.
لم
يكن أمر تبني الجزائر لنظام التحكيم التجاري الدولي ممكنا منذ السنوات الأولى للاستقلال
لأسباب مختلفة ، لذلك فإن قيام إمكانية حقيقية للجوء المتزايد لهذا الإجراء كان من
الناحية العملية والقانونية في إطار التفتح الاقتصادي الحالي الناتج عن تبني سياسة
اقتصادية تعتمد على قواعد اقتصاد السوق .
المطلب
الأول :
أسباب رفض هذا النظام : تعدد أسباب هذا الرفض إلى نوعين
من الأسباب : سياسية وقانونية
.
الفرع
الأول : الأسباب
السياسية :
تم
فهم هذا النظام في بداية الأمر من طرف الدول الحديثة العهد بالاستقلال ومنها
الجزائر على أنه يمس بسيادة الدولة ، نظرا لكونه يقوم أساسا على استبعاد محاكم
الدولة من الفصل في المنازعات التجارية الدولية .
هذا التخوف ناتج أساسا من الأحكام القانونية
التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية للتحكيم الدولي والتي يرى فيها كثير من الكتاب
أنها تحد فعلا ببعض جوانب سيادة الدول . وتتمثل هذه في نظر( LUCIEN SIORA ) (1) في تخلي الدولة عن اختصاصها الحصري والمطلق في إقامة عدالتها
بنفسها وذلك بقبولها للقيود التي تحد من هذه السيادة بمقتضى تنازلها من جانب واحد
على ممارسة حقوق السيادة ، أو بمقتضى الاتفاقيات متعددة الأطراف التي توقعها .
ونفس الرأي يسلكه الأستاذ « نور
الدين تركي » (1) الذي يرى أن الجزائر ليست لها في نهاية
الأمر كغيرها من دول العالم الثالث إلا سيادتها التي يمكن أن تقف بها في وجه القوة
الاقتصادية والمالية للشركات المتعددة الجنسيات ، العاملة فوق إقليمها .
يضاف
إلى الأسباب السياسية الماسة بسيادة الدولة الكافئة وراء رفض هذا النظام تجارب بعض
الدول غير المشجعة في هذا الإطار ( حسب الأستاذ تركي نور الدين . المرجع
السابق ص 06 ) حيث أن أحكام التحكيم جاءت ليست خالية من أي إنتقاذ نظرا لتماشي
هذا النوع من الفصل في المنازعات مع اهتمامات الدول الصناعية أكثر منه مع اهتمامات
دول العالم الثالث ومن هذه التجارب : ( قرارات التحكيم الخاصة بــ أبو ظبي ـ
أرامكو أو تكساكو ـ كلاسياتيك Texaco -
calasiatic أو Liamco
et British Petrolium )
____________________________
(1) أنظر المرجع
السابق : NOUREDDINE TARKI ص A 04 .
(2) أنظر : تركي
نور الدين ـ المرجع السابق ص 86
.
الفرع
الثاني : الأسباب
القانونية :
تتمثل
أساسا في انعدام الأساس القانوني الذي يعتمد عليه للجوء إلى هذا الإجراء . حيث ـ
كما سبق أن رأينا ـ فإن أحكام المادة 442 من الأمر 154 - 66 المتضمن قانون الإجراءات المدنية تنص صراحة على منع الدولة
والأشخاص المعنوية العامة من اللجوء إلى هذا الإجراء : " لا
يجوز للدولة أو الأشخاص الإعتباريين العموميين أن يطلبوا التحكيم " .
وقد
لوحظ أن المشرع الوطني لين نوعا ما من موقفه بمقتضى التعديل الذي طرأ على هذه
المادة بمقتضى الأمر 80 - 71 القاضي بتنظيم التحكيم بين شركات القطاع العام آنذاك ( م 442
مكرر ) (1)
.
إلا
أنه من الواضح أن المشرع الوطني سكت عن تنظيم إجراءات التحكيم الدولي وهو ما أدى
إلى عدم اللجوء إليه . رغم بعض المحاولات المحتشمة في سنوات الثمانينات بعد بداية
إتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي .
