ذا ماتوافرت الشروط السابقة الذكر في كل من متولي الرقابـة والخاضع لهـا فإن مسؤوليـة متولي الرقابـة بالشكل الذي تناولناه ، وبالتالي تترتب عنهـا آثار وهي تعويض الضحيـة ، ولكن ماأساس هذه المسؤوليـة ؟ وماذا يثبت المتضرر لكي يحصل على هذا التعويض المدني ؟ هذا ماسنحاول الإجابـة عليهـه ضمن هذا المبحث .
لقد كانت المادة 134 قبل تعديل القانون المدني بموجب القانون المذكور 05-10 تحتوي على فقرة واحدة ( وهي تقرير المبدأ العام لمسؤوليـة متولي الرقابـة ) وكانت وسائل نفي المسؤوليـة مدرجـة في الفقرة الثانيـة من المادة 135 قبل إلغائهـا .
ولكن التعديـل المذكور – وحسنـا فعل – قام عند تقرير المبدأ العام بتقرير وسائل نفي المسؤوليـة وهو ماينسجم مع المنطق القانوني .
وتنص الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة على مايلي " ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابـة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه، ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة )
ومن هنا سوف نتناول أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا وسائـل دفعهـا في مطلبيـن .
المطلب الأول : أساس مسؤوليـة متولي الرقابــة
لقد أجمع الفقه أن أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة هو الخطأ المفترض في واجب الرقابـة .
وهذا ماأكده الكثيرون من بينهم الدكتور جلال حمزة عندما إعتبر أن مسؤوليـة متولي الرقابـة تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانبـه ، فإذا أوقع الخاضع للرقابـة ضررا بالأخريـن إفترض خطأ متولي الرقابـة الذي يتمثل في الإخلال بما يجب عليه من واجب الرقابـة والتربية السليمـة ، فالإفتراض يكمن في عدم قيام متولي الرقابـة بهذا الواجب بما ينبغي عليه من العنايـة والرعايـة اللازمين .[1]
فمن خلال إستقراء المادة 134من القانون المدني ،والتي كما ذكرنا تعتبر المبدأ العام المقرر لمسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة بعد التعديل نجدها أنها تفترض إلتزاما على عاتق المكلف بالرقابـة برعاية وتربية الشخص الخاضع لها ، وذلك بجعلـه يمتنع أو يحجم عن إتيان الأفعال السيئة وكذا الضارة بالغير ، ومن هذا المنطلق فهي قائمة على قرينـة الخطأ المفترض في هذا النص القانوني أي " قرينـة على إهمال تربية ورعايـة من يتولى رقابتهم ورعايتهم والإشراف عليهم لاسيما الأب إذا كان على قيد الحياة .
وهذا ماأكده المجلس الأعلى في قرار مؤرخ في في 02/03/1983 تحت رقم30064 فبين القرارعلى أن مسوؤلية الأب تقوم على أساس خطأ مفترض فيـه ، أنه أهمل مراقبـة وتربيـة ولده ، ولاتسقط هذه القرينـة إلا إذا أثبت الأب أنه قام بواجب الرقابـة والرعايـة والتوجيـه ، وأن إرتكاب هتك العرض من قبل ولد قاصـر مميز يثبت بصفـة قطعيـة إهمال الأب في تربيـة إبنه .[2]
وسنتناول الخطأ المفترض كأساس لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة ، وكذا نوع مسؤوليـة متولي الرقابـة وطبيعتها القانونيـة كما يلـي :
الفرع الأول : الخطأ المفترض
إن المسؤوليـة المدنيـة تقوم بصفـة عامـة على ثلاث أركان أساسيـة ألا وهي الخطأ والضرر ، وعلاقـة السببية بينهمـا، وتبعا لذلك فالخطأ المفترض Faute présumée في واجب الرقابـة هو أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة في القانون المدني الجزائري ، إذ أن هذا الخطأ يقوم على قرينـة الإخلال بواجب الرقابـة .
فلقد عرف الخطأ بأنه إنحراف في سلوك الشخص مع إدراكه بهذا الإنحراف [3] ، فقد إختلف الفقـه حول تحديد فكرة الخطأ فالبعض عرفـه بأنه عمل ضار مخالـف للقانون ، والبعض الآخر عرفـه أنه إخلال بإلتزام قانوني سابق كما قبل أنه إعتداء على حـق ، ويرى البعض الآخر أنه الإخلال بالثقـة المشروعـة وقبل أيضـا أنه إنتهاك لحرمـة حق لايستطيع من إنتهكت حرمته أن يعارضه بحق أقوى أو بحق مماثل ، كما عرف كذلك بأنه إخلال بواجب .
غير أن التعريـف الذي إستقر عليه الفقه والقضاء هو الإنحراف عن سلوك الرجل المعتاد مع إدراك الشخص لذلك .
لذلك فإن الخطأ يقوم على عنصريـن هاميـن :
العنصر الأول :عنصر المادي والذي يتمثل في الإنحراف والتعدي La Culpabilité .
والعنصر الثاني : وهو العنصر المعنوي والذي يتجسد في الإدراك Le discernement ou imputabilité
أولا: التعدي : إن التعدي هو الإخلال بإلتزام قانوني ينصب على عدم الإضرار بالغير أو هو كل إنحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فهو تجاوز للحدود الذي يجب على الشخص إلتزامها في سلوكـه ، ذلك أن القانون بفرض بطريق مباشر وبنصوص خاصـة واجبات معينـة تلزم المكلف بالقيام بهـا .
