مسار انظمام الجزائر الى منظمة التجارة العالمية
تمهيد:
سوف نتناول في هذا الفصل إشكالية انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، وأهم التحديات التي تواجهها في ظل ما وصف في الذي سبقه، وبإسهاب عن وضعية الاقتصاد العالمي والجزائري وأهم التغيرات التي ميزتهما، حيث أعطي لنا صورة عن المناخ والظروف والعالمية والمحلية، وبالتالي توضيح وصياغة رؤية حقيقية عن هذا الانضمام بجميع جوانبه وحيثياته الإيجابية منها والسلبية والتي ستكون بدورها مادتنا الخام التي تضع بها فصلنا الآتي، فنتطرف في البداية إلى مراحل المفاوضات التي أجرتها الجزائر مع المنظمة العالمية للتجارة، ثم إلى أهم الانعكاسات التي ستجنيها الجزائر من هذا الانضمام وذلك على مختل الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية منها، لنمر بعدها إلى أهم ما يمكن أن تتخذه الدولة الجزائرية في هذا الشأن من سياسات وتدابير لتأهيل اقتصادها لمواجهة مثل هذه التحديات والانعكاسات، وذلك بترويض سلبياتها والتكيف معها والاستفادة من إيجابياتها، لنخلص في النهاية إلى تطلعات الجزائر وأعمالها في فتح آفاق لها دوليا وداخليا، وهل من وجود مؤشرات لبلوغها على المدى القريب؟
ماذا نعني بانضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة؟
إن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة يعني الوفاء بمجموعة من الالتزامات والحصول على مجموعة من الحقوق، فما هي الالتزامات وما هي الحقوق التي تكون على وللجزائر بعد الانضمام؟(1)
أولاً- الالتزامات:
b حرية المنافسة والالتزام بعدم التمييز بين الدول أو بين المنتج الوطني أو الأجنبي أو بين الإنتاج الوطني والأجنبي.
b التخلي عن دعم الصادرات.
b تجنب سياسة الإغراق.
b الإلغاء التدريجي لقيود الجمركية والكمية.
b قبول مبدأ التقييد الكمي في الأحوال الاستثنائية لحماية ميزان المدفوعات وتقديم معاملة تفضيلية للدول النامية.
ثانيا- الحقوق:b التزام الأطراف الأخرى أعضاء المنظمة بتطبيق القواعد العامة للسلوك التجاري عند التعامل مع الدولة العضو في كافة المجالات التي تشملها الاتفاقات، أي أن الالتزامات العامة الواردة في الاتفاق تمثل نفسها حقوقا لباقي الدول الأعضاء.
b حقوق نفاذ السلع والخدمات الوطنية إلى أسواق الدول الأخرى، وذلك وفقا لحدود التثبيت الجمركي الواردة في جداول باقي الأعضاء.
b تكفل عضوية الـ omc على السياسات التجارية للدول الأخرى، وما تتضمن من إجراءات من شانها التأثير على النفاذ إلى الأسواق ومدى اتساقها مع الاتفاقات الدولية، والاهم من ذلك فإن أجهزة المنظمة تعتبر منبرًا للمشاركة في المفاوضات التجارية في المستقبل، بحيث يتمكن العضو من طرح المواضيع التي يهتم بها والمشاركة في صياغة الاتفاقات الجديدة.
تمكنb الأعضاء من الدفاع عن مصالحهم وإلغاء الإجراءات التي قد يتخذها الشركاء التجاريون والمناقضة للاتفاقيات التي تم التوصل إليها بما يكفل التطبيق العادل على كل الأعضاء، وهذا بناء على تسوية المنازعات التجارية الدولية المطورة في جولة أوروجواي.
المشاركة في المفاوضات المستقبلية مماb يكفل الدفاع عن المصالح التجارية التي تهم تلك الدول، وصياغة الاتفاقات الجديدة التي تقرها الاجتماعات الوزارية.
إذا التزمت الجزائر بمختلف الالتزامات المشروطة لقاء الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة سوف تضمن حقوقها.
المبحث الأول: مفاوضات الجزائر مع المنظمة العالمية للتجارة :
كانت الجزائر دولة مراقبة في منظمة الجات، لتقدم الجزائر بعدها رسميا طلب انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة في جوان 1996م، وجاء هذا الطلب في سياق تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، في إطار اتفاقية التمويل الموسع، وتزامنا مع مرحلة تميزت بتطبيق برنامج التصحيح الهيكلي، حيث أجاب وقتها السيد وزير التجارة "بختي بلعايب" على حوالي 340 سؤال، هذه الأسئلة تمحورت حول سياسة الخوصصة والاستثمار، الأسعار المطبقة والمنافسة، أسعار الفائدة، الرسوم الجمركية والمراقبة بالإضافة إلى الواردات والصادرات، وأن أغلبية هذه الأسئلة كانت من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وكانت الإجابة على هذه الأسئلة كتابية.
وقد تم توقيف المفاوضات في عام 1999م، لتستأنف بعدها عام 2000م، بصورة متقطعة، مما دفع بالجزائر إلى إعادة صياغة مذكرة الانضمام في شهر جويلية عام 2001م، ليعاد تقديمها من جديد، حيث طرحت أسئلة جديدة والتي تم الرد عليها في نهاية فيفري 2002م من طرف وزير الدولة وزير الخارجية "عبد العزيز بلخادم" آنذاك، وقد بلغ عدد الجولات الثنائية الأطراف التي قامت بها الجزائر إلى غاية 2004م حولي 7 جولات، فضلا عن أربع جولات متعددة الأطراف، واجتماعين مشتركي الأطراف بين الدول والهيئات خصصت للفلاحة، وقد تلقت الجزائر أكثر من 300 سؤال مكتوب.
أما الآن مع بداية سنة 2005م في الجزائر تخوض جولتها الثامنة وذلك عن طريق وفد برئاسة وزير التجارة "نور الدين بوكروح"، حيث يضم هذا الوفد مجموع رؤساء تنظيمات أرباب العمل إضافة إلى عضوين من الأمانة الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين حتى يشاركوا كملاحظين في المفاوضات، وتدور المناقشة خلال هذه الجولة حول المواضيع التالية: سياسة الخوصصة المتبعة من قبل السلطات العمومية، المقاييس الدولية الخاصة بالاستثمارات، فضلا عن إجراء الحماية وتخصيص بعض المواد القانونية والحفاظ على سقف من التعريفة الجمركية لبعض المواد الصناعية والزراعية.
حيث بقيت هذه المسائل محل النزاع طوال الجولات المنصرمة ذلك لأن الدول المشاركة تشدد دائما على ضرورة احترام الرزنامة التي توضع فيما يتعلق بإصلاح النصوص القانونية والتشريعية وتحديد سقف الحقوق والتعريفات الجمركية، وآليات تنظيم التجارة بما في ذلك آلية ضبط السوق الموازية ومسألة الدعم الفلاحي فضلا عن قضايا تحرير القطاعات الطاقوية بما في ذلك تحرير قطاعات الخدمات، وقد اقترحت الجزائر في عرضها المقدم بتحرير 11 قطاع في مجال الخدمات و161 قطاع فرعي للمنافسة، من بينها الاتصالات السلكية وللاسلكية والفندقة، والمياه والصحة والنقل.
والمرتقب أن يرد الطرف الجزائري عن الأسئلة التي طرحت في الجولة السابقة بالموازاة مع تسليم محضر الانضمام وينتظر أن تسمح هذه الجولة كذلك بمباشرة صياغة التقرير الخاص بالمفاوضات والذي عرف تأخرًا، ليقدم بعدها إلى المجلس العام للمنظمة العالمية للتصديق عليه، وهي الهيئة التي تضم الدول الأعضاء (148)، حيث يضل الانضمام رهين موافقة ومصادقة كل الدول، غذ تعمل المنظمة وفق نظام الإجماع، ومن المنتظر أن تنظم الجزائر قبل سنة 2005 م لهذه المنظمة.
المبحث الثاني: الآثار المتوقعة لانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة :
المطلب الأول: الآثار المتوقعة على الهيكل الاقتصادي
الفرع الأول: القطاع الفلاحي
يعد موضوع تبادل المنتوجات الفلاحية من أكثر المواضيع تعقيدا وحساسية بالنسبة للدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة، وذلك لما يترتب عليه من نتائج وأثار مختلفة الخطورة والحظوظ، وهذا ما أدى إلى تخفيض الدعم على المنتجات الفلاحية، وذلك للتوفيق بين مصالح هذه الدول.
أولا- اتفاق تخفيض الدعم على المنتجات الزراعية:
تعتبر اتفاقية تخفيض الدعم على المنتجات الزراعية من أهم نتائج جولة الأورجواي الممنوحة لمنتجي السلع الفلاحية، وأهم عناصر هذا الاتفاق ما يلي:
b تحويل كافة القيود غير الجمركية (القيود الكمية، الحصص الموسمية، حصص الاستيراد ...الخ) إلى رسوم جمركية، ويتم ربط هذه الرسوم وتخفيضها جنبا إلى جنب مع الرسوم الجمركية العادية على الواردات من السلع الزراعية.
b تخفيض قيمة الدعم الداخلي الذي يمنح لمنتجي السلع الزراعية والذي يأخذ شكل مبالغ مخصصة في الميزانية أو المبالغ التي تتنازل عنها لصالح المنتجين الزراعيين، وقد تضمن الاتفاق التزام الدول المتقدمة بتخفيض قيمة هذا الدعم.
b تخفيض قيمة دعم التصدير والذي يعتبر الدعم النقدي المباشر الذي يتم تخصيصه في الميزانية ويخصص لتصدير السلع الزراعية.
b ومن بين الاستثناءات أن الاتفاق يسمح بإعفاء الدول النامية من التزام تخفيض الدعم الداخلي، وإذا لم يتجاوز الدعم الإجمالي 10% من إجمالي قيمة السلع مقابل 5% للدول المتقدمة، كما يسمح الاتفاق للدول النامية بتقديم دعم داخلي لإنتاجها الزراعي، وهو دعم الاستثمارات التي تتاح للزراعة، كذلك تقديم دعم التصدير لمنتجاتها الزراعية غير مسموح به للدول المتقدمة، وقد يأخذ شكل دعم لتخفيض تكلفة تسويق الصادرات وتكاليف النقل الدولي، أو تحديد رسوم النقل الداخلي على شحنات التصدير بشروط أفضل، تلك المطبقة على شحنات الاستهلاك المحلي.