وقد استمر هذا الوضع القانوني المانع للتحكيم
التجاري الدولي حتى صدور المرسوم التشريعي 09/93 الصادر في 1993/04/25 .
المطلب
الثاني : ملامح
أو معــــالم التقدم في اللجـــوء إلى التحكيم التجاري الدولــــي
.
بدت
ملامح هذا التقدم في توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات الثنائية في هذا الإطار من جهة
وفي توقيعها لبعض الاتفاقيات الدولية من جهة ثانية قبل ترسيم التحكيم التجاري
الدولي في القانون الداخلي .
الفرع
الأول :
توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات الثنائية .
هذه
الاتفاقيات تشير فيها الجزائر صراحة على العمل بنظام التحكيم من هذه الاتفاقيات :
ـ
اتفاقية التحكيم الجزائرية ـ الفرنسية الموقفة في 1983/03/27 .
ـ
مجموعة المراسيم الرئاسية الصادرة تتويجا لجملة من الاتفاقات الخاصة لحماية وتطوير
الاستثمارات الأجنبية الموقعة من طرف الجزائر ومنها :
ـ المرسوم الرئاسي 319/90 الصادر في 1990/10/17
المتضمن المصادقة على الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية ( جريدة رسمية 1990/10/24 ) .
ـ المرسوم الرئاسي رقم 345/91
الصادر في 1991/10/05
( جريدة رسمية
1991/10/06
المتضمنة المصادقة على الاتفاقية بين الجزائر واتحاد بلجيكا واللوكسنبورغ ) .
ـ المرسوم الرئاسي رقم 346/91
الصادر في
1991/10/05
( جريدة رسمية 1991/10/06
) بين الجزائر وإيطاليا .
_________________________________________
(1) تنص المادة 442 مكرر من قانون الإجراءات المدنية "
عندما تتعلق هذه النزاعات بشركتين وطنيتين أو أكثر أو مؤسسات عمومية تابعة لسلطة
الوصاية نفسها فتتولى هذه الأخيرة التحكيم . وعندما تتعلق النزاعات بشركتين
وطنيتين أو أكثر أو مؤسسات عمومية تابعة لسلطات وصاية مختلفة فتعين كل من هذه
الشركات أو المؤسسات حكما عنها " .
كما تحدد المواد من 443 إلى
451 إجراءات التحكيم والمواد من 453
- 452 تنفيذ أحكام التحكيم ، والمواد من 458 - 455 طرق القصف في أحكام المحكمين .
إلى
جانب مراسيم أخرى كثيرة بين الجزائر ودول أخرى وحتى وأن كانت هذه الاتفاقيات قد
أحدثت تقدما في مجال اللجوء إلى التحكيم الدولي . إلا أنها حسب الأستاذ ( نور
الدين تركي ) تتميز بأنها أحدثت إجراءات معقدة نوعا ما ، لأنها فضلت أن تتم
العملية أولا بالطرق الديبلوماسية بعد فشل هذه الطرق الديبلوماسية يتم اللجوء إلى
تعيين المحكمين الممثلين لكل دولة بالإضافة إلى حكم يمثل دولة ثالثة يتفق عليه
الطرفان تعود إليه رئاسة المحكمة الدولية
أما بخصوص القانون الواجب التطبيق فإن معظم هذه الاتفاقات
تحيل إلى تطبيق أحكام القانون الدولي أو أحكام الاتفاقية المبرمة .
النوع
الثاني :
انضمام الجزائر لبعض الاتفاقيات الدولية المتضمنة التحكيم التجاري
الدولي .
ويلاحظ
ذلك أساسا من خلال توقيع الجزائر ولو بتخفيظ في بعض الأحيان على كل من :
ـ
اتفاقية نيويورك ( 10 جوان 1988 ) للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بمقتضى القانون 88/88 الصادر في 1988/07/12
. وكذلك المرسوم رقم 233/88
الصادر في
1988/11/05
.
