GuidePedia

0

بالرجوع إلى النص المنشأ لمجلس المنافسة في ظل الأمر رقم95/06 ،نجد أن المشرع الجزائري لم يتعرض لمسألة الصفة القانونية لهذا الجهاز الجديد ، أي لم يتولى تعريفه و إنما إكتفى فقط بالنص على أنه " يتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة إداريا وماليا " ومع هذا فإن مسألة الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة يقتضي البحث عما إذا كان مجلس المنافسة يعتبر بمثابة هيئة قضائية بالنظر إلى قواعد سير أعماله، إستحدثها المشرع لوضع حد لما كانت تتمتع به المحاكم في متابعة المخالفات للقواعد المتعلقة بالممارسات التجارية في ظل القانون رقم 89/12 المتعلق بالأسعار أم أنه ينظر إليه المشرع بوصفه هيئة إدارية أو سلطة إدارية مستقلة تندرج ضمن المؤسسات الجديدة المكونة لجهاز الدولة، و التي عرفت الوجود مع بداية التسعينات في إطار الإصلاحات الإقتصادية التي إعتنقتها الجزائر توجها نحو إقتصاد، السوق وهو الأمر الذي جاء به الأمر الجديد رقم03/03 المتعلق بالمنافسة بصفة صريحة .
إذن للبحث عن هذه المسألة إرتأينا أنه من الضروري أن نتعرض إلى بعض المؤشرات التي تساعدنا على تصنيف هذه المؤسسة الجديدة وفقا لما هو وارد في أحكام الأمر


رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة، وكذلك المرسوم الرئاسي رقم 96/44 ، المتضمن النظام الداخلي في مجلس المنافسة، و ذلك عن طريق التعرض أولا إلى ظهور وتطور المجلس في المبحث الأول، تم تشكيله و سيره في المبحث الثاني، وكذا الإجراءات المتبعة أمامه في المبحث الثالث و أخيرا نتعرض إلى الطابع المزدوج لصلاحيات مجلس المنافسة في المبحث الرابع
*الـمبحــــث الأول *
ظهـور وتطـور مجلس المنافسـة:
إن ظهور وتطور مجلس المنافسة مرهونا بظهور و تطور التشريعات المناهضة للإحتكارات ، حيث ظهرت الحاجة لحماية المنافسة الحرة منذ زمن مبكر في البلدان المنتهجة لنظام الإقتصاد الحر ، و يعتبر قانون المنافسة من بين الوسائل القانونية للإنتقال من الإقتصاد الموجه économie dite administré إلى الإقتصاد الحر écomomie dite de marché
بحيث تعتبر من قبيل الإحتكارات تلك الممارسات التي يكون الهدف منها الإخلال بمبدأ المنافسة الحرة ،ومن أجل حماية الإقتصاد الحر لجأت هذه الدول إلى إنشاء أجهزة متخصصة تسهر بصفة عامة على حماية القواعد الإقتصادية في السوق ،و في هذا السياق سوف نتعرض إلى ظهور وتطور مجلس المنافسة في التشريعات المقارنة أولا تم في القانون الجزائري ثانيا .


*الـمـطـلــب الأول*
ظهور وتطور مجلس المنافسة في التشريعات المقارنة:
تعتبر دول النظام الأنجلوسكسونية السابقة إلى تنظيم التشريعات المناهضة للإحتكارات و إنشاء الأجهزة المتخصصة في مكافحتها، و التي جاءت في سياق ما يعرف بالسلطات الإدارية المستقلة ،وهذه التسمية عرفت وجودها وتطورها في البلدان الأنجلوسكسونية ، بحيث ظهرت أول سلطة إدارية مستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1889 و التي تدعى interstate commerce commission ،حتى و أن المشرع الفرنسي قد إستوحى هذه الهيئات من النموذج الأنجلوسكسوني
الفرع الأول :ظهور وتطور المجلس في النظام الأنجلوسكسوني :
إن قانون المنافسة ولد في الولايات المتحدة الأمريكية، و ذلك بصدور قانون" شيرمان" سنة 1890 " sherman acte "، فبالرغم من أن الإقتصاد فيها قائم على أساس المبادرة الفردية و الحرة، إلا أنها لم تسلم من التدخل الحكومي بقصد وضع حد للإحتكارات القائمة أنذاك من طرف عدة شركات كانت تستعمل أساليب تسيء شركات أخرى أقل قوة منها في السوق، إلى جانب حماية المستهلك
و بموجب القانون السالف الذكر تم تفكيك شركات كبرى كانت قد أساءت إستخدام سلطتها الإقتصادية و قد تم تدعيم قانون شيرمان بقوانين لاحقة مثل قانون" كلايتون" المضاد للإحتكارات و قانون التجارة الفدرالية، المكلفة بوضع الحد لهذه الممارسات وتوقيع العقاب عليها.
الفرع الثاني : ظهور وتطور مجلس المنافسة في القانون الفرنسي :

