المشتركة لطرفيه فمبدأ سلطان الإرادة هو توافق إرادتين لإنشاء العقد و أن المتعاقدين هي التي تحدد من الالتزامات التي يرتبها العقد و هذا يعني أن كل الالتزامات ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة و أن هذه الإرادة هي التي تحدد ما يترتب على الالتزام من آثار قانونية و يترتب عن هذا وجوب احترام حرية المتعاقدين و القوة الملزمة للعقد المستمدة من مشيئة المتعاقدين فلا يجوز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاقها فلا يتدخل المشرع أو القاضي في هذا العقد إلا في حالات خاصة.
المطلب الثاني:نشأة و تطور مبدأ سلطان الإرادة:
لم تعرف الشرائع القديمة كالقانون الروماني أو القانون الكنسي مبدأ سلطان الإرادة و لم يصل هذا المبدأ إلا بعد تطور طويل خاصة فيما يتعلق الإرادة في حد ذاتها لإنشاء التصرف دون ضرورة أن يأتي في شكل أو في آخر.
ففي القانون الروماني لم يكن يكفي لإبرام العقود توافق الإرادتين بل كان لا بد من القيام بإجراءات شكلية تنعقد العقود , و سادت هذه الفكرة القانون الروماني في عصوره المختلفة رغم ظهور الرضائية التي يكفي توافق الإرادتين لإنقاذها و بعد سقوط الدولة الرومانية و خلال العصور الوسطى كانت الكنسية أكبر عون له إذ تنادي باحترام العهود و المواثيق إذ قررت أن كل اتفاق يكون ملزما و لو تجرد من الشكلية ففي القرن 17 أوضحه المذهب الفردي فكان سبب ازدهار مبدأ سلطان الإرادة و ذلك من خلال تبجيله واحترامه للفرد و اعتبار محور القانون و أساسه إذ يقول أحد الفقهاء و هو الفقيه لوازيل " إن الأبقار تقيد من قرونها و الرجال يقيدون من ألسنتهم "(1) بلغ أوجه في القرن التاسع عشر.
أما في العصور الحديثة فإن مبدأ سلطان الإرادة اهتز بظهور المذهب الاجتماعي الذي حمل معه فلسفة جديدة بإغراء أنصاره في تمجيد الإرادة بكل استخفاف بالعقل و المنطق من هنا يرى أنصار المذهب الاجتماعي أن أساس القوة الملزمة للعقد يرجع إلى ضرورة الإنتاج و التوزيع التي تحتم إبرام العقود و ضرورات الاستقرار في التعامل فالإرادة في حد ذاتها أعمال النظام القانوني الذي أنشأه التاريخ لهذه الغرض فالإنسان كما يرى الفقيه "دي جي")يستطيع بإرادته وحدها أن يتحكم في حركات جسمه) و بتأثير المذاهب الاشتراكية التي أرجعت العقود الملزمة للعقد إلى القانون حيث يستهدف تحقيق مصلحة المجتمع و استقرار المعاملات و الأخذ بمبدأ وجوب الوفاء بالعقد كأساس أخلاقي يقوم عليه القانون و من هنا فإن للقانون أن يضع قيودا على حرية التعاقد إذا ظهرت اعتبارات اجتماعية تتطلب ذلك لتحقيق المصلحة الجماعية و خاصة الحالات التي لا تتحقق فيها المساواة فعلية بين طرفي العقد كما في العلاقة بين أصحاب العمل و العمال فظهرت العقود الموجهة و العقود الجبرية و خول للقاضي سلطة تعديل العقد في بعض الحالات فالإرادة يمكن أن تنشئ العلاقة القانونية لكن في حدود القانون كما ربط المشرع الجزائري ما بين الإرادة و القانون (العقد شريعة المتعاقدين)
المبحث الثاني: النتائج و القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة
المطلب الأول: نتائجها
و تترتب على مبدأ سلطان الإرادة عدة نتائج هي:
1- الالتزامات الإرادية هي الأصل:
لا يلزم الشخص بحسب الأصل إلا بإرادته, و إذا اقتضت حاجات المجتمع في بعض الأحوال إنشاء التزامات تفرض عليه بالرغم من إرادته, فيجب حصر هذه الحالات في أضيق الحدود, فتقرير الالتزامات غير الإرادية لا يكون إلا استثناء إذ أن الفرد أعلم بما يحقق مصالحه, و لذا فالتزاماته الإرادية تكون عادلة بالضرورة إذ أنه تحمل هذه الالتزامات بإرادته.