ثانيا- آثار تخفيض الدعم: تعرف الفلاحة الجزائرية باعتمادها الكبير على الظروف المناخية كما أن قيمة الدعم الحكومي لها لا يتجاوز 2% ، وبالتالي فإن تطبيق اتفاق رفع الدعم من شأنه أن يرتب أثار سلبية وخاصة على المدى القصير، وبالرجوع إلى نتائج نشاط التجارة الخارجية للجزائر نجد أنها تعتمد على الواردات لتغطية معظم احتياجاتها من الأغذية، وتبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي حوالي 20% من مجموع الواردات، وتتمثل المواد الغذائية التي تستوردها الجزائر فيما يلي: الحبوب، الحليب ومشتقاته، السكر ومشتقاته، مواد أخرى كالخضر، البن والشاي، واللحوم والفواكه الطازجة...الخ؛ والملاحظ ان أكثر من 80% من واردات المواد الغذائية تمثل المواد ذات الاستهلاك الواسع، أما الصادرات من المواد الغذائية التي لا تمثل سوى 1.08 % من مجموع الصادرات الجزائرية، والتي تتمثل في التمور، المشروبات الكحولية، الأسماك، منتجات اللحوم.
وبما ان الميزان التجاري للمواد الغذائية للجزائر يسجل عجزًا يسجل عجزًا واضحا فإن كل تغير يطرأ على أسعار العرض والطلب على المواد الغذائية على المستوى العالمي وبصفة مباشرة على اقتصادنا(1).
وإن التخفيض الكمي والمالي للدعم عند التصدير يؤدي إلى انخفاض الصادرات وبالتالي يقل عرض المواد الغذائية في السوق العالمية، ومما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الزراعية الأساسية، حيث تتفق كل الدراسات على أن المنتجات الزراعية ستشهد ارتفاعا معتبرًا جراء الالتزام بالرتيبات الجديدة للتجارة العالمية، التي تعتمد على رفع الدعم عن المنتجات الزراعية الذي تقدمه بعض الدول خاصة الأوروبية سيكون هذا الارتفاع في حدود 40% تقريبا، وبالتالي إذا كانت الجزائر تستورد مثلا 200$ في حالة الدعم الزراعي فسوف تستورد بسعر 244$ والقائمة مفتوحة للارتفاع في المنتجات الزراعية، خاصة إذا عممنا هذا الكلام على المنتجات الغذائية، ولو في مستوى يقل عن 40 %.
إن واردات الجزائر من المواد الغذائية تمثل حولي 30% من حجم الاستيراد الكلي، فإذا حدث وأن ارتفع أسعار المواد الغذائية بالقدر المتوقع فإن فاتورة الاستيراد سوف تتحمل تكلفة إضافية لمقدار 1000 مليون$، وبالتالي لا يمكن القول بأن ارتفاع الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية سوف يخلق أثر كبير على التجارة الخارجية الجزائرية الاقتصاد الوطني، لاسيما إذا ما بقيت المواد الغذائية تشكل النسبة الحالية لحجم الاستيراد، أي أن ارتفاع الأسعار العالمية على المدى القصير من الممكن أن يكون له ضغط كبير على ميزان المدفوعات الجزائري، وبالتالي تكون نتائج وخيمة على قدرتها على تسديد الديون الخارجية.
كما أن ثقل الفاتورة الغذائية سيكون لها تأثير مباشر على المستوى المعيشي للأفراد وبالتالي الرجوع إلى مواد الغذائية السيئة النوعية نتيجة ضعف القدرة الشرائية.
أما على المدى البعيد فمن المحتمل أن يكون لتخفيض الصادرات المدعمة أثر إيجابي على حجم الإنتاج في بلادنا لأن الآثار الظرفية للصادرات المدعمة ستؤدي إلى جلب الاستثمار في القطاع الزراعي، وبالتالي يمكن الدخول إلى الأسواق الخارجية بسهولة شريطة أن تكون منتجاتها قادرة على المنافسة، مما يستلزم تحسين الإنتاج للحصول على نوعية عالية.
ومنه فإن اتفاقية دورة الأورجواي المتعلقة بالزراعية لم تترك سوى تراكمات سلبية على الجزائر، في حالة الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، وخاصة على المدى القصير، من خلال الفاتورة الغذائية التي تكون جد مكلفة.
الفرع الثاني: القطاع الصناعي
لم يعرف هذا القطاع أي اختلاف في وجهات النظر بين الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة بحيث توصلت جولة أورجواي في هذا المجال (مجال تجارة السلع الصناعية باستثناء المنسوجات والملابس) إلى النتائج التالية:
b تخفيض متوسط التعريفات الجمركية مع زيادة نسبة التعريفات المثبتة.
b زيادة واردات الدول المتقدمة الصناعية من السلع المعفاة من التعريفات الجمركية.
b إلغاء القيود الجمركية.
b تخفيض متوسط التعريفات الجمركية على منتجات الموارد الطبيعية وتخفيض متوسط التعريفات الجمركية على المنتجات الاستيرادية.
b تخفيض القيود الجمركية وغير الجمركية في الدول النامية مع زيادة نسبة التعريفات المثبتة.
إن الجزائر التي لم تنضم إلى المنظمة العالمية للتجارة بعد لا يمكنها أن تضل بعيدة عنها، وانضمامها إليها يلزمها بدعم صناعاتها الداخلية بوضع سياسة صناعية واستراتيجية واضحة للتنمية الصناعية.
إن خفض دعم الصناعات في الجزائر من دون تحقيق نجاح بارز على صعيد رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية يضعها في منافسة غير متكافئة مع المنتجات المشابهة للدول الصناعية والحديثة التصنيع والتي بلغت مستوى عال من الجودة والقدرة على المنافسة والسعر والنوعية.
في ظل هذه الظروف ما هي الانعكاسات والآثار المحتملة على السياسة الصناعية؟ إن الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة يؤدي إلى مجموعة من الآثار على المدى القصير وأخرى على المدى المتوسط.
أولاً- على المدى القصير: إن سياسة الجزائر في حل أزمتها تبدأ بتحركها على مستوى محور انتقال مؤسساتها العمومية إلى اقتصاد سوق حقيقي مع تطهيرها وتنظيم اقتصاد اقتصادي كاف، ومما نجم عن هذه السياسة أثار سلبية عديدة على مداها القصير نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
b إمكانية تواجد غير متكافئ بين الشركات العالمية العملاقة، وشركات وطنية لا تزال تنتهج طريقها الإصلاحي.
b التفتح الاقتصادي الواسع لأسواقنا على الأسواق العالمية سوف يسمح بكساد المنتجات الوطنية نتيجة للجودة العالية والأسعار المنخفضة التي تتمتع بها المنتجات المستوردة.
كان من آثار التصحيح الهيكلي قيام الدولة بسحبb حمايتها للمؤسسات الوطنية بشمل مباغت ومفاجئ، فوجدت هذه الأخيرة نفسها في وضع تواجه فيه محيط القرارات الاقتصادية الكلية دون أن تكون مهيأة لذلك (كتحرير الأسعار، معدلات الفوائد، وتخفيض قيمة الدينار، والانفتاح الاقتصادي)، إن هدم البنية المالية للمؤسسات كان له أثاره السلبية على العمال، كذلك على العمال فقد تعرضت المؤسسات التي تعاني من الصعوبات إلى حل عدد كبير منها وكنتيجة منطقية تم تسريح عدد كبير من العمال.
ثانيًا- على المدى المتوسط: تمتاز الصناعة الجزائرية بأنها تتركز على الموارد الخام، حيث تمثل الصادرات البترولية 95% من إجمالي الصادرات، وتبقى نسبة 2% من الصادرات هي صادرات صناعية ليست لها القدرة على الوقوف في وجه المنافسة الدولية بسبب ارتفاع التكاليف، قلة الاستعمال التكنولوجي واختلال التوازنات المالية بالمؤسسات الإنتاجية ...الخ.
وبذلك فإن النتائج سوف تكون وخيمة الاقتصاد الوطني بصفة عامة، وعلى المؤسسات الصناعية على وجه الخصوص، وسيؤدي تحرير التجارة إلى:
b زوال الجهاز الإنتاجي الذي استثمرته الجزائر مبالغ هائلة فيه (خاصة الصناعات الثقيلة).
b حل الكثير من المؤسسات التي لا تقوى على المنافسة.
b استقطاب الجهاز الإنتاجي حيث سوف يتركز بقوة في المدن الكبرى وعلى الشريط الساحلي.
على ضوء ما تقدم تحضى المنتجات الصناعية بتخفيضات كبيرة في مستوى الحماية الممنوحة لها على خلاف باقي المنتجات، والسبب أن معظم السلع الصناعية في التجارة العالمية منشأها هو البلدان الصناعية المتقدمة، وتصل درجة تحرير تجارة السلع الصناعية إلى مستوى التحرير الكامل، والجزائر ملتزمة كباقي الدول بتطبيق كافة بنود ترتيبات النظم الجديدة للتجارة الدولية، وبصرف النظر عن تلك الآثار الكمية المتعلقة بارتفاع مستوى البطالة والركود وانخفاض الدخل فإن الخطر أكبر من ذلك.
إن المنافسة غير المتكافئة سوف ينجر عنها تشويه وتحطيم بنية الجهاز الصناعي الوطني بأكمله وانهيار مكتسبات التصنيع القائمة.
وفي الأخير فإن العامل الأساسي والوحيد الذي يحدد نتائج الانضمام على السياسة الصناعية هو مدى قدرة المؤسسات المحلية على المنافسة ومدى إمكانية تحسينها.
الفرع الثالث: القطاع الخدماتي(1)
يعتبر مجال التجارة في الخدمات من المجالات الهامة والجديدة، ويشمل قطاع الخدمات فروع عديدة منها: خدمات البنوك، وشركات التأمين، المكاتب الهندسية والسياحة، وأبرز وأهم النشاطات التي يشملها التحرير في الاتجار بها ما يلي:
الخدمات المتخصصة وتشمل (المحاسبة القانونية، والضريبة، والهندسة، والصحة البيطرية)، وخدمات الحاسبات الآلية وما يرتبط بها (خدمات التركيب، خدمات تنفيذ البرامج وقواعد البيانات ومعالجتها ...الخ)، وخدمات البحوث والتطوير في العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية وغيرها من التخصصات الأخرى، والخدمات العقارية وخدمات الإيجار والتأجير (السفن والطائرات وغيرها من الآلات والمعدات)، والخدمات الأعمال المرتبطة بالإعلام والتسويق والاستشارات الإدارية والفنية والعلمية والتحاليل وتلك المتصلة بالزراعية والصيد البحري والتصنيع والتعدين، والطاقة والصيانة إلى خدمات الاتصال والخدمات الإنشائية وخدمات التوزيع، والخدمات التعليمية والبيئية والخدمات المالية التي تشمل خدمات التأمين وإعادة التأمين والخدمات المصرفية والمالية وكذا الخدمات الصحية والاجتماعية، وخدمات السياحة والأسفار، وخدمات الرياضة والثقافة، وخدمات النقل، كما نلاحظ هناك خدمات استثنيت من الاتفاقية وهي الأكثر ارتباطا بالسيادة الوطنية مثل خدمات الأمن والدفاع والعدالة.