ثانيا : العنصر المعنوي : وهو الإدراك : وهو ضرورة القصد أو على الأقل التمييز ، فيجب لقيام الخطأ التقصيري كأن يكون من وقعت منه أعمال التعدي مدركـا لهـا .
وبالرجوع دائما إلى نص المادة 134 كما سبق بيانها والتي تلقي على عاتق المكلف بالرقابـة إلتزاما إما برعايـة وتربيـة هذا القاصر أو الشخص الذي فرضته حالت العقليـة أو الجسديـة شملـه برقابـة غيره .
فإذا ما أضر المشمول بالرقابـة بالغير يفترض في الرقيب تقصيره في إلتزامـه بالرقابـة والرعاية والتربيـة ، وهي مسؤوليـة مفترضـة قائمـة على خطأ مفترض أساسها قرينـة الخطأ التي يفترضها القانون في المكلف بالرقابـة وتبعا لذلك فهي قرينـة قابلـة لإثبات العكس كما سبق بيانه .
فيفترض أن متولي الرقابـة قد قصر في رقابته ، وهذا المضمون يتفق مع المعيار العام للخطأ الشخصـي الذي نجد فيه إنحراف عن مسلك الرجل المعتاد ، إذا وجد في نفس الظروف التي يوجد فيها الشخص المسؤول .[4]
كما أن هذه القرينـة المنصبة على الخطأ في الرقابـة فهي تقوم في جهة المكلف بالرقابـة غير أنه يجب على الدافع بها أن يثبت الخطأ في جهـة المشمول بالرقابـة إذا ماتمسك بها ضده المضرور .
كما أن القانون السوري فرضت كذلك على متولي الرقابـة إلتزاما برقابـة شخص تحت رقابته فإذا ما إرتكب هذا الشخص عملا غير مشروع – أو فعلا ضارا للغير – يفترض القانون أنه لم يقم بواجبه على أكمل وجـه بما يكفي من العنايـة[5] ومن هذا المنطلق فإن القانون يفترض فيه إهماله وتقصيره في رقابة من يقع تحت رقابته وإشرافـه وهذا حمايـة لمصلحـة المتضرر من هذا الفعل .
الفرع الثاني : طبيعة هذه المسؤوليـة
كما سبق لنا وأن أشرنـا فإن هذه المسؤوليـة إما أن تكون – كما أكد الفقهاء – مسؤولية تبعيـة أو أصليـة .
فمتى تكون أصليــة ومتى تكون تبعيـة ؟
البند الأول : مسؤوليـة متولي الرقابـة تعتبر مسؤوليـة أصليـة
أي أنها مسؤوليـة سخصيـة وتقوم على أساس خطأ الشخص في رقابـة القاصر تكون أصليـة عندما يكون المتسبب في الضرر قاصر غير مميز .
فمنهم من يرى [6] أن مسؤوليـة المكلف بالرقابـة ليست مسؤولية تبعيـة ، وإنما هي مسؤوليـة أصليـة ، أي أنه يسأل عن خطئـه هو، وليس عن خطأ الغير ، وذلك بالرغم من أن القانون المدني الجزائري قد عالج مسؤوليـة متولي الرقابـة تحت عنوان المسؤوليـة عن عمل الغير قبل التعديل وعن فعل الغير بعد التعديـل .
وليس فقط القاصر صغير السن بل كذلك عديم التمييز كأن يكون مجنونا أو معتوهـا وطبعا فهنا أيضا تكون مسؤوليته أصلية لايمكن الرجوع عليـه .
وتكون بالتالي مسؤولية هذا القاصر عديم التمييز للحالات المذكورة لأنها مسؤولية تبعيـة .
وهو كذلك ماذهب إليـه الأستاذ علي علي سليمان[7] بإرتباط مسؤولية متولي الرقابـة الأصليـة بغير المميز بقولـه " وأما عندنا فقد نصت المادة 134 ق.م جزائري المقابلـة للمادة 173 ق.م مصري على مسؤوليـة الرقيب عن الأضرار التي يسببها الموضوع تحت الرقابـة ، ولو كان غير مميز ، وعلى ذلك فإذا كان الموضوع تحت الرقابـة قد أحدث ضررا وهو مميزا ، وأثبت المضرور خطأه فإن الرقيب يكون مسؤولا عنه مسؤولية تبعيـة ، وأما إذا أحدث الضرر وهوغير مميز فإن مسؤوليـة الرقيب تكون أصليـة "
البند الثاني : مسؤوليـة متولي الرقابـة تبعيـة
وقد سبق وأن أشرنا إلى رأي الأستاذ علي علي سليمان بأن مسؤوليته تكون مسؤوليته تبعيـة إذا ماكان الخاضع للرقابـة شخصـا مميزا .
ويقول الدكتور جلال حمزة في هذا الشأن[8] بأنه إذا كان الخاضع للرقابـة مميز ، وأوقع ضررا بالغير ، فلا تتحقق مسؤوليـة متولي الرقابـة إلا إذا أثبت الخطأ في جانب الخاضع للرقابة وإعتبر هذا الأخير أنه مسؤول أصليا ويسأل متولي الرقابـة بإعتباره مسؤولا تبعيـا وأضاف بأنه يمكن للمضرور أن يرفع دعواه في مواجهـة أي منهمـا .