و الإنتاج، بحيث يعتبر مجلس المنافسة العنصر المهم في قانون المنافسة الفرنسي الجديد ، الذي نظمه المشرع الفرنسي عبر ثلاث مراحل :
*المرحلة الأولى : تتميز هذه المرحلة بظهور اللجنة التقنية للإتفاقات، و التي أصبحت بعد صدور مرسوم 09 أوت1953 يطلق عليها باللجنة التقنية للإتفاقيات و وضعية الهيمنة، وكان هذا الجهاز يوصف بالتقني الذي له صلاحيات إستشارية فقط ، أين يقدم للوزير المكلف بالإقتصاد رأيه حول مدى توافر المخالفات وعليه فإن الوزير يحتكر لوحده على سلطة إخطار القاضي الجزائي، و ليس لهذه اللجنة أي دور في ذلك .
*المرحلة الثانية : إستمر الوضع بتلك الصفة إلى غاية الستينات أين صدر قانون "رايموندبار"، و ذلك في 19 جويلية 1977 الذي عوض اللجنة السابقة بلجنة المنافسة la commission de la concurrence ، وتتميز هذه الأخير ة عن سابقتها بكونها منظمة بشكل يضمن إستقلاليتها، بحيث تتشكل من رئيس ومقررين يمارسون مهامهم بصفة دائمة ومستمرة، إلى جانب إمكانية الإخطار المباشر من الجمعيات المهنية أو المستهلكين، و في هذا الإطار قلصت سلطات الوزير المكلف بالتجارة نوعا ما ،إذ لا يمكن لهذا الأخير أن يتخذ قرارات إلا في حدود الإقتراحات المقدمة من طرف هذه اللجنة، و لكن لا يمكن لهذه اللجنة إصدار القرارات لأنها من صلاحيات وزير الإقتصاد و المالية بعد تقديم اللجنة رأيها حول ذلك .
و في هذا الشأن إعتبرها الفقيه الأستاذ "جاك أزيما" أنها لا تمارس القضاء الحقيقي في المجال الإقتصادي .
" Jacques azema " : considérait que la commission de la concurrence n’exercait pas une veritable magistrature economique ) "
أما الفقيه الفرنسي" لبري قوكانفي" " labard guycanivet "،صنفها ضمن قائمة السلطات الإدارية المستقلة *المرحلة الثالثة : تتميز هذه المرحلة بإحداث مجلس المنافسة الذي أنشأ بموجب المادة 02 من الأمر رقم 86/1243 المؤرخ في أول ديسمبر 1986 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، الذي عوض لجنة المنافس ة ، غير أن هذا الأمر لم يقدم تعريفا لمجلس المنافسة مما أثار نقاشا ساخنا بين من يرى أن مجلس المنافسة سلطة إدارية مستقلة مثل لجنة المنافسة السابقة التي خلفها على أساس أن المعايير التي تميز هذه السلطات الإدارية المستقلة نجدها
متوفرة في مجلس المنافسة، مثل تعيين أعضائه بموجب مرسوم بإقتراح من وزير الإقتصاد و له دور إستشاري، بحيث يستشار من طرف الحكومة و البرلمان و الجماعات المحلية، فهذه مؤشرات تتعارض مع إمكانية تمتع المجلس بالطابع القضائي ويضاف إلى ذلك أن سلطته في الإخطار التلقائي تحول دون توفره على الطابع القضائي لأنه لا يمكن لمحكمة أن تخطر نفسها بنفسها.
و بين من يعتقد أن مجلس المنافسة الذي يملك سلطات خاصة في مجال الجزاء، و الأمر الذي يطبق القواعد الإجرائية المطبقة من طرف المحاكم كمبدأ المواجهة بين الخصوم وحقوق الدفاع ، يقترب من الهيئات ذات الطابع القضائي أكثر منها إلى السلطات الإدارية المستقلة ، و أن قرارته قابلة للطعن أمام مجلس الإستئناف باريس، حيث يرى الفقيه "سيلنسكي" " selinsky " أنه من المفروض أن تكون قرارات المجلس قابلة للطعن أمام مجلس الدولة إذا كان حقيقة ليس بجهاز قضائي .
و ساد الوضع كذلك إلى غاية صدور قرار من المجلس الدستوري الفرنسي المؤرخ في 24 جانفي 1987 أين كيفه بأنه سلطة إدارية مستقلة ونفى الطابع القضائي لهذا الجهاز ، و فيما يخص تحويل الإختصاص بالنظر في الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة إلى الهيئات القضائية العادية ،تم تأكيده بموجب القانون رقم 87/499 المؤرخ في 06 جويلية 1987 و المتعلق بالإجراءات المطبقة أمام مجلس المنافسة ، لكن هذا التعريف المقدم من طرف المجلس الدستوري أصبح بدوره منتقدا على أساس أنه يتجاهل طابع الإستقلالية الذي يتمتع به المجلس