أما فيما يخص نص الاتفاقية العامة بشأن التجارة في الخدمات نجد أنها تتكون من أربعة عناصر أساسية:
b مجموعة من المفاهيم والمبادئ والقواعد العامة، التي تري في كل الحالات على التدابير التي تمس تجارة الخدمات.
b التزامات محددة بصدد المعاملة الوطنية ودخول السوق، وتسري على القطاعات الأساسية والقطاعات الفرعية للخدمات التي ترد في الجدول الخاص بكل عنصر.
b التفاهم بشأن إجراء مفاوضات دورية لتحرير التجارة في الخدمات بشكل متزايد.
b مجموعة من المرفقات تضم الملاحق التي تأخذ في الحسبان السمات الخاصة للقطاعات والقرارات وزاوية تتعلق بتنفيذ الاتفاقية.
وفيما يخص وضعية هذا القطاع في بلادنا فهو مازال يعيش في حالة جد ضعيفة سواء على المستوى التنظيمي أو على المردودية، فهو مازال بعيد عن مستوى المنافسة الدولية رغم جملة الإصلاحات التي شرعت فيها الجزائر في هذا المجال بالموازاة مع سياسة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الوطني ككل في ظل هذه المعطيات، ومع الخطوة والتي الجزائر بصدد القيام بها وذلك بالانضمام للمنظمة العالمية للتجارة، تواجهنا أسئلة عديدة أهمها: في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها الجزائر، هل قطاع الخدمات مهيأ لخوض غمار المنافسة مع الخدمات الأجنبية وذلك نتيجة فتح المجال أمام المنافسة الدولية، والأهم من ذلك ما هي الانعكاسات التي قد تفرز من جراء الانضمام على هذا القطاع؟!
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تقودنا إلى تبيين انعكاسات الانضمام السلبية والإيجابية على السياسة المالية والمصرفية كفرع أول، وكذا على الخدمات الأخرى كفرع ثاني.
أولا- على السياسة المالية والمصرفية:
تختلف انعكاسات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة من دولة إلى أخرى في مجال تحرير الخدمات المالية والمصرفية، فبالنسبة للجزائر التي تقتصر فيها أغلبية المؤسسات المصرفية على ملكية المصالح الوطنية، فإنها تجد نفسها بفتح أسواقها أمام موردي الخدمات المصرفية و المالية من الدول الأعضاء وذلك طبقا للالتزامات المدرجة في الاتفاقيات مع الـomc، فيما يخص الخدمات المالية، كما أنها ستواجه شدة المنافسة على مستوى هذا القطاع وذلك في ظل قلة الفرص المتاحة لقلة الخدمات وبالتالي الآثار تكون مختلفة على مستوى السياسة المالية والجهاز المصرفي.
وفيما يلي سنحاول أبراز الانعكاسات السلبية والإيجابية لانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة على هذا القطاع.
b الانعكاسات الإيجابية:
- تطور القطاع المصرفي الجزائري نتيجة انفتاح الأسواق الجزائرية بشكل فعلي على موردي الخدمات المصرفية الأجنبية الذين يتمتعون بميزة نسبية في حقل صناعة الخدمات المالية والمصرفية، وذلك بإدخال التكنولوجيا وتطوير الأجهزة المصرفية المحلية وترقيتها لبلوغ مستوى الخدمات المالية العالمية، وتوسيع نطاق خدماتها الائتمانية والاستثمارية.
- تقوية المنافسة والحد من الاحتكارات القائمة في مجال الخدمات المالية والمصرفية وذلك عن طريق تكوين الخيرات المؤهلة في إطار التعاون مع موردي الخدمات المصرفية الأجنبية وتبادل الخبرة، وذلك قصد تأهيل الخدمات المالية المحلية للتعامل مع الأسواق المالية الدولية.
- انفتاح المؤسسات المالية الوطنية للقيام بأعمال مالية شاملة بعيدة عن التخصص القطاعي الضيق وكذلك قيامها بأدوار متعددة في أسواق رأس المال خاصة في النشاطات المصرفية والوساطة المالية والاستثمارية.
- فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات المالية والمصرفية، بزوال حاجز ملكية الدولة لهذا القطاع.
- زيادة كفاءة وفعالية الأسواق المالية المحلية، وبالتالي تصبح حركة هذه الأسواق مكانا للتبادل الحر بين العرض والطلب على الخدمات المالية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تحديد الوضع التوازني لها محليا.
- العمل على استقبال التوجيه التصديري للخدمات المصرفية الأجنبية، وذلك نتيجة لازدياد شفافية ووضوح الإطار التنظيمي للخدمات المالية في الدول المتقدمة، ومساهمتها في تحسين قنوات نفاذ خدمات الدول النامية التي من بينها الجزائر، وذلك بإنشاء تبادل المعلومات حول أسواق الخدمات المالية والمصرفية.
- استفادة المتعاملين الاقتصاديين المحليين من الخدمات الأجنبية المصرفية والمالية، وذلك من حيث السعر والجودة والوقت وكفاءة الأداء، والتنوع في تشكيلة الخدمات.
b الانعكاسات السلبية:
- في ظل التواجد الكبير للمصارف الأجنبية والمزايا الخدماتية التي تتمتع بها من الجودة والقدرة على الوفاء بالالتزامات، سوف تشهد الأسواق المحلية للخدمات المالية والمصرفية منافسة غير متوازنة وذلك في ظل رداءة الخدمات المصرفية المحلية، وعدم مطابقتها للمقاييس الخدمية والمالية الدولية.
- مواجهة مشاكل إضافية متعلقة بقيمة سعر الصرف وأثرة الكبير على خفض القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي، ضف إلى ذلك فقدان المصارف المحلية لميزة تحديد سقف سعر الصرف.
- ببروز تكتلات مالية أجنبية ضخمة محليا، سوف تتراجع الحصص المالية للمصارف الجزائرية في أسواقها المحلية وإفلاس وعم قدرة العديد منها على مواكبة التطور الهائل في صناعية الخدمات المالية والمصرفية الأجنبية.
- تزايد المخاطر على المصارف المحلية الصغيرة التي تحت وطأة ظروف المنافسة، الأمر الذي قد يدفعها للدخول في أنشطة تتسم بالمخاطرة، مما يعرضها إلى احتمالات الفشل والخسارة.(1)
- تأثير تحرير حركة رؤوس الأموال على السياسة النقدية، حيث تؤدي تلك التدفقات عادة إلى زيادة التوسع النقدي، وبذلك انخفاض سعر الصرف الحقيقي وما قد ينتج عنه من تراجع في موقف الحساب الجاري المحلي.
- سيكون لعمليات الانفتاح والتحرير التي ستبدأ في نطاق تطبيق اتفاق الجات الخاص بالخدمات المالية أثر سلبي كبير على الوحدات المالية الجزائرية داخليا وخارجيا، فهي لن تستطيع الوقوف في وجه التكتلات المالية والمصرفية العملاقة في الأسواق الخارجية، كما أنها ستكون معرضة لخسارة جزء من حصصها في الأسواق المالية المحلية.
- .تراجع إقبال المستثمرين المحللين على الخدمات المصرفية والمالية المحلية نظرًا لترديها وقلة ضماناتها وتعرض العديد من المصارف المحلية للإفلاس سابقا، أدى هذا بالمتعاملين المحليين إلى التوجه للتعامل مع موردي الخدمات الأجانب نظرًا لما يتمتعوا به من مميزات وضمانات وكفاءات في ميدان الخدمات المالية والمصرفية.
- نقص المحصول الجبائي من جراء تخفيض نسب الحقوق الجمركية وبالتالي تقلص الموارد المالية للميزانية العامة للدولة.
وبغرض مواجهة هذه الانعكاسات السلبية يستدعي القيام باستغلال الفرص التي تتيحها الاتفاقية بشان تجارة الخدمات المصرفية، وهنا يجب فتح في خلال فترة السماح والمعاملة التفضيلية المجال أمام الاستثمار الأجنبي وإقامة عقود شراكة ثنائية ومتعددة الأطراف، وكذا العمل على استقرار قيمة العملة الوطنية للنهوض بهذا القطاع نحو الأفضل.
يمكن الإشارة هنا انه جراء تحرير اتفاقية الخدمات المالية والمصرفية فإن الدول المتقدمة ستجني مكاسب اقتصادية ضخمة نظرًا لتمتعها بميزة نسبية في عالم الخدمات المالية والمصرفية، والجزائر عكس هذه الدول سوف تتحصل على مكاسب ضئيلة، وذلك لتأخرها نسبيا في التحكم في هذا المجال.
ثانيا- الخدمات الأخرى: والمتعلقة بخدمات الأعمال والمتضمنة (خدمات البحوث والتطوير، الخدمات العقارية، خدمات الإعلان المرتبطة بالتسويق، خدمات مرتبطة بالزراعة، خدمات مرتبطة بالتصنيع، خدمات تعليمية، صحية...الخ)، وكذا بعض الخدمات التي يفترض أن ينطلق تحريرها بشكل تدريجي وهي خدمات النقل الجوي والبحري، خدمات الاتصالات الأساسية الاتصالات عن بعد، والسياحة...وغيرها.
إن انضمام الجزائر للمنظمة العالمية لتجارة يحتم عليها تحرير تجارة خدماتها الأخرى بما يتناسب مع التحديات العالمية في هذا المجال، الأمر الذي يشكل مخاطر أكيدة على الاقتصاد المحلي الذي يبقى رهين الخدمات المحدودة والمتدنية أو يندمج بشكل سلبي أو متسرع ليصبح تحت تصرف المصالح الدولية، لقد أدى تحرير الأسواق المحلية الجزائرية إلى منافسة غير عادلة في مجال الخدمات الأمر الذي أفرز حتمية توقيع الجزائر على اتفاقيات تحرير بعض الخدمات الأخرى الأساسية والتي من بينها:
خدمات الاتصال: يقتضي الاتفاق الخاص بشأنb خدمات الاتصال بالتزام الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة بمنح موردي الخدمات الأجانب الضوء الأخضر الذي يسمح لهم بممارسة أنشطتهم الخدمية داخل إقليم الدولة، وذلك باستخدام شبكات الاتصالات العالمية والاستفادة من خدماتها بشروط معقولة ودون تمييز بين المورد المحلي والمورد الأجنبي، وذلك بالنسبة للقطاعات التي تلتزم الدولة بتحريرها.