وهذه المسؤوليـة هي مسؤوليـة مفترضـة أي أن المشرع والقانون منحا وسائل لدفع ودرئها ودفعها عنـه .
المطلب الثاني : وسائل نفي مسؤوليـة متولي الرقابـة
لقد أقام المشرع مسؤوليـة متولي الرقابـة على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس ، حمايـة للضحيـة وحفاظا على حقه في تعويضه عن الضرر الذي لحق به وجبرا لـه لأنهه أمر صعب أن يثبت المضرور الخطأ والضرر والعلاقـة السببية بينهما ، أي إثبات أركان المسؤوليـة ككل، كما أن الأستاذ علي فيلالـي[9] يقول بأن المسؤوليـة المفترضـة على متولـي الرقابـة ، ومن هم في حكمـه هي مسؤولية شخصيـة أي أن العبرة بكون خطأ المسؤول المدني وليس بخطأ الفاعل ، كما تكون العبرة أيضا بعلاقـة السببيـة بين خطأ المسؤول المدني والضرر الذي لحق الضحيـة، والحاصل أن أحكام المادة 134 والمادة 135/1 مدني تعفي الضحيـة من إثبات الأمريـن ، ويضيف قائـلا بأن هنا تكمن حمايـة الضحيـة على حساب المسؤول كون إثبات خطأ هذا الأخير وعلاقـة السببيـة أمرين عسيرين خاصـة وأن المتسبب مادي في الضرر شخص آخر غير الشخص المسؤول مدنيـا من جهـة ، وقد يكون غير مميز من جهة أخرى.
إلا أن هذا الخطأ هو قابل لإثبات عكسـه ، ومن خلال هذا مكن القانون المسؤول أو المكلف بالرقابـة من وسائـل لنفي هذه المسؤوليـة عليه، الوسيلة الأولى هي إثبات واجب الرقابـة ، والوسيلـة الثانيـة هو أنه أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة ، وهذا ماسنتناولـه في الفرعيـن الأتييـن .
الفرع الأول :إثبات واجب الرقابــة
تنص المادة 134 الفقرة الثانيـة على مايلي " ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابـة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة "
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري خالف المشرع الفرنسي بأن خول للمكلف بالرقابـة وسيلتين لدفع هذه المسؤوليـة ، في حين أن القانون الفرنسي لايتيح للرقيب إلا وسيلة واحدة لدفع مسؤوليته ، وهي بإثبات عدم قدرته على منع وقوع الفعل الذي نتج عنه الضرر ، وذلك بنفي خطئـه المفترض ، في حين أن القانون الجزائري وكذلك المصري فنجد القانون منح فيهما وسيلتين لدفع المسؤوليـة وهي نفي الخطأ بإثبات عدم تقصيره في أداء واجبه في الرقابـة ، وأما الثانيـة فهي إثبات بأن الضرر كان لابد من وقوعـه .[10]
وقد سبق وأن أشرت في المبحث الأول أن أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة هو واجب الرقابـة الذي يفرض على القائم بـه مجموعـة من الإلتزامات إن صح التعبير كإحسان تربيته إذا ماكان متولي الرقابـة أبا أو أما [11].
وإثبات هذا الواجب يكون عن طريق نفي الخطأ المفترض الذي يعتبر قرينـة بسيطـة قابلـة لإثبات العكس كأن بثبت قيامه بهذا الواجب بما يكفي من العنايـة ، وأنه إتخذ كل الإحتياطات اللازمـة والمعقولـة لمنح الخاضع للرقابـة من الإضرار بالغير .
ولقد ذهب الدكتور السنهوري إلى إعتبار أنه لايكفي أن بثبت الأب أنه قام بواجب الرقابـة بإتخاذ الإحتياطات المعقولـة ، فلا يزال إفتراض أنه أساء تربية ولده قائمة في جانبه ، ولايلزم المضرور أن يثبت أن الأب أساء التربية بل الأب هو الذي يثبت أنه لم يسئ تربية ولده [12] ،لأنه لايكفي أن ينسب إلى الأب أو الأم عدم القيام بواجب الرقابـة فقط بل عدم الإساءة في التربيـة وعدم التقصير وحسن تهذيب أولادهم القصر.
ويتحدد مضمون الإلتزام بالرقابـة الذي ترتفع المسؤوليـة بموجبـه بإثبات القيام به وفقا للقاعدة العامـة ببذل عنايـة الرجل العادي في الملاحظة والرقابـة [13].
غير أن الأمر يختلف بالنسبة للمكلفين بالرقابـة إتفاقا كالمعلم أو المربي أو المشرف عن الحرفة ، فإذا ما أثبتوا أنهم قاموا بإتخاذ الإحتياطات المعقولـة لمنع المشمولين برعايتهم من الإضرار بالغير إنتفى الخطأ المفترض في الرقابـة .
وأحسن مثال هنا هو قرار ولد خدة المشهور المؤرخ في 03 مارس 1983 السالف الذكر .
ويقوم القاضي بتقدير كل الظروف المحيطـة في القضيـة وكذا لتحديد التدابير المتخذة من طرف القائم والمكلف بالرقابـة ومدى نجاعتها من أجل منع وقوع الضرر بالغير .