2- حرية التعاقد:
إرادة الفرد وحدها تكفي لإبرام العقود, و بالتالي تستطيع هذه الإرادة إنشاء الالتزامات العقدية , دون قيد على حرية الإنسان الكاملة و لا يحد من هذه الحرية سوى اعتبارات النظام العام و حسن الآداب,( لا إجبار عليه في أن يدخل في رابطة عقدية لا يرغبها).
3-* الحرية في تحديد آثار العقد:
إذ دخل شخصان في رابطة عقدية , فإن لهما كامل الحرية في تحديد آثار هذه الرابطة, فلا يلتزم على كل منهما إلا بما أراد الالتزام , فكل ما أراده يترتب على العقد الذي تم بينهما, فالفرد حر أن يتعاقد وفقا لما يريد و بالشروط التي يرتضيها.
4-* العقد شريعة المتعاقدين:
و المقصود بذلك أن العقد يلزم المتعاقدين كما يلزمهما القانون, لذا فلا يمكن لأي منهما الإنفراد بتعديل العقد أو إنهائه و كذلك لا يجوز للقاضي أن يقوم بذلك.
المطلب الثاني : القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة :
بيان هذه القيود
1. القيود على حرية التعاقد و عدم التعاقد :
إذا كان منطق سلطان الإرادة يقضي بحرية الفرد في التعاقد و حريته في عدم التعاقد إلا أنه وردت القيود الآتية على هذه النتيجة و يتمثل ذلك في:
أ. حرية التعاقد تجد قيدا خطرا في النظام العام و الآداب, فإذا ما أبرم عقد يخالف النظام العام و الآداب في المجتمع فإنه يكون باطلا بطلانا مطلقا أي لا أثر له, و هذا القيد موجود منذ زمن بعيد, ففكرة النظام العام هي نسبية و متطورة فإننا نجد في أي الوقت الحاضر توسعا كبيرا في نطاقها, خاصة كلما ساد الاتجاه الاشتراكي في الدولة يزداد النظام العام اتساعا.
ب. حرية عدم التعاقد قد قيدت،فظهرت صورة العقود الجبرية، التي يجبر الشخص على إبرامها عقود التأمين الجبرية من المسؤولية عن حوادث السيارات، و عقود إيجار الأماكن السكنية، و من القيود الجبرية أيضا إلزام الإرادة التشريعية في بعض الأحوال، الأشخاص أو الهيئات التي تقدم الخدمات للجمهور أو تبيع السلع ففي كل الحالات السابقة يكون العقد مفروضا لا يستطيع المتعاقد رفضه.
2. القيود على حرية تحديد آثار العقد :
أ) كان من تأثير الأفكار الاشتراكية، أن قامت القوانين بتحديد تلك الآثار في بعض العقود بقواعد آمرة، و من ذلك عقد العمل تحديدا يكاد يكون شبه كامل، و كذلك أيضا بالنسبة لقد الإيجار فقد نظمت القوانين علاقة المستأجر و المؤجر.
ب) و فيما يتعلق بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، فقد أجازت القوانين الحديثة تدخل المحاكم في كثير من الإحالات لتعديل بنود العقد أو لإعفاء أحد طرفي العقد من بعض الشروط، أو لإنهائه بناءا على على طلبه، و من ذلك نص القانون المدني الجزائري على تحويل القاضي سلطة إعادة النظر في التزامات المتعاقدين إذا وقعت أثناء تنفيذ العقد ظروف طارئة غير متوقعة من شأنها جعل التزامات أحدهما مرهقة و هي نظرية الظروف الطارئة مادة (107/3) و من ذلك أيضا إعطاء سلطة القاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان مادة (110)قانون المدني
إرسال تعليق