خدماتb النقل الجوي: فبخصوصها يقضي الاتفاق بإنشاء حقوق النقل الجوي التي تنظمها الاتفاقيات الثنائية من الالتزامات العامة الواردة في اتفاق الخدمات، ويقضي كذلك بتطبيق أحكام الاتفاق على خدمات النقل الجوي المعاونة والمتمثلة في خدمات صيانة ولإصلاح الطائرات وخدمات تسويق النقل الجوي، بالإضافة إلى خدمات الحجز بالكومبيوتر...الخ، وذلك مع إمكانية تطبيق أحكام الاتفاق على قطاع النقل الجوي ككل بما في ذلك حقوق النقل الجوي الأساسية خلال المفاوضات المقبلة.
خدمات السياحة: يقضي الاتفاق الخاص بمجالb السياحة بالتزام الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة بتهيئة الظروف المادية والمعنوية لاستقبال الأجانب من توفير الشروط الملائمة للراحة من أمن واستقرار في الأوضاع الاقتصادي والاجتماعية في إقليم الدولة المستضيفة.
إن الجزائر بفعل انضمامها للمنظمة العالمية للتجارة تجد نفسها مضطرة إلى تنفيذ ومراعاة كل الالتزامات المتعلقة بتجارة الخدمات والاتفاقيات السابقة وكذا تحرير تجارة الخدمات من خلال فتح أسواقها المحلية أمام موردي الخدمات الأجانب، وذلك عن طريق السماع لهم بالتواجد التجاري في إقليم الدولة، وذلك بإنشاء شركة أو فرع أو مكتب في إقليم الدولة المستوردة للخدمة كي يمثله أو عن طريق السماح للأفراد الأجانب بالعمل في مشروعات خدمية تلتزم الدولة بتحريرها وفتحها للمنافسة الأجنبية، لكن هذا مع السماح لكل دولة بوضع الشروط التي تراها مناسبة لحماية مصالحها.(1)
على ضوء كل مكسب فيمكن القول أن انعكاسات الانضمام للمنظمة العالمية للتجارة ستكون لها أثار مكلفة جدًا على قطاع الخدمات الجزائري، نظرًا لتأخره وعدم تهيئته لمسايرة المنافسة المقاييس العالمية، حيث يستدعي هذا القطاع الإسراع بالقيام بالعديد من الإصلاحات، سواء تزويده بإطارات فنية تكنولوجية حديثة والتي تسمح بإعطائه نفس جديد لمواكبة التطور الحاصل في مجاله على المستوى العالمي.
المطلب الثاني: الآثار المتوقعة على الهيكل الاجتماعي
نتيجة بداية تطبيق الجزائر للالتزامات الخاصة باتفاقيات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، سوف يترتب على هيكلها الاجتماعي آثار سلبية وإيجابية التي نوجزها في بعض النقاط التي نراها أساسية كالتالي:
الفرع الأول: الآثار السلبية
أولاً- القدرة الشرائية: يمكن التعبير عن القدرة الشرائية بتوفر السيولة مع تدني قيمتها الحقيقية وهذا ما تعاني منه حقيقة مداخيل المجتمع الجزائري، ترتب عن اتفاقية تخفيض قيمة الدينار مقابل العملة الصعبة الدولار ارتفاع مستوى الأسعار و فقدان قيمة النقد الحقيقية حيت أصبح مبلغ كبير من النقد يلبي حاجات ضئيلة جدا للمواطنين ، ضف إلى هذا انخفاض المداخيل و عدم قدرة الطبقات المتوسطة و الفقيرة عن تلبية معظم حاجياتها الأساسية أمام السلع التي تعتبر كلها محل استيراد بالعملة الصعبة.
ثانيا- البطالة: نتيجة لتحرير الأسواق و دخول المستثمرين الأجانب و السياسات التي بدأت الجزائر في تطبيقها من إعادة هيكلة المؤسسات و الخوصصة، تبلور و برز مشكل تسريح العمال المشكل إلي أصبح أكثر تخويفا للكتلة العاملة التي يزداد عددها يوميا، حيث تعرف الجزائر تضخما للعمالة في كافة مستويات مؤسساتها العمومية و أكثر من هذا توظيف عدد يفوق ما تتطلبه المؤسسة من عمال، نتيجة انتهاج سياسة تحرير السوق المحلي سوق يعرف سوق العمالة أزمة ذلك لزيادة العرض عن الطلب، العامل الذي بفرز البطالة لعدد كبير من العامل القادرين عن العمل، و تسريح العديد منهم نتيجة طرح العديد من المؤسسات العمومية لعملية الخوصصة.
ثالثا – خروج المستثمرين الصغار من السوق : نتيجة لتحرير الأسواق الداخلية و فتحها أمام الموردين و ما ترتب من انخفاض قيمة التعريفة الجمركية عليهم ، و رفع الحماية من طرف الدولة على المستثمرين الصغار سوف تخلق منافسة غير عادلة بين المستثمرين المحليين الصغار و المستثمرين الأجانب ، نضرا لما يتمتع به هذا الأخير من خبرة وجود النوعية وقلة التكاليف هذه المنافسة الغير عادلة سوف تسرع من إفلاس و خروج العديد من المؤسسات الصغيرة و المتوسطة من سوق المنافسة و بالتالي تفقير العديد من الأسر .
رابعا - الفقر: ينتج عن تدهور القدرة الشرائية و تسريح العديد من العمال من المؤسسات و إفلاس الكثير من هذه الأخيرة ما يسمى بظاهرة الفقر التي تهدد كيان المجتمع و العائلة الجزائرية بصفة خاصة حيت تعيش معظم العائلات في مستوى ما دون الفقر عاجزة حتى على تلبية حاجياتها الضرورية من مأكل و سكن....الخ، نتيجة تدهور الأوضاع الاجتماعية و ترديها سوف تتوسع ظاهرة انتشار الآفات الاجتماعية الخطيرة في المجتمع الجزائري و هذا ما سيقف عائقا أمام عمليات التنمية.
خامسا – الطبقية: في ضل انتهاج الرأسمالية و فتح الأسواق الجزائرية على العالم سادت فكرة الغني يزداد غنى و الفقير يزداد فقرا ، سرع هذا بتلاشي الطبقة المتوسطة في المجتمع وسمح بظهور طبقتين : الطبقة رأسمالية قيادية و طبقة العمال المنقادة ن و هذا ما يلاحظ الآن في المجتمع أن هناك طبقة الأغنياء التي تتحكم في زمام الأمور الاقتصادية للبلاد ، و طبقة العمال التي تعيش في خدمة الطبقة الأولى و تحت رحمتها، سمح كل هذا بتجلي و ظهور الفروقات الاجتماعية في المجتمع الجزائري.
الفرع الثاني : الآثار الايجابية
بالرغم من كل السلبيات المترتبة على الهيكل الاجتماعي الجزائري من جراء فتح الأسواق ، تستوقفنا بعض الآثار الايجابية التي يمكن التطرق إلى بعضها :
أولا – تنمية و تطوير خبرات العمال : نتيجة لتدفق الاستثمارات المباشرة و استراتيجيات الإنتاج المطبقة في الجزائر و الدورات التكوينية للعمال و الشراكة في التسيير برزت خبرات عمالية محلية مؤهلة قادة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الصائبة و قادرة على دفع عجلة التنمية المحلية بالطرق و المقاييس العالمية.
ثانيا- تنوع ثقافة الاستهلاك :سمح دخول المستثمرين الأجانب بتقريب سلع و خدمات بأسعار معقولة و جودة عالية للمجتمع الجزائري كالانترنيت و السلع و التكنولوجية المتطورة حيث اتسعت دائرة حاجيات الأفراد و تغيرت ثقافة استهلاكا تهم نحو الأفضل .
ثالثا - تحسن الخدمات المالية : ظهر مؤخرا في الجزائر تحسن ملحوظ في الخدمات المالية و خدمات شركات التأمين ، كان هذا نتيجة لتبني هذه المؤسسات لتقديم خدمات على المقاييس العالمية و كدا إعادة هيكلة العديد منها إضافة إلى استفادة هذا القطاع من الدعم المالي المقدم من طرف المؤسسات العالمية المالية ، و كذا تغير ذهنية المجتمع الجزائري و رغبته في التعامل مع هذه المؤسسات الخدمية.
وبصفة عامة هذه بعض الآثار التي يمكن أن تنجم عن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة و ان لم تتخذ الرتيبات اللازمة لمواجهتها و التقليص من حدتها سوف يتأزم وضع الهيكل الاجتماعي الذي يعتبر بمثابة ركيزة الاقتصاد الجزائري ، و يمكن أن نقترح بعض العناصر التي تساعد على التخفيف من أثر صدمة الانضمام على الهيكل الاجتماعي من خلال :
b اعتماد المشاريع الكبرى التي تمتص البطالة التي تنجم على الانضمام و تلك التي نعاني منها حاليا.
b اعتماد التكوين المتخصص الذي يحتاجه سوق العمل حتى لا نستمر في تكوين البطالين .
b تفعيل دور التكوين داخل المؤسسات الاقتصادية الجزائرية على كل المستويات بما فيهم المسؤولين السامين في المؤسسة.
المطلب الثالث: الآثار المتوقعة على الهيكل السياسي
نظرا لتأثر الهيكل السياسي الجزائري بالتغيرات التي عرفها الهيكل السياسي على المستوى العالمي، يمكن إبراز عدة تأثيرات لانضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة على المستوى السياسي فيما يلي:
الفرع الأول: السيادة الاقتصادية للدولة تحت التهديد:
إن الجزائر و على غرار العديد من دول العالم الثالث و هي تسعى للتأقلم مع التحولات الكثيرة الني تحدث على المستوى العالمي فهي تتنازل عن جزء هام من سيادتها على القرار الاقتصادي المحلي ناهيك عن السيادة السياسية و يتجلى ذلك بوضوح إذا ما نضرنا إلى الاتفاق الموقع ما بين صندوق النقد الدولي حول إعادة الجدولة للديون الخارجية و الذي أرغمها على القيام بالالتزام ببرنامج التعديل الهيكلي تحت إشراف خبراء ممثلين له، إضافة إلى وضع الاقتصاد الجزائري تحت المراقبة و من جهة انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة ، فمن غير المبالغ القول أنها تقوم على الانتقاص من السيادة الوطنية.