ويعتمد القاضي في تقديره على عدة عوامل منها على وجه الخصوص سن الخاضع للرقابـة ، والظروف الزمانيـة والمكانيـة والبيئيـة وخطورة النشاط أو الألعاب[14] إذا ماإرتكبت الضرر أثناء ممارسـة نشاطات رياضيـة مثلا .
الفرع الثاني : نفي علاقـة السببيــة بين الخطأ والضرر
فإذا ماتعذر على الشخص المكلف بالرقابـة نفي الخطأ المفترض أجاز له القانون أن ينفي كذلك علاقـة السببيـة المفترضـة[15] بين الخطأ والضرر ، كما أشارت إليـه الجملـة الأخيرة من الفقرة الثانيـة من المادة 134 ق.م " .. أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة ".
وهنا يقوم المكلف بالرقابـة بأن تعذر عليه دفع الضرر الصادر من الخاضع للرقابـة ، وذلك نتيجـة سبب أجنبي أو ظرف مفاجئ وكذا قوة قاهرة لاقبل لـه بردهـا أو خطأ شخص المتضرر في حد ذاته أو خطأ الغيـر .
فقد يدفع المكلف بالرقابـة بالظرف المفاجئ مثلا ، وذلك بأن يكون الحادث غير متوقع وحدث فجأة ، فلم يستطع منعه ولو قام بواجب الرقابـة كما يجب عليـه ، ويرى الأستاذ فيلالي في هذه المسألـة بأن القانون المقارن يظهر بأنه إعتمد بمثل هذا الظرف ، وبناءا عليـه إنتهت علاقـة السببيـة إذا أثبت أن الضرر كان لابد من وقوعـه ولو قام بواجبه .
إلا أن القاضي في أي حالة من الحالات المذكورة هو من يتولى تقدير ظروف وملابسات توافرها ، وتقدير ماإذا كان ظرف المفاجئـة أمرا متوقعا يترتب عنه نفي المسؤولية [16].
الفرع الثالث : مدى إمكانيـة رجوع المكلف بالرقابـة على الخاضع لهـا
إن أثر قيام مسؤوليـة متولي الرقابـة هو أن يصبح مدينا للمضرور بأداء تعويض لـه جبرا عن الضرر الذي لحقـه ، لكن السؤال الذي يطرح نفسـه هو أنه إذا ماتوافرت شروط هذه المسؤوليـة عن فعل الغير ، قام هذا الأخير ( المسؤول ) بأداء التعويض للمضرور ، فهل لـه أن يجرع على الخاضـع للرقابـة ؟
فيرى الدكتور بلحاج بأنه لايمنع قيام مسؤوليـة المكلف بالرقابـة من قيام مسؤوليـة الخاضع لهـا ، في حدود القواعـد العامـة ، وأنه للمضرور الرجوع على أحدهمـا أو عليهمـا معـا ، لأنهما متضامنان أمامـه ، فإذا دفع المسؤول أي المكلف بالرقابـة التعويض الذي حكم لـه بـه القاضي ، فلـه أن يرجع على المشمول بالرقابـة إذا كان مميز[17] ، أثناء إرتكابـه للفعل الضار ، وهذا بإعتباره مسؤولا مسؤولية تبعيـة كما سبق الإشارة إليـه ، أما إذا لم يكن الخاضع مميزا فلا يمكن الرجوع عليـه إذا ماسلمنا وإعترنا أن مسؤوليته أصلية .
وصفوة القول أنه من خلال كل الذي حاولت تناولـه بالتحليل والشرح أنه على إفتراض أن المشرع لم يلغ نص المادة 135 وبقيت ساريـة المفعول ، وتطبق في الميدان بكل ماتحملـه من عيوب فإن المشرع عندما عدل قانون الأسرة ومن ذلك المادة 87 منه لتأتي متماشيـة وهذا النص ، وكذا نصها في حالـة الطلاق وإنتقال الولايـة لمن أسنذت لـه الحضانـة على الأولاد القصر فإنه أزال عائقـا كبيرا أمام المتضرر الذي يريد متابعـة أحد الوالدين إلا أن سبب البعد أو الهجر ولاسيما الطلاق يحول دون ذلك فإنتقال الولايـة بالحضانـة يعني بالضرورة إنتقال الرقابـة وبإنتقالها تنتقل المسؤوليـة وتقوم كلما أحدث القاصر ضررا بالغير .
--------------
[1] - محمد جلال حمزة : المرجع السابق ص 182.
[2] - مجلة الإجتهاد القضائي ، قرار المجلس الأعلى نشر من طرف وزارة العدل ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 27.
[3] - بلحاح العربي : المرجع السابق ص 64.
[4] - العربي بلحاج : المرجع السابق ص 304.
[5] - جلال حمزة : المرجع السابق ص 171.
[6] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 304.
[7] - علي علي سليمان : المرجع السابق ص 20.
[8] - جلال حمزة : المرجع السابق ص 181.
[9] - فيلالـي : المرجع السابق ص 117.
[10] - علي علي سليمان : المرجع السابق ص 25.
[11] - السنهوري : المرجع السابق ص 1007.
[12] - المرجع السابق ص 1007.
[13] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 305.