ـ
المصادقة على اتفاقية واشنطن ( 18 مارس 1965 ) التي أسست المركز الدولي لتسوية الخلافات في مجال الاستثمارات
بمقتضى الأمر 05/95
الصادر في 95/01/21
( جريدة رسمية ص 05 ) )
ـ
المصادقة على الاتفاقية الخاصة بالمركز العربي لضمان الاستثمارات بمقتضى ( الأمر 16/72
).
الفرع الثالث
: ترسيم التحكيم التجاري الدولي في القانون
الداخلي الجزائري
.
جاء
هذا الترسم بصفة تدريجية وكانت بدائية الأحكام التي تضمنها القانون 01/88 الصادر في 1988/01/12
الخاص بالمؤسسة الاقتصادية العمومية .
هذه
الأحكام التي رفعت عن أملاك هذه المؤسسة العمومية الحماية القانونية التي كانت مقررة لها قبل ذلك والمتمثلة في عدم
قابليتها للتعرف والحجز ...الخ . إذ بمقتضى المادة 20 من هذا القانون أصبحت أموال المؤسسة الاقتصادية
العمومية تخضع لأحكام القانون التجاري ومن ثمة قابلية أموالها للحجز ...
وقد تجلى بوضوح جنوح المشرع الجزائري لنظام
التحكيم التجاري الدولي بشكل نهائي بصدور المرسوم التشريعي رقم 09/93 في 1993/04/25
.
لا
سيما وأن الأطراف تعترف سبقا في هذه الاتفاقيات بالقوة التنفيذية للأحكام أو
القرارات الصادرة عن الجهات التحكيمية . أي أن هذه القرارات تكون قابلة للتنفيذ
حسب الإجراءات القانونية العادية على إقليم الدول الموقعة للاتفاق .
وهو ما يميز هذا النظام عن الخبرة أو الصلح
اللذين لا يتوفران على هذه الميزة تكون نتائجهما تتميز بكونها مجرد رأي فني غير
ملزم للأطراف .
المطلب
الثاني : التفرقة
بين مفهوم التحكيم التجاري الدولي وبعض المفاهيم المشابهة .
يجب
هنا رفع الالتباس الذي قد يهمل بين مفهوم التحكيم التجاري الدولي وبعض المفاهيم
القريبة منه ولا سيما : نظام الجزة « L’expertise » ونظام الصلح « la
conciliation »
.
أولا
: اختلاف التحكيم التجاري الدولي عن الجزة
:
تتشابه
الجزة مع التحكيم التجاري الدولي في كونهما كليهما يتطلبان تدخل أشخاص خاصة لحل
مشكل قانوني قائم .
غير أنهما يختلفان في كون الخبرة بشقيها القضائي
أو الإتفاقي تهدف إلى طلب رأي فني من شخص مختص في شكل تقرير يجيب على مختلف
الجوانب المتعلقة بهذا الطلب .
أما
من حيث القيمة القانونية لهذا الرأي فهو ذو طابع استشاري بحث أي يمكن للجهة التي
طلبته أن تأخذ به كما يمكن لها أن تأخذ به . في حين أن التحكيم هو « محكمة
خاصة » لها كل الصلاحيات القانونية ـ كما سبق أن رأينا ـ للفصل في نزاع معروض
عليها عن طريق إصدار قرار له حجية الشيء لمقضي فيه ( أي قابل للتنفيذ طواعية أو
جبرا ) .
ثانيا
: اختلاف التحكيم التجاري الدولي عن الصلح
.
يتشابه
نظام الصلح la conciliation مع نظام التحكيم التجاري الدولي في كون المحكمين التجاريين
الدوليين يلعبون في بعض الأحيان دورا «
صلحيا » عندما يلجأ مثل القائمين بالصلح les conciliateurs التي تقريب وجهات نظر أطراف الخصومة للوصول إلى
اتفاق مقبول من طرفهم . غير أنهما يختلفان في كون القائمين بالصلح الذين يسمون في
بعض الأحيان بالوسطاء ( les médiateurs ) في
العلاقات الدولية لا يزيد دورهم عن اقتراح الحلول التي تحتاج لكي تصبح نافذة تجاه
الأطراف التي قبولها من طرفهم بصفة إرادية وصريحة .