الفرع الثاني : التخلي عن القرارات السياسية :
نتيجة تحول الجزائر إلى اقتصاد السوق و فتح أسواقها عالميا تكون قد تخلت عن دورها و فعاليتها الاقتصادية لصالح القطاع الخاص المحلي و الرأسمالي الأجنبي و الشركات معددة الجنسيات و بهذا التصور تكون الجزائر قد تخلت بصفة مباشرة عن وظيفتها الاقتصادية و الذي ينتج عنها ضعف سيطرتها على القارات السياسية هذا الذي يتيح للرأسمال العالمي و الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية السيطرة على النسيج الاقتصادي و القرارات الاقتصادية، الأمر الذي يساعد على إلغاء العمليات الاقتصادية المحلية و يساهم في إضعاف و إلغاء دور الدولة لصالح قوى العولمة(1)
الفرع الثالث: التدخل الخارجي في اختيار استراتيجية مناسبة
تم اختبار استراتيجيات الإصلاح الاقتصادي الوطني من إعادة هيكلة المؤسسات و الخوصصة تحث ضغط الظروف الخارجية التي تمليها الاتفاقيات و المنظمات و المؤسسات النقدية العالمية على القرار الداخلي الجزائري، نضرا لارتباط و تزايد اعتماد هذا الأخير على التمويل الخارجي بالقروض و كذا الديون المترتبة عليها.
الفرع الرابع: سيطرة المستثمرين الأجانب
سيطرة المستثمرين الأجانب من شركات متعددة الجنسيات و تكتلات إقليمية على أنظمة الحكم في الجزائر من خلال الدعم المالي للحملات الانتخابية و اختيار القادة الدين يحملون في برامجهم سياسات تخدم مصالح هؤلاء الأجانب.
الفرع الخامس: التبعية للخارج في اتخاذ القرارات
يستلزم اتخاذ القرارات محليا بمراعاة الاتفاقيات و الشروط التي أمضت عليها الجزائر مع الخارج و بالتالي سوف يكون مآل العديد من القرارات السياسية والاقتصادية إلى قرارات شكلية تحوي في مضمونها التدخل الخارجي ، فاتخاذ القرارات آل و سوف يستمر بالمصادقة الخارجية عليه ، وغلا فإن الجزائر لن تستطيع القيام بأي خطو ة سياسية و اقتصادية حتى و ان كانت تخدم مصالحها.
الفرع السادس: التحكم من خلال المجال الاقتصادي
وتمظهرت هذه التبعية من خلال الأقمار الصناعية بشكل أعمق من خلال شبكات الانترنيت التي تربط بين الجزائر والعالم، حيث تم وضع رقابة لا حدود لمجالاتها ومداها على كل التغيرات التي تحدث على مستوى كل الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية والسياسية في الجزائر.
نتيجة لموصلة مسيرة المفاوضات للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة ومحاولة التأقلم مع التحولات الكبيرة التي تحدث على المستوى العالمي، تحتم على الجزائر أن تتنازل على جزء هام من سلطتها خصوصا على القرار السياسي.
المبحث الثالث: تأهيل الدولة للاقتصاد لمواجهة تحديات الانضمام
يقتضي على الدولة لمواجهة تحديات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة القيام بترتيبات استراتيجية داخلية وخارجية، وذلك في نطاق الاعتماد على الإمكانيات والقدرات ومحاولة ترقيتها وتأهيلها بالتركيز على مستويين هما: - التأهيل على المستوى الداخلي والتأهيل على المستوى الخارجي للاقتصاد الوطني، وسنحاول التطرق لهذين المستويين فيما يلي:
المطلب الأول: تأهيل الاقتصاد على المستوى الداخلي
إن تأهيل الاقتصاد الجزائري على المستوى المحلي من أجل مواجهة الآثار السلبية للمنافسة الخارجية غير المتوازنة يقتضي الاعتماد على الإمكانيات الذاتية أولا، وترقية قدرات الاقتصاد الوطني ثانيا ويتطلب ذلك القيام بمجموعة من الترتيبات أهمها:
الفرع الأول: إعادة هيكلة القطاع العمومي
يتميز هذا القطاع بمعدل بطالة كبيرة تقدر بـ 29% ويزداد بربع مليون كل سنة في الفئة النشطة واعتماد كلي على منتوج واحد فيما يخص الصادرات (البترول، وجهاز إنتاجي لا يعمل إلا بنسبة 50%، كما يتميز بحساسية مفرطة للتغيرات الطارئة على المستوى الدولي وغيرها...، وتعتبر هذه المميزات غير مشجعة للاقتصاد الجزائري، وبالتالي فهي تعكس ضخامة التصحيحات التي يجب القيام بها، ذلك من أجل تحقيق معدل نمو مقبول.
أولا- أهداف إعادة الهيكلة: تهدف إعادة الهيكلة في الجزائر إلى:
b تخفيض أعباء عجز القطاع العام على الدولة.
b إعادة تنظيم وتأهيل القطاعات التي يمكن أن يساهم في عملية التنمية وتقليص البطالة.
b تكثيف النسيج الصناعي، الذي يشكل القطاع الخاص والدولي المحرك الأساسي له، ومن أجل هذا تم إنشاء:
- إصدار قانون جديد للاستثمار (قانون 23-12) في 15 أكتوبر 1993م.
- إيجاد توفير وزارة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
- إنشاء وكالة لترقية الاستثمارات ودعمها ومتابعتها.
- إدماج الاقتصاد الوطني في السوق العالمي وبالتالي البحث عن تحسين الأداء والفعالية.
ثانيًا- مضمون إعادة الهيكلة:
b الخوصصة: تجسدت الخوصصة حقيقة في الواقع الحالي في الاقتصاد الجزائري، ونلمس ذلك من خلال إصدار العديد من القوانين المتعلقة بخوصصة المؤسسات والشركات العمومية، ونستنتج ذلك من خلال إصدار قانون المالية التكميلي لسنة 1994م، وإصدار القانون المتعلق بالاستثمارات وأخيرا صدور القانون 25/22 المؤرخ في 26/08/1995م، والمتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية(1).
ويمكن الإشارة إلى مراعاة بقاء سيطرت الدولة على القطاعات والمؤسسات الحساسة والاستراتيجية في ظل تطبيقها لعمليات الخوصصة، وتطبيقا لمشروع خوصصة تم طرح أكثر من 1000 وحدة مؤسساتية للخوصصة والشراكة في التسيير.
على الرغم من تعدد أهداف الخوصصة وكثرتها إلا أنها تهدف عموما إلى تحسين الأداء الاقتصادي الوطني من خلال:
- إعادة تحديد دور الدولة عن طريق تخليها عن دورها كمنتج ومسير، هذا من شأنه إنقاص الإختلالات واستعمال أحسسن الموارد الوطنية، خاصة منها المالية.
- تحسين الإنتاجية على المستوى الوطني، والذي يمثل دافع ومحرك أساسي من أجل الدخول لاقتصاد السوق.
- خوصصة العلاقات بين الأعوان الاقتصاديين ، هذه الأخيرة التي تشكل القاعدة الأساسية في اقتصاد السوق.
لقد ضغطت جميع الدوافع المذكورة لتمر إلى الخوصصة، ويمكن تبيين اتجاهين أساسيين للخوصصة:
- اتجاه خوصصة المؤسسات العامة الاقتصادية الذي جاء في 16/14/1994م، والذي أنشئت لها وزارة خاصة وهي وزارة إعادة هيكلة المؤسسات الصناعية.
- اتجاه الانفتاح على الاستثمارات الخاصة والتي أنشئت لها الدول وزارة مكلفة بتنشيطها هي وزارة الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
b إعادة هيكلة المؤسسات العمومية: إن مفهوم إعادة هيكلة المؤسسات العمومية الاقتصادية وانسحاب الدول من الإنتاج كعون اقتصادي وجميع النشاطات ذات الطابع التنافسي لفائدة القطاع الخاص كمالك أو مسير تبقى فقط محافظة على ممارسة ثلاث أدوار أساسية هي:
- دورها كمنظم يسهر على وضع الشروط القانونية والتنظيمية التي تسمح للاقتصاد الوطني أن ينشط بانسجام مع فرص احترامها.
- دور كمحامي للمواطنين في حصولهم على السلع والخدمات بسهولة وبعدالة.
- دورها كمنشط للتنمية عبر السياسات المالية والنقدية التشريعية.
إن النظرة السياسية التي تقول أن إعادة الهيكلة هي تحرير القطاع العام وجعل آليات السوق وقوانينه هي المتحكمة في تنظيم النشاط الاقتصادي العام للبلاد، ومن أهم التدابير المعتمد في هذا المجال فيما يخص المؤسسات العمومية الاقتصادية نجد تحرير هذه المؤسسات من قيود المادة 05 من قانون 88/01 التي تجعل منها شركات مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة تملك الدولة أو جماعتها المحلية مباشرة أو غير مباشرة جميع الأسهم والحصص، وذلك طبقا لنص المادتين 24 و25 من قانون المالية التكميلي الذي يسمح لهذه المؤسسات أن تبيع بعض أصولها الثابتة أو كل الوحدة وأن تفتح رأس مالها للمشاركة الخاصة في حدود 49%.(1)
إن الاتجاه نحو إعادة هيكلة القطاع العمومي يدعو إلى تبني سياسة المحافظة على المؤسسات الاستراتيجية للدولة مع خوصصة كل المؤسسات غير القابلة للحياة أو غير القادرة على الاستمرار في الإنتاج والتطور، وكذا تصفية كل المؤسسات التي لا يرجى منها النجاح في مواصلة نشاطها الاقتصادي.