[14] - فيلالي : المرجع السابق ص 118.
[15] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 306.
[16] - فيلالي : المرجع السابق ص 119.
[17] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 307
لقد كانت المادة 134 قبل تعديل القانون المدني بموجب القانون المذكور 05-10 تحتوي على فقرة واحدة ( وهي تقرير المبدأ العام لمسؤوليـة متولي الرقابـة ) وكانت وسائل نفي المسؤوليـة مدرجـة في الفقرة الثانيـة من المادة 135 قبل إلغائهـا .
ولكن التعديـل المذكور – وحسنـا فعل – قام عند تقرير المبدأ العام بتقرير وسائل نفي المسؤوليـة وهو ماينسجم مع المنطق القانوني .
وتنص الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة على مايلي " ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابـة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه، ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة )
ومن هنا سوف نتناول أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا وسائـل دفعهـا في مطلبيـن .
المطلب الأول : أساس مسؤوليـة متولي الرقابــة
لقد أجمع الفقه أن أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة هو الخطأ المفترض في واجب الرقابـة .
وهذا ماأكده الكثيرون من بينهم الدكتور جلال حمزة عندما إعتبر أن مسؤوليـة متولي الرقابـة تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانبـه ، فإذا أوقع الخاضع للرقابـة ضررا بالأخريـن إفترض خطأ متولي الرقابـة الذي يتمثل في الإخلال بما يجب عليه من واجب الرقابـة والتربية السليمـة ، فالإفتراض يكمن في عدم قيام متولي الرقابـة بهذا الواجب بما ينبغي عليه من العنايـة والرعايـة اللازمين .[1]
فمن خلال إستقراء المادة 134من القانون المدني ،والتي كما ذكرنا تعتبر المبدأ العام المقرر لمسؤوليـة متولي الرقابـة وكذا الفقرة الثانيـة من المادة المذكورة بعد التعديل نجدها أنها تفترض إلتزاما على عاتق المكلف بالرقابـة برعاية وتربية الشخص الخاضع لها ، وذلك بجعلـه يمتنع أو يحجم عن إتيان الأفعال السيئة وكذا الضارة بالغير ، ومن هذا المنطلق فهي قائمة على قرينـة الخطأ المفترض في هذا النص القانوني أي " قرينـة على إهمال تربية ورعايـة من يتولى رقابتهم ورعايتهم والإشراف عليهم لاسيما الأب إذا كان على قيد الحياة .
وهذا ماأكده المجلس الأعلى في قرار مؤرخ في في 02/03/1983 تحت رقم30064 فبين القرارعلى أن مسوؤلية الأب تقوم على أساس خطأ مفترض فيـه ، أنه أهمل مراقبـة وتربيـة ولده ، ولاتسقط هذه القرينـة إلا إذا أثبت الأب أنه قام بواجب الرقابـة والرعايـة والتوجيـه ، وأن إرتكاب هتك العرض من قبل ولد قاصـر مميز يثبت بصفـة قطعيـة إهمال الأب في تربيـة إبنه .[2]
وسنتناول الخطأ المفترض كأساس لقيام مسؤوليـة متولي الرقابـة ، وكذا نوع مسؤوليـة متولي الرقابـة وطبيعتها القانونيـة كما يلـي :
الفرع الأول : الخطأ المفترض
إن المسؤوليـة المدنيـة تقوم بصفـة عامـة على ثلاث أركان أساسيـة ألا وهي الخطأ والضرر ، وعلاقـة السببية بينهمـا، وتبعا لذلك فالخطأ المفترض Faute présumée في واجب الرقابـة هو أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة في القانون المدني الجزائري ، إذ أن هذا الخطأ يقوم على قرينـة الإخلال بواجب الرقابـة .
فلقد عرف الخطأ بأنه إنحراف في سلوك الشخص مع إدراكه بهذا الإنحراف [3] ، فقد إختلف الفقـه حول تحديد فكرة الخطأ فالبعض عرفـه بأنه عمل ضار مخالـف للقانون ، والبعض الآخر عرفـه أنه إخلال بإلتزام قانوني سابق كما قبل أنه إعتداء على حـق ، ويرى البعض الآخر أنه الإخلال بالثقـة المشروعـة وقبل أيضـا أنه إنتهاك لحرمـة حق لايستطيع من إنتهكت حرمته أن يعارضه بحق أقوى أو بحق مماثل ، كما عرف كذلك بأنه إخلال بواجب .
غير أن التعريـف الذي إستقر عليه الفقه والقضاء هو الإنحراف عن سلوك الرجل المعتاد مع إدراك الشخص لذلك .
لذلك فإن الخطأ يقوم على عنصريـن هاميـن :
العنصر الأول :عنصر المادي والذي يتمثل في الإنحراف والتعدي La Culpabilité .
والعنصر الثاني : وهو العنصر المعنوي والذي يتجسد في الإدراك Le discernement ou imputabilité
أولا: التعدي : إن التعدي هو الإخلال بإلتزام قانوني ينصب على عدم الإضرار بالغير أو هو كل إنحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فهو تجاوز للحدود الذي يجب على الشخص إلتزامها في سلوكـه ، ذلك أن القانون بفرض بطريق مباشر وبنصوص خاصـة واجبات معينـة تلزم المكلف بالقيام بهـا .