في
حين أن قرارات التحكيم هي قرارات مفترض أنها ملزمة للأطراف . ومع ذلك فإن نوعا من
التداخل والتكامل يمكن أن يلاحظ بين هذين النظامين في الواقع العملي . حيث يحصل في
كثير من الأحيان اللجوء إلى الصلح كمرحلة تحضيرية أولية سابقة عن وضع إجراءات
التحكيم موضع التطبيق.
المبحث
الثالث : مصادر
التحكيم التجاري الدولي :
يمكن
تقسيم المصادر القانونية للتحكيم التجاري الدولي إلى نوعين : مصادر ذات الأصل
العمومي ، ومصادر ذات الأصل الخاص .
المطلب
الأول : المصادر
ذات الأصل العمومي « Les sources
d’origine publique »
وهي
تنقسم بدورها إلى نوعين :
أولا
: القوانين الوطنية :
تتمثل
عادة فيما نجده في القوانين الداخلية للدول من أحكام خاصة بتنظيم التجارة الدولية
والتحكيم التجاري الدولي . ويمكن بهذا الخصوص الرجوع إلى نصوص المواد 442
من قانون الإجراءات المدنية الجزائري وما بعدها .
ثانيا :
الاتفاقيات الدولية :
وسواء
كانت هذه الاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف . وما يلاحظ بهذا الخصوص أنه رغم
وجود اتفاقات عديدة بين الدول ذات طابع ثنائي تتعلق بكيفية اختيار المحكمين أو
تنفيذ أحكامهم . إلا أن الشكل الثنائي للاتفاقيات
يوفر عادة الاستقرار المطلوب للنزاعات التجارية الدولية .
لذلك
فقد ظهرت عدة اتفاقيات متعددة الأطراف منذ أوائل هذا القرن نذكر منها على سبيل
المثال :
الحصر : اتفاقيات جنيف ( البروتوكول الخاص
بأحكام المحكمين الموقع بجنيف في 1923/09/24
) والاتفاقيات الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة في جنيف في 1927/09/26 . ثم الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بتنفيذ القرارات التحكيمية
الأجنبية الموقعة في نيويورك في 1958/06/10 والاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي الموقعة بجنيف في 1961/04/21 .( أنظر بخصوص هذا الموضوع الفصل الثاني من هذا القسم الخاص بتطور
نظام التحكيم التجاري على المستوى الدولي ) .
المطلب
الثاني : المصادر
ذات الأصل الخاص Les sources d’origine privée :
الخاصية
التي تجمع هذا النوع من المصادر هي كونها من إنشاء الممارسين التجاريين الدوليين (
أجهزة دولية ومحكمين دوليين ) خارج أي إطار للدولة .ويمكن حصر هذه المصادر فيما
يلي :
أولا :
الاتفاقيات النموذجية للتحكيم ( les conventions arbitrales - Types ) :
وهي
وثائق موضوعة أساسا من طرف جمعيات لها علاقة بموضوعات مختلفة للتجارة الدولية .
هذه الجمعيات غالبا تكون متخصصة في فرع من فروع التجارة الدولية ( كالحبوب ،
والحطب ........ الخ ) .
كما
قد تأخذ هذه الاتفاقيات شكل اتفاقات متعددة الأطراف تضم جمعيات مختلفة ( les
accords inter- coopératifs ) تتضمن « عقود -نموذجية »
أو تضع شروطا عامة خاصة لكل عقد من عقود التجارة الدولية .
ثانيا :
تنظيمات مؤسسات التحكيم : ( les
règlements des institutions d’arbitrage )
هذه
التنظيمات يتم وضعها من طرف مراكز دائمة للتحكيم التجاري الدولي التي تختص بالفصل
في منازعات التجارة الدولية .