الفرع الثاني: تشجيع الصادرات خارج قطاع المحروقات
أولا- تطورات مستويات التجارة الخارجية: تم تحرير التجارة الفعلي بعد إصدار التعليمة 03 /1991، في أفريل 1991، والمتضمنة شروط وقواعد تمويل عمليات الاستيراد وتحدد مجال تدخل الدولة في استيراد الجزائريين الخواص منهم والعموميين، وفي 18/08/1992م، تم إصدار التعليمة رقم 625 التي تهدف إلى تحديد النفقات بالعملة الصعبة إلى أقل ما يمكن، وهكذا نلاحظ بأن هذه التعليمة وضعت إجراءات حمائية إلى صيانة الاقتصاد الوطني، وهذا ما يتنافى وشروط صندوق النقد الدولي وكذلك المنظمة العالمية للتجارة، ومن ناحية أخرى من خلال التعليمة السابقة تم وضع مشروع للاستثمار الأجنبي يتم من خلاله تشجيع المؤسسات الأجنبية على المساهمة في المؤسسات العمومية التي تمت خوصصتها فإن هذا القانون ألغى التمييز بين الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
في إطار برنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تم وضع برنامج لمدة ثلاث سنوات يتم بموجبه الحصول على 01 مليار $ أمريكي، وتضمن هذا الاتفاق مبدأ تحرير التجارة الخارجية وتطبيق القانون الخاص للاستثمار وإدراج النصوص التطبيقية لهذا القانون وإصلاح نظام الصرف، كما أعطيت صلاحيات لبنك الجزائر من أجل إصلاح سياسات الصرف، وبضرورة ضمان تحديد النسبة تبعا لآليات السوق وفي هذا السياق أصبح يتعامل بقاعدة قابلية صرف الدينار لقطاع التجارة الخارجية، هذا بالإضافة إلى تحرير جميع عمليات الاستيراد باستثناء السلع الحيوية، أما في السنوات الأخيرة فإن سياسة الحكومة للتجارة الخارجية هدفت إلى تحسين الحساب الجاري في المدى المتوسط والتحرير الكامل لهذا القطاع، والسعي إلى تخفيف عبء المديونية، واستمرار انتهاج سياسة مرنه للسعر ونظام الصرف والعمل على زيادة الاحتياجات الخارجية، ويمكن إبراز خطوات التأهيل في ظل اعتماد قاعدة تشجيع الصادرات خارج المحروقات من خلال استراتيجية التصدير وكذا الاستفادة من الاستثناءات.
b استراتيجية التصدير:في الدراسة لهذه الاستراتيجية سوف نقتصر على إبراز دور المؤسسة وكذا المحيط أو البيئة المحيطة بالمؤسسة.
- من وجهة دور المؤسسة: يجب القيام بعملية تشخيص للاقتصاد الوطني وهذا للتعرف أكثر على المؤسسات القادرة على التصدير وكذلك المؤسسات القابلة لإجراء تصحيحات، هذا من أجل رفع نوعية منتجاتها لتكون قادرة على المنافسة في الميدان المؤسساتي والبشري كما يجب تحسين العوامل التي تساعد على ترقية نوعية المنتوج، ويجب الإشارة إلى أن التصدير خارج إطار المحروقات لا يجب أن يكون عملية على المدى القصير، بل يجب أن تتم وفق أهداف طويلة الأجل، ولتحقيق هذا يجب مراعاة عاملين أساسيين:
الأمر الأول هو غرس ثقافة§ التصدير للمتعاملين الاقتصاديين لأن التصدير ليس مجرد أمر ظرفي لتجاوز عقبة معينة، بل هو رهان من اجل بعث التنمية الاقتصادية.
الأمر الثاني§ هو تتبع التطورات الاقتصادية في العالم خاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا ذلك أن المنتوجات المصنعة حاليا تحتوى على 20% من المواد الأولية و80% من مجهودات إنسانية عقلية.(1)
من جهة محيط المؤسسة فإنه يجب توفير الشروط§ اللازمة لتطوير الصناعات والإنتاج المحلي ذلك من خلال عمل البنوك على تنظيم المبادلات وتأطير وتأمين القروض، ترتيب نظام التصدير من أجل تسهيل الإجراءات الجمركية وتخفيض تكلفة التصدير.
تهدف هذه الإجراءات في مجملها أساسا إلى جانب المنتوج الوطني قادرا على المنافسة في الأسواق الخارجية لتخفيض تكلفته عند التصدير وتحسين نوعيته.
الاستفادة منb الاستثناءات: تعتمد الجزائر في سياساتها التجارية اعتمادا كليا على الأسواق التجارية الدولية إذ وبالتمعن في هيكل وارداتها نجد في المقدمة الوسائل الصناعية الإنتاجية، وسائل التجهيز والمواد الاستهلاكية غير الغذائية، إذن سياسة تعبئة الطاقات في المرحلة القادمة تقتضي التعديل وذلك من خلال:
- تشجيع التنمية المحلية في كل المجالات: من خلال تشجيع وتقوية القدرات الإنتاجية وتأهيلها وإنعاش النشاط الإنتاجي وزيادة المدخرات والاستثمارات وتحسين إدارة الضرائب وخاصة المؤسسات الفالسة، وإعادة توطين رأس المال الهارب، وإعادة إصلاح المنظومة المصرفية وتحرير أسعار الصرف وتخصيص الموارد البشرية على استخدامها بأحسن الطرق، وضمان حقوق المستثمرين الأجانب وتحرير قطاع الخدمات وتحسين المنافسة المحلية من خلال تخفيض التكاليف وتوطين التكنولوجيا وإحداث مراكز البحث والتطوير مع الاهتمام أكثر بالعامل البشري الذي يعتبر أساس عملية التنمية ويمكن التطرق إلى بعض هذه العوامل لاحقا.
- إعادة هيكلت الأوضاع الاقتصادية الداخلية:
§ عدم التسرع في الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة وذلك بترشيد القرارات المتخذة.
§ تأهيل ورفع كفاءة وفعالية القطاع الخاص بزيادة مساهماته وإلغاء العراقيل التمييزية خصوصا بعد تجسيد أولوية الاستثمار الأجنبي.
§ الحفاظ على سيطرة الدولة على القطاعات الاستراتيجية والعمل على إيجاد صيغ للشراكة مع القطاع الأجنبي والتكتلات الاقتصادية.
§ التركيز على الفروع والأنشطة الاقتصادية التي يتميز فيها الاقتصاد الوطني بميزة طبيعية أو نسبية في القطاع الزراعي و الصناعي والخدماتي... ومحالة ترقيتها.
§ ترقية الحوار الاجتماعي وتحديثه عن طريق المناقشة المتعلقة بالخيارات الأساسية الاستراتيجية.
§ العمل على محاربة الرشوة وكل أنواع الفساد الذي ينخر جسد الدولة.
§ إعادة النظر في بنية الجهاز التجاري عن طريق رفع مستوى صادراتها وتنويعها وتجنب التوازن الوهمي بين الصادرات والواردات وإصلاح ميزاننا التجاري.
الفرع الثالث: السياسة الزراعية والصناعية(1)على الجزائر أن تقوم بتأهيل قطاعاتها الاقتصادية من زراعة وصناعة وخدمات وغيرها، قصد الانضمام إلة المنظمة العالمية للتجارة، فأهم هذه التأهيلات ستكون على المستوى الصناعي والمستوى الزراعي وذلك بكيفية تسمح بمراجعة ورفع الدعم الحكومي في المجال الزراعي وإعادة تنشيط قطاع النسيج الصناعي وجعله قادرًا على المنافسة الأجنبية.
أولا- الاهتمام بالقطاع الزراعي: لتفادي الانعكاسات السلبية للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة تسعى الجزائر إلى ترقية هذا القطاع من خلال:
b وضع سياسة تقارب بيين الأوضاع السائدة في الأسواق المحلية والأوضاع السائدة في الأسواق الدولية والاستفادة من الفترات الانتقالية الخاصة بتنفيذ الدعم.
b استخدام التقنيات والوسائل الحديثة في القطاع الزراعي، والتجديد المستمر للوسائل والتجهيزات مع كل مستحدث تكنولوجي.
b تكثيف الدراسات والبحوث وتخصيص ميزانية سنوية للبحث في المجال الزراعي.
b الزيادة في الاستثمارات الزراعية لتغطية ارتفاع الأسعار وتحسن الاستجابة للعرض.
b تشجيع الاستثمار في قطاع الزراعة في الجنوب عن طريق الدعم المادي وتوفير خدمات ما بعد الاستثمار، من ري، وتخزين، ونقل...الخ.
b التشجيع على الاستثمار في القطاع الزراعي عن طريق تقديم امتيازات وتسهيلات للمستثمرين كالإعفاءات الضريبية كالتسويق والترويج للمنتجات المحصلة.
b تكوين إطارات وخبرات ذات الكفاءة العالية في هذا المجال وتوعية المستثمرين من خلال حملات التوعية والتكوين.
b العمل على توعية المجتمع خصوصا الشباب منهم بضرورة الاستثمار في القطاع الزراعي.
b وضع نظام قانوني لتطهير العقارات الفلاحية.
ثانيا- تنشيط قطاع الصناعة: في إطار اندماج الاقتصاد الجزائري في الاقتصاد العالمي والانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة سوف يستجيب على الجزائر ترشيد التسيير الصناعي لمواجهة انعكاسات الانضمام من خلال:
b توطين وإدخال التكنولوجيا على قطاع الصناعة والعمل على مواكبة كل مستحدث تكنولوجي.
b التكوين المستمر لليد العاملة المحلية عن طريق تنظيم محاضرات ملتقيات أجنبية لتبادل الخبرات، والتشجيع على الاستثمار في الصناعات الحساسة والاستراتيجية كالصناعات الالكترونية والصناعات المنتجة للصناعات ووسائل الإنتاج.
خوصصة المؤسسات الصناعية في أقرب وقت ممكن لكي تتمكن هذه الأخيرة من الانطلاق في العمل، وهذا لاستغلال الفترة الممنوحة من طرف المنظمة العالمية للتجارة.
b محاول توطيد العلاقة بين المؤسسات الصناعية والبنوك لمنحها قروض تساعدها على تسريع نموها.
b تقريب مختلف المناطق الصناعية من الإدارات الخدمية خاصة النقل الجوي والبحري قصد التصدير بأقل التكاليف والقدرة على المنافسة.
b العمل على إنشاء مؤسسات صناعية بالقرب من المناطق التي تتوفر على المواد الأولية، وتدعيمها نظرًا لكثرة التكاليف التحويلية.
b الاعتماد على التخصص في الإنتاج بإنشاء مؤسسات فرعية صغيرة تقوم بتجميع مراجل تصنيع المنتجات للمؤسسة الأم.
b الاهتمام بالصناعات الأقل تلوثا.
b الاهتمام بالمؤسسات التي تستهلك الوقود والطاقة بكثرة.
b العمل على إدماج المؤسسات الصناعية الكبرى بدلا من تقسيمها، لكي يكون لها وزن تفاوض كبير على المستوى الدولي.
إن استغلت الجزائر الطاقات في قطاعاتها الاستراتيجية والتزمت بالوفاء بوعودها وإتباع خطوات وسياسات الإصلاح المرتبة سوف تستطيع تجنب معظم الآثار السلبية المترتبة على الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة.
الفرع الرابع: الإصلاحات التنموية
تدور عملية الإصلاحات التنموية حول فكرة تمييز المصادر المحلية المتاحة التي من بينها:
أولا- تنمية المصادر البشري: إن مسيرة التنمية في الجزائر أسيرة بتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة تفوق معدلات النمو الديمغرافي لتضييق الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة وهذا الأمر يتطلب لتحقيقه تطوير وخلق الكفاءات والكوادر (رأس المال البشري) القادر على توليد الثقافة الأكثر ملائمة لظروف الجزائر، من خلال التركيز على عنصري التعليم والبحث العلمي والتطوير.