ثانيا : العنصر المعنوي : وهو الإدراك : وهو ضرورة القصد أو على الأقل التمييز ، فيجب لقيام الخطأ التقصيري كأن يكون من وقعت منه أعمال التعدي مدركـا لهـا .
وبالرجوع دائما إلى نص المادة 134 كما سبق بيانها والتي تلقي على عاتق المكلف بالرقابـة إلتزاما إما برعايـة وتربيـة هذا القاصر أو الشخص الذي فرضته حالت العقليـة أو الجسديـة شملـه برقابـة غيره .
فإذا ما أضر المشمول بالرقابـة بالغير يفترض في الرقيب تقصيره في إلتزامـه بالرقابـة والرعاية والتربيـة ، وهي مسؤوليـة مفترضـة قائمـة على خطأ مفترض أساسها قرينـة الخطأ التي يفترضها القانون في المكلف بالرقابـة وتبعا لذلك فهي قرينـة قابلـة لإثبات العكس كما سبق بيانه .
فيفترض أن متولي الرقابـة قد قصر في رقابته ، وهذا المضمون يتفق مع المعيار العام للخطأ الشخصـي الذي نجد فيه إنحراف عن مسلك الرجل المعتاد ، إذا وجد في نفس الظروف التي يوجد فيها الشخص المسؤول .[4]
كما أن هذه القرينـة المنصبة على الخطأ في الرقابـة فهي تقوم في جهة المكلف بالرقابـة غير أنه يجب على الدافع بها أن يثبت الخطأ في جهـة المشمول بالرقابـة إذا ماتمسك بها ضده المضرور .
كما أن القانون السوري فرضت كذلك على متولي الرقابـة إلتزاما برقابـة شخص تحت رقابته فإذا ما إرتكب هذا الشخص عملا غير مشروع – أو فعلا ضارا للغير – يفترض القانون أنه لم يقم بواجبه على أكمل وجـه بما يكفي من العنايـة[5] ومن هذا المنطلق فإن القانون يفترض فيه إهماله وتقصيره في رقابة من يقع تحت رقابته وإشرافـه وهذا حمايـة لمصلحـة المتضرر من هذا الفعل .
الفرع الثاني : طبيعة هذه المسؤوليـة
كما سبق لنا وأن أشرنـا فإن هذه المسؤوليـة إما أن تكون – كما أكد الفقهاء – مسؤولية تبعيـة أو أصليـة .
فمتى تكون أصليــة ومتى تكون تبعيـة ؟
البند الأول : مسؤوليـة متولي الرقابـة تعتبر مسؤوليـة أصليـة
أي أنها مسؤوليـة سخصيـة وتقوم على أساس خطأ الشخص في رقابـة القاصر تكون أصليـة عندما يكون المتسبب في الضرر قاصر غير مميز .
فمنهم من يرى [6] أن مسؤوليـة المكلف بالرقابـة ليست مسؤولية تبعيـة ، وإنما هي مسؤوليـة أصليـة ، أي أنه يسأل عن خطئـه هو، وليس عن خطأ الغير ، وذلك بالرغم من أن القانون المدني الجزائري قد عالج مسؤوليـة متولي الرقابـة تحت عنوان المسؤوليـة عن عمل الغير قبل التعديل وعن فعل الغير بعد التعديـل .
وليس فقط القاصر صغير السن بل كذلك عديم التمييز كأن يكون مجنونا أو معتوهـا وطبعا فهنا أيضا تكون مسؤوليته أصلية لايمكن الرجوع عليـه .
وتكون بالتالي مسؤولية هذا القاصر عديم التمييز للحالات المذكورة لأنها مسؤولية تبعيـة .
وهو كذلك ماذهب إليـه الأستاذ علي علي سليمان[7] بإرتباط مسؤولية متولي الرقابـة الأصليـة بغير المميز بقولـه " وأما عندنا فقد نصت المادة 134 ق.م جزائري المقابلـة للمادة 173 ق.م مصري على مسؤوليـة الرقيب عن الأضرار التي يسببها الموضوع تحت الرقابـة ، ولو كان غير مميز ، وعلى ذلك فإذا كان الموضوع تحت الرقابـة قد أحدث ضررا وهو مميزا ، وأثبت المضرور خطأه فإن الرقيب يكون مسؤولا عنه مسؤولية تبعيـة ، وأما إذا أحدث الضرر وهوغير مميز فإن مسؤوليـة الرقيب تكون أصليـة "
البند الثاني : مسؤوليـة متولي الرقابـة تبعيـة
وقد سبق وأن أشرنا إلى رأي الأستاذ علي علي سليمان بأن مسؤوليته تكون مسؤوليته تبعيـة إذا ماكان الخاضع للرقابـة شخصـا مميزا .
ويقول الدكتور جلال حمزة في هذا الشأن[8] بأنه إذا كان الخاضع للرقابـة مميز ، وأوقع ضررا بالغير ، فلا تتحقق مسؤوليـة متولي الرقابـة إلا إذا أثبت الخطأ في جانب الخاضع للرقابة وإعتبر هذا الأخير أنه مسؤول أصليا ويسأل متولي الرقابـة بإعتباره مسؤولا تبعيـا وأضاف بأنه يمكن للمضرور أن يرفع دعواه في مواجهـة أي منهمـا .