ثالثا : القرارات
الفاصلة في النزاعات التجارية الدولية الصادرة عن المحكمين الدوليين والسلطات
الجمعوية .
les décisions contentieuses des arbitres et des autorités
corporatives .
هذه
القرارات تشكل ما يشبه نوع من السوابق القضائية في مجال التجارة الدولية والتي
يمكن الرجوع إليها بتطبيق مضمونها على نزاعات مشابهة معروضة على جهات التحكيم
التجاري الدولي .
المطلب
الثالث : استقلالية
موضوع التحكيم التجاري الدولي .
ونلاحظ هذه الاستقلالية سواء :
1.
2
ـ أو
من حيث اختيار هيئة التحكيم .
3.
لذلك
فإن نظام التحكيم يوصف عادة بأنه يهدف إلى خلق جماعة تجارية دولية على حد تعبير
البعض Tend à créer une communauté internationale de commerçant
المبحث
الرابع : أنواع
التحكيم الدولي :
يرى
بعض الكتاب (1) أنه يمكن تقسيم التحكيم التجاري الدولي إلى
نوعين :
الأول
: قضائي
« Juridictionnel »
: وهو المنصوص عليه عادة في قوانين الإجراءات المدنية . مهمة الحكام في ظله تشبه
مهمة القضاة ، على الأقل من حيث تنظيمها مسبقا في القانون الإجرائي .
الثاني : تعاقدي « Contractuel »
ويتمثل في تطبيق قواعد الالتزامات والعقود من طرف حكم متفق عليه مسبقا .
ويعطي رأيه الإجباري في حل منازعة ما استنادا
إلى الأحكام التعاقدية ، وباستقلال تام عن القاضي الوطني والقانون الإجرائي الوطني
. ويستمد هذا الرأي قوته من الطابع الإلزامي للعقد وليس من القوة التنفيذية للحكم
.
ويلاحظ هنا أن كثير من الكتاب يرون بأن المهمة ـ
في كلتا الحالتين ـ هي مهمة متشابهة تتفق في سحب الاختصاص من القاضي الوطني . بل
أن البعض يرفض هذا التقسيم من أساسه حيث أن التحكيم الوحيد الموجود ـ في نظرهم ـ
هو التحكيم القضائي المنظم بمقتضى قانون
الإجراءات المدنية . ومع ذلك فإن نظام العولمة سيترك أثره بدون أي شك في
اتجاه تبني وبشكل شبه كلي للنوع التعاقدي كأساس كل الخلافات التجارية الدولية .
الفصل
الثاني : تطور
نظام التحكيم التجاري الدولي .
بدأ
اللجوء إلى استعمال هذا الأسلوب لحل النزاعات الناتجة عن العقود التجارية الدولية
منذ بداية هذا القرن نتيجة للتزايد المستمر لأهمية التجارة الدولية ، وهو ما دع إلى
وضع اتفاقيات دولية تعالج الموضوع . نتطرق إلى سرد هذه الاتفاقيات ( في مبحث
أول ) أما على مستوى القانون الوضعي الوطني فإنه ولأسباب تاريخية تتمثل في
حداثة استقلال بلادنا ، وأسباب إيديولوجية تتمثل في تبني الجزائر للنظام الاشتراكي
وما تطلبه من حماية خاصة للاقتصاد الوطني بالإضافة إلى أسباب مختلفة أخرى بها
تظافرت لتأخير قبول الجزائر لنظام التحكيم التجاري الدولي ( تطور قبول الجزائر
بهذا الأسلوب بشكل موضوع المبحث الثاني )
____________________________
(1) أنظر : ANTOINE KASSIS :
Problème de base de l’arbitrage en
droit comparé et en droit internationnel »
« Arbitrage juridictionnel
et arbitrage contractuel » L.G.D.J Paris 1987
المبحث
الأول :
تطور تنظيم التحكيم التجاري على المستوى الدولي .
ظهرت
عدة اتفاقيات متعددة الأطراف منذ أوائل هذا القرن كان موضوعها تنظيم التحكيم
التجاري الدولي .