ثانيا – تسيير المرافق العمومية بشكل أفضل: يكمن مفتاح قيام اقتصاد سوق أكثر حيوية في الجزائر على نوعية التصرف في المؤسسات العامة وفي درجة ثقة الوكلاء الاقتصاديين المحليين والأجانب في هذا التسيير ويمكن إيجاز العوامل المؤثرة إيجابا في هذا الأداء في:
b إطار مؤسساتي قانوني يشجع تطور اقتصاد قائم على المؤسسات اكثر فعالية.
b خلق بيئة تنافسية تجعل السوق أكثر نجاعة.
b ضمان شفافية أكثر لنشاط المؤسسات الاقتصادية.
b إجراءات صارمة لمكافحة الرشوة والفساد.
ثالثا- إصلاح سياسات الأسعار: من خلال تحريرها داخليا وخارجيا، على أن تكون الأسعار العالمية هي المرجعية لهذا التحرير، مع الالتزام ببرنامج لتعديل الهيكلي الذي يوصي برفع الدعم لأسعار المنتجات الطاقوية والتخفيض التدريجي للإعانات الممنوحة لأسعار السلع والخدمات وإلغاء كل أشكال الدعم المباشر وغير المباشر، كذلك تحرير أسعار الخدمات وخاصة في مجال النقل والمواصلات والاتصالات.
يبقى انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة معلقا ومرهونا بقدرتها على الوفاء بوعودها، وقدرتها على القيام بمباشرة التأهيلات الداخلية على أرضية الواقع الملموس.
المطلب الثاني: تأهيل الاقتصاد على المستوى الخارجي(1)
في مسعى الجزائر لتحقيق اندماجا إيجابيا في الاقتصاد العالمي واقتضت الضرورة العمل على إيجاد إطار استراتيجي تجنب به الاقتصاد الوطني من الانعكاسات السلبية للعلاقات الاقتصادية الدولية وذلك من خلال استغلال الإمكانيات المتاحة خارجيا وتأهيلها، ويقتضي التأهيل على المستوى الخارجي القيام بـ:
الفرع الأول: البحث عن أسواق جديدة
إن الرغبة في الاتجاه نحو تحرير التجارة الخارجية للجزائر صاحبتها لهفة شديدة للاندماج والتكتل في محتوى الكيانات الاقتصادية العالمية وذلك قصد كسب مناطق نفوذ جديدة والبحث عن ترتيبات حمائية لاقتصادها الوطني لتجنب موجة العولمة.
أولا- التأهيل على المستوى الإقليمي: تسعى الجزائر مع دول المعرب العربي إلى إنشاء تكتل إقليمي مغاربي يقوم على أساس المصالح المتبادلة المشتركة لا على أساس العواطف والشعارات نظرًا لما تتميز به هذه الكتلة المغاربية والجزائر من قدرات وإمكانيات تؤهلها لمواجهة القوى الاقتصادية العالمية من أهمها(2):
b الاحتياطيات البترولية والغازية والمواد الأولية الضخمة.
b المساحة الشاسعة التي يتربع عليها المغرب العربي، حيث تفوق 5.8 مليون كلم.
b حجم الأراضي الزراعية التي تزيد عن 21 مليون هكتار.
b اتساع السوق الاستهلاكي حيث يزيد سكانها عن 80 مليون نسمة، والعدد الهائل لليد العاملة المؤهلة.
b موقعها الجغرافي الذي يجعل منها بوابة للقارة الأفريقية.
بتشكيل هذا التكتل المغاربي سوف تزداد الحظوظ للاقتصاد الجزائري، حيث سيتم توسيع حركة المبادلات التجارية وإعطاء ديناميكية جديدة لدفع عجلة التنمية بمعدلات أكثر تسارعا إضافة إلى دعم موقف ووزن الجزائر التفاوضي على المستوى العالمي.
ثانيا- الشراكة الأورمتوسطية(1): يتميز الاقتصاد العالمي ببروز فضاءات اقتصادية جديدة ولعل من أهمها ما يعرف بالتكتلات الإقليمية والجهوية كالاتحاد الأوروبي وبلدان جنوب شرق آسيا وإتحاد النافتا الأمريكي...الخ، حيث أصبح مسار التكتلات الإقليمية والجهوية سلوكا سياسيا واقتصاديا وثقافيا تسلكه جميع الدول للحفاظ على بقائها ضمن الخارطة الدولية والجزائر من بين هذه الدول وسعيا منها لمواصلة سياسة تأهيل اقتصادها، تتبع هذا المسار من خلال عقود واتفاقيات الشراكة والمفاوضات التي تنظمها وترتبها مع الاتحاد الأوروبي، وهي ما تسمى باتفاقية الشراكة والانتساب لدول المغرب العربي مع الاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر هذه الاتفاقية ترتيبا حمائيا لاقتصاد الجزائر والدول المغربية من مخاطر العولمة الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط، فالجزائر بحاجة إلى مشروع قومي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية الثقافية والعلمية والتكنولوجية، حيث يقوي ويدعم مركزها التفاوضي في إطار الشراكة ويضمن لها نتائج أحسن من خلال جلب الاستثمار الأجنبي المباشر والاستفادة من المساعدات المالية وتوطين التكنولوجيا...الخ، كلها عوامل من شانها تقوية مركز الجزائر في إطار حوار عالمي مشترك.
الفرع الثاني: تقليص المديونية والاستفادة من الثورة والمعلوماتية
تسعى الجزائر إلى تركيز معظم السياسات والاستراتيجيات لتأهيل الاقتصاد الوطني على المستوى الدولي هذا من جهة تقليص حجم المديونية الخارجية والتخلص من التبعية الاقتصادية والسياسية وكذا إعادة التوازن لأسواق رؤوس الأموال، والتقليص من مستحقات خدمات الديون وفوائدها، ومن جهة أخرى الاستفادة من الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال من خلال العمل على تغطية كل مستحدث تكنولوجي على مستوى الاتصال والإعلام خاصة فيما يتعلق بظهور شبكات الانترنيت التي ساهمت بدورها في التقليل من عقبة الحدود الجغرافية والاستفادة من الخدمات التكنولوجية لتخفيض تكليف النقل والاتصال ما بين الدول، إضافة إلى العمل على التمرن على التكنولوجيا مهاراتها وتوطينها على المستوى الداخلي من خلال منح تسهيلات للمستثمر الأجانب والموردين لها وتخصيص تكاليف لإقامة بحوث التطوير.
الفر ع الثالث: تفكيك التعريفة الجمركية
تترقب الجزائر من خلال فتح أسوا قها تدفق المزيد من رؤوس الأموال والتكنولوجيا والشركات، وسعيا منها للاستفادة من هذه التغيرات والتطورات الاقتصادية محليا، تسعى إلى مواصلة تخفيض وتفكيك التعريفة الجمركية من خلال التصديق على الاتفاقيات المبرمة تدريجيا، وذلك بخصوص المنتجات الصناعية والسلع والخدمات وبذلك تصبح الجزائر البعد الأقل حماية في المتوسط على المدى القصير كما أن الجزائر بتنقيحها للتعريفة الجمركية تكون قد راهنت على الرفع من نجاعة اقتصاد مؤسساتها وضمنت استقبال أسواق عالمية جديدة.
الفرع الرابع: تسوية سعر الصرف
تعتبر عملية تسوية سعر الصرف من أهم المعايير الأساسية لبرنامج التعديل الهيكلي نظرًا لما له من دور في تثبيت العجز في ميزان المدفوعات حيث ركزت الجزائر اهتمامها على حرية دخول العملة الصعبة لتمويل اتفاقات التجارة الخارجية، وإلغاء احتكار الدولة لعملية استيراد المواد الاستراتيجية إلى جانب تشجيع القروض من أجل وضع الاستيراد في متناول المتعاملين الاقتصاديين الخواص، والعمل على تحديد أسعار الصرف بطرق تحكيمية تعكس حالة السوق الدولي، ومن أهم الإجراءات المتخذة في سبيل تطوير التجارة الخارجية:
الإجراءاتb الخاصة بنظام الصرف وذلك بتخفيض سعر الدينار بالنسبة للدولار، وإنشاء مكاتب للصرف ووضع سياسة من شأنها ضمان المنافسة الخارجية وإنشاء نظام جديد للحصص بين البنك الجزائر والبنوك التجارية الخارجية.
الإجراءاتb الخاصة بتحرير التجارة والمدفوعات الخارجية، ومنها كل أشكال منح التصدير للمواد باستثناء بعض المواد وتخفيض الحد الاعظمي للحقوق الجمركية.
إن ميكانيزمات التأهيل وغيرها التي قامت بها الجزائر يمكنها أن تعزز جهاز المناعة لاقتصادنا حتى يكون أكثر صلابة أمام الانعكاسات والآثار الناجمة عن توقيع اتفاق الانضمام على المنظمة العالمية للتجارة.
على الرغم مما تكتسيه عملية التأهيل من أهمية بالغة في إنعاش الاقتصاد الوطني على المستوى الداخلي والخارجي إلا انه يمكن الإشارة إلى تقلص جدوى هذه التأهيلات، إن تمادت الدولة في العمل على تجسيدها على أرض الواقع.
الفرع الخامس: سلبيات وإيجابيات انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية
لانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة مكاسب وعائق نوجزها في الآتي:
b إن الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة يتم بناءا على الإصلاحات الاقتصادية للمؤسسات من طرف الجزائر ضمن خطوات الانتقال إلى خطوات السوق والتي ستعزز قدرة الجزائر على مواصلة إصلاحاتها.
إذا لم تنضم الجزائرb إلى المنظمة العالمية للتجارة فإنها لن تتمكن من الدفاع عن مصالحها والاستفادة من مجموع الإجراءات الممنوحة للدول النامية.
إن انضمامb الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة يجعلها تستفيد من الترتيبات التي خرجت بها اتفاقية جولة الأورغواي الداعية إلى المعاملة المتميزة والأكثر تفضيلا للاقتصاديات النامية.