وهذه المسؤوليـة هي مسؤوليـة مفترضـة أي أن المشرع والقانون منحا وسائل لدفع ودرئها ودفعها عنـه .
المطلب الثاني : وسائل نفي مسؤوليـة متولي الرقابـة
لقد أقام المشرع مسؤوليـة متولي الرقابـة على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس ، حمايـة للضحيـة وحفاظا على حقه في تعويضه عن الضرر الذي لحق به وجبرا لـه لأنهه أمر صعب أن يثبت المضرور الخطأ والضرر والعلاقـة السببية بينهما ، أي إثبات أركان المسؤوليـة ككل، كما أن الأستاذ علي فيلالـي[9] يقول بأن المسؤوليـة المفترضـة على متولـي الرقابـة ، ومن هم في حكمـه هي مسؤولية شخصيـة أي أن العبرة بكون خطأ المسؤول المدني وليس بخطأ الفاعل ، كما تكون العبرة أيضا بعلاقـة السببيـة بين خطأ المسؤول المدني والضرر الذي لحق الضحيـة، والحاصل أن أحكام المادة 134 والمادة 135/1 مدني تعفي الضحيـة من إثبات الأمريـن ، ويضيف قائـلا بأن هنا تكمن حمايـة الضحيـة على حساب المسؤول كون إثبات خطأ هذا الأخير وعلاقـة السببيـة أمرين عسيرين خاصـة وأن المتسبب مادي في الضرر شخص آخر غير الشخص المسؤول مدنيـا من جهـة ، وقد يكون غير مميز من جهة أخرى.
إلا أن هذا الخطأ هو قابل لإثبات عكسـه ، ومن خلال هذا مكن القانون المسؤول أو المكلف بالرقابـة من وسائـل لنفي هذه المسؤوليـة عليه، الوسيلة الأولى هي إثبات واجب الرقابـة ، والوسيلـة الثانيـة هو أنه أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة ، وهذا ماسنتناولـه في الفرعيـن الأتييـن .
الفرع الأول :إثبات واجب الرقابــة
تنص المادة 134 الفقرة الثانيـة على مايلي " ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابـة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة "
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري خالف المشرع الفرنسي بأن خول للمكلف بالرقابـة وسيلتين لدفع هذه المسؤوليـة ، في حين أن القانون الفرنسي لايتيح للرقيب إلا وسيلة واحدة لدفع مسؤوليته ، وهي بإثبات عدم قدرته على منع وقوع الفعل الذي نتج عنه الضرر ، وذلك بنفي خطئـه المفترض ، في حين أن القانون الجزائري وكذلك المصري فنجد القانون منح فيهما وسيلتين لدفع المسؤوليـة وهي نفي الخطأ بإثبات عدم تقصيره في أداء واجبه في الرقابـة ، وأما الثانيـة فهي إثبات بأن الضرر كان لابد من وقوعـه .[10]
وقد سبق وأن أشرت في المبحث الأول أن أساس مسؤوليـة متولي الرقابـة هو واجب الرقابـة الذي يفرض على القائم بـه مجموعـة من الإلتزامات إن صح التعبير كإحسان تربيته إذا ماكان متولي الرقابـة أبا أو أما [11].
وإثبات هذا الواجب يكون عن طريق نفي الخطأ المفترض الذي يعتبر قرينـة بسيطـة قابلـة لإثبات العكس كأن بثبت قيامه بهذا الواجب بما يكفي من العنايـة ، وأنه إتخذ كل الإحتياطات اللازمـة والمعقولـة لمنح الخاضع للرقابـة من الإضرار بالغير .
ولقد ذهب الدكتور السنهوري إلى إعتبار أنه لايكفي أن بثبت الأب أنه قام بواجب الرقابـة بإتخاذ الإحتياطات المعقولـة ، فلا يزال إفتراض أنه أساء تربية ولده قائمة في جانبه ، ولايلزم المضرور أن يثبت أن الأب أساء التربية بل الأب هو الذي يثبت أنه لم يسئ تربية ولده [12] ،لأنه لايكفي أن ينسب إلى الأب أو الأم عدم القيام بواجب الرقابـة فقط بل عدم الإساءة في التربيـة وعدم التقصير وحسن تهذيب أولادهم القصر.
ويتحدد مضمون الإلتزام بالرقابـة الذي ترتفع المسؤوليـة بموجبـه بإثبات القيام به وفقا للقاعدة العامـة ببذل عنايـة الرجل العادي في الملاحظة والرقابـة [13].
غير أن الأمر يختلف بالنسبة للمكلفين بالرقابـة إتفاقا كالمعلم أو المربي أو المشرف عن الحرفة ، فإذا ما أثبتوا أنهم قاموا بإتخاذ الإحتياطات المعقولـة لمنع المشمولين برعايتهم من الإضرار بالغير إنتفى الخطأ المفترض في الرقابـة .
وأحسن مثال هنا هو قرار ولد خدة المشهور المؤرخ في 03 مارس 1983 السالف الذكر .
ويقوم القاضي بتقدير كل الظروف المحيطـة في القضيـة وكذا لتحديد التدابير المتخذة من طرف القائم والمكلف بالرقابـة ومدى نجاعتها من أجل منع وقوع الضرر بالغير .