ومن بين هذه الاتفاقيات على سبيل المثال لا
العصر :
ـ
اتفاقيات جنيف ( البروتوكول الخاص بأحكام التحكيم الموقع بجنيف في 1923/09/24 )
ـ
الاتفاقية الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة في جنيف كذلك في 1927/09/26 .
وفي الفترة التي تلت أو أعقبت الحرب العالمية
الثانية جسدت مفهوم التحكيم التجاري الدولي نصوص دولية هامة منها على سبيل المثال
:
ـ
اتفاقية نيويورك الموقعة في 10 جوان 1958 في ختام الندوة التي نظمتها الأمم المتحدة بخصوص التحكيم التجاري
الدولي في الفترة الممتدة بين 20 جوان 1958 التي توجت أشغالها بالتوقيع على هذه الاتفاقية التي تتضمن الاعتراف
وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية والتي أصبحت سارية المفعول في 1959/09/24 .
وقد
نصت هذه الاتفاقية في المادة 2/7 على إنهاء العمل ببروتوكول جنيف لسنة 1923 الخاص بأحكام التحكيم الدولية وباتفاقية جنيف لسنة 1927 الخاصة بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية بالنسبة للدول الموقعة على
هذه الاتفاقية أو المرتبطة بها .
كما
نصت المادة
1/7
من اتفاقية نيويورك كذلك على عدم مساس أحكام هذه الاتفاقية بصحة الاتفاقات
الثنائية أو المتعددة الأطراف الموقعة بين الدول في مجال الاعتراف بالقرارات
التحكيمية أو تنفيذها ...
ـ
اتفاقية واشنطن ( 18 مارس 1965 ) التي أسست المركز الدولي لتسوية الخلافات في مجال الاستثمارات
( C.I.R.D.I ) وعلى المستوى الإقليمي ظهرت كذلك بعض الاتفاقيات التي تبنت نظام
التحكيم التجاري الدولي منها :
ـ
الاتفاقية الأوروبية حول التحكيم التجاري الدولي الموقعة في جنيف في 1961/04/21 .
ـ
الاتحاد العربي للتحكيم التجاري الذي أنشئ بعد الاجتماع الذي عقد في بيروت في ماي 1999
قسم مراكز التحكيم العربية. هذا الاتحاد سيحل محل مراكز التحكيم العربية ، وذلك
بهدف تحقيق مزايد من التكامل العربي ولمواجهة التكتلات العالمية الكبرى . كما يهدف
الاتحاد إلى التنسيق وتقريب الفوارق بين النظم القانونية العربية فيما يتعلق
بالتحكيم ...
المبحث
الثاني :
تطور التحكيم التجاري الدولي في الجزائر .
لم
يكن أمر تبني الجزائر لنظام التحكيم التجاري الدولي ممكنا منذ السنوات الأولى للاستقلال
لأسباب مختلفة ، لذلك فإن قيام إمكانية حقيقية للجوء المتزايد لهذا الإجراء كان من
الناحية العملية والقانونية في إطار التفتح الاقتصادي الحالي الناتج عن تبني سياسة
اقتصادية تعتمد على قواعد اقتصاد السوق .
المطلب
الأول : أسباب
رفض هذا النظام :
تعدد أسباب هذا الرفض إلى نوعين من الأسباب :
سياسية وقانونية .
الفرع
الأول :
الأسباب السياسية :
تم فهم هذا النظام في بداية الأمر من طرف الدول
الحديثة العهد بالاستقلال ومنها الجزائر على أنه يمس بسيادة الدولة ، نظرا لكونه
يقوم أساسا على استبعاد محاكم الدولة من الفصل في المنازعات التجارية الدولية .
هذا التخوف ناتج أساسا من الأحكام القانونية
التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية للتحكيم الدولي والتي يرى فيها كثير من الكتاب
أنها تحد فعلا ببعض جوانب سيادة الدول . وتتمثل هذه في نظر
( LUCIEN
SIORAد) (1) في تخلي الدولة عن اختصاصها الحصري والمطلق في إقامة عدالتها
بنفسها وذلك بقبولها للقيود التي تحد من هذه السيادة بمقتضى تنازلها من جانب واحد
على ممارسة حقوق السيادة ، أو بمقتضى الاتفاقيات متعددة الأطراف التي توقعها .