إن استجابة الاستثمارات الأجنبيةb لمتطلبات الاقتصاد الجزائري مرهون باعتماد القواعد الجديدة للتجارة الدولية التي انبثقت عن جولة الأروجواي بعد التوقيع على الاتفاقيات الجدية بمراكش، وبالتالي لا تستطيع الجزائر دعوة رؤوس الأموال الأجنبية بدون ان تسمح للمستثمرين بالدخول في التفضيل التجاري (مبدأ الدولة الأكثر رعاية).
b إن التخفيض التدريجي للإعانات المقدمة لصادرات المنتجات الزراعية من طرف الدولة المصدرة سيثقل الفاتورة الغذائية للجزائر باعتبارها مستوردة صافية للغذاء.
إن تطبيق مبدأ الدولة الأكثر رعاية يعي مواجهة المؤسساتb الاقتصادية الجزائرية منافسة شرسة من المؤسسات الأجنبية رغم أن اتفاقات الجات (سابقا) أفرزت إجراءات لحماية ووقاية المنتوج المحلي من المنافسة الأجنبية لكن تم تحديدها بفترات زمنية وتتميز بالصفة المؤقتة أو الانتقالية.
إن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة يعنيb أنها ستقبل بإجراء تنازلات جمركية وهذا يعني تراجعا كبيرًا في إيرادات خزينة الدولة، هذه الخسارة لا بد وأن تعوض عن طريق تكثيف الصادرات.
المبحث الرابع: آفاق انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة
إن منطلق تطوير الاقتصاد الجزائر يمن خلال الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة يستدعي لتحقيقه استراتيجية ذات بعد قصير ومتوسط وطويل المدى، إذ تشير كل التوقعات على ذلك، ومن هنا يمكن أن نتوقع بعض الآفاق والتحديات والرهانات المترتبة على انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة على المدى القصير المتوسط والطويل وذلك تبعا لبعض المؤشرات التي نراها ضرورية.
المطلب الأول: الجهاز المالي(1)
سيكون لتحرير الخدمات المالية تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد الجزائري في المديين المتوسط والطويل غير أنه على المدى القصير يتوقع أن تتأثر سلبيا المصارف المحلية ذات الكفاءة المتدنية والتكاليف التشغيلية المرتفعة التي تقدم خدمات غير تنافسية مع ما تقمه المصارف العالمية، وتتأثر أيضا المؤسسات العالمية والقطاعات التي كانت تحصل على مزايا ائتمانية تفضيلية لكن، تشير المؤشرات على المدى المتوسط والطويل بأن يكون هناك تأثر للأسواق المالية الجزائري بظواهر العولمة في هذا المجال وذلك بسبب انفتاح الأسواق المحلية على الأسواق العالمية ودخول الجزائر الاتفاقيات الدولية مثل: Gatt,oecd, wto، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه يمكن إجمال التغيرات المستجدة على القطاع المالي والمصرفي الإقليمي العالمي في أربع تغيرات مهمة يتوقع أن يكون لها أبلغ الأكثر على المصارف المحلية الجزائرية، وهي:
b تحرير عولمة الخدمات المصرفية.
b تحولات في الفلسفة الإدارية للمصارف المحلية.
b انتشار الخدمات المصرفية عبر الانترنيت.
b ازدياد الحاجة للاندماج في المصارف الأجنبية.
ضف إلى ذلك أن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمي للتجارة يفرض عليها منح المصارف الأجنبية نفس معاملة المصارف المحلية، ومن هنا يصبح باستطاعة المصارف الأجنبية دخول الأسواق المحلية الجزائرية واستقطاب العملاء بما تقدمه لهم من خدمات مصرفية متطورة قد لا تكون متوفرة في السوق المحلية، وسيؤدي تحرير وعولمة الخدمات المالية إلى توفير الخدمات المصرفية الشاملة في الأسواق المالية المحلية.
المطلب الثاني: التكنولوجيا(1)تعتبر فكرة توطين التكنولوجيا والعمل على كسب كل مستحدث تكنولوجي علمي وتقني جديد من أبرز التحديات التي تقوم الجزائر بالعمل على استهدافها مستقبلا، وذلك بتفعيل التقدم التكنولوجي في كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية...الخ.
إن وجود فاصل علمي وتكنولوجي عميق بين الدول المتقدمة والجزائر يجعل هذه الأخيرة تواجه تحدي صارم في هذا الميدان حيث تعاني مؤسساتها العلمية والتكنولوجية من ضعف جديد وغياب شبه تام على المستوى العالمي، وهي بعيدة كل البعد عن الثورة العلمية والتقنية التي تعتبر في وقتنا الحاضر مفتاح التقدم والازدهار، وإن الدراسات تشير على ان الاقتصاد الجزائري سيبقى مستهلكا لمنجزات الثورة العلمية والتكنولوجية خلال عقود قادمة، كما كان عليه الحال خلال عقود مضت، وتدل بعض الدراسات والتقديرات على أنه بعد التبعية التكنولوجية سيتعاظم وأن هذا لنقص من المعارف والمعلومات سيساهم في زيادة التكاليف بنسبة 40%، ولهذا يجب على الجزائر في إطار فتح اقتصادها وتحرير تجارتها الاستفادة قدر الإمكان من تطوير نظمها العلمية والمصرفية والمعلوماتية مع الدقة في الاختيار التكنولوجي والتأقلم مع التكنولوجيا المستوردة، ومهما يكن فإن معالجة هذه المشكلة تكمن في تعميق عمليات البحث والتطوير الذي مازال متخلفا في بلانا لانخفاض حجم الإنفاق فيه، وتخلي الحكومات عن الأدمغة التي وجدت مكانا لها في دول أخرى متقدمة.
المطلب الثالث: التمويل الخارجي
في الوقت الذي تزايدت حاجات الجزائر إلى الاقتراض أصبح هناك تشديد في شروط الإقراض الجديد، وفي رفع أسعار الفائدة كذلك وكذا المطالبة بضمانات متنوعة، وهكذا وبتوفر كل الضغوطات وجدت الجزائر نفسها منزلقة في طريق انكماشي خطير ناتجة عن النمو الكبير في أعباء خدمات الديون التي وصلت ذروتها حينما أصبحت مبالغ خدمة الدين تزيد على ما تحصل عليه من قروض جديدة، وفي ضوء الظروف الحالية والتحسنات التي عرفها الاقتصاد الجزائري وتدعيم الخزينة والتقليص والقضاء على جزء من الديون والفوائد المترتبة عليها في فترة قصيرة، يمكن التنبؤ بأن قدرة الجزائر على تسديد أقساط ديونها مستقبلا ستكون في الضوء الأخضر، الشيء الذي يضع الجزائر محل ثقة أمام الدول المقرضة إضافة إلى أنه يتيح لها الفرصة للحصول على تمويل خارجي في الوقت الذي تزايدت حاجاتها للاقتراض إلا أنه هذا لا يفتح أمامها المجال بصفة تامة للشروع في عمليات الاقتراض والاستدانة التي سوف تتفاقم ضغوطها مجددا نتيجة لشروط الاقتراض الصعبة ومطالب المؤسسات المالية الدولية لإجراء تعديلات جوهرية استراتيجية في اقتصاد وسياسة الدول المقترضة.
المطلب الرابع:التعاون الدولي
بانضمام الجزائر للمنضمة العالمية للتجارة, سوف تكبر لا محالة دائرة تعاملاتها بتبنيها لسياسة التعاون الدولي ,و التي تضمن لها حاليا و مستقبلا تحقيق مايلي:
b فتح الأسواق المحلية للمنتجات الأجنبية وتوفير الشروط الضرورية للاستثمارات الأجنبية.
b إعادة التوازنات الاقتصادية الكبرى، وتطبيق ما يعرف ببرنامج التكييف الهيكلي تحت إشراف المؤسسات المالية الدولية.
b تحقيق الديمقراطية التي تضمن التداول على السلطة وتكون أداة للمراقبة الشعبية الأمر الذي يؤدي إلى الاستقرار السياسي وتوفير الأمن.
b تطير الآليات التنافسية الاقتصادية المتمثلة في توفير منتوج ذو جودة عالية وأسعار منخفضة بكميات كبيرة.
b محاربة الجريمة المنظمة لتوفير أجواء آمنة.
b القضاء على الهجرة بجميع أشكالها، هجرة الأدمغة...الخ من خلال توفير الظروف الملائمة محليا لاستثمارها.
b القضاء على أسواق الموازية والاقتصاد غير الرسمي، المتاجرة غير الشرعية وتبييض الأموال.
b احترام حقوق الإنسان في جميع ميادين الحياة.
b الاشتراك في وضع برنامج الحفاظ على البيئة وتخفيض درجات التلوث.
استنادا إلى ما سبق تضح لنا أن التعاون الدولي لم يعد يقتصر على المساعدات النقدية والمالية، بل تعدى ذلك إلى المساهمة المباشرة في الحياة الاقتصادية للدول، ولكي يحقق التعاون الدولي أهدافه المرجوة منه في تحقيق التنمية في الجزائر ينبغي له أن يقترن بالجهود الذاتية لها، لتحويل وتثبيت اقتصادها الوطني على المقاييس الاقتصادية الدولية.
خلاصة:تخوض الجزائر في الوقت الحالي مفاوضات صعبة مع المنظمة العالمية للتجارة، وهذا يعني ضرورة امتلاك قدرات تفاوضية عالية لا تستهين بالقدرات التفاوضية لأعضاء المنظمة، والحذر الشديد لازم والحال كذلك وأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها تؤكد ذلك من خلال انعكاسات الانضمام، وبالتالي لا نتخيل أننا سنخرج من هذه المفاوضات دون أن نقدم تنازلات، فهذا من المستحيلات لكن إذا فرض علينا الأمر الواقع فلتكن تنازلات ذات أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية يمكننا أن نتعامل معها بطريقتنا الخاصة.
اقتضى الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، قيام الجزائر بسلسلة من التأهيلات شملت ميكانيزمات الاقتصاد الكلية الداخلية والخارجية، هذا لأن الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة أصبح اكثر صعوبة اليوم، ذلك ان الجزائر مجبرة على إجراء المفاوضات الثنائية مع كل عضو في المنظمة، هذا ليس بالأمر الهين نظرًا للتحديات والرهانات التي تاجه مسيرة الاقتصاد الوطني، ونؤكد القول أن الجزائر لم توقع صفقة اقتصادية بتوقيعها على الاتفاق بالانضمام بل أن أنها حجزت حفرة لدفن جزء هام من سيادتها الاقتصادية، ونعني أن اقتصادنا سيعزز بتبعية للخارج في ظل اتفاق الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
و في الأخير يقودنا الأمر إلى أن نقترح إلى رؤساء إنشاء اللجنة الوطنية للبحث في أساليب التخفيف من آثار الانضمام، لا لمواجهة تلك الآثار
المصدر: الموسوعة العملاقة لطلبة الجامعات
إرسال تعليق