*الـمـطـلـب الـثــانــي *
ظهور و تطور مجلس المنافسة في القانون الجزائري:
إن الدولة الجزائرية طرأ عليها جملة من التحولات المؤسساتية خلال العشرية الأخيرة، أين إنسحبت بصفة تدريجية من الحقل الإقتصادي متوجهة إلى نظام ليبرالي، و هذا يعبر عن الإنتقال من صفة الدولة المتدخلة إلى الدولة الضابطة، نظرا لأن الإدارة الكلاسيكية لم تعد قادرة اليوم لمواجهة الأوضاع فيما يخص ضبط النشاطات الإقتصادية و المالية ، فإبتداءا من دستور 1989 شهدت الجزائر تحرير الإقتصاد و كان أول دعامة له قانون تحرير الأسعار الذي تبعه دستور 1996 في مادته37 التي تنص على" أن حرية الصناعة و التجارة مضمونة تمارس في إطار القانون".
و حفاظا على المنافسة الحرة و ترقيتها في إطار إقتصاد السوق إستحدث لأول مرة مجلس المنافسة سنة 1995 ، و تواصلت الإصلاحات بفتح المنافسة تدريجيا للخدمات مثل المواصلات السلكية و اللاسلكية و النقل ...إلخ، و تم وضع هيئات و سلطات ضبط تتمثل مهمتها في السهر الحسن للمنافسة في الأسواق و مسايرة لهذا الوضع أصدر المشرع الأمر 03/03 من أجل تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .
الفرع الأول : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 95/06 :
إن صدور الأمر 95/06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 جاء لوضع الأسس و القواعد المنظمة لتصرفات الأعوان الإقتصادين في محيط يسوده التنافس بعدما تم تحرير التجارة الخارجية .
و إن وضع هذه المنظومة التشريعية أصبح أمرا لا بد منه، خاصة نحن الآن أمام مرحلة تتميز بإنقضاء و زوال إحتكار الدولة على معظم النشاطات الإقتصادية مما يستدعي الأخذ بنظام إقتصادي جديد تكون فيه حريات التعاقد و التنافس بمثابة أسس له ، و إن ممارسة هذه الحريات بصفة عامة تجد إطارها التنظيمي المرجعي في الأمر 95/06 المتعلق بالمنافسة و الذي يهدف إلى حماية و تطوير المنافسة عن طريق إنشاء مجلس المنافسة .
و إن تخصيص هذا الجهاز بضبط المنافسة أملته عدة أسباب و عوامل منها عدم ملائمة المحاكم الجزائرية لمتابعة الممارسات المقيدة للمنافسة لأن القاضي لا يملك كل المعطيات و الإعلام و التكوين الضروري، و لا سيما عندما يتعلق الأمر بظاهرة إقتصادية، إلى جانب عامل إزالة التنظيم في الإقتصاد و إزالة الوصف الجزائي عن هذه النشاطات الإقتصادية التي تتسم بالحركية و التعقيد
إذن فإن الفضل الرئيسي في إنشاء مجلس المنافسة يعود للإطار التشريعي95/06 ، إلا أن المشرع لم يقم بتعريف هذا الجهاز، بحيث سار مسار المشرع الفرنسي الذي ترك مسألة تكيفه للفقه، ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يعاني من عدة نقائص مما دفع بالمشرع إلى إدخال تعديلات الهدف منها هو تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .
الفرع الثاني : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 03/03 :
إن هذا الأمر جاء بقواعد لتزيد من الفعالية الإقتصادية وتحسين ظروف معيشة الفرد و ترفع من القدرة الإنتاجية للمؤسسات وتحمي المستهلك من تواطؤ الأعوان الإقتصادين .
و كان الهدف من وضع هذا النص الجديد هو توسيع الطابع التنافسي للأسواق و الأنشطة الإقتصادية عن طريق تدعيم القواعد الهادفة إلى تصحيح الممارسات التي من شأنها عرقلة المنافسة .
و خلافا للأمر السابق رقم 95/06 فإن الأمر03/03 المتعلق بالمنافسة جعل المشرع مجلس المنافسة سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة تتمتع بالشخصية القانونية و الإستغلال المالي مع الإعتراف له بممارسة السلطة القمعية لضبط ميدان المنافسة .

إرسال تعليق

 
Top