ونفس الرأي يسلكه الأستاذ « نور
الدين تركي » (1) الذي يرى أن الجزائر ليست لها في نهاية الأمر كغيرها من دول
العالم الثالث إلا سيادتها التي يمكن أن تقف بها في وجه القوة الاقتصادية والمالية
للشركات المتعددة الجنسيات ، العاملة فوق إقليمها .
يضاف إلى الأسباب السياسية الماسة بسيادة الدولة
الكافئة وراء رفض هذا النظام تجارب بعض الدول غير المشجعة في هذا الإطار ( حسب
الأستاذ تركي نور الدين . المرجع السابق ص 06 ) حيث أن أحكام التحكيم جاءت ليست خالية من أي إنتقاذ نظرا لتماشي
هذا النوع من الفصل في المنازعات مع اهتمامات الدول الصناعية أكثر منه مع اهتمامات
دول العالم الثالث ومن هذه التجارب : ( قرارات التحكيم الخاصة بــ أبو ظبي ـ
أرامكو أو تكساكو ـ كلاسياتيك Texaco -
calasiatic أو
Liamco et British Petrolium )
الفرع
الثاني :
الأسباب القانونية :
تتمثل
أساسا في انعدام الأساس القانوني الذي يعتمد عليه للجوء إلى هذا الإجراء . حيث ـ
كما سبق أن رأينا ـ فإن أحكام المادة 442 من الأمر 154 - 66 المتضمن قانون الإجراءات المدنية تنص صراحة على منع الدولة
والأشخاص المعنوية العامة من اللجوء إلى هذا الإجراء : " لا
يجوز للدولة أو الأشخاص الإعتباريين العموميين أن يطلبوا التحكيم " .
____________________________
(1) أنظر المرجع السابق : NOUREDDINE TARKI
ص A 04 .
(2) أنظر : تركي نور الدين ـ المرجع
السابق ص 86 .
وقد لوحظ أن المشرع الوطني لين نوعا ما من موقفه
بمقتضى التعديل الذي طرأ على هذه المادة بمقتضى الأمر 80 - 71 القاضي بتنظيم التحكيم بين شركات القطاع
العام آنذاك ( م 442 مكرر ) (1)
.
إلا
أنه من الواضح أن المشرع الوطني سكت عن تنظيم إجراءات التحكيم الدولي وهو ما أدى
إلى عدم اللجوء إليه . رغم بعض المحاولات المحتشمة في سنوات الثمانينات بعد بداية
إتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي .
وقد استمر هذا الوضع القانوني المانع للتحكيم
التجاري الدولي حتى صدور المرسوم التشريعي 09/93 الصادر في 1993/04/25 .
المطلب
الثاني : ملامح أو معالم التقدم في اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي .
بدت
ملامح هذا التقدم في توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات الثنائية في هذا الإطار من جهة
وفي توقيعها لبعض الاتفاقيات الدولية من جهة ثانية قبل ترسيم التحكيم التجاري
الدولي في القانون الداخلي .
الفرع الأول : توقيع الجزائر لبعض الاتفاقيات
الثنائية .
هذه الاتفاقيات تشير فيها الجزائر صراحة على
العمل بنظام التحكيم من هذه الاتفاقيات :
ـ اتفاقية التحكيم الجزائرية ـ الفرنسية الموقفة
في 1983/03/27
.
ـ مجموعة المراسيم الرئاسية الصادرة تتويجا
لجملة من الاتفاقات الخاصة لحماية وتطوير الاستثمارات الأجنبية الموقعة من طرف
الجزائر ومنها : ـ المرسوم الرئاسي 319/90 الصادر في 1990/10/17 المتضمن المصادقة على الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية (
جريدة رسمية 1990/10/24
) .