ويعتمد القاضي في تقديره على عدة عوامل منها على وجه الخصوص سن الخاضع للرقابـة ، والظروف الزمانيـة والمكانيـة والبيئيـة وخطورة النشاط أو الألعاب[14] إذا ماإرتكبت الضرر أثناء ممارسـة نشاطات رياضيـة مثلا .
الفرع الثاني : نفي علاقـة السببيــة بين الخطأ والضرر
فإذا ماتعذر على الشخص المكلف بالرقابـة نفي الخطأ المفترض أجاز له القانون أن ينفي كذلك علاقـة السببيـة المفترضـة[15] بين الخطأ والضرر ، كما أشارت إليـه الجملـة الأخيرة من الفقرة الثانيـة من المادة 134 ق.م " .. أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العنايـة ".
وهنا يقوم المكلف بالرقابـة بأن تعذر عليه دفع الضرر الصادر من الخاضع للرقابـة ، وذلك نتيجـة سبب أجنبي أو ظرف مفاجئ وكذا قوة قاهرة لاقبل لـه بردهـا أو خطأ شخص المتضرر في حد ذاته أو خطأ الغيـر .
فقد يدفع المكلف بالرقابـة بالظرف المفاجئ مثلا ، وذلك بأن يكون الحادث غير متوقع وحدث فجأة ، فلم يستطع منعه ولو قام بواجب الرقابـة كما يجب عليـه ، ويرى الأستاذ فيلالي في هذه المسألـة بأن القانون المقارن يظهر بأنه إعتمد بمثل هذا الظرف ، وبناءا عليـه إنتهت علاقـة السببيـة إذا أثبت أن الضرر كان لابد من وقوعـه ولو قام بواجبه .
إلا أن القاضي في أي حالة من الحالات المذكورة هو من يتولى تقدير ظروف وملابسات توافرها ، وتقدير ماإذا كان ظرف المفاجئـة أمرا متوقعا يترتب عنه نفي المسؤولية [16].
الفرع الثالث : مدى إمكانيـة رجوع المكلف بالرقابـة على الخاضع لهـا
إن أثر قيام مسؤوليـة متولي الرقابـة هو أن يصبح مدينا للمضرور بأداء تعويض لـه جبرا عن الضرر الذي لحقـه ، لكن السؤال الذي يطرح نفسـه هو أنه إذا ماتوافرت شروط هذه المسؤوليـة عن فعل الغير ، قام هذا الأخير ( المسؤول ) بأداء التعويض للمضرور ، فهل لـه أن يجرع على الخاضـع للرقابـة ؟
فيرى الدكتور بلحاج بأنه لايمنع قيام مسؤوليـة المكلف بالرقابـة من قيام مسؤوليـة الخاضع لهـا ، في حدود القواعـد العامـة ، وأنه للمضرور الرجوع على أحدهمـا أو عليهمـا معـا ، لأنهما متضامنان أمامـه ، فإذا دفع المسؤول أي المكلف بالرقابـة التعويض الذي حكم لـه بـه القاضي ، فلـه أن يرجع على المشمول بالرقابـة إذا كان مميز[17] ، أثناء إرتكابـه للفعل الضار ، وهذا بإعتباره مسؤولا مسؤولية تبعيـة كما سبق الإشارة إليـه ، أما إذا لم يكن الخاضع مميزا فلا يمكن الرجوع عليـه إذا ماسلمنا وإعترنا أن مسؤوليته أصلية .
وصفوة القول أنه من خلال كل الذي حاولت تناولـه بالتحليل والشرح أنه على إفتراض أن المشرع لم يلغ نص المادة 135 وبقيت ساريـة المفعول ، وتطبق في الميدان بكل ماتحملـه من عيوب فإن المشرع عندما عدل قانون الأسرة ومن ذلك المادة 87 منه لتأتي متماشيـة وهذا النص ، وكذا نصها في حالـة الطلاق وإنتقال الولايـة لمن أسنذت لـه الحضانـة على الأولاد القصر فإنه أزال عائقـا كبيرا أمام المتضرر الذي يريد متابعـة أحد الوالدين إلا أن سبب البعد أو الهجر ولاسيما الطلاق يحول دون ذلك فإنتقال الولايـة بالحضانـة يعني بالضرورة إنتقال الرقابـة وبإنتقالها تنتقل المسؤوليـة وتقوم كلما أحدث القاصر ضررا بالغير .
--------------
[1] - محمد جلال حمزة : المرجع السابق ص 182.
[2] - مجلة الإجتهاد القضائي ، قرار المجلس الأعلى نشر من طرف وزارة العدل ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 27.
[3] - بلحاح العربي : المرجع السابق ص 64.
[4] - العربي بلحاج : المرجع السابق ص 304.
[5] - جلال حمزة : المرجع السابق ص 171.
[6] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 304.
[7] - علي علي سليمان : المرجع السابق ص 20.
[8] - جلال حمزة : المرجع السابق ص 181.
[9] - فيلالـي : المرجع السابق ص 117.
[10] - علي علي سليمان : المرجع السابق ص 25.
[11] - السنهوري : المرجع السابق ص 1007.
[12] - المرجع السابق ص 1007.
[13] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 305.
[14] - فيلالي : المرجع السابق ص 118.
[15] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 306.
[16] - فيلالي : المرجع السابق ص 119.
[17] - بلحاج العربي : المرجع السابق ص 307
إرسال تعليق