ـ المرسوم الرئاسي رقم 345/91
الصادر في 1991/10/05
( جريدة رسمية 1991/10/06 المتضمنة المصادقة على الاتفاقية بين الجزائر واتحاد بلجيكا
واللوكسنبورغ ) .
ـ المرسوم الرئاسي رقم 346/91
الصادر في 1991/10/05
( جريدة رسمية 1991/10/06 ) بين الجزائر وإيطاليا .
إلى جانب مراسيم أخرى كثيرة بين الجزائر ودول
أخرى وحتى وأن كانت هذه الاتفاقيات قد أحدثت تقدما في مجال اللجوء إلى التحكيم
الدولي . إلا أنها حسب الأستاذ ( نور الدين تركي ) تتميز بأنها أحدثت إجراءات
معقدة نوعا ما ، لأنها فضلت أن تتم العملية أولا بالطرق الديبلوماسية بعد فشل هذه
الطرق الديبلوماسية يتم اللجوء إلى تعيين المحكمين الممثلين لكل دولة بالإضافة إلى
حكم يمثل دولة ثالثة يتفق عليه الطرفان تعود إليه رئاسة المحكمة الدولية
______________________
(1) تنص المادة 442
مكرر من قانون الإجراءات المدنية " عندما تتعلق هذه النزاعات بشركتين
وطنيتين أو أكثر أو مؤسسات عمومية تابعة لسلطة الوصاية نفسها فتتولى هذه الأخيرة
التحكيم . وعندما تتعلق النزاعات بشركتين وطنيتين أو أكثر أو مؤسسات عمومية تابعة
لسلطات وصاية مختلفة فتعين كل من هذه الشركات أو المؤسسات حكما عنها " .
كما تحدد المواد من 443 إلى 451 إجراءات التحكيم
والمواد من 453 - 452 تنفيذ أحكام
التحكيم ، والمواد من 458 - 455
طرق القصف في أحكام المحكمين .
.
أما بخصوص القانون الواجب التطبيق فإن معظم هذه الاتفاقات
تحيل إلى تطبيق أحكام القانون الدولي أو أحكام الاتفاقية المبرمة .
النوع
الثاني : انضمام الجزائر لبعض الاتفاقيات الدولية المتضمنة التحكيم التجاري
الدولي .
ويلاحظ ذلك أساسا من خلال توقيع الجزائر ولو
بتخفيظ في بعض الأحيان على كل من :
ـ اتفاقية نيويورك ( 10
جوان 1988
) للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بمقتضى القانون 88/88
الصادر في 1988/07/12
. وكذلك المرسوم رقم 233/88 الصادر في 1988/11/05 .
ـ المصادقة على اتفاقية واشنطن ( 18
مارس 1965
) التي أسست المركز الدولي لتسوية الخلافات في مجال الاستثمارات بمقتضى الأمر 05/95
الصادر في 95/01/21
( جريدة رسمية ص 05 ) )
ـ المصادقة على الاتفاقية الخاصة بالمركز العربي
لضمان الاستثمارات بمقتضى ( الأمر 16/72 ) .
الفرع
الثالث : ترسيم التحكيم التجاري الدولي في القانون الداخلي الجزائري .
جاء
هذا الترسيم بصفة تدريجية وكانت بدائية الأحكام التي تضمنها القانون 01/88 الصادر في 1988/01/12
الخاص بالمؤسسة الاقتصادية العمومية . هذه الأحكام التي رفعت عن أملاك هذه المؤسسة
العمومية الحماية القانونية التي كانت مقررة لها قبل ذلك والمتمثلة في عدم
قابليتها للتعرف والحجز ...الخ . إذ بمقتضى المادة 20 من هذا القانون أصبحت أموال المؤسسة الاقتصادية العمومية تخضع
لأحكام القانون التجاري ومن ثمة قابلية أموالها للحجز ...
وقد تجلى بوضوح جنوح المشرع الجزائري لنظام
التحكيم التجاري الدولي بشكل نهائي بصدور المرسوم التشريعي رقم 09/93 في 1993/04/25
.
إرسال تعليق